وفد من الأوقاف والكنيسة يزور المصابين الفلسطينيين بمستشفيات جامعة أسيوط - صور    رئيس جامعة العريش: 1.7 مليار جنيه لتنفيذ مشروعات تطوير وارتفاع الكليات إلى 11    هل يقتحم الاحتلال الاسرائيلي رفح الفلسطينية؟.. سمير فرج يوضح    مايا مرسي: الدولة المصرية مهتمة بتذليل العقبات التي تواجه المرأة    بروتوكول تعاون بين "التعليم والتضامن" والمجلس القومي للطفولة والأمومة    وزير التجارة يبحث مع شركتين أجنبيتين إنشاء مشروع باستثمارات مبدئية 160 مليون دولار    رينو تعلن عن أسعار جديدة لسياراتها بمصر.. تاليانت تتراجع عن المليون    المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمطاعم والمولات والمقاهي    سفير ألمانيا بالقاهرة: المدرسة الألمانية للراهبات أصبحت راسخة في نظام التعليم المصري    حماس: الاحتلال يضغط على قطر لكي تضغط علينا ويُطيل أمد المعركة    مدير العمليات بالهلال الأحمر يكشف الجهود المصرية في تقديم المساعدات لغزة    نتنياهو: يجب بذل المزيد لوقف الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين بالجامعات الأمريكية    روسيا تمنع قرارًا أمريكيًا بمنع الأسلحة النووية في الفضاء    السجن 10 أيام عقوبة جندى إسرائيلى تخابر مع إيران    وزير الرياضة يعلق على تنظيم مصر لبطولتي سوبر جلوب والعظماء السبعة لكرة اليد    "شموا كلوا".. تفاصيل اختناق أطفال داخل حمام سباحة نادي الترسانة    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    أحمد جمال سعيد ينفصل عن زوجته سارة قمر.. والجمهور يعلق: "ربنا يعوضكم خير"    3 أبراج فلكية بتكره جو الصيف والخروج فيه- هل أنت منهم؟    بالفيديو| أمين الفتوى يعلق على دعوات المقاطعة في مواجهة غلاء الأسعار    إجازات شهر مايو .. مفاجأة للطلاب والموظفين و11 يومًا مدفوعة الأجر    خال الفتاة ضحية انقلاب سيارة زفاف صديقتها: راحت تفرح رجعت على القبر    علي فرج: مواجهة الشوربجي صعبة.. ومستعد لنصف نهائي الجونة «فيديو»    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    رئيس جامعة دمنهور يشهد فعاليات حفل ختام مهرجان بؤرة المسرحي    غادة إبراهيم: مش بشوف نفسي ست مثيرة للجدل.. وفي ناس حطاني في دماغها    بعد 12 سنة زواج.. أحمد جمال سعيد ينفصل عن زوجته سارة قمر    أحمد موسى: مصر قدمت تضحيات كبيرة من أجل إعادة أرض سيناء إلى الوطن    في الموجة الحارة.. هل تناول مشروب ساخن يبرد جسمك؟    طريقة عمل الكبسة السعودي باللحم..لذيذة وستبهر ضيوفك    زيلينسكي: روسيا تسعى لعرقلة قمة السلام في سويسرا    السيد البدوي يدعو الوفديين لتنحية الخلافات والالتفاف خلف يمامة    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    مصر تفوز على المغرب بثلاثية في بطولة شمال إفريقيا للناشئين    وزارة التخطيط وهيئة النيابة الإدارية يطلقان برنامج تنمية مهارات الحاسب الآلي    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    بلطجة وترويع الناس.. تأجيل محاكمة 4 تجار مخدرات بتهمة قتل الشاب أيمن في كفر الشيخ - صور    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    يسري وحيد يدخل حسابات منتخب مصر في معسكر يونيو (خاص)    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    "تحليله مثل الأوروبيين".. أحمد حسام ميدو يشيد بأيمن يونس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلال فضل يكتب | الموهوبون في الأرض: في ذكراه العاشرة... أحمد زكي كما عرفته وحاورته
نشر في الفجر يوم 16 - 03 - 2015


"يعني العين ما عادتش تشوفك يا احمد!"

