كل كلمات المديح لن تكيفيه، كل اشعار الشعراء لن تنصفه، في عيد ميلاده السابع والأربعين، لاعب ضحي بكل شيء من أجل قميص الميلان، 25 سنة بقميص الروسونيري و 26 بطولة، أنه أسطورة الأساطير "باولو مالديني"، الذي كان مثالًا يُحتذي بِه في كل شيء، في الوفاء والإخلاص والأخلاق والتضحية من أجل ميلان. يدافع ولايمكن إختراقه ..يهاجم ولا يمكن إيقافه ! هو مالديني الذي أشتهر بقدراته الفنية العالية, انزلاقاته الرائعة والصلابة اضافة الى السرعة ما منحه حيوية كبيرة للتحول نحو الهجوم, مع تمريراته الممتازة وتهديداته الهجومية الفعالة والتي سمحت له بتسجيل الأهداف والمساعدة على تسجيلها، كان متفوقًا في الحوارات الأرضية والهوائية ولا يترك شيء لخصومه. حيث يقول عنه الأسطورة الأرجنتينية مارادونا : "مالديني لا يلعب كرة القدم و لكنه يمنعك من لعبها " !
مالديني ومنذ أن التحق بالفئات الصغرى لنادي ميلان وعمره لم يتجاوز العاشرة. سرعان ما فرض أسلوبه الراقي بطبيعته ودقته المتناهية وتمركزه الجيد داخل الميدان والذي ما فتئ يتحسن سنة بعد سنة. وبنفس السرعة، تمكن باولو من إخراس الحناجر اللئيمة التي كانت تنعته "بابن أبيه المدلل" وأثبت ذاته وعلو كعبه في استقلالٍ تامٍ عن ظل والده تشيزاري، وكان الجميع قد شهد على ولادة مدافع عظيم ولكن لا أحد كان يتوقع ولا حتى باولو نفسه بأن قصة حبه مع ميلان ستستمر 25 عاما . ولعل أجمل ما قيل فيه جاء من أسطورة يوفنتوس دل بيرو :" "هناك لاعب جيد، ثم نجم عظيم، وبعده أسطورة .. لكن فوق كل هؤلاء يأتي باولو مالديني" !
مالديني هو تعريف حقيقي للإخلاص والوفاء والتضحية, حيث في وقت يبدو من المستحيل أن يقضى لاعب طوال مسيرته رفقة نادي واحد، فإن مالديني لم يضع على جسده الا قميص الروسونيري فقط وهو الذي يقول " عندما أخلع قميصي أشعر أن جسدي مخطط بالأحمر و الأسود" !
لا يمكننا أن نختصر مسار مالديني في رصيده الفريد من الألقاب؛ فلطالما أعطى المثال بسلوكه القويم وأخلاقه الحميدة وكان قائد حقيقي سواء داخل الملعب أو خارجه. حيث يقول عنه زميله في ميلان كاكا :" كان أول من يصل للتدريبات وأخر من يغادر، مالديني مثال متكامل للاعبين " ومن المستحيل أيضاً أن تجد أثراً لتصرف غير لائق في مسيرة هذا اللاعب الذي عادة ما تنعته الجماهير ب'الرجل النبيل'.
ولعل خير دليل على ذلك أنه لم يتلق سوى بطاقة حمراء واحدة وكانت خلال مباراة إعدادية، علماً أنه خاض أكثر من ألف مباراة رسمية. وهذا ما جعل جماهير غريمه التقليدي الإنتر يرفعون لافتة في اخر ديربي لمالديني :" ل 20 عاما أنت خصمنا ، لكن في الحياه دائما أنت الوفي " !
وقد ظل مالديني وفياً لمبادئه حقًا إلى أبعد الحدود، من خلال مهنيته المثالية وتفانيه في إسداء الخدمة لزملائه. ولم يُرد هذا الرجل الكتوم أن يكون وداعه في احتفال كبير، بل فضل أن يكون في "احتفال موقر" على حد قوله، "تماماً كشخصيتي."