■ مرسى تحدث عن حرية الصحافة فى الوقت الذى كان فيه أنصاره يهددون «الفجر» بالغلق والنسف والسجن ■ وفى الوقت الذى كان يتحدث فيه عن حق المرأة فى الاختيار.. كان الملتحون يبحثون عن النساء والفتيات فى الشوارع وهم يقولون: «البلد بقت بلدنا ياكفرة»
■ الصواريخ المجهولة فى سيناء أطلقتها حماس.. فمصر أصبحت العدو وليست إسرائيل
■ الصواريخ أطلقت بموافقة شخصيات فى مصر لها انتماء دينى كى تكون حجة للإخوان لفتح الحدود بين غزةوسيناء
لا تعترف نسبة هائلة من الصحفيين الذين نصفهم بالكبار بأن دور الكاتب المغنى قد انتهى.. وأن التغيير الذى يحدث فى مصر لم يعد ليقبل بالإعلامى الذى يهز سرير الحاكم.. ويسليه بحكاية قبل النوم.. وإنما فرض هذا التغيير على أهل الكلمة والكاميرا أن يثيروا أعصاب الحاكم.. ويستفزوا انتباهه.. ويغرزوا دبوسا من النار فى جلده حتى لا ينسى نفسه.. ولا ينسى من انتخبه.
إن الناس لا تخطئ الفرق بين حملة الأقلام وحملة المباخر.. بين من يواجهون الرئيس لتقويمه ومنعه من الانحراف عن مساره وبين من يلونون وجوههم باصباغ الماكياج.. ويحملون فى حقائبهم كتابات جاهزة.. تتغير عناو ينها حسب مقتضى الحال.
لقد رفضت الذهاب إلى القصر الجمهورى ومقابلة الرئيس الجديد.. ليس لأننى فقط أختلف مع جماعته التى أتت به.. وفرضته علينا.. وإنما لأن الرجل ليس لديه جديد أنتظره منه حتى الآن.. فكل ما قاله سبق أن كرره مئات المرات.. فيما شهد من مناسبات.. ولم يكن من أحلامى أن أقف بجواره فى صورة تذكارية أبتسم فيها ابتسامة عريضة.. عربونا للصفح والغفران.. فارشا على شفتى سجادة النفاق.. متحولا عن أفكارى وقناعاتى.. مستسلما للقمة عيش مغموسة فى الذل.
إن الكتابة ليست وظيفة أميرية.. ليست وثيقة تأمين شخصية.. ودون وجود الكاتب الذى يمزق ورقة زواجة بالسلطة فإن ما يخرج من ذمته لن يزيد على ما يوجد فى كتب التدبر المنزلى.
لقد حانت الآن لحظة الفرز.. إما مع الحرية.. أو مع الفتة والكوسة والمهلبية.
صناعة الفرعون أقدم صناعة ثقيلة فى مصر
لم يختلف ما قاله محمد مرسى عمّا بدأ به حسنى مبارك.. فالرئيس المخلوع تحدث عن عفة اللسان.. وطهارة اليد.. وشفافية الجيب.. «الكفن مالوش جيوب».. وتعهد أمام مجلس الشعب بعد حلف أول يمين دستورية ألا يجدد رئاسته مرة أخرى.. وعندما اقترحوا عليه تبنى زوجته مشروعا يمنح كوب لبن لكل طفل.. صرخ فيهم.. مطالبا بالابتعاد عن زوجته.. ووصفها بأنها ربة بيت لن تنزل إلى الحياة العامة.
لكن.. جمعية تزيين الفساد للرئيس لعبت فى رأسه.. وعبثت فى شرايينه.. وزينت له حزمة من الترف والفساد والتوريث.. حتى وقع فى شر أعماله.. وعندما سقط انقلبوا عليه.. وانتقموا منه.. وكانت خطيئته الوحيدة أنه لم يتعلم الدرس من الذين سبقوه.. فصناعة الفرعون هى الصناعة الثقيلة الوحيدة المؤثرة فى مصر.
سيكرر محمد مرسى الخطيئة نفسها.. سيقبل أن يكون إلها من عجوة.. يشكلونه على هواهم.. من تمر النفاق والزيف.. يعبدونه حاكما.. وملهما.. ثم يأكلونه بحثا عن إله آخر.. لا فرق هنا بين ضابط ومهندس.. بين رئيس جاء باستفتاء ورئيس جاء بانتخاب.. بين حاكم ديكتاتور وحاكم ديمقراطى.
