محافظ القاهرة يستقبل وفدا صينيا لتعزيز التعاون    الأعلى للجامعات: الجامعات الحكومية نجحت فى تحرير أمية نحو مليوني مواطن    الجبلي: الزراعة تشهد طفرة غير مسبوقة بدعم من الرئيس السيسي    رئيس نقابة البترول: أنظار العالم أجمع تابعت الإنجاز التاريخي في مدينة السلام    مستشار الرئيس الفلسطيني: نأمل أن تكون قمة شرم الشيخ انطلاقة سياسية تنهي الصراع    المقاولون العرب يفوز على كهرباء الإسماعيلية 1-0 وديا استعدادا لاستئناف الدورى    أحمد حسن: مؤتمر شرم الشيخ يؤكد أن مصر الشقيقة الكبرى لشعوب الوطن العربى    تأجيل نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان لجلسة 16 ديسمبر المقبل    السيطرة على حريق في مصنع فايبر بقليوب دون خسائر بشرية    مصرع شاب بعد سقوطه من الطابق الرابع بميدان العروسة في الغردقة    محافظ الإسكندرية: استضافة مصر لمؤتمر السلام بشرم الشيخ نصر دبلوماسي وسياسي    وزير الخارجية العراقي: قمة شرم الشيخ وضعت حدا للحرب على غزة    خبير استراتيجي ل"كلمة أخيرة": تصريحات ترامب تهدف لإعادة ترسيم الحدود    هل يجوز إخراج زكاة الذهب للأقارب؟ .. عضو بمركز الأزهر تجيب    وكيل الصحة بالمنوفية: إنشاء صندوق لتلقي الشكاوى داخل المستشفيات    الصحة العالمية تحذر: البكتيريا المقاومة للأدوية تزداد خطورة في جميع العالم    مدير مستشفى كفر الشيخ العام يحيل واقعة إعداد موظفات لإفطار جماعي للتحقيق    وزير خارجية النرويج: قمة شرم الشيخ للسلام محطة بالغة الأهمية    هل تنفَّذ وصيّة الميت بمنع شخص من جنازته؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل لبس الأساور للرجال حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يجيب    محافظ المنوفية يتابع منظومة التصالح على مخالفات البناء وتقنين أراضي أملاك الدولة    ضبط 180 كجم أغذية فاسدة خلال مداهمة منشأة غير مرخصة بأسوان    انطلاق الدورة الرابعة من معرض الأقصر للكتاب.. و«شمس الدين الحجاجي» شخصية العام    الرئيس السيسي يبحث تعزيز العلاقات الثنائية مع إيطاليا في مختلف المجالات    في ضربة مدوية.. استقالة أمين عام "حماة الوطن" بالمنيا لاستبعاده من ترشيحات الحزب لانتخابات النواب    حسن الدفراوي: منافسات المياه المفتوحة في بطولك العالم صعبة    المجلس الإعلامي الأوروبي يدين مقتل الصحفيين في غزة    رئيس جامعة بني سويف التكنولوجية يستقبل وفد المعهد الكوري للاقتصاد الصناعي والتجارة    إحالة العاملين المتغيبين في مركز الرعاية الأولية بالعريش للتحقيق بعد زيارة مفاجئة    بيطري الإسماعيلية يشرف على ذبح 1646 رأس ماشية و2 مليون طائر    