■ العسكرى حضر العفريت فانقلبوا عليه ■ الرئيس القادم لو كان «مدنياً» سيعطونه الولاية الدستوريه والبيعة الشرعية للإسلاميين فقط ■ الجهات الأمنية تركت لهم الحبل حتى تضعهم فى السجون من جديد وبتأييد شعبى ماذا سيكون رد فعل الجماعات الإسلامية، والتنظيمات الجهادية، إذا ما تم سحق المشروع الإسلامى فى مصر، بأصوات الناخبين؟، وتبخر حلم تطبيق الشريعة بعدم وصول أى من المرشحين الإسلاميين للرئاسة، هل تعود الجماعات التى ارتضت فى مارس الماضى «حكم الصناديق»، إلى العنف المسلح؟ من أجل حلمها بالوصول إلى حكم مصر، بعد سنوات القمع والسجن، خاصة أن الأغلبية البرلمانية التى حققتها التيارات الإسلامية باتت على كف عفريت، فيما يطاردها شبح بطلان مجلس الشعب. ربما تكون هذه التساؤلات والمخاوف مشروعة الآن، بعد ظهور مشهد «الرايات السوداء» من ميدان التحرير، فى جمعة 20 أبريل الماضى، إلى ميدان العباسية، وهى الرايات التى رفعتها التيارات الجهادية، فيما كان يتقدمهم محمد الظواهرى، أحد كبار رموز العمل الجهادى المسلح لعقود طويلة فى مصر والخارج، وشقيق زعيم تنظيم القاعدة الحالى، أيمن الظواهرى، وسط شعارات «إلى الجهاد إلى الجهاد». وتستشعر العناصر الجهادية فى مصر حالياً، وجود نية للانقلاب عليها من جانب المجلس العسكرى، وعلى ما حققته التيارات الإسلامية الأخرى من إنجازات خلال الفترة الماضية، كما أصبحت فى حالة استنفار عالية، ربما تفسر كثيرا مشاهد الإسلاميين فى محيط وزارة الدفاع، والذين لم يعد لديهم فيما يبدو، أى استعداد لأن تهان أو تهضم حقوقهم مرة أخرى، وهو ما يثير مخاوف من احتمالات العودة إلى العنف المسلح، إذا اضطروا لذلك. ولا يغيب عن الأذهان التوقيت شديد الدلالة، لخروج الظواهرى وأنصاره فى الجمعة الماضى، الذى يواكب الذكرى الأولى لمقتل أسامة بن لادن، زعيم القاعدة السابق، والأب الروحى للجهاد المسلح فى العالم، وبعيدا أيضا عن صحة أو كذب ما يتردد حول تحريض الظواهرى للمعتصمين على اقتحام وزارة الدفاع، فإن الأهم حاليا هو ما تبشر به هذه المواجهة الدامية، من سيناريو «كارثي» يبدو قابل التحقق، وهو العودة إلى العنف، خاصة إذا تم استدعاء تصريحات أيمن الظواهرى، عقب تنحى مبارك، بأن «ثورات الربيع العربى، إذا لم تسفر عن إقامة الدولة الإسلامية، فهى ليست ثورات أو ربيعاً عربياً»، وتأكيده أن على الجميع عندها أن ينتظر الثورة الثانية، التى ستقوم بها القاعدة والتنظيمات الجهادية فى هذه الدول. واللافت للنظر، أن زيارة الظواهرى الأصغر لميدان العباسية، لاقت حفاوة بالغة من «موقع أنصار المجاهدين»، وثيق الصلة بالتنظيمات الجهادية والقاعدة، بالتوازى مع تقرير مفصل فى الموقع، بعنوان «مصر ومواجهة العسكر»، تم نشره تحت اسم مستعار هو «النوبي»، ويكشف التقرير عن رصد دقيق لما يحدث فى مصر، وحجم القوى الإسلامية المتواجدة على الأرض، ومتابعة مدى فاعليتها، ومساندتها للمشروع الإسلامى، وكانت الأبرز فى التقرير هى مطالبته بتيار إسلامى ثورى بشكل عاجل فى مصر، ليضم كل مؤيدى المشروع الإسلامى. وكان نبيل نعيم، القيادى بتنظيم الجهاد، قد أعلن صراحة، عقب إعلان ترشح عمر سليمان للرئاسة، أنه يتوقع فى حالة فوز الأخير بالرئاسة، أن تنزل بعض العناصر الجهادية «تحت الأرض» من جديد، لتبدأ التخطيط لعمليات إرهابية، واغتيالات شخصيات سياسية، على رأسها سليمان نفسه، وهو ما كان يعكس مخاوف لا حدود لها داخل هذه التنظيمات، من العودة إلى زمن القمع، فى حالة وصول نائب الرئيس المخلوع لكرسى الرئاسة. ومن جهة أخرى، أكدت مصادر داخل الجماعات الإسلامية والجهادية، أن الرئيس القادم إذا كان مدنياً، فإنه لن يكون له عليهم فى أفضل الأحوال إلا الولاية الدستورية فقط، فيما سيعطون البيعة الشرعية للرئيس