مليون تهديد بنسف «الفجر» وحبس محرريها
كان محمد مرسى يتحدث عن إيمانه بحرية التعبير.. ويؤكد أنه سيكون رئيسا لكل المصريين.. من انتخبوه.. ومن عارضوه.. وطالب بتقويمه وترشيده قبل تأييده وتدعيمه.. ولكن.. قبل أن تبرد الكلمات.. تعرضت لاختبار سريع نسف كل حروفها.. فتناثرت فى الهواء.
كنا فى «الفجر» قد مارسنا حقاً فى نقد الرئيس الجديد.. وعبَّرنا عن تصورنا له.. ومخاوف الناس منه.. لكن.. قبل أن تقرأ جماعة الإخوان التى أتت به إلى الحكم ما كتبنا حتى فتحت النار علينا.. اكتفت بعناوين الصفحة الأولى التى وضعت على موقعنا الإلكترونى.. فراحت تسبنا.. وتلعن أسلافنا.. وتهدد حياتنا.. وتحرض على نسفنا.. أو على الأقل حبسنا.
هل هناك فاشية أكثر من ذلك؟.. إن الفاشية تنظيمات وحركات وجماعات سياسية تؤمن بأنها فوق الجميع.. ولا تتردد فى استخدام العنف لتصفية من يعارضها.. ولا تقبل الحوار مع أحد.. فغيرها بالنسبة إليها لا يستحقون سوى السحق بالأحذية.. وهو ما سبق أن عبر عنه مرشد الجماعة السابق مهدى عاكف.. ومشى على درب لسانه محمد مرسى نفسه فيما بعد.
إن الجماعة التى عبرت عن نفسها بالتفجيرات والاغتيالات فيما قبل لم تتحرر من داء القسوة فيما بعد.. فلايزال نظامها السرى العسكرى الخاص قائماً.. جاهزاً.. مستعدا.. كل ما ينقصه هو وضع السلاح فى يده.. وليس أكثر منه فى مصر الآن.. وربما كانت هناك مخازن استراتيجية لا تحتاج سوى فتحها.. وربما استخدمت هذه الترسانة التى يمكنها التصدى لقوات نظامية فى الضغوط السياسية.. فكان ما كان.
الرئيس المنتخب يقول كلاما.. وجماعته لا تصدقه.. وتتصرف عكسه.. وهو تناقض حاد.. وانفصام واضح.. بين تصريحاتهم على المنصات والفضائيات.. وبين حقيقتهم السياسية.. الشرسة.
تهديد النساء والبصق عليهن من الحكام الجدد
إن التطابق بين السياسى وكلامه شىء فى منتهى الأهمية.. إذا لا يمكن أن يكون حمامة أمام الناس وذئبا خلفهم.. لا يمكن أن يتحدث عن المثل العليا.. ولا يطبقها.. وأن يتغنى بالجمال ونفوس أنصاره مسكونة بالبشاعة.. وأن يحدثونك عن الطهارة ولسانهم غارق فى الوحل.
لا يمكن أن يكون للكلمة التى تخرج من فم الحاكم وجهان: وجه باطنى.. ووجه مكشوف.. لا يمكن أن يلبس بذلتين.. واحدة للمناسبات العامة.. وأخرى للمؤامرات الخلفية.
وحين يعجز الحاكم عن إقامة التوازن بين كلماته ومواقفه فإن عليه أن ينسحب من السلطة فوراً.
وهناك مثال آخر عن حالة التناقض والانقسام بين ما نسمع من طرب.. وما نعيشه من سخف.
سألوا محمد مرسى عن المرأة فقال : لو كان لها حرية العقيدة فكيف نجبرها على الحجاب.. الله.. عظمة على عظمة يا دكتور.. أعد.. لكن.. على أرض الواقع بدأت النساء والفتيات يتعرضن للإيذاء النفسى والبدنى.. ويخشين على أنفسهن من تجاوزات الملتحين فى الشوارع.
فى مدينة الزقازيق.. عاصمة المحافظة التى ولد فيها محمد مرسى.. تعرض خمسة رجال ملتحين لفتاة صغيرة.. لا يزيد عمرها عن 14 عاما.. عبروا الطريق.. والتفوا حولها.. وبصقوا على وجهها.. واتهموها بالكفر والفجر.. وعادت الفتاة إلى عائلتها مرتعشة.. خائفة.. ورفضت أن تخرج من البيت.
