الدم.. الرصاص.. الدهس.. كلها أشياء قبيحة أصبحت شعارا لوزارة الداخلية فى زمن الإخوان، يضاف إليها اقتحام مقرات الأحزاب والقبض بدون وجه حق على النشطاء واحتجازهم وتعذيبهم بما لايخالف شرع الرئيس الإخوانى «محمد مرسى». ثم تطل علينا قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين مدافعة باستماتة عن ممارسات الأمن وجرائمه، بل ويباركون كل أفعاله وهذا طبعا أمر طبيعى، فهم بدفاعهم عن الأمن يدافعون عن بقائهم وعن بقاء دولة الإخوان التى سرقت الثورة وتبذل قصارى جهدها لتسرق مصر كلها وتؤجرها لمن يدفع أكثر.
فى هذا الجو الملوث بالدماء وإزهاق أرواح الشهداء لايكف وزير الداخلية اللواء «محمد إبراهيم» عن عقد اجتماعات لقيادات الوزارة ومساعديه لمناقشة مايحدث فى أماكن الاشتباكات فى المنصورة وبورسعيد والقاهرة، ويعطى تعليماته بالتعامل بقوة وحسم مع المتظاهرين، كما أنه أعطى تعليماته بملاحقة النشطاء الداعين للتظاهر والاعتصام والعصيان المدنى ويوجه القيادات بضرورة ترسيخ فكرة أن مايفعله الضباط من قتل وسحل للمتظاهرين هو عمل وطنى لأنهم يواجهون الخونة وأنه شرف لهم أنهم ضباط شرطة رغم كراهية الشعب لهم لأن الشعب مضحوك عليه حتى يتجنب تمرد القوات.
لم يفلح ما فعله الوزير مع معسكر الأمن المركزى بالدقهلية الذى تمرد على قياداته، بل إن بعض الأمناء والعساكر داخله يضربون عن العمل منذ بداية الأسبوع، ويطالبون بإقالة مساعد الوزير للأمن المركزى لأنه إخوان كما يرددون، ولذلك مد المنصورة بتشكيلات أمن مركزى من قطاعات أخرى خارج المدينة، وهى التى تقوم بمواجهة المتظاهرين الآن، رغم نفى الداخلية المستمر هناك.
كما أن مسئولاً بالوزارة أكد لنا أن ضباط إدارة البحث الجنائى بالدقهلية غاضبون من العميد «سعيد عمارة» مدير مباحث الدقهلية لمعاملته السيئة للضباط وتطاوله عليهم ويؤكد أنها ليست المرة الأولى، فقد حدث اعتصام داخل إدارة البحث الجنائى بالدقهلية شهر يناير الماضى للمطالبة برحيل العميد «سعيد عمارة» لفساده المالى والإدارى وأسلوبه السيئ فى المعاملة، كما تردد داخل الإدارة من الضباط والأمناء حين إذن.
الغريب أن وزارة الداخلية أعطت تعليمات بأن العميد «سعيد عمارة» هو المعنى بالتحدث إلى الإعلام والصحف وليس مدير أمن الدقهلية، لثقة وزير الداخلية فيه وهو للعلم أحد القيادات المقربة من اللواء «محمد إبراهيم» وأيضا بعض قيادات جماعة الإخوان فى الدلتا، ولكنه كعادته تحدث بعنف وبشكل غير لائق مع مقدمى البرامج، وهو ماجعل قيادات الوزارة يستنكرون أسلوبه فى التحدث مع الإعلام وكانت التعليمات الجديدة له بأن يخف من حدة كلامه، وأن يتراجع عن أسلوبه العنيف فى الحوار هذه الفترة، وأن يتصنع الهدوء ويرد بشكل لائق على مقدمى البرامج ومراسلى الصحف، وهو ماحدث ولاحظ الجميع تغيرًا فى أسلوبه منذ يوم الاثنين الماضى.
ويقول عنه بعض قيادات الوزارة خاصة من عمل معه قبل ذلك إنه شخص طموح جدا ويريد الحفاظ على بقائه وتصعيده فى الوزارة، كما أنه يستغل مايحدث فى المنصورة ليؤكد إخلاصه ويقدم أوراق اعتماده للنظام الحاكم ويضمن أن يتولى منصب مدير أمن فى الحركة القادمة أى أنه يريد سرعة الترقى وأن يحصل على استثناء فى ذلك، ولاينتظر المراحل المعتادة لتقلد المناصب فى الوزارة.
