يري المحللون أن إصرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على انتقاد الرئيس السيسي، الذي اٌنتخب رئيسا، قد تدفع تركيا ثمنه على جبهات مختلفة بدءا من الاقتصاد وحتي الدبلوماسية.
"سيكون هناك ثمناً لهذا "موقف أردوغان"، صرح بذلك فاروق لوغوغلو، وهو نائب من حزب الشعب الجمهوري إلى جريدة توداي زمان التركية، قائلا "أن تركيا يجب ألا تتوقع الحصول على دعم مصر في الحصول علي مقعد بمجلس الأمن الدولي"، حيث أن تركيا من بين البلدان المتنافسة للحصول على مقعد كعضو غير دائم في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين 2015 - 2016، ومن الواضح أن تركيا لن تحظى بدعم مصر في محاولتها الحصول علي هذا المقعد.
وأضاف: هذا يعني أن مصر باعتبارها البلد الأكثر نفوذا في العالم العربي لن تقوم بحشد الدعم العربي لصالح المسعى التركي في الحصول علي هذا المقعد. فعندما صعد أردوغان إلي المنصة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد وقت قصير من انتهاء خطاب الرئيس السيسي خلال الأسبوع الماضي، اتهم أردوغان الأممالمتحدة بإضفاء الشرعية على الرئيس السيسي.
كما ذكر لوغوغلو والذي عمل سفيرا سابقا أن أردوغان قد ارتكب خطأ دبلوماسيا فادحا بإهانة رئيس دولة علنا في اجتماع للأمم المتحدة في نيويورك، قائلا "هناك فرق بين التعبير عن الرأي تجاه زعيم دولة أخري وأنت موجود في بلدك (أنقرة) وبين أن تفعل الشيء ذاته في إطار دولي". "في السياسة الخارجية، لا يوجد شيء من هذا القبيل"، استكمل لوغوغلو، كما أبدي تخوفه من أن موقف أردوغان من شأنه أن يوجه ضربة لمصالح تركيا التجارية مع مصر وكذلك إلحاق الضرر بالعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. فقد شعر أردوجان بالإحباط الشديد بعد عزل محمد مرسي في أعقاب المظاهرات العارمة التي اندلعت ضده، وذلك علي خلفية انتماء مرسي لتنظيم الإخوان المسلمين الذي ينحاز أردوجان له أيديولوجيا.
وفي هذا الإطار فقد انتقد أردوغان حينما كان رئيسا للوزراء الرئيس المصري في مناسبات عدة داخل بلاده، ولكن جاءت تعليقاته أمام تجمع دولي كبير ورفيع المستوي في نيويورك خارج نطاق الأعراف الدبلوماسية، مما يشير إلي عدم مبالاته بالمصالح التركية، بقدر اهتمامه بمناصرة حلفائه الأيديولوجيين. كما صرح نزهت كندمير سفير تركيا السابق لدي الولاياتالمتحدة لصحيفة توداي زمان أن تلك اللهجة الحادة في السياسة الخارجية لا تأتي بنتائج إيجابية، مؤكدا أن تلك اللهجة سيكون لها تأثير سلبي علي سعي تركيا الحصول علي مقعد غير دائم في مجلس الأمن. وقد أدت تصريحات أردوجان الأخيرة في الأممالمتحدة إلي مزيد من التدهور في العلاقات المصرية التركية.
من جانبه يري هاكي تاس رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة إيبك أن تدهور العلاقات بين البلدين لا يخدم مصالح تركيا، مشيرا إلي أن حزب العدالة والتنمية يخسر الكثير مما حققه في السابق في العلاقات مع مصر كما هو الحال بالنسبة للحزب في مجالات أخري كثيرة، كما أن فرصة التحسن في العلاقات مع تولي أحمد داوود أوغلو منصب رئيس الوزراء مطلع الشهر الماضي قد أٌهدرت بعد تصريحات أردوجان الأخيرة. وفي رد فعل مصري، أدان بيان صادر عن وزارة الخارجية المصرية تصريحات أردوجان، وأشار البيان أن وزير الخارجية المصري سامح شكري قد ألغي مقابلة له مع نظيره التركي علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة احتجاجا علي تلك التصريحات. ومن الآثار السياسية السلبية التي سوف تجنيها تركيا من موقفها تجاه مصر، عدم دعم مصر للجمهورية التركية بشمال قبرص (والتي لا تعترف بها أدي دولة أخري سوي تركيا) في المنظمات الدولية التي تتمتع مصر بعضويتها خاصة المنظمات الإسلامية وعلي رأسها منظمة التعاون الإسلامي. كما ذكر تاس أن عدم وجود اتصال وتعاون بين مصر وتركيا في الوقت الراهن يخلق فراغا كبيرا تستفيد منه دول أخري في الوقت الذي يعاد فيه تشكيل خرائط المنطقة.