وجاء حادث ضرب وذبح شاب فى السويس ليؤكد أن الظاهرة انفلتت ووصلت إلى حد القتل.. فقد أصبح من حق كل شخص أن يعتبر نفسه شرطيا دينيا.. يجبر الناس على طاعته.. وإلا استخدم لسانه ويده.. أما القلب فلا وجود له.
وظهرت المنتقبات فى نادى الجزيرة.. جلسن فى الحدائق والمطاعم وعلى حمام السباحة ينظرن إلى النساء غير المحجبات وكأنهن عاهرات.. ولم تتردد واحدة منهن فى توجيه إهانات صريحة لكل من لا تعجبها.. قائلة : «البلد بقت بلدنا يا كلاب».
وفى«مول العرب» تكرر المشهد بأبطال مختلفين.. وتضاعف الاستفزاز فى مارينا.. وسجلت الشرطة هناك محاضر وبلاغات بوقائع تؤكد أن جماعات الأمر بالمعروف قد عادت من تلقاء نفسها وبمبادرة ذاتية منها لممارسة نشاطها بجرأة تقترب من الوقاحة.. لمجرد أن إخوانيا أصبح رئيسا للجمهورية.
وقد تمنيت أن أثق فى سلامة نية هؤلاء «المطوعون» الجدد لولا ما جرى من واحد منهم على الطريق الزراعى العام فى مدينة طوخ.. حيث ضبط متلبسا بفعل فاضح.. جرى تصويره بالصوت والصورة.. ليهرب مرتكبه ويختفى بعيدا عن أعين النيابة العامة التى طلبت ضبطه وإحضاره.
إن المرأة التى تزيد على نصف المجتمع ليست وليمة همجية يسلقونها فى قدور نحاسية كبيرة على طريقة قبائل الماوماو.. ولو كانت تشكل لهم عقدة نفسية وجنسية واجتماعية فإن عليهم الشفاء منها.. وإلا كانوا مثل رجل الدين الذى يرتاد البيوت السرية «المشبوهة» بعد إلقاء موعظته.
مرسى قبلة الحياة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة
ليس هناك مجال للشك فى أن العسكريين وجدوا فى انتخاب ووصول محمد مرسى اختيارا مناسبا لهم.. موقفهم أفضل فى وجوده.. ومتاعبهم أقل.. وشماتتهم أكبر.
كان ذبح أحمد شفيق إجهازا على آخر أمل لنظام مبارك التى قامت الثورة للتخلص منه.. وكان تسليم السلطة لرئيس ينتمى للإخوان الأشد خصومة لنظام يوليو العسكرى الذى يمثله الجنرالات دليلا على أنهم نفذوا ما تعهدوا به.. فبدت صورتهم أمام العالم حسنة وطيبة.. فصفقت الولاياتالمتحدة.. وغنت أوروبا.. ورقصت باقى دول العالم عشرة بلدى للديمقراطية المصرية التى تأخر ميلادها سبعة آلاف سنة.
فى الوقت نفسه تحصن الجيش خلف أسوار وأسلاك ثكناته.. منفضاً يديه من كل المتاعب والمشاكل والصعاب التى تورط فيها.. متخلصا من الانتقادات الحادة التى وجهت إليه فى شهور الفترة الانتقالية السابقة.. مستردا هيبته التى تعرضت للتشويه.
وتحصن الجيش بالإعلان الدستورى المكمل.. ليس فقط لضمان عدم اختراق التيارات الدينية لوحداته وتشكيلاته.. وهو ما يهدد صفاءه وتجانسه.. وإنما لمنع الدولة الدينية من التسلل إلى أهم مؤسسات الدولة العتيقة.. فتفككها.. وتفتتها.. وتقضى على تماسكها.. تمهيدا للسيطرة عليها.. والسيطرة على مصر كلها.
وفى الإعلان المكمل أيضا «فيتو» مسبق على مواد مشروع الدستور.. فمن حق رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء وخمس أعضاء اللجنة التأسيسية الاعتراض على المادة التى يرونها غير متوافقة مع أهداف الثورة.. فتعود إلى اللجنة من جديد فإذا أصرت اللجنة عليها أرسلت للمحكمة الدستورية لحسمها.
