غريبة هى وزارة الداخلية. بعد أن تولاها وزير واحد لمدة ثلاثة عشر عاما، تولاها خمسة وزراء خلال عامين فقط. على مدى عامين دخل الوزارة خمسة وزراء منهم من كان من رجال مبارك والعادلى ومنهم من جاء به المجلس العسكرى، ومنهم من أصبح ولاؤه للإخوان أصحاب الفضل عليه.. والنتيجة كما هى وزارة مكروهة تلعن على لسان المصريين كل يوم عشرات المرات وكأنها مريضة بمرض مزمن.
محمود وجدى
الوزير الأول بعد قيام ثورة يناير تولى منصبة يوم الاثنين 31 يناير قبل موقعة الجمل بيومين، محمود وجدى جاء ضمن الحكومة التى شكلها الفريق "أحمد شفيق" عقب اندلاع الثورة مباشرة وأصبح وزيرا للداخلية لمدة شهر واحد فقط.
ورغم قصر فترة توليه الداخلية إلا أنه حدثت فى عهده حادثتان خطيرتان الأولى كانت موقعة الجمل والثانية حرق ملفات أمن الدولة وكان وجدى من رجال العادلى المقربين حتى انقلب كل منهما على الآخر ويعد أيضا آخر وزير داخلية عينه الرئيس المخلوع حسنى مبارك وختم به عهده.
الاتهامات طاردت وجدى حتى بعد رحيله، فقد قيل عنه أنه جاء بشكل خاص للقضاء على الثورة التى كانت فى أشدها فى هذا الوقت وأنه من وضع خطة موقعة الجمل للقضاء على الثوار واستعان بالبلطجية وخاصة فى القاهرة لأنه كان ضابطا فى مباحث القاهرة وكان له مرشديه ويعرف جيدا الوصول للبلطجية وكيفية توظيفهم، كما قيل عنه من قبل ضباط الداخلية أنه وراء الأزمات التى فعلها أمناء الشرطة أمام وزارة الداخلية وأنه هو من قام بتحريضهم ضد وزير الداخلية الذى أعقبه وكان اللواء "منصور عيسوي".
منصور عيسوى
ثانى وزير عقب الثورة تم تعيينه من قبل المجلس العسكرى الذى تولى البلاد بعد رحيل مبارك وكان أيضا محالا للمعاش منذ 15 عاما وكان مديرا لأمن القاهرة ثم محافظا للمنيا قبل إحالته للمعاش وفور توليه قام بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة وأنشأ جهاز الأمن الوطنى بديلا له، وقام أيضا بإجبار ثلاثة من كبار رجال حبيب العادلى فى الداخلية على الاستقالة منهم اللواء "مرتضى إبراهيم" المسئول الأول عن التنصت فى أمن الدولة ومساعد أول وزير الداخلية للمساعدات الفنية، عقب تحقيق نشرته الفجر عن التنصت فى أمن الدولة، واللواء "حسن عبد الحميد" مساعد أول الوزير لقوات الأمن، و"اللواء جهاد يوسف" مساعد أول الوزير للشئون المالية.. ولكن فى الحقيقة فإن عيسوى الذى كان انتماؤه للمجلس العسكرى والمشير طنطاوى كان بدايته فى الوزارة تبشر بالتغيير ولكن فى الحقيقة كان تغييرا وهميا فقد قام بحركة تغييرات روجت الوزارة وقتها انها اكبر حركة فى تاريخها ثم اطلق عليها "الحركة الفشنك"، وذلك لأنها لم تتضمن أى تغييرات مهمة كما أن بعض الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين فى ثورة يناير تمت مكافأتهم فى هذه الحركة ونقلهم لأماكن مهمة وغنية مثل الكهرباء، وقد شهد عهد منصور عيسوى وقائع دموية وكان أولها هجوم الأمن المركزى على أهالى الشهداء عند مسرح البالون وميدان التحرير، ثم موقعة ماسبيرو عندما طلب من مساعد الوزير للأمن المركزى فى ذاك الوقت التدخل لمواجهة الغاضبين عند ماسبيرو لمساعدة الجيش والرجل رفض وقال له إنه يخشى أن يلحق باللواء "أحمد رمزي" مساعد الوزير للأمن المركزى الأسبق الذى كان محبوسا وقتها فى سجن طرة على خلفية قضية قتل الثوار، فعاقبه عيسوى بأن نقله من الأمن المركزى رغم أنه كان سيحال للمعاش بعد شهرين، ثم كانت أحداث "شارع محمد محمود" التى كشفت مرة أخرى عن الوجه القبيح للداخلية وكشفت أيضا عن أن الأمن لم يتغير تماما عن أحداث الثورة وخلفت شهداء ومصابين وظهر بها ما يسمى "بقناص العيون" ولم يتخذ أى إجراءات تفيد بأنه ضد تصرفات الشرطة ولذلك نادى بعض النشطاء السياسيين بضرورة محاكمة عيسوى والزج به فى السجن مثل العادلى.
