المستشار السلفى الذى أصدر قرارا بعدم السماح للموظفات النساء بدخول مبنى مجلس الدولة فى المنوفية ، هل يمكن أن تمر أيام بدون أن يصدر قرارًا بإلغاء الأمر ومعاقبة هذا الرجل بمنعه من العمل العام، أم أن الدولة التى يقوم السلفيون وإخوانهم باسقاطها حجرا حجرا تختلف عن الدولة التى يدافع عنها المجلس العسكرى ويتهم خصومه بمحاولة إسقاطها؟! لا أعلم من أى بئر آسنة جاء السلفيون بأفكارهم التى لا وجود لها سوى فى خيالهم المريض، هذا الخيال المحمل بعصاب نفسى شديد ومزمن من اشتهاء النساء وكراهيتهن فى الوقت نفسه.. والذى دفع بعضهم إلى لوم الفتيات المسحولات اللواتى تمت تعريتهن وتعذيبهن لأنهن خرجن من بيوتهن. هذا الخيال المريض الذى دفع عائلة إحدى هؤلاء الفتيات، وهى هند رافع التى طردت المشير حين قام بزيارتها فى المستشفي، إلى حبسها ومنع الزيارات عنها ولومها على الفضيحة التى سببتها لهم بسلوكها المشين!
لا أعلم كيف تطورت كراهية المرأة والرغبة فى مداراتها ووأدها كما لو كانت جريمة وعارا لا يغتفر ليس فقط بين المتطرفين، ولكن أيضا بين نسبة كبيرة من الناس العاديين.
المدهش أننى لم أبذل جهدا يذكر فى العثور على عشرات القصص من مختلف فترات تاريخنا القديم والحديث التى تثبت بشكل قاطع أن هذا الاستبعاد والاضطهاد للنساء لم يكن مطروحا فى أى عصر ذهبى من العصور الإسلامية التى يحلم هؤلاء باستعادتها.
من نسيبة بنت كعب الشهيرة ب»أم عمارة»، التى كانت تحارب مع النبى جنبا لجنب، والتى حمته وأنقذت حياته فى غزوة أحد وقال عنها قولته الشهيرة: «ما التفت يمينا ولا شمالا يوم أحد إلا وجدت نسيبة بنت كعب تقاتل دوني».. إلى خولة بنت الأزور بطلة موقعة أجنادين ضد الروم، التى حاربت جنبا لجنب بجوار خالد بن الوليد الملقب ب»سيف الله المسلول» ، وفاقت ببسالتها - حسب المراجع - ما قام به الرجال.. إلى جولينار بطلة موقعة عين جالوت التى شاركت بالقتال بجوار زوجها محمود قطز حتى استشهدت أمامه.. وحتى صلاح الدين الأيوبى رمز الزعامة والانتصار العربى الذى يحلم الملايين باستعادة عصره كان يصطحب ضمن جيشه المتوجه إلى معركة مرجعيون بلبنان سرية من المقاتلات النساء على رأسها فتاة بدوية اسمها هيفاء لقت مصرعها فى هذه الموقعة الحاسمة التى سبقت انتصار حطين، وترصد لنا كتب التاريخ قتال النساء المصريات اللواتى تصدين لغزو العثمانيين بجوار طومانباي، ومن بينهن امرأة تدعى شريفة وابنتها الوحيدة سليمة اللتان قامتا بجمع نساء القصر الملكى ثم جمع كثير من نساء القاهرة وباقى المدن ليشاركن فى المعركة، وحتى بعد هزيمة طومانباى ومصرعه واصلت نساء القاهرة التصدى للجيش العثمانى فى كل شارع وحارة مما دفع السلطان العثمانى سليم الأول إلى قول عبارته الشهيرة: «ما رأيت بعد شعبا أشجع من هذا الشعب، وما لقيت فى فتوحاتى مقاومة مثل هذه المقاومة، وما ظننت يوما أن جيشى سيحارب ثلاثة أيام جيشا معظمه من النساء والأطفال!».
وتروى كتب التاريخ أنه حتى بعد الهزيمة وتعليق جثة طومانباى فوق باب زويلة حاولت مجموعة من النساء المصريات خطف الجثة حتى لا يمثل بقائدهن، ومن بينهن شريفة وسلمية وزوجة السلطان الأشرف، ولكنهن لقين مصرعهن جميعا فداء للمبادئ والوطن.
هل قرأ المستشار أو الشيخ أو الضابط عدو النساء شيئا عن التاريخ المجيد للمرأة المسلمة فى ميادين القتال وغيرها من ميادين الحرية والكرامة؟