الإسلامى، الذى يحمل فى برنامجه تطبيق الشرعية، كهدف أساسى، حتى لو كان تدريجياً. الواقع الحالى يؤكد أن الساحة أصبحت مفتوحة لكل الاحتمالات، بعد أن قرر المجلس العسكرى عقب الثورة، فتح صفحة جديدة مع الجماعات الإسلامية والتنظيمات الجهادية، مع رفع القبضة الأمنية عن قيادات وكوادر هذه التنظيمات، من خلال صفقة بدأت بالإفراج عن المعتقلين، وعلى رأسهم عبود وطارق الزمر، ثم فتح الباب لإعادة المحاكمات لأعداد كبيرة من قيادات الجهاد والقاعدة، بداية من المتورطين فى قضية «العائدون من ألبانيا»، التى أسفرت عن حصول 9 من قيادات التنظيم على البراءة، وتم الإفراج عن أبرزهم، وهو محمد شوقى الإسلامبولى، شقيق قاتل السادات، خالد الإسلامبولى، والشيخ سيد إمام، منظر تنظيم الجهاد، والرائد عبد العزيز الجمل، القائد السابق بجيش حركة طالبان، والمهندس محمد الظواهرى، شقيق زعيم القاعدة، ومرجان سالم الجوهرى. كما توسعت السلطات فى إصدار قرارات بالإفراج الصحى عن أعضاء الجماعة الإسلامية والجهاد، حتى لم يتبق داخل السجون المصرية الآن سوى 38 سجينا، صادرة ضدهم أحكام نهائية بالإعدام، ولم يتبق بعدها سوى ملف واحد، تم الانتهاء منه سريعاً، وهو ملف «أعضاء الجماعات الإسلامية فى الخارج»، الذين يقدر عددهم 8 آلاف عضو تقريبا، كانوا على قوائم ترقب الوصول فى عهد مبارك، حيث تم رفع أسماء عدد من قيادات وأعضاء مجلس شورى الجماعة الإسلامية، من هذه القوائم، ونفس الأمر بالنسبة لقيادات الجهاد، ممن تم فتح الباب أمامهم لتسوية مواقفهم القانونية، بداية من الإسلامبولى الأصغر، وأسرته، التى تنقلت فى الكثير من البلدان على مدار السنوات الماضية، قبل أن تستقر فى إيران، فقد حصل الإسلامبولى على وعد بالإفراج الصحى عنه، وإعادة النظر فى حكم الإعدام الصادر ضده، فيما عاد معه على نفس الطائرة، الشيخ مصطفى حامد، أحد قيادات تنظيم الجهاد. ربما لا يمكن لأحد أن ينكر حق أعضاء هذه التيارات الإسلامية أو غيرهم، فى الحصول على حريتهم، أو حقوقهم فى الإفراج الصحى، أو إعادة المحاكمة، إلا أن ما قد يثير الفزع، هو حجم التسهيلات التى تم تقديمها لهم بلا أى ضمانات حقيقية، بألا يعودوا إلى العنف، كما أن هذه التسهيلات لم تفرق بين من حملوا السلاح، ومن لم يحملوه، وبين من وقعوا على المراجعات الفكرية، ومن أصروا على مواقفهم الفكرية، وبين القيادات والكوادر التى قضت سنوات طويلة فى السجون، دون أن يتمكن نظام مبارك من الحصول على دليل أو ورقة واحدة منهم، تثبت تخليهم عن قناعات الجهاد المسلح. ويظهر الدليل الأبرز على ذلك، فى نموذج محمد الظواهرى، نفسه الذى خرج عقب الإفراج الصحى عنه مباشرة، ليدلى بحوار يؤكد فيه أنه لم يوافق على مراجعات سيد إمام، وأنه يتمسك بأن «الجهاد واجب»، كما دافع عن تنظيم القاعدة، وشقيقه أيمن الظواهرى داعيا له ب«الثبات، وأن يحفظه الله ويهديه وينصره»، ليعود بعدها إلى السجن مرة أخرى، وتتم إعادة محاكمته، قبل أن يحصل على البراءة، ويتم الإفراج عنه. ويطرح الباحث عبدالرحيم على، مدير المركز العربى للبحوث والدراسات، تفسيرا للعلاقة بين السلطات والجهاديين بعد الثورة، بتأكيده أن السلطات الأمنية فى مصر لم تفرج عن قيادات وكوادر تنظيم الجهاد فى مصر، إلا لهدف واحد، وهو أن تترك لهم الحبل ليلفوه بأيديهم حول أعناقهم، ويظهروا حقيقة أفكارهم وقناعاتهم، التى ستفزع المجتمع، وفى نفس الوقت الذى ستعمل فيه على إصدار قوانين لإعادتهم للسجون، ولكن فى ظل تأييد شعبى هذه المرة، بالإضافة إلى تحويل ذلك إلى أمر منطقى أمام الرأى العام، لقبول إعادة جهاز أمن الدولة إلى العمل بنفس صلاحياته القديمة، لكن بشكل قانونى. ويشير على إلى أنه فى كل الأحوال، بدأت الجماعات الإسلامية تستنشق الحرية، وتستعيد نشاطها