وقد اعترف منصور عيسوى رسميا أنه تم التنصت على الناشط السياسى "جورج إسحق" وكان ذلك خطيئته الكبرى التى مهدت الطريق للإطاحة به حيث نادت القوى السياسية بضرورة ذلك لأن وزير الداخلية بنفسه اعترف أنه يتنصت على المواطنين.. وكان ولاؤه دائما للمجلس العسكرى ويحاول أن ينال رضاءه.
اللواء محمد إبراهيم يوسف
هو ثالث وزير داخلية فى عام الثورة وجاء ضمن الحكومة التى شكلها الدكتور "كمال الجنزوري" فى عهد المجلس العسكرى والذى كان حائرا فى اختيار الوزير الجديد، وقال إنه يحتفظ باسمه لدواع أمنية ولكن فى الحقيقية ان الجنزورى لم يكن يعرف من يختار للداخلية، حتى وقع الاختيار على اللواء "محمد إبراهيم يوسف" الذى كان على المعاش أيضا لمدة 4 أعوام، وكان قبل إحالته للمعاش مديرا لأمن الجيزة وكان من رجال العادلى المقربين، فيقول ضباط الداخلية إن العادلى كان يختار مدير أمن الجيزة بدقة ويجب أن يكون واثقا فيه جدا لأن بيته كان فى المهندسين ويتبع الجيزة ومدير الأمن يقابله بشكل يومى فى تحركاته من وإلى منزله، أى أنه كان محسوبًا على العادلى، وإبراهيم ينتمى لمدرسة المباحث وكان ضابط مباحث كفئا ولكنه عندما أصبح وزيرا للداخلية كان يديرها كأنه يدير وحدة مباحث فى قسم، وليس وزيرا يدير وزارة، وقد شهد عهده فى وزارة الداخلية التى مكث بها عدة شهور "مذبحة بورسعيد" ووجهت اتهامات للداخلية بالتواطؤ مع الجناة والإهمال وقيل إن الأمن ينتقم من الأولتراس، وعندما انتقلت المواجهات لمحيط الوزارة عقب الحادثة تعاملت قوات الشرطة مع الغاضبين بعنف شديد ونتج عن ذلك ضحايا جدد ومصابون لأن الداخلية كالعادة استخدمت أسلحتها كالخرطوش والغاز المسيل للقضاء على شباب الأولتراس الغاضب، وعندما قام بعمل حركة تغييرات للداخلية أبقى على قيادات كانت محل غضب الرأى العام مثل مدير أمن بورسعيد، وكذلك جاء بشقيق زوجة اللواء حسن عبد الرحمن رئيس أمن الدولة السابق إلى موقع مهم فى الوزارة وهو إدارة التفتيش، وعين أيضا لواء له ميول إخوانية فى إدارة الانتخابات، وشهدت سيناء مشاكل أمنية كثيرة فى عهده..