(ما قاله أحمد زكي عن معاناته مع الاكتئاب والشيزوفرينيا واتهامه بالجنون وتجربته مع المهدئات وأدوية الاكتئاب وحبه لهالة فؤاد، وكيف صالحه جاهين عليها قبل الانفصال النهائي، وأخيراً كيف يتصور شكل موته)

1- خبر رحيل أحمد زكي

صباح اليوم الذي رحل فيه عن الدنيا، 27 مارس 2005، صادفت على شاشة التلفزيون فيلمه الساحر شفيقة ومتولي، للمرة المائة ربما، أخذت أشاهده بشغف واندهاش، من بين ثنايا الفيلم جاء صوت سعاد حسني كأنه النذير المؤلم، حين نظرت إلى أخيها بحزنها المرير، وقالت: "يعني العين ما عادتش تشوفك يامتولي"، وفي مساء ذلك اليوم نفسه، وبعد خبر رحيله الفاجع، اكتسبت تلك العبارة معنى أشد مرارة وحزناً، معنى افتقاد شخص أحمد زكي الذي أسعدني زماني بصحبته ومعرفته ومحاورته، والذي كنت أظن كغيري من مريديه ومحبيه أنه سيهزم مرضه، كما هزم من قبله الفقر وقلة الحيلة والحروب الضارية على موهبته ونجاحه، لنعود ثانية إلى حضرته، نضحك معه ونستمتع بجنونه ونشاركه أحزانه ونندهش بأحلامه ونعجب لجموحه ونأسى لاكتئابه، وكلها آمال لم يبق منها إلا الأسى الذي يستبد بنا كلما تذكرنا أيامنا معه وقلنا لأنفسنا: "يعني العين ما عادتش تشوفك يا أحمد".

عندما أعدت بعد أيام من وفاته، قراءة ما كنت قد نشرته من حوارات صحفية معه أثناء حياته، أذهلتني قدرته على التنبؤ بما سينتهي إليه، حتى وإن اختلفت التفاصيل، وكانت أفضل بكثير مما تخيله، لكنني الآن وبعد مضي كل هذه السنين على رحيله، أدرك أنه لم يكن يتنبأ أبداً، بقدر ما كان يمشي في طريق رسمه لنفسه، وكان راضياً به ومقتنعاً وليس لديه أي شك في أنه الطريق الأمثل.

يقول أحمد زكي في حوار أجريته معه عام 1998 أثناء تصوير فيلم أرض الخوف، ونشرته في مجلة صباح الخير: "أنا حاسس إني ممكن يحصل لي زي ما حصل لأساتذة عظام لنا من الممثلين العباقرة اللي ماتوا في قصر العيني في سراير العلاج المجاني والمدعوم، وهم مش سايبين لولادهم حاجة، أنا ما عنديش مانع يحصل لي ده، وعارف إن في ناس كتير يمكن ما بيعجبهاش كلامي ده ويقولوا على إني بتاع كلام، هم أحرار، أنا اخترت حياتي وراضي بيها، فخور إني لا عندي شاليه في مش عارف مين، ولا فيلا في مش عارفين فين، كل اللي حيلتي واللي سبته لهيثم شقة، وهارهنها قريب كمان، وممكن لا سمح الله ترسى على لوكاندة سويس كوتاج تاني أرجع فيها زي ما دخلتها أول ما نزلت مصر، بس ده مش المهم، المهم إن عندي حاجة وأربعين فيلم وحاجة وأربعين شخصية غير اللي ربنا يقدرني وأعملهم ودول عندي كفاية".

2- الإنتاج

تحدثنا يومها عن قراره الغاضب الذي اتخذه وقتها بأن ينتج كل أفلامه القادمة بنفسه بعد أن خذله المنتجون في أكثر من تجربة وافق عليها بناءً على تفاصيل إنتاجية معينة، ثم بعد أن دخل الفيلم وجد أن هذه التفاصيل لم تكن موجودة، مما أغضبه كثيراً وجعله يعيش فترات عصيبة على المستوى النفسي، وسألته يومها سؤالاً تحذيرياً عن مدى إدراكه للمصيبة التي سيدخل عليها والتي أدت إلى إفلاس بعض الفنانين الذين خاضوا هذه التجربة.

