يرى بعض المراقبين أن هناك مصلحة مشتركة لمصر وللولايات المتحدة في تقنين عمل منظمات العمل المدني في مصر، بحيث تعمل في جو ديمقراطي صحيح وتخضع جميعها في نفس الوقت للمساءلة.. وفقا لأجندات العمل المقبولة دوليا. ومن ثم فإن التعاون بين مصر والولاياتالمتحدة بشكل مباشر يمثل ضرورة تحتمها الظروف الحالية بعد أن وصلت خطورة ملف التمويل الخارجي لمنظمات العمل المدني إلى الحد الذي يمكن أن يضر بمكتسبات ثورة 25 يناير المجيدة.. ويدفع الولاياتالمتحدة إلى الإصغاء للمختصين وغير المختصين الذين أكثروا من دعوتهم بمناسبة وبدون مناسبة للتلويح بتجميد المساعدات لمصر في خطوة قد تهدد العلاقات الإستراتيجية بين البلدين.. وهي خطوة مهينة للطرفين على حد سواء لأنها قد تشير إلى أن هذه العلاقات كانت قائمة بين دولة ونظام بعينه له مواصفات خاصة تحتاج إليها الولاياتالمتحدة لتنفيذ أهداف معينة، وليس بين دولتين لخدمة مصالحهما المشتركة والمصالح الإقليمية للمنطقة ككل.
ورغم ما تقوم به السفارة الأمريكية في القاهرة من جهود، إلا أن ملف التمويل الخارجي لمنظمات العمل المدني وتقنين عمل هذه المنظمات يحتاج إلى مستوى أرفع يمكنه تبنى توجهات أكيدة، لأن ذلك لن يتناول اتهامات تقول إن هناك منظمات تخدم الإخوان المسلمين وهناك منظمات تخدم العلمانيين أو الليبراليين وهكذا.. ولكنه سيعمل على إرساء قواعد العمل المؤسسي في هذا المجال ويحقق مزيدا من الديمقراطية التي تعرفها وتمارسها الولاياتالمتحدة على مدى أكثر من 200 عام، والتي رغم أن مصر حرمت منها على مدى 30 عاما إلا أنها تتطلع بروح ثورة 25 يناير المجيدة إلى ترسيخها بكل قوة.
وهناك دعوات صادقة تدعو إلى التوصل إلى أسس تفند أقاويل محاباة الإخوان المسلمين من ناحية وتكشف أيضا عن المنظمات التي تلقت تمويلا خارجيا بالفعل أيا كانت وعملت على إشعال الفتن في مصر من الداخل على مدى عام الثورة ..حيث لم يسلم بالطبع من عبث أصحاب المصالح. كما أن هناك دعوات إلى تفنيد توجه جديد يشير
إلى التأثير على دور مصر إقليميا، وهو ما يبدو في رأي البعض أنه قد بدأ بالفعل.. ولعل آخر ما يدعم هذا التوجه هو نقل ملف المباحثات الفلسطينية الإسرائيلية للأردن.. رغم أن هذا الملف قد ولد على يد مصر ورعته على أعلى مستوى مع جميع الأطراف سواء الولاياتالمتحدة أو إسرائيل أو اللجنة الرباعية وعلى المستوي الثنائي مع مختلف دول العالم والمنظمات العالمية أيضا..وأن النتائج الإيجابية في هذا الملف ستخدم المنطقة ككل سواء تم ذلك في مصر أو الأردن أو أي مكان في العالم.
في إطار التناول الإعلامي الأمريكي لتفتيش مقار 17 منظمة غير حكومية في مصر مؤخرا، وعلى ضوء أصداء هذه الخطوة في المجتمع الأمريكي، يبدو أن مؤسسات الإدارة الأمريكية غاضبة من هذا التصرف الذي تراه غير مبرر في هذا التوقيت.. خاصة لتزامنه مع إجازات وأعياد رأس السنة الميلادية وغياب قيادات الإدارة والكونجرس لقضاء
إجازاتهم.. مما يحفزهم للرد على هذه الخطوة بالتصعيد ضد مصر. ويرى البعض من الجانب الأمريكي أن هذه الخطوة هى انتكاسة في مسار الديمقراطية والتحول إلى بناء دولة المؤسسات الديمقراطية وأذرعها المتمثلة في تمكين منظمات
المجتمع المدني من أداء أنشطتها.. فيما يتعلق بحرية التعبير عن الرأي وترسيخ قيم الديمقراطية في ظل الحراك السياسي القائم في مصر. وكما هو متوقع، فإن الكونجرس ربما يندفع إلى استخدام ورقة المساعدات الأمريكية إلى مصر، خاصة الجزء العسكري منها، على ضوء التصاعد التدريجي لأصوات النشطاء السياسيين في المجتمع الأمريكي الذين يدفعون لأن تتحرك الإدارة بشكل مباشر وفوري لتجميد المخصصات العسكرية فورا كرد فعل على ما اتخذته الحكومة
المصرية من إجراءات يرونها مفاجئة فيما يتعلق بمنظمات المجتمع المدني، ومنها ثلاث منظمات أمريكية، إحداها المعهد الدولي الجمهوري ويرأسه السناتور الجمهوري جون مكين، وأخرى ترأسها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة وهي المعهد الوطني الديمقراطي.
