«الفنية للحج»: السعودية تتخذ إجراءات مشددة ضد أصحاب التأشيرات غير النظامية    سهرة خاصة مع عمر خيرت في «احتفالية المصري اليوم» بمناسبة الذكرى العشرين    متحدث «الشباب والرياضة»: سلوك معلم الجيولوجيا مخالف لتوجه وزارة التربية التعليم    تضامن الدقهلية تختتم المرحلة الثانية لتدريب "مودة" للشباب المقبلين على الزواج    "فضل يوم عرفة" أمسية دينية بأوقاف مطروح    إبراهيم عيسى: تشكيل الحكومة الجديدة توحي بأنها ستكون "توأم" الحكومة المستقيلة    سعر الذهب اليوم الإثنين.. عيار 21 يسجل 3110 جنيهات    محافظ الغربية يتابع أعمال تأهيل ورصف طريق كفور بلشاي    نصائح يجب اتباعها مع الجزار قبل ذبح الأضحية    التضامن توضح حقيقة صرف معاش تكافل وكرامة قبل عيد الأضحى 2024    "حماس" ترحب بمضمون قرار مجلس الأمن الدولي بشان وقف إطلاق النار في غزة    دبلوماسي روسي: تفاقم الوضع في شبه الجزيرة الكورية بسبب واشنطن    «القاهرة الإخبارية»: سرعة الموافقة على مقترح وقف إطلاق النار أبرز مطالب بلينكن من نتنياهو    وزير خارجية الأردن يشدد على ضرورة الوقف الفوري للحرب على غزة    ملخص وأهداف مباراة أوغندا ضد الجزائر وريمونتادا محاربى الصحراء.. فيديو    رومانو: مدافع ليفركوزن يفضل بايرن على الدوري الإنجليزي    متحدث "الرياضة": سلوك معلم الجيولوجيا مخالف لتوجه وزارة التربية التعليم    سيف زاهر: مصطفى فتحي كان بديلًا لمحمد صلاح ولكن!    مصرع محامية بسكته قلبية أثناء السباحة ببنها    Apple Intelligence .. كل ما تحتاج معرفته عن ذكاء أبل الاصطناعي الجديد    افتتاح مدرسة ماونتن فيو الدولية للتكنولوجيا التطبيقية "IATS"    خالد النبوي يشوق جمهوره ويروج لفيلم "أهل الكهف"    حماس: مستعدون للتعاون مع الوسطاء للدخول في مفاوضات غير مباشرة    محمد لطفي يروج لشخصية الشربيني في فيلم ولاد رزق 3    قصواء الخلالي: الصحافة الفلسطينية قدمت 145 شهيدا حتى الآن    غدا.. "ليتنا لا ننسى" على مسرح مركز الإبداع الفني    ختام الموسم الثانى من مبادرة «طبلية مصر» بالمتحف القومي للحضارة المصرية    هل يجوز الأضحية بالدجاج والبط؟.. محمد أبو هاشم يجيب (فيديو)    «الإفتاء» توضح حكم صيام اليوم العاشر من ذي الحجة    الأفضل للأضحية الغنم أم الإبل..الإفتاء المصرية تحسم الجدل    وزير الصحة: برنامج الزمالة المصرية يقوم بتخريج 3 آلاف طبيب سنويا    عادة خاطئة قد تصيب طلاب الثانوية العامة بأزمة خطيرة في القلب أثناء الامتحانات    تفاصيل قافلة لجامعة القاهرة في الصف تقدم العلاج والخدمات الطبية مجانا    لفقدان الوزن- تناول الليمون بهذه الطرق    لميس الحديدي تكشف عن سبب إخفائها خبر إصابتها بالسرطان    محمد ممدوح يروج لدوره في فيلم ولاد رزق 3    ميدفيديف يطالب شولتس وماكرون بالاستقالة بعد نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي    "وطني الوحيد".. جريدة المصري اليوم تكرم الكاتب مجدي الجلاد رئيس تحريرها الأسبق    رشا كمال عن حكم صلاة المرأة العيد بالمساجد والساحات: يجوز والأولى بالمنزل    موعد محاكمة ميكانيكي متهم بقتل ابن لاعب سابق شهير بالزمالك    جامعة أسيوط تطلق فعاليات ندوة "الهجرة غير الشرعية: أضرارها وأساليب مكافحتها"    «المصريين الأحرار» يُشارك احتفالات الكنيسة بعيد الأنبا أبرآم بحضور البابا تواضروس    مصر تتربع على عرش جدول ميداليات البطولة الأفريقية للسلاح للكبار    الرئيس الأوكراني يكشف حقيقة استيلاء روسيا على بلدة ريجيفكا    سفر آخر أفواج حُجاج النقابة العامة للمهندسين    ليونيل ميسي يشارك في فوز الأرجنتين على الإكوادور    "بايونيرز للتنمية" تحقق أرباح 1.17 مليار جنيه خلال الربع الأول من العام    وزارة الأوقاف: أحكام وصيغ التكبير في عيد الأضحى    مستشفيات جامعة أسوان يعلن خطة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    تشكيل الحكومة الجديد.. 4 نواب في الوزارة الجديدة    أفيجدرو لبيرمان يرفض الانضمام إلى حكومة نتنياهو    مفاجأة مثيرة في تحقيقات سفاح التجمع: مصدر ثقة وينظم حفلات مدرسية    مطلب برلماني بإعداد قانون خاص ينظم آليات استخدام الذكاء الاصطناعي    صندوق مكافحة الإدمان يستعرض نتائج أكبر برنامج لحماية طلاب المدارس من المخدرات    الدرندلي: أي مباراة للمنتخب الفترة المقبلة ستكون مهمة.. وتحفيز حسام حسن قبل مواجهة غينيا بيساو    رئيس منظمة مكافحة المنشطات: رمضان صبحي مهدد بالإيقاف لأربع سنوات حال إثبات مخالفته للقواعد    حالة الطقس المتوقعة غدًا الثلاثاء 11 يونيو 2024| إنفوجراف    عمر جابر يكشف كواليس حديثه مع لاعبي الزمالك قبل نهائي الكونفدرالية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يغفر...ويعذب...
نشر في الفجر يوم 12 - 08 - 2014