قال: "شوف أنا عارف، أنا لا بافهم في الفلوس والإنتاج، وجميع أصدقائي عارفين كده، دخلي معروف، ومش متفرع القنوات، يعني لا باشتغل في المسرح ولا التلفزيون ولا الإذاعة، ولا عندي مشاريع تجارية، ولا أصلاً باعمل حساب للفلوس، أساساً تكويني كده، أنا زي ما قلت لك طول عمري شايف نفسي من نوعية الفنانين اللي بيموتوا في قصر العيني ويقولوا عليهم: يا عيني مسكين كسب كتير ومات وماحيلتوش حاجة.

أنا من النوع ده، ومع ذلك قررت مع سبق الإصرار والترصد إني أنتج أفلامي الجاية، مش عشان أجري ورا مكسب، ولكن عشان أحافظ على اللي فاضل لي من عمر وصحة، صحيح ما عنديش فكرة قوية عن الإنتاج لكن أخذت هذا القرار لأنه ماحدش قادر يحافظ لي على هذا الممثل اللي اسمه أحمد زكي، للأسف أنا باشوف تناقض فظيع عند بعض الناس، يشوفوك وأنت عمال تكبر وتنحت في الصخر، ودور يوصّل لدور لغاية ما تقف على أرض صلبة وبعدين ما يرحموكش. وينزلوا عليك هجوم وكإنك المسؤول الأول والأخير عن الفيلم، وعشان كده أنا هانتج عشان ما أخليش للي زي دول حجة".

سألته مشاكساً: هل من دوافع هذا القرار أن تضمن لنفسك كنجم السيطرة الكاملة على الفيلم، زي ماناس تانية بتعمل؟

رد بحماس تخالطه العصبية: "أنا باعمل ده مش علشان أتدخل في الفيلم، وإنما علشان أوفر المناخ الجيد للفيلم، للأسف ماحدش بياخد رأيي في حاجات كتيرة منها مثلاً توقيت عرض الفيلم، مش عايز أتكلم عن فيلم معين، لكن مش مستعد إني أكرر اللي حصل لي قبل كده كتير، لما يبقى في اختلاف في تنفيذ الفيلم بكل تفاصيله، عن التصور اللي قبلته على أساسه، وطبعاً دايماً أنا اللي في وش المدفع، أنا لما آخذ القرار الإنتاجي مش عشان عايز أكسب، لأ، ده أنا حتى لو خسرت هاستلف من البنوك وأرهن مكتبي وبيتي، وآديني باعلن لك هذا القرار لأول مرة، بعد فيلمي أرض الخوف، اللي قربت أخلص تصويره، اللي عايزني أشتغل معاه، إما يشاركني في إنتاج الفيلم بالنصف، وإما أنا اللي أنتج أفلامي بنفسي".

قلت له مستفزاً: لكني من يوم ماوعيت على الدنيا وأنا أسمع إنك هتنتج ولا يحدث شيء مما تعلن عنه؟

كظم غيظه وحاول أن يكون دبلوماسياً لكنه لم يستطع، ووقف منتفضاً وقال بحماس: "ليه بتقول كده، ياأخي، تعال شوف مكتبي وهتلاقيني اشتريت سيناريوهات كتيرة وكلها ماخلصتش، الناس اللي بتتهمني لازم تعرف أن عندي أكثر من 5 أفلام، كل واحد منها اتكتب 3 و 4 مرات واتغير عليه أكتر من مخرج، وكل دول اتكلفوا مصاريف".

