قبل أيام أشرت إلى أن الحركة القادمة فى وزارة الداخلية لن تكون حركة حقيقية، بقدر ما ستكون لعبة كراسى موسيقية، يتم فيها تحريك بعض الأفراد من وإلى دون أن يكون هناك تغيير حقيقى، يعكس طموحات وتطلعات الثورة فى تطهير وزارة الداخلية وإعادة هيكلتها. وقد تم ما توقعته وأشرت إليه بالفعل، فقد الطبع بساعات قليلة صدرت حركة الداخلية الأخيرة، التى كان أهم ملامحها نقل اللواء أحمد سالم الناغى مدير أمن القليوبية ليصبح مدير أمن الجيزة، وهى بكل المقاييس ترقية له. الناغى تحديدا يؤكد إصرار الوزارة على رجال العادلى، فقد كان الرجل وكيلا للمباحث الجنائية فى الأمن العام إلى جوار عدلى فايد، بل يعتبر تلميذا من تلاميذه، وقبل الثورة أصبح مديرا لمباحث الوزارة، وكان مقربا جدا من حبيب العادلى، بعد الثورة توقعت قيادات الوزارة خروجه، لكنه أصبح مدير أمن القليوبية ومنها إلى الجيزة. الحركة تضم آخرين مثل عابدين يوسف الذى أصبح مساعدا للوزير لوسط الدلتا، وكامل ياسين مساعدا للوزير لقوات الأمن، وعبد الموجود لطفى حكمدارا للجيزة، وسيد شلتوت مساعدا للوزير لشئون الأفراد، وحسن غنيم مديرا للإدارة العامة للأفراد، وأحمد سالم مديرا لأمن القليوبية، وممدوح حسن مديرا لأمن البحيرة، ومحمد أبو الغيط مديرا لأمن الإسماعيلية، وصلاح مزيد لقنا، وأبو الفتوح وردانى الذى انتقل من مديرية أمن الإسماعيلية ليصبح مديرا عاما فى الأحوال المدنية، ومحمد حليمة الذى انتقل إلى الشئون القانونية بدرجة مدير عام. أما حكمدار القاهرة فلا يزال مكانه، لأنه سيخرج على المعاش الأسبوع القادم، وهو ما يشير إلى أنه ستكون هناك حركة خلال أيام يخرج فيها حكمدار القاهرة. هذا عن المعلن من الحركة.. أما ما لم يعلن وهو كثير، فهناك قيادات فى الداخلية لا تزال فى مواقعهم التى يحتلونها من أيام حبيب العادلى، بل إن بعضهم متهم بقتل المتظاهرين، وهؤلاء لم يقترب منهم أحد ويبدو أنه لن يقترب منهم أحدا مطلقا. هذه الحركة تحديدا تعنى أن كل ما يقال ويتردد عن الهيكلة ليس إلا كلاما للاستهلاك الإعلامى فى الفضائيات والصحف، فطبقا لمصادر ذات ثقة من داخل الداخلية كنت أعرف أن الهيكلة لن تخرج عن كونها حركة تنقلات كبيرة حتى يهدأ الجميع ويشعروا أنهم استطاعوا تغيير الداخلية وينشغلوا عنها بعد ذلك، مثلما حدث فى الحركة الأخيرة التى أجراها منصور عيسوى وكان يقول عنها إنها حركة تطهير ولكن شيئا لم يتطهر. لم تكن المصادر تكذب وهى تقول لى ذلك، فقد كانوا يعرفون كواليس ما يجرى، وهو ما يشير إلى أن شيئًا فى الداخلية لن يتغير على الإطلاق، بل إن العقيدة التى ربى عليها حبيب العادلى رجاله لا تزال هى الحاكمة فى الوزارة، وليس علينا إلا أن نقرأ بعض ما جرى فى وزارة الداخلية خلال الأسبوع الماضى، وكلها حكايات تؤكد أننا لا نزال أمام مدرسة ودولة حبيب العادلى فى وزارة الداخلية. 