اللواء أحمد جمال الدين
رابع وزير للداخلية بعد الثورة وأول وزير فى عهد الرئيس محمد مرسى وأيضا أول وزير يأتى للوزارة وهو مازال فى الخدمة بعد الثورة لأن جميع من سبقوه كانوا من المعاش، وكان قبلها مساعد الوزير للأمن العام، واعترضت القوى السياسية والثورية على أحمد جمال لأنه كان من قيادات الوزارة أثناء أحداث "محمد محمود" ولكنه كان على صلة جيدة بالمجلس العسكرى وكانت بعض قيادات المجلس تدعمه وبالفعل فإن المجلس العسكرى بقيادة المشير طنطاوى والذى كان مازال فى منصبه فى هذا الوقت فى بداية عهد مرسى كان وراء ترشيح أحمد جمال للداخلية وتم فرضه على مرسى، ولذلك فهو يدين بالفضل للمجلس العسكرى وجاء أحمد جمال ضمن حكومة الدكتور "أحمد قنديل" والذى كان كارها له منذ اللحظة الأولى لتولى جمال الوزارة وكان يتصيد له الأخطاء وكان يريد الإطاحة به حتى فعلها.. وكان لأحمد جمال دور فى حل المشاكل الأمنية فى سيناء وهو مدير للأمن العام وكان دائم التواجد هناك، وبعد أن أصبح وزيرا كانت تواجهه مشاكل كثيرة أهمها تدخل الإخوان ومكتب الإرشاد فى عمله ولكنه كان دائما يعارض ذلك وكان يقف أمام خططهم فى السيطرة على وزارة الداخلية، ولكن كانت تواجهه مشكلة محاولة بعض ضباط وقيادات الوزارة مجاملة الإخوان وتملقهم، فكانوا لاينفذون قراراته وتوجيهاته، ويتجسسون عليه لصالح مكتب الإرشاد، وهو ماكان يجعله يحرر بيانات الداخلية ويكتبها بنفسه وكانت لاتخلو من رسائل للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين وللرئيس مرسى بأنه لن يكون فى صفهم وأول وظيفته هى تحقيق الأمن فقط، حتى جاءت أحداث الاتحادية فلم يقف فى صف الإخوان ولم يحم مقرات الحرية والعدالة وقت الهجوم عليها وإحراقها من جانب المتظاهرين، ورفض أوامر مرسى بالقبض على رموز سياسية ونشطاء وعلى رأسهم البرادعى وحمدين صباحى ونوارة نجم، وفض اعتصام ميدان التحرير وتهيئته لاحتفال جماعة الإخوان بذكرى الثورة فيه، وكان يحيد قوات الشرطة بقدر المستطاع، كما أنه كان يصدر أوامر بملاحقة أعضاء حازمون وبعض التيارات الدينية، كما خشيت الجماعة من أن أحمد جمال يجهز لانقلاب لأنه كان دائم الاجتماع بالأمن المركزى واعتبرته يرتب لشىء ما، ولم يشفع لأحمد جمال عند الرئيس مرسى أنه ولأول مرة بعد الثورة يعيد الأمن مرة أخرى للبلاد، فهو الوحيد من بين وزراء الداخلية مابعد الثورة الذى حد من ظاهرة الانفلات الأمنى وأعاد للداخلية تماسكها، واستطاع أيضا أن يعيد الأمن الى سيناء ولو بعض الشىء، ولكن مرسى وجماعته كان لهم رأى آخر.
وكان اللواء أحمد جمال يعرف هذا الرأى ويعلم أنهم على وشك الإطاحة به ولذلك كان ينقل متعلقاته من مكتبه قبل الإطاحه به بأسبوعين، وبالفعل أطيح به فى أول تغيير وزارى، أحمد جمال لم يكن ثوريا ولم يكن أيضا إخوانيا، فى وقت لايريد فيه الإخوان غير السيطرة على مصر وتحقيق مصالح الجماعة وليس تحقيق الأمن.
اللواء محمد إبراهيم
لم نر الكثير منه حتى الآن، فلم يمر على جلوسه على كرسى وزارة الداخلية غير أسابيع قليلة، ولكن هذه الأسابيع القليلة فيها المفيد وتكفى لقراءة مستقبل الداخلية فى عهده.. فهو الوزير الخامس بعد الثورة وأول وزير يعينه الإخوان بالفعل دون أى تدخل من أى جهه أخرى كالمجلس العسكرى ويقول الخبراء إنه البداية الحقيقة لتمكين الإخوان من وزارة الداخلية، وكان من قبل رئيس مصلحة السجون ولم يكن من رجال العادلى ولم يدعمه المجلس العسكرى،