قلت له: يعني العملية جد المرة دي، مش شوية انفعال وهيروحوا لحالهم؟

لم يفقد انفعاله وانطلق قائلاً: "صدقني يا كده يابلاش وأسيب الجمل بما حمل، أنا سأنتج ليس حباً في الإنتاج، ولكن حفاظاً على النص الذي يمتعني كممثل. تخيل قعدت مرة مع موزع سينما عربي كبير، قعد يقول فيّ قصائد شعر ويحكي لي عن حب أولاده لي ولأفلامي، لما سألته طيب ليه بتاخد فيلمي ب 4 قروش مع أنك تعلم أنه يستحق7 قروش، قال لي كلامك صحيح، لكن دي تجارة.

أنا اللي محيرني وبأقوله لنفسي، الناس اللي بتعرف قيمتك ماحدش بيدافع عنك ليه؟! شوف بصراحة أنا قررت آخد هذا القرار لأني عايز أستمتع أكثر منك كمشاهد بالفيلم وأنا باعمله، حتى لو ماحدش دخل الفيلم هابقى مبسوط، وأنا متأكد أنني لو استمتعت بما أمثله، الناس ستستمتع بيه في النهاية، والدليل إن دائماً في أفلامي الملاحظات اللي بأقولها لصناع الفيلم، وطبعاً ما بيرضوش يعملوها، عشان أنا ممثل والممثل ما ينفعش يتدخل، ألاقي الناس بيرددوها بعد عرض الفيلم، وأبقى هاتجنن وأقولهم ليه ما سمعتوش كلامي حتى كصديق أو حتى كمتفرج سينما، أوعى تفتكر إني بانقد بس المخرجين أو الكتاب، مش هيبقى ده قد انتقادي لنفسي.

أنا عندي شيزوفرينيا مخلياني مشاهد سخيف جداً على نفسي، جوايا أحمد زكي الإنسان بيقطّع أحمد زكى الممثل، أنا ساعات أبص لنفسي في المراية وأقول مالك يا ابني اتضربت على قلبك ليه، ما أنت كنت كويس يا أخي، خد الأمور ببساطة، ومع ذلك ما باقدرش، ليه، لإني عارف إني لما أنا نفسي أستمتع بالتمثيل، هيستمتع بتاع قهوة بعرة وبتاع قهوة التحرير وبالعكس، أنا هابقى أرحم على نفسي منهم".

3- قرار الاعتزال

كان ذلك في صيف 1998، وكنت قد ذهبت إلى أحمد زكي لإجراء حوار معه بمناسبة نشر أخبار صحفية في أكثر من مطبوعة عن اتخاذه قراراً بالاعتزال بعد نجاح فيلم صعيدي في الجامعة الأمريكية، ذهبت إليه في شقته بالمهندسين التي لم يكن يحب إطالة الإقامة فيها إلا يوم الجمعة بصحبة ابنه هيثم وجدة هيثم، التي تولت تربيته بعد رحيل والدته الفنانة الرائعة هالة فؤاد، كان في الشقة برغم فخامتها، شيء حزين وموحش جعلني أفهم لماذا يفضل الإقامة في الفنادق كثيراً،كان قد انتهى من مقابلة بعض أقاربه الذين أتوا لزيارته من الشرقية، وكان "رايق" جميلاً وفي أحسن حالاته.

قلت له فور ما رأيته: كل يوم أقرأ في جريدة مختلفة أنك خلاص نويت تعتزل التمثيل وأنك تجلس هذه الأيام حزيناً وحيداً في غرفة مظلمة.

قال لي: "طيب لما أنا هاعتزل أمال باعمل معاك الحوار ده ليه، وبعدين ما الأودة إضاءتها زي الفل أهيه وأنا حالق دقني وآخر شياكة"، قلت له ضاحكاً: "يعني أصدقك وأكدِّب الجرايد".

رأيت إلى جواره بعض علب الأدوية، كنت أعرف من بينها دواءً مهدئاً شائع الاستخدام، قلت له: أهوه، شايف الجرايد ماكذبتش.