وحسب ما لدينا من دساتير مؤقتة فإن صلاحيات الرئيس ليست محسومة.. والأقرب أنها فى يد الجنرالات.. ولكن بقدر ما يتعاون الرئيس معهم بقدر ما يتركون له من صلاحيات.. وسبق أن حددت هنا مواصفات الرئيس وقبل أن يأتى بنحو أربعة أشهر.. «طربوش فوق رأس العسكرى وسبحة فى يد الإخوان».. ضعيف.. مريض.. يقبل الضغوط.. يرجع فى كلامه.. لا يميل للسيطرة.. لن يكون جمال عبد الناصر أو أنور السادات.. يمكن أن يكون محمد نجيب.. واجهة.. فاترينة.. لمرحلة انتقالية جديدة راجع مقالى فى عدد يوم 19 مارس الماضى.
كثير من هذه المواصفات تنسب للرئيس الحالى.. فهو مريض بحزمة أمراض.. ضغط وسكر وفيروس سى وتليف فى الكبد وقرحة فى المعدة وسبق أن أزال ورما فى المخ خوفا من التشنجات.. وكثيرا مما قاله عن إيران وعمر عبد الرحمن وراشد الغنوشى رجع فيه.. هو يتكلم بغير حساب.. وممثله الإعلامى ياسر على يصلح ويجمل ويرمم ما أفسده.. كما أنه استسلم للضغوط.. وقبل بحلف اليمين الدستورية أمام المحكمة الدستورية العليا.. ولم تفلح محاولات ترضية الميدان ونواب مجلس الشعب المنحل.. فكلها مجاملات تمثل لعبا خارج الحلبة الرسمية.. وهو باستسلامه للمحكمة الدستورية وافق على الإعلان الدستورى المكمل بكل ما فيه.. تاركا الميدان الذى نزل معتصما بسبب هذه الإعلان يناجى ربه وحده.
على أن لعبة الشد والجذب.. والتهديد والضغط لم تنته بعد بين الإخوان والجيش.. إن الجولة الأولى التى كسبها الإخوان بوصول مرشحهم للقصر الرئاسى ستغيرهم بالسعى للفوز فى الجولة الثانية.. وهى القاضية.
سيسعى الإخوان لإعادة مجلس الشعب السابق.. وإسقاط الإعلان المكمل.. ومحاكمة أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وسيكررون نفس الوعيد الذى جربوه من قبل.. ونجحوا.
المعركة الحاسمة لن تحن بعد.. وإن كتب عليها أن تتأخر قليلا.. بسبب المفاجآت التى كانت تنتظر محمد مرسى على باب القصر الرئاسى فى أول دقيقة تسلم فيها منصبه رسميا.
أسئلة محرجة يصعب على مرسى الإجابة عنها
أفرط محمد مرسى وهو مرشح للرئاسة فى وعوده الانتخابية.. وبأسلوب أئمة الزوايا زين الجنة لمستمعيه كى يصوتوا له.. أنهار من عسل.. بيوت صحية.. وظائف تجهز على البطالة.. الإفراج عن المعتقلين السياسيين الذين قبض عليهم بعد الثورة.. رجوع الأمن إلى الشارع.. حل مشكلة المرور.. رفع مستوى معيشة الفقراء.. تحقيق عاجل للعدالة الاجتماعية.. وغيرها من الأمنيات التى يصعب على المدى القريب علاجها.
وصدق المصريون الرجل.. وراحوا يطرقون بابه بمطالب فئوية وسياسية وشخصية.. أضافت إلى الميادين الغاضبة فى مصر ميدانا جديدا أمام قصر الاتحادية.. وربما كان آخر الميادين هو أسخنها.. وأخطرها.. فهو متجدد بأصحاب الحاجات التى لا تنتهى.. ولو استجاب تضاعف الضغط عليه.. ولو لم يستجب فقد الناس الثقة فيه وفيما يقول.. وهو مأزق من العيار الثقيل.. لا نعرف كيف سيخرج منه؟.
وتتوالى الأسئلة المحرجة.. هل سيستخدم العنف معهم؟.. هل سيفرض تشريعاً يمنع التظاهرات والاعتصامات أو يقيدها ويحددها؟.. هل سيجد نفسه مضطرا لتكليف الأمن الوطنى بالتجسس على تليفونات معارضيه؟.. وهل سيفتح السجون لأصحاب الرأى الذين يختلفون معه.. وينتقدونه بشدة؟.. أم هل سيستخدم القضاة المنتمين لجماعته فى الحكم عليهم ولو تجاوز القانون؟.
ويضاعف من حرج هذه الأسئلة حالة الفوضى التى تضاعفت فى مصر فور انتخابه.. إن الانفلات الأمنى أدى إلى انفلات اجتماعى.. واضطراب نفسى.. فلم يعد من السهل السيطرة على أحد.. وسعت كل جماعة لفرض قانونها الخاص بعيدا عن التوافق والتصالح والاندماج.
