لم أحب السياسة ولم أتعاطف معها يوماً فى حياتى، فى سنة أولى جامعة درست العلوم السياسية على يد الأستاذ الدكتور العلامة عز الدين فودة، الذى اقتصرت أول محاضرة له على كلمتين اثنتين «السياسة رياسة» قالها وانصرف وسط دهشة وذهول الطلاب! وفى نفس السنة دخلت ليمان طرة معتقلاً سياسياً مع صديقى الراحل أحمد عبدالله رزق، فى أحداث ما سمى ب «عام الضباب» وفى السجن كرهت السياسة وسنينها والذين يحترفون العمل السياسى. فى السجن رأيت رجال السياسة على حقيقتهم، الذين يقولون ما لا يفعلون، والذين يتشدقون ليل نهار بالمبادئ والمثل العليا، لكنهم على استعداد لأن يضعوا أيديهم فى يد الشيطان من أجل المصلحة. وكبرت لأجد فى نفسى نفوراً من السياسيين ورجال العمل السياسى، لقد غمس الشيطان ألسنتهم فى العسل، وكلامهم يبدو فيه سحر وحلاوة، لكنهم يكذبون كما يتنفسون وبمنتهى السهولة، اليوم يقولون «نعم» على أنها الحق، وغداً يقولون «لا» على أنها أم الحق والحقيقة!. وشاء قدرى أن ألتقى فى مسيرة حياتى ببعض هؤلاء من الذين أصبحوا من كبار ومشاهير السياسة فى مصر، عرفتهم وهم صغار مجهولون فى بداية الطريق، لا يملكون مواهب حقيقية أو أى إخلاص للأفكار السامية، ليس لديهم سوى طموحات كبيرة وعميقة بالسلطة والنفوذ والشهرة والمال طبعاً قبل كل ذلك! وبعض هؤلاء لم يتورع فى بدايته من التعامل مع أجهزة الدولة السرية، بعضهم فى الحقيقة لم يكن أكثر من «مخبر» ينقل المعلومات إلى هذه الأجهزة، على زملائه وعن منافسيه بل حتى عن أنصاره فى بعض الأحيان! وشاهدت بعينى فى سنوات قليلة كيف انتقل هؤلاء الساسة الأبطال، من خانة الفقراء وغالبية الشعب إلى فئة الأغنياء والأثرياء، وأصبحت لهم شقق فاخرة وفيللات واسعة، وشاليهات فى الساحل الشمالى، وعلى أى ساحل آخر فى مصر! لم أعرف أحداً من رجال السياسة هؤلاء يشترى ملابسه من وكالة البلح، كما يفعل الملايين من أبناء الشعب، ولم أعثر لواحد منهم على وظيفة محترمة اشتغل فيها معظم أو بعض سنوات عمره، الوظيفة الوحيدة التى يجيدونها هى الكلام، كلام كثير فى هنا وهناك.. ولا شىء إلا الكلام! وقاموس لغة رجال السياسة هؤلاء معروف ومحفوظ أكثر كلمة يرددونها هى «الوطن».. وكلمة أخرى يرهبون بها الناس هى كلمة «مصر»، وكأن مصر أمهم وحدهم، وكأن مصر أعطتهم توكيلاً على بياض للحديث بالنيابة عنها، واختيار مصيرها وكأن هؤلاء يعرفون مصلحة مصر أكثر من مصر نفسها! كل هذه المعانى تجمعت ودارت فى حياتى الأيام الماضية وأنا أسمع وأقرأ، فى خضم نتائج انتخابات رئيس الجمهورية، مساومات وصفقات ومفاوضات سرية، كانت تدور تحت الأرض بين أصدقاء وخصوم وأعداء، من أجل تصفية المواقف ووصول شخص أو قوة معينة بالتحديد للسلطة! هل لمصر.. مصلحة فى كل ذلك؟ وهل يوجد من يضع اعتبار «الوطن» فوق رأسه؟ لا أظن!