قال لي ضاحكاً: "الناس فاكرة إن اللي بيستعمل الحبوب المهدئة لازم يبقي بيشد في شعره وعيونه حمرا، أنا حكاية الحبوب المهدئة معايا بدأت من زمان وأنا طالب في معهد التمثيل، مش مرتبطة عندي بسبب معين، حتى عم صلاح جاهين -الله يرحمه- كان بيقول علي إني زي العيل الصغير اللي كل مايلاقي حباية دوا ياكلها قبل ما يعرف هي دوا لإيه"، طول عمري عايش في تحفز دائم لكل غلط يحصل حواليا".

قلت له وقد استغليت صفاءه وروقانه: خليني أسألك عن حكاية الجنون الذي تتهم به كثيراً من الصحافة، بعضهم يرى ولديه شواهده أنك ضارب أو طاقق، بينما بعضهم الآخر يرى أنك تدّعي الجنان والطققان كحالة؟

رغم أني سألت السؤال كعادتي معه بطريقة تسوق الهبل على الشيطنة، لكنه تعامل مع السؤال بجدية شديدة وأخذ يرد بحرارة حتى بعد أن حاولت تلطيف الأجواء بأن أقول له: إن الجنان والطققان هنا يردان بالطبع على سبيل المدح لا الذم.

قال أحمد زكي: "شوف، كلمة مجنون كلمة مطاطة، زي كلمة طاقق، ممكن تعني ده طاقق في فنه، يعني مجنون في فنه، والجنون فنون، مش عارف الكلمة دي تتحط في أنهي سياق، صدقني مافيش بني آدم يشتكي من بني آدم من غير سبب، واحد يقول أحمد زكي اتخانق وساب التصوير لازم يا يقول ليه يا يقول مجنون بس، للأسف الناس بطلت تقول ليه، بقى فيه حكم مسبق عايز ترميه على الراجل ده وخلاص. للأسف فيه نفوس مريضة كثيرة جداً".

قلت له: الذين يعرفونك من بعيد لبعيد يكونون عنك صورة أنك إنسان مكتئب وتحب النكد وتستعذب الحزن، هل هذه الصورة صحيحة؟

رد بحرارة وكان يومها في أصفى حالاته: "آه صحيحة، وهاقول لك ليه، أنا عايز أعرف يعني إيه السعادة، أنا عايز أسعد بجد وعايز أضحك من قلبي بجد ولو خمس دقايق بس في السنة، بلاش، قل لي من هو السعيد بجد، أنا زيي زي غيري عندي اكتئاب تناوبي، إنما لو أنا إنسان عصبي وحاد ومزاجي عمال على بطال ومع الناس كلها لازم أروح أتعالج بقى، أنا عصبي وحاد فقط مع واحد ابن كلب غلطان ألاقيه بيحول الصدق بكل العبقرية اللي في الدنيا إلى كذب، والكذب يقلبه صدق، إنما لما ألاقي كل حاجة سليمة وأنا أخطأت أعتذر. دلوقتي تلاقي كل الناس عندها حق ومافيش حد بيغلط، لذلك لازم إنت كبشر تصرخ من حين لآخر.

أنا بقيت ما أقدرش على فكرة الذهاب لمجتمعات كتيرة فيها ناس بيدعوا أنهم بيقتنصوا الفرحة ويقولوا لك: ليه ما تفرحش؟ إحنا بنعيش عصر مادي قلق، ولكن الحمد لله أنا عندي رضا وقناعة ومتصالح مع نفسي، عمري ما أضرّيت بأحد أو ضايقت أحد"، ثم صمت فجأة وقال ضاحكاً: "وبعدين، عيب أتكلم عن نفسي".

قلت له: لا، معلهش، اتكلم خلينا نعرفك أكتر بدل ما نسمع الكلام اللي بيتصدر للناس عنك؟

أخذ يستفيض في حديثه: "أنا قلت كتير إني جوايا واحد شرس جداً وقاعد لي على الواحدة، والآخرين مش هيبقوا أقسى علي منه، السعادة كما أعرفها هي لحظة عطاء، فين ده دلوقتي، كل البشر بقى عندهم متعة الأخذ، مافيش حد بيعطي، الأخذ هو المسيطر بشراسة والكل فاقدين متعة العطاء. ساعات أبص لنفسي في المراية وأقول: يا أخي ده إنت زهقتني ماتخليك حلو بقي وتبقي فرحان، أنت ليه كده؟، عارف ده سؤال باسأله لنفسي كتير جداً".

