■ فوز الإخوان يعنى التكويش على الرئاسة والحكومة والبرلمان والقضاء والدستور بنفس تكويش النظام السابق! ■ الأمريكان يحجون إلى مقر المرشد فى المقطم والإخوان.. يتعهدون لهم بإلغاء الدعم عن الخبز والبنزين وتنشيط برنامج الخصخصة وتجنب المواجهة مع إسرائيل! ■ قيادات سابقة فى الإخوان: كنا نتفاوض مع نظام مبارك على غنيمة مجلس الشعب.. يعنى فلول! ■ وقيادات فى كفاية: الإخوان لم يكونوا معارضين وكانوا ينسحبون من اجتماعاتنا لو هتفنا ضد التمديد والتوريث مصر نغمة عود يعزف عليه سيد درويش.. وكلمة حب تخرج من شفاه أم كلثوم.. ولقطة سياسية معارضة فى سينما يوسف شاهين.. وحلم بالعلم فى خبرة فاروق الباز.. وجملة مشبعة بالقرنفل فى زقاق نجيب محفوظ.. ودمعة من اللؤلؤ فى عين مريم العذراء.. وعباءة من الكستور المنقوش بورد النيل تستر بها السيدة زينب بنات جنسها من فرق المطاردة الدينية الفاشية التى تحكم من عندها وتدعى أنها تحكم من عند الله. كان ضابط الشرطة الشاب يسحب السيارات التى تسد شارع النيل فى مدينة الزقازيق عندما دخل المشهد شابان بدت عليهما علامات الزهق وهما فى سيارتهما يريدان فتح الطريق أمامها دون مراعاة لما يحدث.. وعندما طلب منهما أحد الجنود الصبر لم يترددا فى سبه.. وعندما تدخل الضابط أخذ هو الآخر نصيبه من الشتائم المنتقاة. لم يكن غرور الشابين على ما يبدو سببه أنهما ابنا رئيس حزب الحرية والعدالة فقط.. وإنما لأنهما يحملان الجنسية الأمريكية أيضا.. فهما فوق الجميع بنفوذ الأب.. وقوة جواز السفر. انتهت المشادة ببلاغ من الضابط والجندى وضعا فيها التعدى على السلطات دون مبرر.. وتدخلت قوى الضغط بما فيها مكالمة من وزير الداخلية لتمرير الأزمة..فتنازل الضابط.. لكن.. الجندى أصر على بلاغه بعد أن شهد شهود لا حصر لهم بأنه بجانب السب تعرض للضرب. فى اليوم التالى ادعى محامٍ إخوانى بأن الشابين لم يفعلا فى الجندى ما فعلا إلا بعد أن تعرض لوالدتهما التى كانت فى السيارة بالإهانة.. وهو ادعاء لم يشهد به أحد.. فالأم لم تكن معهما.. ولكنها اللعبة الشهيرة فى عالم المحامين.. بلاغ ضد بلاغ ليتنازل الطرفان ويتصالحا. على أن السؤال المحير لعائلة متدينة هو كيف يمكن توريط الأم فى مثل هذه الأحداث التى تفرض الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه وليس المكابرة والتحايل للنجاة من العقاب؟ فى موكب انتخابى للدكتور صدمت إحدى السيارات طفلاً فقيراً من عائلة ريفية متواضعة.. لكن.. لا أحد من حملة مرشح الإخوان الطيب الورع تارك لحيته على سجيتها توقف وحمل الطفل إلى أقرب مستشفى.. بل مضى الموكب وكأن القتيل حشرة. فى برنامج تليفزيونى سئل عن الواقعة فأنكرها تماما ووصف من يروجها بأنهم كاذبون.. وفى الفاصل تلقى الرجل مكالمة تؤكد أن الواقعة صحيحة ولكنه لم يكن يعلم بها. ولم يسأله أحد.. كيف ترك موت طفل تحت عجلات موكبه يمر دون تحقيق؟.. كيف تجاهل رجاله إبلاغه بما حدث؟.. هل سيتجاهلونه فى كل ما يصل إليهم لو جاء رئيسا للجمهورية؟.. هل سيكون تابعاً لمرشد الإخوان محمد بديع بعد أن كان بديلا لخيرت الشاطر؟.. هل سنكرر تجربة النظام السياسى فى إيران.. سلطة دينية على السلطة التشريعية أن تسمعها وعلى السلطة التنفيذية أن تطيعها ولو صدقت الانتخابات الديمقراطية؟ لم يكن مستغرباً أن يخسر المرشح الرئاسى للإخوان فى قريته ومحافظته.. فهو لم يقدم شيئا لناخبى دائرته التى مثلها تحت قبة مجلس الشعب فى انتخابات 2005.. بل إن جماعته فقدت ستة ملايين صوت فى ثلاثة أشهر فقط هى المسافة الزمنية بين الانتخابات التشريعية والانتخابات الرئاسية.. إن كل ساعة للجماعة فى الحكم تستنزف من رصيدها الشعبى ألف صوت مما تحسب وتحصى. إن الإخوان لم يقدموا رغيف خبز لجائع أو فرصة عمل لعاطل أو لحظة أمن لخائف.. ولو فعلوا ذلك فمن باب الرشاوى السياسية.. أعطنى صوتك وخذ كيلو سكر أو زجاجة زيت أو مائة جنيه.. هل هناك إهانة جماعية لشعب عريق أكثر أو نظرة دونية لأمة عريقة أكثر من ذلك؟ ولا يعترف الإخوان بقيمة البشر إلا إذا تعرضوا لانتكاسة سياسية أو مشكلة تباعد بينهم وبين السلطة.. فإذا ما انفرجت الأزمة أعطوا ظهورهم لكل من مد يده إليهم.. إن هذا السيناريو المزمن أصبح شائعا.. لا يخفى على أحد. تركوا الثوار يموتون فى أحداث ماسبيرو وشارع محمد محمود ومجلس الوزراء بدعوى أن الشرعية انتقلت من الميدان إلى البرلمان.. لكنهم.. عادوا إلى الميدان بعد أن هددت المحكمة الدستورية العليا البرلمان. وباحتقار يناطح السحاب نافسوا مرشح الثورة حمدين صباحى وضربوا رفيقهم القديم فى التنظيم عبد المنعم أبو الفتوح تحت الحزام.. وتصرفوا كأن ثمرة الرئاسة ستكون فى حجرهم بعد ساعات قليلة من التصويت.. لكن.. ما إن خرجت مؤشرات فرز الأصوات حتى عاد إليهم الشعور بالانكسار.. وخرجوا يستجدون عطف ومساندة القوى الوطنية.. تغيرت لغة خطابهم.. فعمرو موسى الذى نسبوه إلى «الفلول» وصفوه بالدبلوماسى البارع.. وحمدين صباحى الذى استهانوا به أطلقوا عليه المناضل الشجاع.. وعبد المنعم أبوالفتوح المنشق عنهم أصبح الطاهر الشريف العفيف. إن الكلام هو الصناعة الثقيلة التى يديرها ويبرع فيها الإخوان.. لكن.. كلامهم لا يزيد عن ما يوصف بفض مجالس.. لا يسفر عن تنازلات حقيقية ملموسة على استعداد لتقديمها لمن يتفاوض معهم.. خدعة أخرى.. تعقبها خيانة جديدة.. لكن.. المؤمن لا يلدغ من نفس الجحر مرتين.. وإن كان بعض القوى الوطنية لدغ منهم ألف مرة.. دون أن يتعلم أحد. أكبر دليل على صحة ما أقول.. أن الجماعة التى استغاثت بهذه القوى بعد فشلها فى الانتخابات الرئاسية لم تقدم عربونا ملموساً على صدق نواياها.. بل إنها وسط الأزمة التى تعيشها خوفا من الفشل فى جولة الإعادة أصرت على القواعد غير المنصفة فى تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور.. ليس فى عقيدتهم التفكير فى التنازل عن مكسب واحد توصلوا إليه.. تصريحات عن المشاركة وتصرفات تؤكد المغالبة. الخطاب السياسى للجماعة ممثلا فى كتابها الخبثاء.. الثورة فى مواجهة الفلول.. كأنهم كانوا مع الثورة.. أو كأنهم لم يكونوا بعضا من الفلول. لقد بدأت المعارضة السياسية الجادة للنظام السابق بحركة كفاية التى لم ينضم إليها أحد