أحمد ياسر يعتذر لطارق مصطفى بعد تصريحاته الأخيرة: حصل سوء فهم    وزير الشباب والرياضة يلتقي إنفانتينو على هامش حضوره مؤتمر السلام بشرم الشيخ    وزير الري: مصر كانت وما زالت منبرًا للتعاون والعمل العربي والإسلامي المشترك    التوربينات تعمل بشكل محدود، خبير يكشف تأثير زلازل إثيوبيا ال7 على سد النهضة    جامعة عين شمس تستقبل وفدا من أبوجا النيجيرية لبحث التعاون    مدبولي يُتابع مشروع إنشاء القوس الغربي لمحور اللواء عُمر سليمان بالإسكندرية    استبعاد لياو من المشاركة مع البرتغال ضد المجر فى تصفيات كأس العالم    هتافات وتكبير فى تشييع جنازة الصحفى الفلسطيني صالح الجعفراوى.. فيديو    أسبوع القاهرة 2025.. الشباب يقدمون حلولًا في هاكاثون استدامة المياه    استبعاد فيران توريس من معسكر منتخب إسبانيا قبل مواجهة بلغاريا    مصطفى شوبير: لا خلاف مع الشناوي.. ومباريات التصفيات ليست سهلة كما يظن البعض    بعد منحها ل«ترامب».. جنازة عسكرية من مزايا الحصول على قلادة النيل    محدش يعرف حاجة عنهم.. 5 أبراج تكتم أسرارها وخطوات حياتها عن الناس    «أسير» و«دورا».. عروض متنوعة تستقبل جمهور مهرجان نقابة المهن التمثيلية    10 آلاف سائح و20 مليون دولار.. حفل Anyma أمام الأهرامات ينعش السياحة المصرية    اليوم.. بدء استيفاء نموذج الطلب الإلكتروني للمواطنين المخاطبين بقانون «الإيجار القديم» (تفاصيل)    ماكرون: سنلعب دورا في مستقبل قطاع غزة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية    إعلان أسماء مرشحي القائمة الوطنية بانتخابات مجلس النواب 2025 بمحافظة الفيوم    حجز محاكمة معتز مطر ومحمد ناصر و8 أخرين ب " الحصار والقصف العشوائي " للنطق بالحكم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 13-10-2025 في محافظة قنا    إخماد ذاتي لحريق داخل محطة كهرباء ببولاق دون وقوع إصابات    ضبط شخص أدار كيانا تعليميا في القاهرة "دون ترخيص"    ضبط 9 متهمين وتشكيل عصابي تخصصوا في سرقات السيارات والدراجات والبطاريات بالقاهرة    تشكيل منتخب فرنسا المتوقع أمام آيسلندا في تصفيات كأس العالم 2026    رئيس «الرعاية الصحية» يتفقد مجمع الفيروز بجنوب سيناء استعدادًا لقمة شرم الشيخ    وزارة الخارجية تهنئ السفراء المعينين في مجلس الشيوخ بقرار من فخامة رئيس الجمهورية    تحرك عاجل من نقابة المعلمين بعد واقعة تعدي ولي أمر على مدرسين في أسيوط    سعد خلف يكتب: السلاح الروسى الجديد.. رسالة للردع أم تجديد لدعوة التفاوض؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف.. أسرار الرؤيا
نشر في الفجر يوم 07 - 07 - 2014