قلت له: طيب والحل، هل الحل إنك تسلِّم نفسك للوحدة؟

رد بحزن شديد: "الوحدة أرحم، خلاص خدت عليها وحبيت التأمل، أحياناً يصبح من الخطأ أن نقول دنيا من غير ناس ما تنداس، أنا مش متشائم، أنا عايز الناس تبقي فرحانة بجد، أنا باهرب كتير للناس البسطاء أقعد معاهم، بص خليني أسألك ليه بتزداد نسبة الاكتئاب في مجتمعنا، العيادات النفسية كثرت دلوقتي لأن ما عادش فيه أصدقاء، زمان كنت تحس إن في ناس أمناء على مشاعرك، تقدر تقول لي ليه الفلاحين ما عندهمش اكتئاب، لأنهم بيقعدوا على المصطبة آخر النهار وكله بيبعبع ويتكلم عن مراته والأرض والكيماوي".

يأخذ نفساً طويلاً ثم يقول: "أنا دلوقتي مكتئب عشان مدرك إن في ناس بيكئبوني وقاصدين إنهم يعملوا كده، هتلاقي نفسك دلوقتي ليك مجموعة هموم بتشكي منها لكنك تخاف تحكي همومك لحد لاحسن في يوم يطلع يقولها للناس، إمتى تحكي لحد سر من غير ماتخاف. عارف أقول لك على حاجة غريبة، أنا باحب الأنفلونزا وبالتحديد لما تبقى في العظم، لأن في لحظة ما تلاقي عظمك مش حاسس بيه، ممكن تنسى الاكتئاب والناس اللي مضايقاك وبيروح كل ده من بالك".

قال ذلك ثم ضحك بشدة، قبل أن يردد قائلاً: "بذمتك مش حلوة وصفة علاج الاكتئاب دي، هابقى أسجلها باسمي ولما الناس تتعالج من الاكتئاب هتدعي لي وجايز البرد يبهدلهم فيدعوا عليا، مين عارف".

4- هالة فؤاد

لم تتوقف شهيتي ورغبتي في الاقتراب منه أكثر، فأصررت على أن أسأله لأول مرة منذ عرفته، عن حب عمره هالة فؤاد -رحمها الله- وأشهد أن عينيه اغرورقت بالدموع عندما ذكرها، قلت له بادئاً من منطقة أبعد قليلاً لكي لا أستفز غضبه: في ظل كل هذا المناخ المتوتر والمقبض، وعشان ما بابقاش باسأل في مناطق شخصية ما تخصنيش، احتياجاتك العاطفية والوجدانية للمرأة كيف تشبعها؟

قال بحرارة: "أنا ماشي بمبدأ إذا ما لقيتش حد يعطيك حاول أنت تعطي، ولو لقيت نفسك بتتعض أعطي أكثر لغاية ما تزهق ودماغك تنفجر، طبعاً احتياجي كإنسان للمرأة فوق الوصف، لأن الرجل من غير مرأة مفقود، والمرأة كائن من أعظم ما يكون واحتياجي لها لا حدود له".

قلت له مباغتاً: بتفتقد هالة فؤاد -الله يرحمها- ؟

قال على الفور وقد لمعت عيناه بالدموع: "طبعاً، أنا اتجوزت هالة فؤاد عن حب، وطلقت عن حب، وكان الطلاق عناداً من الطرفين بسبب الحب، وعشان كده أنا دلوقتي محتاج أن تكون علاقتي بالمرأة علاقة فيها حوار ومشاركة وناس تسمع بعض طول الوقت".