1- حبس طلاب بكلية الشرطة لأنهم هتفوا بسقوط العادلى يوم الأحد الماضى كان طلاب الفرقة الرابعة بكلية الشرطة على موعد مع محاضرة تثقيفية، المحاضرة التى بدأت فى الساعة السادسة والنصف مساء كان مقررا لها أن تنتهى فى الساعة الثامنة والنصف، ساعتان فقط تتحدث فيهما المحاضرة ويناقشها الطلاب وينتهى كل شىء. لكن ما جرى كان عكس ذلك تماما، كانت المحاضرة هى الدكتورة جازية زعتر الأستاذة بكلية التجارة جامعة عين شمس، وهى ليست غريبة بالمناسبة عن كلية الشرطة، فقد كانت تحاضر فيها قبل الثورة كثيرا. من بين ما ركزت عليه جازية زعتر فى محاضرتها أن ما حدث فى مصر فى 25 يناير لم يكن ثورة على الإطلاق، بل كان مؤامرة على الرئيس حسنى مبارك ووزير داخليته حبيب العادلى، وليس معنى أن الرئيس والوزير أصبحا الآن فى السجن أنهما فاشلان ولكن يعنى أن المؤامرة عليهما نجحت. لم تطلق جازية حكمها وتصمت، ولكنها عبرت عن رأيها فى حبيب العادلى الذى اعتبرته مدرسة أمنية مهمة ففى عهده تم القضاء بشكل كامل على الإرهاب الذى عانت منه مصر طويلا، وخلال الأعوام التى سبقت دخول العادلى الوزارة. ولأن العادلى بالنسبة لجازية مدرسة أمنية مهمة فقد طالبت طلاب كلية الشرطة الذين لم يتبق أمامهم إلا شهور قليلة ويتخرجون للعمل بألا يستمعوا لمن يهاجم حبيب العادلى من ناحية لأنه مغرض، ومن ناحية ثانية أن يلتزموا بمنهج ومدرسة العادلى فى العمل الشرطى، لأنها ستضمن لهم النجاح. قبل أن تنتهى جازية زعتر من قصيدة مدحها الطويلة فى العادلى ومبارك، فوجئت بهتاف ينطلق من أحد الطلبة « يسقط مبارك. يسقط العادل. يسقط يسقط حكم العسكر»، وعلى الفور تحول الهتاف الفردى إلى هتاف جماعى من الطلاب فى المدرج، مما دفع جازية إلى الخروج سريعا من القاعة خوفا من أن يتعرض لها الطلاب بسوء احتجاجا على ما قالته. دخل عدد من ضباط الكلية للتحكم فى الطلبة الثائرين، وقبضوا على عدد منهم وتحديدا الذين هتفوا ضد العادلى ومبارك، وعلى الفور تمت إحالتهم إلى التحقيق داخل الكلية، وقام مدير الكلية اللواء أحمد جاد منصور – تولى إدارة الكلية منذ شهر واحد فقط خلفا للواء أحمد البدرى الذى أصبح رئيسا لأكاديمية الشرطة – بحبس خمسة من الطلاب قادوا الهتاف ضد وزير الداخلية السابق. وإحداثهم شغبا داخل القاعة واعتراضهم على الدكتورة التى كانت تلقى المحاضرة بشكل لا يليق. أبطال الواقعة يمكن أن يساهموا فى فهمنا لما جرى، فالدكتورة جازية زعتر هى زوجة محمد هشام الشريف الذى كان يعمل مستشارا للدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق الذى أطاحت به الثورة، وهو الآن نزيل طرة على ذمة اتهامه فى قضايا فساد. أما اللواء أحمد جاد منصور فقد كان يعمل فى المكتب الفنى التابع لحبيب العادلى مباشرة، وكان أحد المقربين منه قبل الثورة، وعرف بإخلاصه الشديد للوزير السابق، وقد خرج من المكتب الفنى بعد الثورة ليتولى إدارة كلية الشرطة بقرار من اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الحالى. 2- مسئول التنصت فى الداخلية يدير ملف الهيكلة من المفارقات العجيبة أن يصبح اللواء «ماهر حافظ» مساعد أول وزير الداخلية للشئون الفنية وهى الإدارة المختصة بالتجسس والتنصت على هواتف المصريين وعد أنفاسهم وتصوير تحركاتهم.. هو المسؤل الآن عن إدارة ملف إعادة هيكلة وزارة الداخلية، حيث إنه رئيس المجلس الأعلى للشرطة لأنه أكبر الأعضاء سنا وأقدمهم وهو أيضا مساعد الوزير للاتصالات وللأمن الاقتصادى. كان لحافظ دور يبعد كثيرا عن مهامه الحالية أثناء أحداث محيط وزارة الداخلية التى حدثت بعد واقعة بورسعيد، فقد كان يتبرع بالنزول أمام الوزارة وإجراء مقابلات مع بعض الشباب الثائر من مختلف التيارات لإقناعهم بالعودة إلى ميدان التحرير. كان يقوم بهذا الدور ودائم التواجد مع الضباط فى خدماتهم