■ جهاز ب150 جنيهاً يوفر 4 مليارات لتر مياه سنويا ■ وحمامات الليزر توفر 2 مليار لتر إضافى ■ طريقة جديدة للرى بالتنقيط تقلل التكلفة عن المنتج الأجنبى كل أجنبى زار مصر انبهر بنهر النيل لكنه اندهش أكثر من تعامل المصريين من المياه. بالنسبة لليابانيين والأوروبيين نحن نستخدم المياه وكأننا ملوك وسلاطين نملك أانهار العالم، فالمصريون يتعاملون مع المياه وكأنها مثل الهواء لا يمكن أن تشح أو تختفى أو نعانى من ندرة منها أو حتى عطش مائى، وأحيانا نتذكر ندرة المياه أو نشعر بالقلق حين يتعلق الأمر بمباحثات سد النهضة مع إثيوبيا أو عندما ترتفع أصوات دول حوض النيل بضرورة مراجعة حصة الدول الأعضاء من مياه النيل. وبعيدا عن أهمية مواصلة مباحثات إثيوبيا وما حقنا الثابت والتاريخى فى مياه النيل، ومع ضرورة البحث عن المياه الجوفية، فإن مستقبل مصر المائى سيتحدد بشكل كبير باختراعات وابتكارات صغيرة انتشرت فى العالم كله، ولكن المخترعين المصريين يقدمون كل يوم اختراعات مصرية خالصة. هذه الاختراعات المحلية جدا والرخصية جدا ستحدد مستقبل مصر المائى. لأن مصر عاشت سنوات طويلة لا تفكر فى ترشيد المياه، فى الغالب نفكر فى موارد جديدة للمياه، فى الغالب لا نشعر بأهيمة توفير «قطرة المياه» وأن العالم كله يتعامل مع المياه مثل تعامله مع قطرة الدم وليس البترول أو الغاز. مستقبل مصر المائى يتحدد فى حنفية الغد وأدوات حمامه. مستقبل مصر المائى تصنعه مواسير قصيرة وأخرى طويلة. مستقبل مصر فى المياه ستحدده أفكار بسيطة قادرة أن تحقق ثورة وثروة لمصر. 1- مشروع ال150 جنيهاً حين يدور الحديث عن المياه فإن الكثيرين يعتقدون أننا دولة غنية مائيا، ولكن الواقع يؤكد كذب هذه الفكرة، فى آخر تقارير التنمية البشرية وقبل ثورة 25 يناير كان 25% من المصريين لا يملكون خدمات مياه الشرب ولا تصل اليهم المياه بانتظام ونسبة من هؤلاء خارج حسابات الدولة فى توزيع المياه، وترتفع هذه النسبة فيما يخص خدمات الصرف الصحى لتصل إلى نحو 35% من المصريين. فى نفس الوقت فإن إهدار المياه فى مصر هو الأعلى بين دول العالم. نحن بالنسبة للعالم لا نقدر المياه، ولا نعرف قدرها وقيمتها. يمثل الاستهلاك المنزلى من المياه نحو 30% من كل استخدمات المياه فى مصر، ومعظم هذه المياه مهدر فى حمامات المصريين. ولكى ترشد الدولة استخدام المياه فى منازل المصريين فإن التفكير الأسهل هو زيادة رسوم المياه لجبر المواطنين على ترشيد الاستهلاك، لكن هناك مصريين يفكرون بشكل مختلف، ولديهم أفكار واختراعات جاهزة لوقف نزيف المياه فى حمامات المصريين. «السيفون» هو المتهم الاول فى إهدار المياه. كل مرة يستخدم مواطن السيفون فهو يهدر من 6 إلى 8 لترات مياهاً نظيفة. محاسب مصرى اخترع جهازاً لا يكلف أكثر من 150 جنيهاً. هذا الاختراع يعيد استخدام مياه الاستحمام وغسل الوجه مرة أخرى، وقد عرض هذا الاختراع على الحكومة السابقة وبهر وزير الإسكان به وقرر استخدام هذا الجهاز فى كل المساجد كبداية لتعميم المشروع فى كل ربوع مصر، ويوفر هذا الجهاز البسيط جدا نحو أربعة مليارات لتر فى العالم ولكن مع تغير الحكومة ورحيل الوزراء توقف المشروع بالسكتة القلبية. من داخل الحمام أيضا هناك اختراع آخر يستخدم فى كل أنحاء العالم وبدأ بعض المصريين فى استخدامه، وهو اختراع «الحفنية والدش بالليزر» وهناك أنواع منه ضمن ابتكارات المصريين بالإشعاع. هذه الأنواع من الحنفيات والدش تغلق تلقائيا بمجرد إبعاد الجسم أو الأيدى عنها، وبذلك توفر تدفق المياه خلال لحظات عدم الاستخدام، فى ظل عدم احترامنا قيمة المياه، فإن عملية غسل الوجه أو الأيدى تهدر نحو 2 لتر من المياه النظيفة. أما عملية الاستحمام فيتم من خلالها إهدار أضعاف هذا الرقم، وقد سبقنا العالم فى تلك الأفكار، ولكن بعض المصريين قاموا بتطوير وتطويع هذه الأفكار لتصلح للبيئة المصرية، وتوفر أموال المصريين، وإذا كنا نحلم بتحقيق العدالة فى توزيع المياه على المصريين وإذا كنا نهدف إلى إنهاء عار حرمان نحو ربع المصريين فى حقهم من المياه النظيفة، إذا كنا نحلم بمستقبل من هذا النوع فالحل لا يكمن فى ترشيد وتوفير المياه. الحل فى سيفون المحاسب المصرى وفى الحفنية بالليزر والدش بالإشعاع. لأن هذه الأدوات هى أدوات المستقبل، وبعض هذه الأدوات متوافرة بمصر بالفعل ويستطيع كل مواطن أن يحصل عليها ويوفر المياه لمصر، ويرحم نفسه فى فاتورة المستقبل. 