القصة نسيج لحدث يحكي عبرة، ويوصل فكرة وقد حث القرآن عليه قال تعالى (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الأعراف: 176) وأحسن القصص ما قصه القرآن في كتابه قال تعالى (نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ) (يوسف: 3) فقصص القرآن حق لا يعتريه الزيغ ولا الكذب قال تعالى (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) (آل عمران: 62) ولقد قص علينا القرآن حكاية أمم غابرة يذكرنا بحالهم ومآلهم قال تعالى (كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً) (طه: 99) فذكرنا بأحوال قرى آمنت وأخرى عتت عن أمر ربها قال تعالى (تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا) (الأعراف:

101) وأردف القرآن بقصص للأنبياء لا غنى للذاكرة عنها فذكرها وأعرض عن أخرى قال تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) وقصص الأنبياء في القرآن عبر وحكم يستنير بها الضال ويسترشد بها الحائر قال تعالى (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (يوسف: 111) فشأن القصة تثبيت الأفئدة وعظة من حكم الزمان مع الإنسان قال تعالى (وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (هود: 120) وسوف نعيش في رحاب القرآن نسترشد بقصصه ونتعظ بعبره ونستفيد من أحكامه فننال من الله تعالى السداد والقبول.

يتَّفق أئمَّة العلم على أنَّ سورةَ يوسف أُنزلَت على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أثناءَ مُقامِه في مكَّة المكرَّمة في سنوات الدَّعوة الأُولى، ويحدِّثنا سعد بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه عن سبب نزولها؛ فيقول: (أُنزِل القرآنُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلاهُ عليهم زماناً، فقالوا: يا رسولَ الله، لو قَصَصتَ علينا، فأنزل الله: «الر تلك آيات الكتاب المبين» إلى قوله: «نحن نقص عليك أحسن القصص» (يوسف: 1-3)، فتلاها عليهم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم زماناً، فقالوا: يا رسولَ الله، لو حدَّثتنا، فأنزل الله تعالى: «الله نزَّل أحسنَ الحديث كتاباً متشابهاً مثاني» (الزمر: 23).

إن سياق القرآن للقصة لا يحتاج إلى البيان والتعليق، ولكن لا بد من التوقف عند ثلاثة محاور تناولتها السورة، ولها مسيس الحاجة بحياتنا وهي كما يأتي.

المحور الأول: الرؤى والأحلام

تتناول القصة في مفهومها أحداثاً كبرى ارتبطت ببعض الرؤى المنامية التي شكلت حضوراً مهماً في هذه السورة، من خلال ثلاث رؤى، الأولى هي رؤيا الخصوص، وهي رؤيا سيدنا يوسف في نفسه وما سيخصه الله به من ملك وحكمة، قال تعالى: «إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ» (يوسف: 4) (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يوسف: 5).

والرؤيا الثانية هي ما نقله القرآن عن سجينين عرضا رؤى على سيدنا يوسف، إذ قال تعالى (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (يوسف: 31)، وبعد أن دعا عليه السلام ربه، افتى لهما بالتأويل، فقال: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) (يوسف:41).

أما «الثالثة» فهي رؤيا النجاة، التي كانت سبباً لاستحضار سيدنا يوسف للتعبير، وأن يتبوأ المنزلة التي آلت به إلى ملك مصر واجتماعه بأهله، ولابد من الإشارة هنا إلى أهمية الرؤيا في حياتنا، إذ إن الرؤيا الصالحة حق يراه المؤمن للتبشير وربما التحذير، ولها شروط وآداب للتعامل معها، وهي كذلك بشارة لا أكثر، إلا أن أنه لا ينبغي التعامل معها على أنها وحي لا يقبل الشك، فربما تأخرت أو تخلفت، قال الطبري: فإن قال قائل: فإن كانت كل رؤيا حسنة وحي من الله وبشرى للمؤمنين، فما باله يرى الرؤيا الحسنة أحياناً، ولا يجد لها حقيقة في اليقظة؟

فالجواب: أن الرؤيا مختلفة الأسباب، فمنها من وسوسة وتخزين للمؤمن، ومنها من حديث النفس في اليقظة فيراه في نومه، ومنها ما هو وحي من الله، وما كان من حديث النفس ووسوسة الشيطان فإنه الذي يكذب، وما كان من قبل الله فإنه لا يكذب، وقال رسول الله: (الرؤيا ثلاث: رؤيا بشرى من الله، ورؤيا مما يحدث به الرجل نفسه، ورؤيا تخزين من الشيطان).

تعبير الرؤى

الرؤيا أشبه بالفتوى، لذلك قال تعالى على لسان الملك (افتوني في رؤياي)، وعليه فلا ينبغي أن يتصدر لها من هب ودب ممن جهل وحتى من علم، إذ ان قسماً من التأويل يعتمد على الاصطفاء من الله تعالى بمنح موهبة التأويل لمن يشاء من عباده، قال تعالى:

(يجتبيك ويعلمك)، فلا يعقل أن يتصدر بعض الدعاة والمتكسبين لتفسير الأحلام لأمة آثرت النوم على العمل، فلما فاتها ميدان العمل خلدت إلى النوم، فصارت تحلم لتحقق المنجزات، والعجيب أن كثيراً من المعبرين يجهل حال المستفتي في الرؤيا، ومع ذلك يعبر ولا يكاد يعتذر عن حلم يجهل تفسيره، وآه لنوع من السخرية بعقول الناس.