ونفوذها على الأرض، فمع فتح الباب أمام العناصر الجهادية، للخروج من سجون مبارك، والعودة من الخارج، أجرت الجماعة الإسلامية انتخاباتها الداخلية، وأعادت تسكين أمرائها فى المحافظات، كما أعادت بناء هيكلها التنظيمى، استردت مساجدها فى جميع محافظات مصر، وكذلك أسست حزب البناء والتنمية، ليكون ذراعا سياسيا لها، بجانب حزب السلامة والتنمية، الذراع السياسية لتنظيم الجهاد. ومؤخراً، عادت اللقاءات الأسبوعية للجماعة إلى الانعقاد، بعد سنوات طويلة من الحظر، كما أصبح لمحمد الظواهرى، وغيره من قيادات الجهاد، مطلق الحرية فى الاجتماع بانتظام مع زملائهم الجهاديين المفرج عنهم، وأصبحت جولات عبود الزمر إلى المحافظات لا تنقطع، ليحاضر فى المؤتمرات الجماهيرية، والندوات واللقاءات، وظلت مساعى الجماعة والتنظيم لبناء حلم الدولة الإسلامية، لكن من خلال الصناديق هذه المرة. وظلت الشريحة الأخطر من بين أعضاء الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد، تتساءل «ما الذى سيكون عليه الوضع، إذا تبدد الحلم، أو أصبح مرشحا لأن يتحول لكابوس؟، وماذا سيكون رد الفعل، إذا ما فقدوا كل المكتسبات والغنائم السياسية التى حققوها على مدار الشهور الماضية. يرى الكثير من المراقبين أن العدد الأكبر من القيادات التاريخية للجهاد والجماعة الإسلامية، حتى إذا لم يتخلوا عن قناعتهم بالجهاد المسلح كوسيلة للتغيير، تم تقليم أظافرهم عبر المواجهة المسلحة مع نظام مبارك، خلال العقود الماضية، فأصبحوا يحملون قناعة كاملة بأن الجهاد المسلح كخيار للتغيير، مع شرعيته المطلقة بالنسبة لهم، أثبت فشله فى دولة مركزية، تتمتع بأداة أمنية باطشة مثل مصر، وهو ما يفسر تصريح الشيخ ممدوح على يوسف، مسئول الجناح العسكرى السابق للجماعة الإسلامية، بأن الجماعة أرسلت وفوداً من أعضائها المنتمين للجناح العسكرى المنحل، لإقناع المعتصمين فى العباسية بضبط النفس، وعدم اللجوء إلى العنف لمنع سقوط المزيد من القتلى وحقنا للدماء. ويعتبر مراقبون أن الخطورة الحقيقية تكمن فى الخلايا النائمة من الجيل الجديد من الشباب المجاهدين، وما يطلق عليه «تنظيمات الانترنت»، التى تتبنى المعتقدات الجهادية، ولا يشترط معها وجود اتصالات مباشرة مع القيادات التاريخية لهذه التنظيمات، كما كان فى الماضى، ونفس الأمر بالنسبة للشباب الإسلامى الثورى، بمعتقداته الجهادية، إذا ما فشل فى تحقيق حلمه بإقامة حكم إسلامى، خاصة أن مصر أصبحت ملاذا آمنا لعدد من قيادات القاعدة وعائلاتهم، بعد الثورة، بحسب مصادر، حيث استقبلت خلال ال14 شهر الماضية، عددا كبيرا من الجيل الثانى للمجاهدين، الذين ولدوا وتربوا فى مناطق الجهاد المسلح، بأفغانستان وباكستان، وتشبعوا بالأفكار الجهادية، وبعضهم يرى فى نفسه بن لادن آخر. ومن جهته، لا يستبعد الباحث عبد الرحيم على، احتمال عودة الجيل الثانى من الجهاديين إلى العنف، قياسا على الدورة الطبيعية لتنظيمات العنف فى مصر، والتى تبدأ عادة بجيل من تنظيمات العنف، التى تستسلم فى النهاية، ليظهر نتيجة هذا السلوك، أجيال أخرى ثائرة على التنظيمات الأم، والتى تكون عادة أكثر عنفا، كما حدث مع التنظيم السرى للإخوان المسلمين، الذى جاء بعده سيد قطب وأنصاره، الذين وضعهم عبد الناصر فى السجون، دون مقاومة من الإخوان المسلمين، ليظهر نتيجة ذلك جيل آخر متمثل فى الجماعات الإسلامية، التى اتهمت الإخوان بالتخاذل، ورفعت السلاح فى وجه السادات ثم مبارك من بعده، وفى هذه الحالة لا يمكن لأى شخص أو جهة، أو حتى قيادات التنظيمات والجماعات الدينية فى مصر، أنفسهم، أن يجزموا برد فعل هذه الخلايا النائمة من الشباب، إذا ما حدث انقلاب جديد على أحلامهم، وفرصتهم الأخيرة فى إقامة دولة إسلامية، ولو عن طريق صندوق الانتخابات