عاد ذو الوجه الكئيب إلى سيناء مرة اخرى..عاد القتل والدم ولم يترك الموت سوى الخوف فى قلوب الناس..يشاهد أهالى العريش والشيخ زويد ورفح ما يحدث لهم دائما على اعتبار انه قدر كل من يعيش فى المناطق الحدودية..وعلى الرغم من طبيعة المنطقة والصدام المتشعب بين اطرافها وعائلاتها الا أن جنود الجيش المصرى دائما خارج هذا الصراع، فالدور الذى يقوم به الجيش فى سيناء محدود اصلا طبقا لاتفاقية كامب ديفيد التى تنزع مصر بمقتضاها المنطقة «ج» من السلاح الا قليلا.
شهود العيان يحكون..
تفاصيل مجزرة «وحدة الحرية» كانت الاعنف والاكثر وضوحا مما جرى قبل ذلك، وتمت بطريقة تستحق الرصد والمتابعة، فهى عملية تعتبر «نقلة نوعية» فى طريقة العمليات الارهابية فى مصر.
المنطقة التى وقعت فيها العملية هى منطقة «الحرية» والقاعدة العسكرية التابعة لها تحمل نفس الاسم، وتنتمى منطقة الحرية إلى منطقة أكبر وهى «الماسورة» التابعة لرفح المصرية، ولماسورة تاريخ فى الاحتجاجات وقطع الطريق الدولى بسبب ما تعانيه من مشكلات وتجاهل، ولنا أن نتصور أن منطقة مجهولة بهذا الشكل تصبح فى لحظة مركز الأحداث وتقبل عليها الصحافة والمسئولون وتقع فيها مجزرة مرعبة بهذا الحجم.
حين وصلت إلى منطقة الماسورة، كان من السهل أن أصل إلى المنطقة العسكرية التى وقعت فيها المجزرة، فهى معروفة أكثر من أى شىء، وحينها لوح لى الجندى الذى يقف فوق المدرعة بأن أتحرك بعيدا عن المنطقة العسكرية ففعلت، ومشيت وحدى فى المنطقة الحدودية المترامية الاطراف، لا يوجد الا مجموعة اكواخ ومنازل متواضعة.. بينما يقف أمامى السور الحدودى ومعبر كرم ابوسالم على بعد كيلو مترات.. بحثت عن شهود العيان الذين يعيشون حول الوحدة العسكرية والذين كانوا أقرب إلى الحدث وشاهدوا أغلب ما حدث، وبعد لقاءات متعددة فى منطقة الحادث، حاول ابناء المنطقة مساعدتى وتحركنا بموتوسيكل وسط الرمال وأشجار التين الشوكى إلى حيث المنطقة الموازية لسور المنطقة الحدودية لمعبر كرم ابوسالم الذى تسيطر عليه قوات الاحتلال الاسرائيلى.. ووصلنا إلى أقرب نقطة نرى منها آثار السيارات المحروقة وآثار المواجهات بين منفذى العملية وقوات الاحتلال داخل المعبر..
بدأت الاحداث عندما دوى صوت الرصاص وسط ساعة ينصت فيها الجميع إلى صوت الأذان ترقبا وانتظارا، من الطبيعى أن تسمع صوت الرصاص فى سيناء فهذا ليس بالجديد على الاطلاق، لكن الجديد أن يكون بهذه الكثافة وبجوار قاعدة عسكرية، فهذه القاعدة الرابضة كنقطة فى محيط الصحراء الواسع لا ينطلق منها صوت الرصاص أصلا، فالجيش المصرى لم يطلق رصاصة واحدة فى ارض سيناء منذ سنوات بعيدة..خرج الجموع من منازلهم ووقفوا بالقرب من الحدث وشاهدوا التالى.. اربع سيارات ثلاث منها تويوتا نصف نقل من النوع المنتشر فى سيناء، واحدة تنتمى إلى النوع التايلاندى والاثنتان الباقيتان « كروز» والسيارة الرابعة تويوتا كرولا سوداء مجهولة الارقام.. وفى خلال دقائق سريعة لاحظ الشهود أن منفذى العملية نفذوها وهم فى السيارات النصف نقل، بينما كان أفراد الوحدة العسكرية يفترشون الارض فى شكل مستدير ليتناولوا طعام الإفطار، حيث وجد أهالى المنطقة الجنود قتلى فى نفس الاماكن التى جلسوا فيها.. كما أكد شهود عيان أن منفذى العملية كانوا من 25-30 شخصاً وعلى شكل مجموعتين طبقا للملابس التى كانوا يرتدونها مجموعة ترتدى ملابس مموهه تشبه ملابس الجيش ومجموعة ترتدى ملابس سوداء، وبالطبع الجميع ملثمون ولا يرى أحد وجوههم.. فى خلال دقائق كانت العملية الأولى انتهت تماما وقتل غالبية من فى الوحدة العسكرية إلا 5 أشخاص ثلاثة منهم مصابون إصابات بالغة والاثنان الباقيان يدور حولهما جدل كبير حتى الآن.. فالأول اكد شهود عيان انه كان بالداخل للوضوء والثانى يؤكد البعض أنه هو الذى قاد المدرعة بنفسه إلى معبر كرم ابوسالم.. وان جنديين مصريين عادا مصابين من الاشتباكات التى وقعت فى كرم ابوسالم مع القوات الاسرائيلية والجناة.