والحقيقة أن حالة الفوضى اكتملت بما جرى فى الاحتفال بتنصيب الرئيس المنتخب فى جامعة القاهرة.. فقد فشلت رئاسة الجمهورية فى فرض البروتوكول والنظام على مقاعد الصفوف الأولى.. وجاءت شخصيات إخوانية تشعر بأن البلد بلدها.. والاحتفال احتفالها.. ونزعت بطاقات الأسماء الملتصقة على مساند المقاعد.. وجلست بتحد لافت.. وهو ما جعل الإمام الأكبر ينسحب من المشهد.. كما أن أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يجدوا أماكن مناسبة يجلسون فيها.
وبعيدا عن اللياقة هتف بعض أنصار الإخوان بسقوط حكم العسكر لحظة دخول المشير.. وكاد الرجل أن ينسحب هو الآخر لولا أن عانقه وأرضاه وطيب خاطره المرشد.. الأب الروحى للفرح.
وسبق أن وجدنا نموذجا آخر للفوضى الرسمية عندما حاول أعضاء فى مجلس الشعب المهدر قانونا باقتحامه.. فى سابقة لم تحدث من قبل.. ويبدو أن الترف الذى كان يعيشه الأعضاء كان هو السبب الأهم فى الإصرار على إعادته إلى الحياة.. فقد انفقوا فى شهرين 150 مليون جنيه.
صواريخ حماس تطلق على مصر لا على إسرائيل
وفى اللحظة التى دخل فيها الرئيس الإخوانى مكتبه بصورة رسمية تلقت سيناء عدة صواريخ وصفت بأنها مجهولة المصدر.. والحقيقة أن حماس هى التى أطلقتها من غزة.. ربما بتحريض من قوى ما فى مصر لها مصلحة فى فتح الحدود معها.. فإما فتح الحدود.. وإما التهديد بالصواريخ.. والمثير للدهشة هنا أن الصواريخ لم تطلق على إسرائيل وإنما أطلقت على مصر.. وهذا ما يبدو النضال الجديد على طريق الإخوان هناك.
وتفتح هذه الصواريخ العشوائية ملفات شديدة الخطورة.. منها.. مصير التقارير الأمنية السرية التى ترفع للرئيس.. هل تذهب صورة منها إلى الجماعة ومنها إلى التنظيم الدولى؟.. ومنها.. مصير مشروعات الاستيطان الفلسطينى فى شمال سيناء قبل وبعد فتح الحدود مع غزة.. إن إسرائيل مستعدة لتسليم غزة إلى مصر.. لتتحمل مسئوليتها.. وإدارة شئونها.. وحمل أثقالها.. فما المانع من توطين مليون فلسطينى فى العريش وما حولها.. تمهيدا لإقامة الدولة الفلسطينية فى سيناء.. وهو ما سعى إليه هرتزل منذ سنوات بعيدة.. خاصة أن الإخوان يؤمنون بحدود الأمة الإسلامية.. وهو إيمان ربما يجعلهم يضحون بالحدود الوطنية.. مهما كانت التصريحات مختلفة.. ومطمئنة.. فكلامهم مدهون بالزبد ما أن تطلع عليه الشمس حتى يسيح.
وحسب تقرير عن الصحافة العبرية ترجمه وصاغه الحسين محمد فإن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو سعى إلى الولاياتالمتحدة لجس نبض محمد مرسى حول إمكانية القيام باتصال به.. لكن.. الفكرة أجلت.. واكتفى بإرسال برقية تهنئة شخصية وخطية على أن يأتى الاتصال التليفونى فيما بعد.. وأرسلت الرسالة إلى مكتب محمد مرسى عبر السفارة الإسرائيلية فى القاهرة.
وحسب التقديرات الإسرائيلية فإن محمد مرسى لن يمس معاهدة السلام.. وسيترك هذا الملف إلى الجيش والمخابرات العامة ووزارة الخارجية.
وطبقا لما نشرت"معاريف"فإن الولاياتالمتحدة لعبت دور الوسيط فى حمل رسائل من إسرائيل إلى الإخوان.. وتكرر الرد نفسه.. لا نفكر فى الحرب مع إسرائيل.