وإذا كان ما تم إعلانه أمس خلال المؤتمر الصحفي للمستشار عادل عبد الحميد وزير العدل والسيدة فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولي سيكون محل تحليل وتقييم من الجانب الأمريكي، فإنه ربما يصب في اتجاه أنه غير كاف لأنه من وجهة النظر الأمريكية لم يعلن الأدلة الدامغة التي كان ينتظرها المجتمع الأمريكي .
وبالتأكيد كان الجانب الأمريكي ينتظر المؤتمر الصحفي، ولكنه ربما لم يجد فيه مبتغاه وهو الأدلة، رغم أن الجانب المصري أعلن أنه سيتم الإعلان عن نتائج التحقيقات وما تعتمد عليه من أدلة في أقرب فرصة مراعاة للحفاظ على سير التحقيقات وسريتها، إلا أن هذا المنحى قد يؤجج حالة التحفز التي تسبب فيها توقيت الإجازات..
و هناك حاجة إلى الإعلان عن بعض الأدلة التي لا تؤثر على سير التحقيقات الا انها فى نفس الوقت تطمئن منظمات العمل المدني التي تعمل وفقا للأسس والمعايير العالمية الى أنها ستواصل عملها بعد كشف المنظمات الغير أمينة.
ويرى بعض المراقبين أن الجانب الأمريكي يعلم أن المنظمات التي تم التفتيش عليها في مصر مؤخرا مخالفة وليست لها تراخيص في ظل ما كان سائدا من قبل من قوانين لم تسمح لها بذلك وجعلتها تلجأ إلى هذا المنحى.
ويرى بعض المراقبين أن عمل مؤسسات المجتمع المدني -التي تركز على الدعم السياسي -تقع في أخطاء من حيث أنها ربما تنادى بما هو ليس في مفردات العمل الوطني فى دولة بعينها ، نظرا لاختلاف كل دولة عن الأخرى، ولذلك فإنهم يرون أنه لابد من وضع القوانين الملزمة.
كما يرى البعض أنه يحسب لمصر أنها لم تقم بهذه الخطوة بين عشية وضحاها، حيث تم الإعلان منذ أكثر من شهرين عن بدء تحقيق بشأن عمل منظمات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلا من الخارج مع التركيز على المنظمات التي لها أجندة أكيدة في مجال الدعم السياسي الذي قد لا تحتمله مصر في الوقت الحالي.
وتساءل البعض بشأن توقيت هذه التفتيشات القضائية..خاصة و أنه من المعروف منذ وقت طويل أن هذه المنظمات تعمل بدون ترخيص وأن لها أجندات سياسية.
واعتبر البعض أن ما حدث من تفتيش كان محاولة من الجهات المسئولة لكسب الرأي العام قبل الاحتفال بعيد ثورة 25 يناير..الا ان الإعلام صوره على أنه مداهمات ومصادرة ممتلكات بدون أدلة..مما دفع لان يتسأل البعض عما إذا كان هناك مصابين
جراء هذه المداهمات، وكأن ما حدث كان في سياق مطاردات بوليسية أو عصابية وليس نتيجة لتحقيقات قضائية قانونية.
وفي نفس الوقت يرى البعض أنه قد آن الأوان لمصر أن تضع حدا لجميع التعاملات غير الشفافة والسماح للصالح من هذه المؤسسات غير الحكومية بالعمل وفق أجندات واضحة ومعلنة تسمح بالمسائلة وفقا لما هو معمول به في جميع دول العالم.. بعد عقود من الإهمال الذي أدى إلى عمل هذه المؤسسات بشكل غير قانوني.
وإذا كان بعض هذه المؤسسات يعمل وفق المعايير الدولية فإن الكثير منها يعمل ضد صالح البلاد.. وهو ما ظهر جليا في تمويل أعمال غير مألوفة في مصر من تخريب وحرق ومولوتوف.
بقيت مجموعة من المراقبين ترى أن الحكماء من الجانبين، وهم كثيرون في مصر والولاياتالمتحدة، يتعين عليهم الإصغاء لصوت العقل والحكمة، والتركيز على نقاط الخلاف وكيفية حلها..واعتبروا أن هؤلاء الحكماء قادرون على التوصل إلى حل في هذا الصدد، يمكن من دفع الديمقراطية قدما إلى الأمام دون التأثير على مصالح الدولة
المتلقية..و ذلك من خلال منظمات تتمتع بالاحترام والتقدير الدولي وتعمل بالفعل على نشر الديمقراطية.