بعد الانتهاء من المهمة الأولى، بدأت المهمة الثانية بسرقة الذخيرة والاسلحة التى كانت موجودة فى الوحدة العسكرية، ثم استولى الجناة على مدرعة واحدة وليس مدرعتين كما أعلن فى اليوم الأول من الاحداث، ثم انقسموا إلى فريقين، الأول صعد أعلى المدرعة والمجموعة الثانية ركبوا إلى السيارات الاخرى التى جاءوا بها، ثم ترددت معلومات من شاهد عيان واحد انه رأى جندى جيش أجبر على قيادة المدرعة لكن باقى الشهود قالوا إنه كان من الصعب تمييزهم من بعيد نظرا لتشابه الملابس وخفوت النور مع حلول الظلام فى هذا الوقت، حيث صعد على المدرعة مجموعة منهم، والباقى ركب السيارة الكروز خلف المدرعة فى اتجاه معبر كرم أبوسالم، بينما باقى المجموعة ركبوا السيارات الاخرى واتخذوا طريقا مغايرا تماما، واكد شهود العيان انهم فى منطقة بعيدة ولم يشاركوا فى الاحداث مطلقا.
المسافة من منطقة الوحدة العسكرية بالحرية التى وقعت فيها الاحداث وحتى معبر كرم ابوسالم، لا تتعدى ثلاثة كيلو مترات فى أفضل تقدير، وقطعتها بالسيارة فى 3 دقائق بالضبط وهى نفس المسافة والطريق الذى سار فيه الجناة بالمدرعة المسروقة وخلفهم السيارة الكروز التى تحمل باقى المجموعة وخلال هذه الفترة سار الجناة بمنتهى الحرية فى الاراضى المصرية وبعد أن قتلوا كل هذا العدد وانقلبت الدنيا ووصل الخبر إلى منطقة رفح والماسورة بأكملها، مع العلم أن هناك كمين جيش كبيراً فى ميدان الماسورة والذى يبعد عن منطقة الاحداث 2 كيلو على الأكثر، واصلت المدرعة طريقها ودخلت من الجانب المصرى أيضا وعبرت وحين صارت فى مواجهة قوات الاحتلال الاسرائيلى أطلقت القوات الاسرائيلية قنبلة مضيئة لإنارة السماء وخلال ثوان كانت الإف 16 حلقت فى السماء وحددت هدفها المقصود وأطلقت على المدرعة والسيارة القذائف لتشتعل الحدود بين الجناة وقوات الاحتلال بينما لم ترد أى معلومات عن القوات المصرية المتمركزة على الحدود ودورها فيما حدث. ولكنه نفس الوقت الذى أدركت فيه إسرائيل خطورة الموقف وتعاملت معه بنجاح استحق أن يحضر إلى مكان الاحداث صباح اليوم التالى رئيس الوزراء ووزير الدفاع الاسرائيلى.. بينما نحن نشيع جثامين شهدائنا ونبكى على سيناء المنزوعة من السلاح.. المنزوعة من الكرامة.