ومن جانبها حصلت الولاياتالمتحدة على تطمينات تصل إلى درجة التعهدات من الإخوان بألا يقتربوا من إسرائيل.. وهو انتصار دبلوماسى للإدارة الأمريكية.. فالإخوان كانوا يقدمون أنفسهم باعتبارهم العدو المتشدد لإسرائيل.. وبنوا سمعتهم السياسية على معارضة كامب ديفيد.. واعتبروا الدفاع عن بقائها خطيئة مبارك.. الكنز الاستراتيجى للعدو الصهيونى.
وشعرت الإدارة الأمريكية بسعادة غامرة عندما وجدت فى أفكار خيرت الشاطر الاقتصادية ما يؤكد حرية التجارة.. وخصخصة الشركات.. ورفع الدعم عن كل السلع بما فى ذلك البنزين والزيت والسكر ورغيف الخبز.. وهو سبب آخر لحماس هيلارى كلينتون لقدوم محمد مرسى رئيساً.
إن ما رفضه حسنى مبارك لواشنطن وتل أبيب فيما قبل استسلم إليه الإخوان فيما بعد.. إنها الرغبة الجامحة فى الاستيلاء على السلطة.. ولو كلفهم الأمر الرجوع إلى الخلف ألف خطوة وخطوة.
مرسى بين عسل السلطة وبصل الإخوان
فور انتخاب محمد مرسى رئيسا رفض المشير حسين طنطاوى الذهاب إليه لتهنئته.. وعندما جاء إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يستقبلوه على مائدة كى لا يجلس على رأسها.. ولكن استقبلوه فى صالون من صالونات وزارة الدفاع مثل كبار الضيوف والشخصيات.. ولم يتردد فى أن يحتضن كل عضو من أعضاء المجلس ويشكره بصفة خاصة.. وهو أمر لافت للنظر أنه فى الاجتماعات المغلقة يتصرف بطريقة تختلف عن طريقته فى الميادين واللقاءات المفتوحة.. مجامل فى السر.. مهاجم فى العلن.. وهو ما حدث أيضا خلال لقائه مع مستشارى المحكمة الدستورية قبل حلف اليمين.. وإن حاول أن يكون الحلف بعيدا عن كاميرات التليفزيون.. لكنه.. فشل.
وبدا واضحا انه إذا ما سئل عن شىء يطلب مهلة من الوقت كى يعود إلى الجماعة.. فهى فى النهاية التى أتت به إلى السلطة.. وفتحت له أبواب الحكم على مصراعيها.
إن تحريره من بيعة المرشد وخروجه من رئاسة حزب الحرية والعدالة لا يعنى أنه نفض هو الإخوان من قلبه وعقله وضميره.. لو طالبناه بذلك فورا.. لكنا واهمين.. ولكن.. هل تذوقه لعسل السلطة وإدمانه لها يمكن أن يفصله فعليا عن الجماعة؟.. إن ذلك ممكن.. فسحر السلطة خاصة فى دولة بيروقراطية طليعة مثل مصر يخلب الألباب.. ويحيل بين المرء وأهله.. كل تجارب حكامنا تؤكد ذلك بوضوح.. بل إن هناك فى التاريخ القريب اثنين من قيادات مكتب الإرشاد هما حسن الباقورى ومحمود كامل استقالا من الجماعة وفضلا أن يكونا وزيرين فى حكومات العدو الأكبر لهم.. جمال عبدالناصر.
وربما كانت رغبة محمد مرسى فى النجاح مستقلا عن الجماعة تفتح باب عداوتها له.. وهو سيناريو يرى البعض أنه خطر عليه.
وقد فرشت البيروقراطية له طريقه بالرمل.. والسجاد الأحمر.. ورصفت الشارع المؤدى إلى بيته.. وجددت شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحى.. وعرضت شركات ومؤسسات كبرى على أحد أبنائه أن يكون مستشارا قانونيا لها.. ولو كان قد رفض اليوم فإنه ربما استسلم غدا.
إن الأيام ستثبت مدى صلابته فى مواجهة الإغراءات التى يصعب على أكثر الأولياء زهدا رفضها.. وستؤكد أن بطانته لن تقضى عليه كما حدث لمن قبله.. وأن عائلته لن تضعه فى مواقف فيها استغلال نفوذ.. يصعب الدفاع عنه.
لقد وجد الرجل نفسه فى اختبارات متتالية تحتاج إلى براعة سياسية وشخصية ونفسية كى يجتازها.. ولو سقط فى واحدة منها فإن الحصول على فرصة أخرى للنجاح قد تبدو مستحيلة.. فكل الأصوات المؤيدة ترنو إليه.. وكل العيون المعارضة تبحلق فيه.