من نَهْج الخطاب القرآني أن يقرن بين المتضادات، فبضدها تتميز الأشياء كما يقال، فيَقرن بين الجنة والنار، والمؤمنين والكافرين، والدنيا والآخرة، والفقر والغنى، والظاهر والباطن، وهلم جرًّا. ومن هذا الباب القِران بين (المغفرة) و(العذاب)، فكثيراً ما يَقرن تعالى في القرآن بين هاتين الصفتين.

فقد وردت في القرآن الكريم آيات قرنت بين (المغفرة) و(العذاب)؛ قُدِّمت في بعضها (المغفرة) على (العذاب)، وقُدِّم في بعضها الآخر (العذاب) على (المغفرة)، فما السر في تقديم هذا حيناً، وتقديم ذاك حيناً آخر، خصوصاً إذا علمنا أن تقديم ما فيه بشارة هو شأن القرآن عموماً. لنرَ ما أجاب به العلماء على هذا السؤال، بادئين بسرد الآيات المتعلقة بموضوع السؤال:

أولاً: الآيات التي قُدَّمت فيها (المغفرة) على (العذاب)، وهي خمس:

الأولى: قوله سبحانه: {فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} (البقرة:284).

الثانية: قوله تعالى: {ولله ما في السماوات وما في الأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} (آل عمران:129).

الثالثة: قوله عز وجل: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} (المائدة:18).

الرابعة: قوله تبارك وتعالى: {ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} (الفتح:14).

الخامسة: قوله عز من قائل: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم} (الحِجر:49-50).

ثانياً: الآيات التي قُدِّم فيها (العذاب) على (المغفرة)، وهي أربع:

الأولى: قوله سبحانه: {ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير} (المائدة:40).

الثانية: قوله تعالى: {إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم} (المائدة:118).

الثالثة: قوله عز وجل: {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم} (الأنعام:165).

الرابعة: قوله تبارك وتعالى: {إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} (الأعراف:167).

والجواب على السؤال الذي أثرناه في المقدمة أن التقديم ل (المغفرة) أو (العذاب)، والتأخير لهما إنما مرده إلى السياق الذي وردا فيه؛ بيان ذلك أن الآيات التي قُدِّمت فيها (المغفرة) على (العذاب) إنما تقدمها من الآيات ما يُفْهِمُ قوة الرجاء لمن أحسن وأناب؛ فقبل الآية الأولى ورد قوله تعالى: {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} (البقرة:284)، والخطاب للمؤمنين الذين يعملون الصالحات.

وقبل الآية الثانية ورد قوله سبحانه: {ليس لك من الأمر شيء} (آل عمران:128)، والخطاب للرسول عليه الصلاة والسلام يوم بدر.

وقبل الآية الثالثة ورد قوله تعالى: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق} (المائدة:18)، وهذا خطاب لأهل الكتاب، وتنبيه لهم، أنهم إن أسلموا وأنابوا لربهم، رجوا عفوه ومغفرته.