من الإخوان.. وحسب ما سمعت من أحد مؤسسى الحركة جورج اسحق وزميله فيها أبو العلا ماضى.. فإن ممثلى الإخوان كانوا يهربون من المشاركة فى مظاهرات الشارع المضادة لمبارك.. بل إنهم كانوا ينسحبون من الاجتماعات التنظيمية إذا ما هتف أحد برفض التمديد والتوريث. وعندما بدأت الدعوة لمظاهرات يوم 25 يناير.. أعلن الإخوان بكل وضوح أنهم لن يشاركوا.. وعندما أدركوا أن النظام البوليسى لن يتركهم نزلوا بعد ثلاثة أيام الميدان.. ليكون اعتقالهم له ثمن. وبينما طالبت قوى الثورة بأن يكون الدستور قبل الانتخابات وقف الإخوان ضد هذه الدعوة.. فقد كانوا متلهفين للانفراد بوجبة البرلمان وحدهم.. وتكرر ذلك كثيرا فى مواقف أصبحت معروفة ومحفوظة ولسنا فى حاجة للتذكير بها.. فأين الثورة التى ينتمون إليها.. لقد سرقوا الثورة من شبابها.. وسعوا لفرض قانون جديد فى برلمانهم يمنع التظاهر ويجرم من يقوم به أو يدعو إليه.. منتهى الثورية. وفى مذكرات نائب المرشد السابق الدكتور محمد حبيب أنه والمرشد العام السابق مهدى عاكف ونائبه خيرت الشاطر كانوا يجتمعون سرا مع قيادات عليا فى أجهزة الأمن السياسى لترتيب انتخابات عام 2005.. وتقسيم مقاعد البرلمان بما يوصف بالصفقات الخفية.. ومثل هذه الصفقات لو قبل فصيل سياسى بها فلا يمكن وصفه بالمعارض.. وإنما يوصف بالمشارك.. والمؤكد أن الإخوان كانوا يضغطون بالعمل تحت الأرض لتحقيق مكاسب إضافية فوق الأرض عندما يجلسون مع الضباط الكبار على موائد المفاوضات فى البيوت والمكاتب. ورغم الاعتقالات المتعددة التى تعرض لها الإخوان بسبب تنظيمهم غير الشرعى، فإن لا أحد منهم خرج وتحدث عن التعذيب.. التعذيب فى الحقيقة تعرض له أعضاء الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتشددة التى قبض عليها أو جاءت من الخارج على طائرات المخابرات الأمريكية. إن خيرت الشاطر مثلا يعترف بأنه وهو فى السجن حصل على شهادات جامعية مختلفة.. وقرأ مئات من الكتب التى ما كان يقرأها لولا وفرة الوقت فى الزنازين التى أخذت من عمره الكثير.. ولم يكن يستحق دخولها.. فالحرية أثمن من كل ثقافات وشهادات الدنيا كلها. أما الخطاب السياسى لمعارضى الجماعة.. فيرى أنها ستأتى بالفاشية الدينية على حساب الدولة المدنية.. ستفرض دولة الخلافة العثمانية وتقضى على الدولة الديمقراطية الدستورية. ويستشهد خصوم الإخوان على ما يقولون بما فعله نواب الجماعة وشركاؤهم فى تيار الإسلام السياسى فى البرلمان.. فقد هددوا بخنق حرية الصحافة.. وحبس الصحفيين.. وتكفيرهم.. وتطبيق حد الحرابة عليهم.. بجانب عدم الاهتمام سوى بالتشريعات التى تقيد من حقوق المرأة.. وتجاوزها الزمن.. مثل الختان.. والخلع.. وتحديد سن زواج الفتيات بالبلوغ.. بجانب قوانين تشجع على العنف الدينى.. مثل عدم تشديد العقوبة على التنظيمات الإرهابية لو تلقت تمويلا من الخارج. وفى ظل غياب الدستور تجاوز البرلمان حدوده التشريعية وراح يسن قوانين هى فى الحقيقة جزء من الدستور.. مثل التشريع الخاص بالمحكمة الدستورية.. وهو ما يعنى تعسفا فى استخدام السلطة وسوء استعمال لها. كما