لحراسة الوزارة وكان يعطيهم تعليمات وتكليفات.. وهذا ليس دوره بل هو دور اللواء أحمد جمال مساعد الوزير للأمن العام واللواء عماد الوكيل مساعد الوزير للأمن المركزى، ولكن لاأحد فى وزارة الداخلية يعرف لماذا يتبرع ماهر حافظ بعمل ذلك.. بل إن الكثير من قيادات ومسئولى الوزارة علقوا بدهشة وريبة مما يفعله. شعر البعض أنه يريد تقديم نفسه على أنه الضابط الجوكر فى وزارة الداخلية، فقد كان من القيادات المقربة من منصور عيسوى وزير الداخلية السابق وخلف «مرتضى إبراهيم» مسئول التنصت فى عهد العادلى، وهو الذى أعاد تشغيل أجهزة التنصت والتجسس على الهواتف لوزارة الداخلية بعد أن استعادتها الداخلية من إحدى الجهات السيادية التى استلمتها من جهاز أمن الدولة عقب اقتحام مقراتها بعد تولى عيسوى الوزارة بحجة أنها تتم لخدمة القضايا والجرائم الجنائية فقط.. وذلك بعد أن أصبحت إدارة المساعدات الفنية تابعة للإدارة العامة للاتصالات وخرجت من الأمن الوطنى. حافظ أيضا ضابط أمن دولة وكان يعمل فى الجهاز منذ عام 1976 وحتى عام 2000 أى منذ أن كان ملازمًا أول، وكان يعمل طيلة هذه المدة فى إدارة المساعدات الفنية بأمن الدولة أى إدارة التنصت، وهو من مواليد 1952 أى أنه من المقرر أن يحال على المعاش هذا العام ويبدو أنه قرر أن يختم حياته المهنية بهيكلة وزارة الداخلية. الآن هو رئيس اللجنة التى تتولى عملية إعادة الهيكلة والتى من المقرر أن تخرج إلى النور قريبا حيث إن مجلس الشعب طالب الداخلية بسرعة إجرائها، واللجنه مكونة من أعضاء المجلس الأعلى للشرطة وتعمل على دراسة المشاريع المقدمة لإدارة التخطيط والمتابعة من أحزاب الحرية والعدالة والوسط والنور وائتلاف الأمناء والأفراد وبعض ضباط الشرطة بعضهم مازال فى الخدمة. كما أن اللجنه لديها تصورات عن الهيكلة وتختار من المشاريع المقدمة ما يناسب وزارة الداخلية خلال المرحلة القادمة، ولكن مصادر من وزارة الداخلية.. أكدت أن الداخلية فى انتظار حركة تنقلات كبرى سيعلن عنها قريبا وتشمل تغيير جميع مديرى الأمن فى المحافظات ومساعدى الوزير فى القطاعات والإدارات المختلفة.. حيث إن اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية الحالى الذى تولى المسئولية الأمنية خلفا للواء منصور عيسوى الوزير السابق لم يجر خلال عهده القصير الذى يعد ثلاثة أشهر تقريبا، حركة تغييرات تذكر كما فعل سابقوه، ولكنه أجرى حركة صغيرة عقب توليه حقيبة الوزارة وشملت تغيير قيادات صغيرة فى المرور ووضع ضباط مكان آخرين أحيلوا للمعاش لأنهم أكملوا عامهم الستين وبالتالى لم يشعر بها أحد ولم تحسب حركة تغييرات للوزير الجديد. لكن الحركة المنتظرة (صدر الجزء الأول منها بالفعل قبل الطبع بساعات) ستشمل تغييرات شاملة فى قيادات الوزارة ومن المتوقع أن تكون أشبه بلعبة الكراسى الموسيقية بتبديل أماكن مديرى الأمن ورؤساء القطاعات مع تصعيد عدد قليل من ضباط الصف الثانى لتولى مناصب مديرى إدارات مثل المباحث الجنائية فى مديريات الأمن ليس أكثر، ولن يتم الاستغناء عن أحد غير أن القيادات الحالية سوف يحال معظمها إلى المعاش هذا العام لإتمامهم سن الستين ومنهم اللواء مجدى عبد الغفار مساعد الوزير للأمن الوطنى الذى سوف ينهى خدمته شهر أغسطس القادم واللواء أحمد جمال مساعد الوزير للأمن العام والذى سوف يكمل الستين فى نوفمبر القادم واللواء محسن مراد شهر أكتوبر القادم وهم من القيادات الكبرى والمهمة فى الوزارة. 