وقبل الآية الرابعة ورد قوله سبحانه: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله} (الفتح:10)، وهذا خطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم، فيه تعريف بعلوِّ حاله، وما منحه سبحانه من مكان رفيع عن جميع خلقه، والإعلام أيضاً بحال المخالفين من الأعراب، وما جرى في ظنهم، وكل ذلك تثبيت للمؤمنين، ومنبئٌ بما تعقبهم الاستجابة لله ولرسوله، ثم أتبع ذلك بالإعلام بأنه سبحانه المالك للكل، والمتصرف فيهم بما يشاء، فقال سبحانه: {ولله ملك السماوات والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}، وأفهم ذلك أن فعل المخلَّفين من الأعراب غير خارج عما أراده الله سبحانه وقدَّره، وأن مخالفتهم لا تضره تعالى، وأنها صادرة عن قضائه.

وقبل الآية الخامسة ورد قوله عز وجل: {إن المتقين في جنات وعيون} (الحِجر:45)، والآية وما بعدها حديث عن المؤمنين، وما أعده الله لهم يوم القيامة.

ويلحق بما تقدم من الآيات قوله سبحانه: {ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم} (الإسراء:54)، فالخطاب للمؤمنين، فالآية السابقة عليها قوله تعالى: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} (الإسراء:53).

ويلحق بما تقدم أيضاً: قوله تبارك وتعالى: {ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء} (الأحزاب:24)، فسياق الحديث عن المؤمنين، والآية قبلها قوله عز وجل: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} (الأحزاب:23).

فالسياق الذي جاءت فيه هذه الآيات يناسبه تقديم ذكر (المغفرة) على (العذاب)؛ وذلك أنه سياق يفيد الرجاء بما عند الله لمن أحسن العمل، وأناب إلى الله، وسياق الحديث عن المؤمنين الصالحين، أو من هم بسبيلهم.

أما الآيات التي قُدِّم فيها (العذاب) على (المغفرة)، فهي أيضاً جاءت على مقتضى السياق، سياق العاصين والكافرين؛ فالآية الأولى التي قُدِّم فيها (العذاب)، تقدمها حديث عن المحاربين وقاطعي الطريق والمفسدين في الأرض والسارقين، فناسب ذلك تقديم (العذاب) على (المغفرة).

والآية الثانية ورد قبلها قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} (المائدة:116)، وهذا مما يخاطب الله تعالى به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام، قائلاً له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله، فالحديث عن النصارى الذين ألَّهوا عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام.
والآية الثالثة ورد قبلها قوله تعالى: {قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء} (الأنعام:164)، فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ليخاطب المشركين بالله في إخلاص العبادة له والتوكل عليه.

والآية الرابعة ورد قبلها قوله تعالى: {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم} (الأعراف:167)، والحديث عن أصحاب السبت الذين احتالوا على ما حرم الله عليهم.

ويلحق بما تقدم قوله تعالى: {يعذب من يشاء ويرحم من يشاء} (العنكبوت:21)، فالآية جاءت في سياق حديث إبراهيم عليه السلام لقومه، الذين اتخذوا من دون الله أوثاناً مودة بينهم، كما قال عز وجل: {إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا} (العنكبوت:17).

ويلحق بها أيضاً قوله عز وجل: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات} (الأحزاب:73)، فقبلها حديث عن الإنسان الجهولِ الظالمِ لنفسه، قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} (الأحزاب:73).

هذا حاصل ما ذكره ابن الزبير الغرناطي في توجيه هذا الاختلاف بتقديم (المغفرة) حيناً، وتقديم (العذاب) حيناً آخر، فالأمر مرده إلى السياق، غير أن ما قرره ابن الزبير يُعَكِّر عليه قوله تعالى: {إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب} (الرعد:6)، فالآية قَدَّمت (المغفرة) على (العذاب)، على الرغم من أن السياق يتحدث عن الكفار؛ فهي تبدأ بقوله تعالى: {ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات} (الرعد:6)، والآيات قبلها تسير في المساق نفسه.

ومن المفيد هنا أن نذكر أن لابن كثير رحمه الله رأياً آخر في توجيه مثل هذه الآيات، حاصله أنه سبحانه تارة يدعو عباده إليه بالرغبة وصفة الجنة والترغيب فيما لديه، وتارة يدعوهم إليه بالرهبة وذكر النار وأنكالها وعذابها والقيامة وأهوالها، تارة بهذا وبهذا؛ ليؤثِّر الخطاب في كلٍّ بحسبه. فالمسألة إذن -وَفْق ابن كثير- لا تخرج عن أن تكون من باب التنويع في الخطاب، ولا اعتبار للسياق. فتأمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.