سألته برخامة مناسبة لسني وقتها: من غير كلام عام، وبالتحديد، هل في حياتك امرأة الآن ارتبطت بها؟

ضحك من قلبه ثم قال وأنا لا أصدق روقانه يومها: "آه فيه، وبالغيظ فيك مش هاقول لك، مش لازم كل ورقي يبقى مكشوف خاصة في الحتة دي، أنا راجل فلاح وعندنا حرمانية المرأة، وبعدين لسه مش هاعلن ده خالص، أحسن تبوظهولي، ممكن الصحافة تبوظ هذا الارتباط، أحياناً الناس تفرح لك لما تتجوز وبعدين يفضلوا قاعدين لحد ما يشوفوك هتتطلق إمتى، أنا بقى مش هاعمل الغلط ده، عشان الجوازة لو فشلت تبقى من ورا الصحافة".

أخذ تنهيدة عميقة عندما ذهب بنا الكلام عن هالة فؤاد إلى سيرة أبيه الروحي صلاح جاهين، حين قال عنه يومها: "-الله يرحمه- كان قمة في العطاء؟ أذكر أنه مرة غضبت من هالة فؤاد الله يرحمها، وكانت حامل في ابني هيثم، وعاندت مع نفسي ورفضت مصالحتها، كان صلاح عائد من أميركا بعد أن أجرى عملية القلب ورجع وفي صدره قطعة حديد، وبعدما قعد شهر نقاهة قال لي فجأة في يوم: "ماتيجي نسافر إسكندرية ناكل سمك وفطير ونضحك على مراتي منى قطان، ونقول لها إننا رحنا التلفزيون"، وفعلاً سافرنا بعربيتي الصغيرة، فجأة لقيته طلع بينا على المعمورة، وقعد يدور على عنوان، قال إنه عنوان أحد قرايبه، بعد وقت طويل وصلنا للعنوان، خبطنا الباب وفتح ولقيت والد زوجتي أحمد فؤاد في وجهي، أتاري عم صلاح من ساعة مارجع وهو بيدور على العنوان الذي ذهبت زوجتي ووالدها ليقضيا فيه الصيف، بمجرد ما دخل بدأ يقول نُكت وإفيهات عشان يعمل جو لطيف، وقال لي خش صالح مراتك.

صالحت هالة واتغدينا وفوجئت بصلاح يقول لي أنا هانزل وحلف كل الأيمانات إني حتى ما أنزلش أوصله، ووقف في الشارع يستنى تاكسي، وبالصدفة وقف له تاكسي صغير الحجم، وشفته وهو بيحشر نفسه في التاكسي، وبيلوح لي بإيديه وهو ماشي، فين تلاقي حد بالعطاء ده دلوقتي؟ إنت عارف مرة صلاح جاهين قال لي مشكلتك إنت جاي في عصر غير عصرك، كان دايما يوصي اللي حواليه عليا قبل ما يموت يقول لهم خلوا بالكو من أحمد زكي".

يغالبه التأثر ويتخذ قراراً من تلقاء نفسه بتغيير دفة الحديث قائلاً: "كنت محظوظ إني ألاقي ناس عندها عطاء تحبني وتهون عليا لما أتحارب، إنت عارف لما كنا في المعهد كان في شخص عظيم زي الدكتور رشاد رشدي يأخذنا لبيته ويسمعنا موسيقي عربية وغربية، أذكر إنه في مرة غَيّر لايحة المعهد عشاني، كنت جاي من الشرقية وطبعاً لغتي الإنجليزية ضعيفة، لكن كنت باطلع الأول على زملائي، وكان في مادة في المعهد تقول إن اللي يسقط في مادة يعيد السنة كلها، ولما سقطت في الإنجليزي أمر بتغيير اللائحة من أجلي".

أغير أنا الموضوع بدوري وأسأله: طيب، وابنك هيثم؟

يضحك وفرح الدنيا يلمع في عينيه قائلاً: "أجمل شيء في الحياة، هو النسخة المعدلة مني، العيال طالعة جميلة من غير عقد ولا مشاكل، إحنا كنا بنلعب صلّح وبِلي، لكن هم بيلعبوا بالكمبيوتر ويتكلموا في الإنترنت، شيء جميل ومبهج".

نكمل في الأسبوع القادم بإذن الله

المقال نقلا عن "كسرة"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.