3- مأمور مركز كفر الزيات للمواطنين: كل واحد يحرس نفسه هذه واقعة غريبة جدا، وإن كانت عادية بل معتادة لأن العقلية التى تحكم وزارة الداخلية قبل الثورة لا تزال هى التى تحكمها بعد الثورة، لا شىء تغير على الإطلاق. فعندما ذهب عدد من أهالى كفر الزيات إلى الرائد أحمد نصار مأمور قسم كفر الزيات لتحرير محضر بما تعرضوا له من سرقات وأعمال بلطجة، لم يجدوا تعاونا من المأمور، بل وجدوا حالة من التجاهل التامة، التى أكملها بأن قال لهم: «كل واحد يحمى نفسه ويحرس بيته من هنا ورايح»، ورفض نصار أن يتحرك مع الأهالى أو يحرك قوة من المركز لحمايتهم وعمل إجراءات لاستعادة الأمن فى البلدة. لم يكن أحمد نصار منفردا أو متفردا بهذا السلوك فقد سبقه فى ذلك مأمور قسم الشيخ زايد عندما ذهب إليه رجل سرقت سيارته بالإكراه وطلب منه سارقها فدية 20 ألف جنيه لإعادتها له، فقال له « لن أتحرك معك وأنا لست على استعداد لخسارة أحد من قوة القسم خلال مواجهه مع من سرق سيارتك تفاهم معهم أنت وإدفع الفدية، وأنا لو عربيتى اتسرقت هاروح أجيبها بنفسى». أصبحت العادة الآن أن يذهب مواطن لقسم شرطة ليبلغ عن شىء ما ولايتحرك القسم ويقولون له نفس الكلام السابق وقد حدث ذلك مرات عديدة، مما جعل البعض ينادون بضرورة عودة اللجان الشعبية من جديد لحراسة الموطنين والتصدى للبلطجية. كما تشير المصادر إلى أن محمد إبراهيم وزير الداخلية لا يحب التغيير ويشعر بالخوف من تغيير القيادات الفاعلة فى الوزارة التى جاء إليها بعد خمس سنوات وهذا هو السبب الرئيسى لعدم إجرائه لحركة تغييرات حتى الآن، ولكنه أصبح حاليا مضطرا لذلك بعد تعالى الأصوات المنادية بضرورة هيكلة الداخلية من جديد، كما أن ضباط الداخلية يقولون عنه إن يشبه حبيب العادلى كثيرا فهو لا يحبذ الظهور إعلاميا ولا عبر الحوارات الصحفية التى يرفض إجراءها حتى الآن، ولا يجرى مقابلات مع القوى السياسية والتيارات المختلفة ورموز المجتمع المدنى رغم أن العديد من هؤلاء طلب مقابلته ولكنه رفض. مصادر بالداخلية أشارت إلى أن قيادات فى المجلس العسكرى وجهت لومًا لوزير الداخلية عقب حادث عبد المنعم أبوالفتوح وقالوا له إن الحادث يعبر عن عدم تواجد الشرطة وعن ضعفها وهو ماجعل المشير يأمر بتواجد الشرطة العسكرية على الطرق السريعة خلال الأسبوع الماضى لحين إجراء حركة التغييرات وما قد يترتب عليها من عودة الأمن لقوته اللازمة. وكانت آخر حركة تغييرات شهدتها الداخلية (قبل الحركة الجزئية الأخيرة) خلال شهر أغسطس الماضى فى عهد منصور عيسوى والمعروفة بأنها كانت «حركة فشنك».. فقد أعلنت الداخلية وقتها عن أنها أكبر حركة فى تاريخها تشمل 500 قيادة أمنية.. ولكن ماتم كشفه بعد ذلك أن الوزارة كانت تروج لحركة وهمية وضعيفة للغاية فلم تحدث تغييرات كبيرة ولم تشمل غير 165 قيادة أمنية فقط. وأكد مصدر أمنى أن أحد أعضاء المجلس العسكرى أبلغ محمد إبراهيم بضرورة إجراء حركة تغيرات موسعة حتى يشعر المواطن بأن الأمن سيعود بقوة خلال فترة قصيرة، وقد فعلها الوزير بالفعل، وقام بحركة تغييرات، فهل كانت هذه هى التغييرات المطلوبة، أم أن الحركة الكبيرة والشاملة لا تزال فى الطريق. السنة الخامسة - العدد 344 - الاثنين - 03/05 /2012