وقد أعطى وزير الداخلية تعليماته بعدم ذكر لفظ «متظاهرين» فى بيانات الوزارة وتصريحات المسئولين بها ليعود مرة أخرى مصطلح «مثيرى الشغب» و«بلطجية» إلى لغة وزارة الداخلية فى التحدث عن المتظاهرين بعد أن كانت تطلق عليهم فيما مضى «متظاهرون» «وغاضبون»، ليكون ذلك مبررا لقمعهم والتنكيل بهم من جانب قوات الشرطة، وهى أيضا اللغة التى كانت سائدة فى عهد الوزير «حبيب العادلى» وأثناء ثورة يناير وحكم المجلس العسكرى، والتى اختفت عندما تولى اللواء «أحمد جمال» وزير الداخلية السابق مسئولية الوزارة، الذى كان يرى أن هذه اللغة مستفزة للقوى السياسية ويجب التخلى عنها وفعلا اختفت من بيانات الوزارة فى عهده.
ولكن وزير الداخلية الحالى اللواء «محمد إبراهيم» يبدو أنه قد تناسى ماحدث لحبيب العادلى ومساعديه، فإنه حاليا قد أصبح «دراكولا» وزارة الداخلية كما يطلق عليه النشطاء، يطبق سياسة الحديد والنار كما قال فى أول تصريحاته، يرضى جميع الأطراف الإخوانية ويحصل على البركة والغفران من مكتب الإرشاد ويغفل أنه سيكون أول المضحى بهم، وأن الإخوان لن يترددوا لحظة فى بيعه وإقالته وتقديم للمحاكمة إذا لزم الأمر، بل إن الشعب أصلا لن يرحمه إذا نجحت محاولات الإطاحة بحكم الإخوان، والدليل على ذلك مايحدث فى بورسعيد.
قال لنا مسئول مهم فى وزارة الداخلية مفسرا مايحدث الآن.. إنه بعد أن خرج وزير الداخلية السابق اللواء «أحمد جمال» ويده فى يد الفريق «عبد الفتاح السيسى» القائد العام للقوات المسلحة وكان المشهد مفزعًا للرئيس «محمد مرسى» وجماعة الإخوان المسلمين، حتى أطاحوا ب«أحمد جمال» ونجحوا فى التخلص منه، أعطى مرسى تعليماته لوزير الداخلية بالسيطرة على الموقف فى «بورسعيد» التى نجحت فى عمل عصيان مدنى حقيقى وشرع مواطنوها فى عمل توكيلات للفريق «السيسى» لإدارة بورسعيد، وهو أيضا الشىء الذى أفزع الرئيس الإخوانى، وكانت الأوامر بتلقين بورسعيد درسا قاسيا لمعاقبتها ولتحجيم مايحدث فيها خاصة دور الجيش هناك.
ولكن وزير الداخلية لم يستوعب خطورة ذلك وتورط فى مهاجمة الجيش وضرب قواته ونجحت قوات الشرطة فى بورسعيد فى إصابة بعض ضباط وعساكر الجيش فى استعراض لتفوق قوة الشرطة على قوة الجيش، ورغم نفى الجيش لمهاجمة الشرطة لقواته، إلا أن ذلك حدث فعلا وموثق بالصوت والصورة وقوات الشرطة نجحت فى ذلك لأن قوات الجيش ليست مدربة على مواجهة التجمعات والاشتباكات فهى تتعامل مع الأهداف الثابتة فقط والشرطة تعرف دروب ذلك جيدا ولذلك أصيب أفراد من الجيش أثناء الهجوم.
ولكن هنا كما يؤكد المسئول الأمنى فإن الخاسر الوحيد هو وزير الداخلية الذى تورط بمنتهى السهولة فى هذا العداء بين الجيش والشرطة والذى نجح الإخوان المسلمون فى تحقيقه الآن، وأعتقد أن قيادات الجيش من المستحيل أن تترك ماحدث يمر دون عقاب «محمد إبراهيم» وزير الداخلية.
ويرى الخبراء أن الرئيس مرسى ضحى بوزير داخليته عندما ورطه فى الهجوم على الجيش فى بورسعيد، وكان على وزير الداخلية أن يكون أكثر نضجا وذكاء ويرفض مثل هذه الأوامر، لأن مايحدث أن الإخوان يتمكنون من الحكم على جثة «محمد إبراهيم»، وخلق عداءات بينه وبين القوى الثورية المتعددة وبينه وبين الجيش مؤخرا والغريب أنه مستسلم تماما لذلك بل وينفذ أوامر مكتب الإرشاد وخيرت الشاطر واقتراحات محمد البلتاجى بمنتهى الدقة.