2- زراعة 4 ملايين فدان لم تكن مصر دوما بهذا الإهمال لقضية توفير المياه، ولم تكن غافلة عن أهمية المياه سواء فى الاستخدام المنزلى أو الاستخدام الزراعى، ويمثل الاستخدام الزراعى نحو 70% من استهلاكنا فى المياه، ومع ذلك فإن إنتاج مصر فى مجال الزراعة لا يمثل رقما ضخما أو حتى متوسطا فى الزراعة فى العالم، وصادراتنا للخضر والفواكه محدودة لأن إنتاجنا بطبعة محدود، وهذه معادلة معكوسة تماما، فنحن ننفق 70% من مواردنا المائية على كمية محدودة من الزراعات، ومنذ سنوات طويلة، ومن قبل ثورة 25 يناير أو ثورة 30 يونيو. قبل هذا وذلك تحدثنا الف مرة عن التحول للرى بالتنقيط لأن الرى بالغمر يهدر ثروتنا المائية، وبدأت حكومة ورا حكومة تبحث وتخطط وتنفق فى أبحاث وخطط للتحول للرى بالتنقيط، لكن كل هذه المحاولات لم تسفر عن الانتهاء من نسبة من المشروع، وكانت آخر حكومة قد اهتمت بمشروع الرى بالتنقيط هى حكومة الدكتور أحمد نظيف، التى خصصت نحو 6 مليارات جنيه من خلال منحة أوروبية لهذا المشروع، ولكن اعتماد المشروع على نقل النموذج الغربى فى الرى بالتنقيط رفع تكلفة المشروع، ولذلك لم تغط المرحلة الأولى من المشروع نسبة تذكر من الأراضى الزراعية لا بالدلتا أو الصعيد، واستمر القطاع الخاص الزراعى فى استخدام الرى بالتنقيط فى مشروعاته خاصة فى الطريق الصحراوى. ومن الأخبار السعيدة للمستقبل أن بعض المبتكرين المصريين من الشباب قدموا أكثر من مرة نماذج محلية للرى بالتنقيط، وهذه النماذج اقل تكلفة من النموذج الغربى، وان هذه النماذج تتوافق مع الضغوط الاقتصادية فى مصر بخاصة مشاكل نقص التمويل. أحد هذه النماذج يقوم على توصيل وصلات من معادن أرخص سعرا وأكثر انتشارا فى مصر، وهذا النموذج يقسم التكلفة بين الحكومة والمزارع. لأن الدولة ستتولى فى هذا النموذج تكلفة مد المواسير إلى بداية الحقول فقط بينما بقية المواسير فى كل حقل، فيقوم بتركيبها صاحب الأرض. هذا مشروع قيم رغم بساطته وخلوه من التعقيد المبهر أحيانا، فنحن سنوفر باستخدام النموذج المصرى للرى بالتنقيط نحو 20% على الأقل من تكلفة الرى بالتنقيط، ونظام الرى بالتنقيط أكثر نحو 35% من المياه المستخدمة فى الزراعة. هذه الأرقام يجب أن تدفعنا للتفكير فى المستقبل بشكل مختلف، فمجرد ماسورة وحنفية يمكن بالفعل أن تدخلنا المستقبل بوفرة من المياه. مياه تكفى كل المصريين للعيش بكرامة. مياه تكفى أن نضاعف مساحة الأرض الزراعية باضافة 4 ملايين فدان أو 6 ملايين فدان وليس مليون فدان فقط. مستقبل مصر المائى ستؤثر فيه بالطبع المحادثات والمباحثات مع إثيوبيا ودول حوض النيل، وأن ندافع عن حقوقنا فى النيل بكل الطرق، ولكن التغيير الحقيقى فى مستقبل مصر المائى سيحدثه مواطنون عاديون جدا. مواطن يبتكر جهازاً ب150 جنيهاً وحنفية بالإشعاع ودش وبالليز وماسورة الرى بالتنقيط. مستقبل مصر المائى يحتاج إلى الترشيد الحازم والحاسم والسريع لكل نقطة مياه. مستقبل مصر المائى يحتاج إلى اقتناع كل مواطن بتغيير نمط استهلاكه وأدوات حمامه لنلحق بكل الدول المتحضرة. مستقبل مصر المائى يكمن فى أن تتبنى الحكومة أو بالأحرى الرئاسة الأفكار البسيطة جدا لتوفير المياه داخل كل بيت وكل غيط. أن نعتبير ترشيد المياه مشروعاً قومياً لا يقل أهمية أو خطورة عن مشروع قناة السويس الجديدة أو المشروعات الصناعية أو العقارية الكبرى. مستقبل مصر المائى سيبدأ من حمامك. لأن مستقبل مصر المائى الحقيقى فى الحنفية.