من تصور أن حوادث هذا اليوم الكارثى، انتهت عند هذه النقطة فهو واهم بالطبع، فالمجموعة الأخرى التى انفصلت عند موقع الاحداث بعد قتل الجنود المصريين فى منطقة الحرية، استكملت عملها بكل نشاط وهمة فى باقى مدن شمال سيناء على مدار ساعات الليل وكأنها تنفذ عملياتها فى الصحراء الغربية.. فبعد العشاء واثناء خروج المصلين وبعد ساعة تقريبا من تنفيذ العملية الأولى، وعلى بعد 2 كيلو من مكان العملية الأولى ظهرت «الكرولا السوداء» ذاتها ومعها السيارات النصف نقل مرة أخرى بميدان الماسورة واطلقوا النار بشكل عشوائى على المارة فى هذه المنطقة وأدى ذلك إلى تصادم عدد من السيارات التى توقفت فجاة بسبب إطلاق النار وهرب الجميع ولم يسفر ذلك عن أى اصابات، استمرت السيارة الكرولا السوداء وباقى القافلة فى العمل وبعد ربع ساعة وهى المسافة بين ميدان الماسورة والشيخ زويد، اطلقت ذات السيارات النار سريعاً على كمين الشيخ زويد الموجود على الطريق أيضا.. وحتى جاءت الضربة الاخيرة وآن لمنفذى الهجوم أن يستريحوا قليلا بعد عناء هذا اليوم الممتلئ بالمهام الشاقة، فبعد ساعتين، ظهرت سيارات تضرب النار بشكل عشوائى على كمين « الريسة» وهو الكمين الموجود فى بداية طريق العريش – الشيخ زويد وانتبه المارة واختفى أفراد الجيش داخل الدوشمة ونجا الجميع من إصابات متوقعة أيضا.. وهذا يعنى أن هذا اليوم شهد على 4 حوادث هجوم على كمائن للجيش والمارة وفى ساعات مختلفة من الليل وسار الجناة ومنفذى التفجير كل هذا الوقت بمنتهى الحرية ولم يقترب منهم أحد..
الجناة القتلى.. والجناة الاحياء
رحلة البحث عن الجناة فى هذه القضية مهمة شاقة، ولن يجدى التبرع بالاجابات الجاهزة السابقة التحضير كما فعل الاعلام المصرى ووجه التهمة للفلسطينيين بعد انتهاء العملية بدقائق وبالطبع بهدف تضييق الخناق على غزة باعتبارها الكيان الضعيف فى هذه المعادلة، ومع أنها الطرف الخاسر فيما حدث اصلا.
مرسى يهرب من زيارة رفح
وفى منطقة رفح، ومنذ إعلان خبر تحرك الرئيس مرسى والمشير طنطاوى من القاهرة إلى رفح لزيارة موقع الاحداث، انشغلت قوات الجيش الموجودة فى ميدان الماسورة بتنظيف مدخل المنطقة الذى كان مليئا بالزبالة وبقايا رصف الطرق ونزل إلى ميدان الماسورة قيادات الحرية والعدالة بإعلام مصر وتحركت السيارات هنا وهناك انتظارا للزيارة المرتقبة.. وفجأة علمنا أن الرئيس والمشير قررا زيارة الكتيبة 101 الموجودة بجوار محافظة العريش والتى تقع على بعد كيلومترات قليلة من المطار وتحدث لمدة 10 دقائق إلى جنود الكتيبة ثم عاد إلى القاهرة مرة أخرى ولم يستطع الوصول إلى رفح من الاساس ولم يخط الطريق الدولى اصلا.. تغيير مكان الزيارة بعدما تم الاعلان عنه أن الرئيس والمشير سيتجهان إلى رفح ثم الذهاب إلى العريش، كان بسبب تقارير أمنية تم رفعها إلى الرئاسة كما ذكره أحد المصادر المسئولة عن ترتيب الزيارة فى رفح، حين أكد أن الطريق الدولى غير آمن بالمرة ووقعت فيه حوادث إطلاق نار كثيرة فى الفترة الماضية واخرها أمس كما ذكرنا فى الحوادث الاربعة، وهذا يعنى أنه لا سبيل امام الرئيس الا أن يأتى بطائرة خاصة فى مهبط المعبر ثم يعود مرة اخرى إلى المنطقة، بالاضافة إلى أن تأمين المنطقة نفسه يحتاج إلى تحضيرات وقوات كبيرة ليست موجودة بالشكل الكافى فى رفح.. ولذلك تم نقل الزيارة إلى منطقة أكثر تأمينا وسط العريش وبداخل كتيبة عسكرية!! ومنذ أن انتشر خبر عودة مرسى والمشير إلى القاهرة دون زيارة رفح موقع الأحداث، حدثت حالة من الغضب الشعبى العارم وتحدث الناس عن زيارة باراك ونتنياهو إلى مكان الحدث فى الوقت الذى لم يقتل أحد منهم بينما لم يكلف الرئيس نفسه بالحضور رغم كل هذا العدد من الشهداء.