أنها سعت لاختراق المؤسسات السيادية.. مثل الشرطة التى تناقش ما يسمى بإعادة هيكلتها.. وهى إعادة بالقطع لن تخلو من الثأر والانتقام بسبب ما فعلت بهم طوال سنوات الحكم السابق. ولم يتردد أحدهم فى وصف جهاز المخابرات العامة بأنه العنصر الخفى فى أحداث العنف المختلفة.. مجرد أنه يتمتع بالحصانة البرلمانية يلقى بالاتهامات جزافا دون دليل.. أيضا من باب تصفية الحسابات القديمة. وفى ملف أدلة الفاشية الدينية أيضا تجارب الدول المحيطة بنا.. إن السودان تحت الحكم الإسلامى ورط البلاد فى حرب أهلية استمرت سنوات طويلة وأفقرت الشعب الطيب وفى النهاية مزقت الوحدة الجغرافية إلى دولتين.. وليس الصومال الذى يحكم بلجان وميليشيات شعبية إسلامية ببعيد عن العيون.. وربما كانت تونس التجربة الأكثر إيلاما.. فهذه الدولة التى كانت أولى زهرات الربيع العربى وتتمتع ببنية ثقافية وحضارية محترمة.. وجدت نفسها بعد سيادة الحكومة الإسلامية تتحول إلى دولة أفغانية.. طالبانية. لسنا فى حاجة أن نضع أيدينا بالنار حتى نعرف أنها حارقة.. يكفى أن نرصد تجارب الآخرين الذين احترقوا سياسياً بمثل الجماعات الدينية التى تتشابك فيما بينها عبر الحدود فيما يعرف بالتنظيمات الدولية. ويعزف أنصار الجماعة على موسيقى نحاسية صاخبة تفزعنا مما يصفونه بإعادة استنساخ النظام السابق.. فى إشارة واضحة إلى وجود أحمد شفيق فى سباق الجولة الثانية والأخيرة من ماراثون الانتخابات الرئاسية. نعم أحمد شفيق كان آخر رئيس حكومة فى عهد مبارك.. ومن ثم ينسب للنظام السابق.. ولكن.. هل كان النظام السابق هو مجرد أشخاص أم أنه كان أسلوب حكم يجمع كل الصلاحيات فى يده.. وهذا هو الأهم والأخطر؟ إن أبرز ملامح النظام الذى كان أنه يكوش على كل السلطات.. فالرئيس هو الرجل الأول فى الحزب الحاكم.. وهو الذى يشكل الحكومة.. ويأتى ببرلمان يخضع لأهوائه التشريعية.. يجبر بها القضاء على السير وراءها. لو فاز الإخوان فى الانتخابات القادمة.. فإن الرئيس سيكون هو نفسه رئيس حزب الأغلبية (الحرية والعدالة) وسيكلفه بتشكيل الحكومة ومع سيطرته على البرلمان تكون الجماعة قد استنسخت وكررت نظام مبارك.. ولكن بلحية. ولو كان مبارك قد تعود على الحج إلى البيت الأبيض فى واشنطن مرة على الأقل فى العام.. فإن الأمريكيين هم الذين يحجون الآن إلى مقر المرشد العام للإخوان فى المقطم. وحسب ما نشر فى صحف أمريكية مؤثرة (نيويورك تايمز وواشنطن بوست ولوس أنجلوس تايمز).. فإن الإخوان قدموا للوفود الأمريكية ما لم يقدمه نظام مبارك نفسه.. وهو النظام الذى كان يعتبر العلاقات المصرية - الأمريكية علاقات حيوية استراتيجية بين دولتين حليفتين. تعهد الإخوان بأن يرفع الدعم نهائيا عن الخبز والزيت والأرز والبنزين والسولار.. وأن يعود برنامج الخصخصة بنفس الحيوية السابقة ولو بقواعد شفافة تمنع الفساد.. بجانب قبولهم لكل قواعد حرية التجارة الدولية التى تفتح مصر على مصراعيها لسلع الدنيا الرخيصة على حساب الصناعة الوطنية.. يضاف إلى ذلك إيمانهم بمعاهدة الصلح مع إسرائيل وتجنب المواجهة المسلحة مع العدو الصهيونى.