علي الجانب الآخر فإن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو يدرك أهمية مصر الإقليمية أكثر من أردوجان، حيث اعترف في خطابه أمام المنتدي الاقتصادي العالمي في اسطنبول بداية الأسبوع الماضي أن تركيا دفعت ثمنا لموقفها تجاه مصر، وهو ما يؤشر لمحاولته تحسين العلاقات مع مصر بعد ما حدث في نيويورك، قائلا: " إن مصر تحظي بأهمية كبيرة، فهي عقل المنطقة، ونسعي لنري مصر شريكنا الاستراتيجي الأهم في المستقبل". كذلك فإن انتقادات أردوجان المستمرة للحكومة المصرية التي يعتبرها حكومة غير شرعية قد أسهمت في تشويه صورة تركيا في مصر، حيث ذكر محلل مصري مقيم في تركيا رفض ذكر اسمه لصحيفة توداي زمان أن قطاعا عريضا من المصريين غير المؤيدين لأي من السيسي أو الإخوان يشعرون بالاستياء من تعليقات أردوجان وتدخله في الشأن المصري، مشيرا إلي أن الصورة الإيجابية التي تم بناءها عن تركيا خلال عشر سنوات قد انهارت في أقل من عشرة أشهر.
وفي رد فعل علي موقف أردوجان فإن عدد من المثقفين المصريين وممثلي الحركات السياسية المختلفة قد طالبوا بمقاطعة المنتجات والمسلسلات التركية التي كانت تحظي بشعبية كبيرة في مصر. وقد يؤثر هذا الأمر علي الاقتصاد التركي، حيث تحتل مصر المرتبة ال12 في قائمة الدول المستوردة من تركيا، حيث انخفضت الصادرات التركية إلي مصر إلي 3,2 مليار دولار وهو انخفاض مقداره 13% مقارنة بعام 2012. كما انخفضت الصادرات بنسبة 17% خلال الربع الأول من العام الحالي، كما توجد مخاوف من أن مصر قد تلغي اتفاق الرو-رو مع تركيا والذي يسمح لتركيا بنقل بضائعها لدول الخليج بتكلفة أقل عن طريق مصر وليس عن طريق قناة السويس. وبغض النظر عن الحرب الأهلية فى سوريا و المستمرة منذ عام 2011، وقعّت تركيا اتفاق الرو-رو مع مصر في ابريل 2012 عندما كان الإخوان في السلطة، حيث تعامل البلدان في ذلك الوقت كشركاء استراتيجيين. وفقا لزحل مانسفيلد، رئيسة مجلس الأعمال المصري –التركي في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية، يتعين على البلدين ألا يسمحا للسياسة بإفساد العلاقات الاقتصادية الثنائية.
وأشارت مانسفيلد، التي بدت قلقة أن مصر قد تبطئ الخدمات المقدمة للمصدرين الأتراك تحت ضغط الرأي العام أن كلتا الدول تحققان ربحا من التجارة الثنائية. إن حجم التجارة بين تركيا ومصر حوالي 5 مليارات دولار، كما تبلغ الاستثمارات التركية في مصر حوالي 2 مليار دولار، وهو ما يمثل 10 في المئة من جميع الاستثمارات الخارجية التركية في العالم. كما أعرب علاء عز أمين عام اتحاد الغرف التجارية المصرية عن قلقه إزاء مستقبل العلاقات الثنائية قائلا " أن الاتجاه هو من سيء إلى أسوأ على الجبهة السياسية ونحن نبذل قصارى جهدنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه على الجبهة الاقتصادية، ولكن عندما يصل الأمر إلى المستهلكين أنفسهم، لا يوجد شيء يمكننا القيام به، مشيرا إلى رد فعل الجمهور تجاه تصريحات الرئيس التركي في الآونة الأخيرة". "الغضب هو اقل ما يمكن أن يقال. مصر تغلي على المستوى الشعبي كما هو الحال علي مستوي الأحزاب السياسية ومستوى المجتمع المدني. وأضاف أن جميع وسائل الإعلام يدعون لمقاطعة كل ما هو تركي". فقد تم وقف معظم المسلسلات التركية التي تبثها القنوات التليفزيونية المصرية عندما انتقد أردوغان شيخ الأزهر لتقديمه الدعم للسيسي.