المحور الثاني: العدل في الرعاية

الرعاية العاطفية حاجة لا يستغني عنها الأبناء في صغرهم وفي الكبر، وربما كان لبعض الأبناء سبب يستدعي ميلاً في العاطفة إليه أكثر من غيره، كعلم وحكمة أو عجز وقصور، مما يدعو إلى المبالغة في حبه على حساب الآخرين والعاطفة، وإن كانت قسما يشق العدل فيه كما قال صلى الله عليه وسلم (اللهم هذا قسمي فيما أملك)، إلا أن الانحياز بها يشكل عبئاً ثقيلاً على الآخرين، ربما يترك أثراً في نفوس بقية الأبناء بما ينبغي ملاحظته وعدم الغفلة عنه.

وسورة يوسف في محاورها تبين أثر ذلك الحب لواحد من الأبناء لما له من خصوصية بينتها الآية من خلال رؤياه، فقد رأى سيِّدنا يوسف عليه السلام وهو لا يزال غلاماً لم يبلغ العاشرةَ من العمر مناماً، «إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ» (يوسف: 4)، وهو مَنامٌ عظيمٌ؛ يدلُّ على مكانة هذا الغلام التي سينالها في حياته من الرِّفعة والسموِّ؛ وأنه الوريث الذي سيحمل أعباء الرِّسالة والعِلم والبيان، مواصلاً مسيرةَ أبيه وأجداده من قَبلُ؛ لذلك أوصاه أبوه بكتمان ما رأى، وبيَّن له قيمةَ نفسِه وأهمِّيتها؛ ليكون مستيقناً أنَّ ما يختاره الله تعالى له خيرٌ ممَّا يريده هو لنفسِه؛ فيوطِّنها على احتمال الامتحان في كلِّ أحوالِه، راحةً أو تعباً.

وقد بدا لإخوة يوسف عليه السلام اهتمام أبيهم به عما سواهم، مما ولَّد لديهم الغيرة الدافعة إلى إثارة الصدور (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (يوسف: 8)، ولذلك فقد أوصى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، بالعدلِ بيْنَ الأولادِ جميعاً، وعدمِ التمييزِ بينَهُمْ، فقالَ:

«اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ»، وأنكَرَ علَى مَنْ أخَلَّ بِالعدالةِ فِي قُبْلَةٍ خَصَّ بِهَا ابْنَهُ دُونَ ابنتِهِ، فقَدْ كَانَ أحدُ الآباءِ جَالِساً مَعَ النَّبِيِّ عليه السلام فَجَاءَ بُنَيٌّ لَهُ، فَأَخَذَهُ فَقَبَّلَهُ وَأَجْلَسَهُ فِي حَجْرِهِ، ثُمَّ جَاءَتْ بُنَيَّةٌ لَهُ، فَأَخَذَهَا وَأَجْلَسَهَا إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام: «فَمَا عَدَلْتَ بَيْنَهُمَا».

المحور الثالث: العين والحسد

وجه سيدنا يعقوب بنيه عند دخولهم مصر أن يدخلوا آحاداً كي لا تثير جماعتهم أعين الحاسدين فقال: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ* وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 68) قال ابن عباس وغيره: إنه خشي عليهم العين، وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، ومنظر وبهاء، فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيونهم؛ فإن العين حق، تستنزل الفارس عن فرسه.

ويقول الإمام القرطبي: (إذا كان هذا معنى الآية فيكون فيها دليل على التحرز من العين، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (الْعيْنُ حقٌّ)، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العين لتدخل الرجل القبر، والجمل القدر.

والعين نوع من الحسد الذي يتولد في النفوس بما يترك أثراً في المحسود، وأشده نكراناً ما كان عن قصد في الحاق الأذى بالآخرين، وقد أمرنا الله تعالى أن نتعوذ من الحسد، فقالَ عزَّ مِنْ قائلٍ: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ* مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ* وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.