الذكرى ال 80 ليوم النصر في ندوة لمركز الحوار.. صور    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر ارتفاع ببداية تعاملات الأربعاء 7 مايو 2025    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الأربعاء 7 مايو 2025    مستقبل وطن يطالب بإعادة النظر في مشروع قانون الإيجار القديم للوحدات السكنية    "اصطفاف معدات مياه الفيوم" ضمن التدريب العملي «صقر 149» لمجابهة الأزمات.. صور    د.حماد عبدالله يكتب: أهمية الطرق الموازية وخطورتها أيضًا!!    أول تعليق من الرئيس الأمريكي ترامب على اندلاع حرب الهند وباكستان    الهند: شن هجمات جوية ضد مسلحين داخل باكستان    الهند تعلن بدء عملية عسكرية ضد أهداف في باكستان    مسيرات أوكرانية تعطل حركة الملاحة الجوية في موسكو    فرنسا تستقبل الشرع غدًا    تصعيد خطير.. مقتل طفل وإصابة اثنين في قصف هندي على إقليم البنجاب الباكستاني    إنتر ميلان يقصي برشلونه ويتأهل لنهائي دوري الأبطال    عاجل.. رابطة الأندية ترسل حيثيات عدم خصم 3 نقاط من الأهلي إلى التظلمات اليوم    موعد إجازة نصف العام الدراسي القادم 24 يناير 2026 ومدتها أسبوعان.. تفاصيل خطة التعليم الجديدة    سحب 45 عينة وقود من محطات البنزين في محافظة دمياط    الخميس.. بدء عروض تخريج طلبة «ناس للمسرح الاجتماعي» بجزويت القاهرة    "مش شبه الناس".. غريب يقتحم ساحة الغناء بعد التلحين لأشهر النجوم    بعد إعلان الحرب بينهما.. مقارنة بالأرقام بين الجيشين الهندي والباكستاني: من الأقوى؟    الهند: أظهرنا قدرا كبيرا من ضبط النفس في انتقاء الأهداف في باكستان    وفد طلابي من هندسة دمنهور يشارك في فعاليات ملتقى "موبيليتي توك"    من هو الدكتور ممدوح الدماطي المشرف على متحف قصر الزعفران؟    بعد نهاية الجولة الرابعة.. جدول ترتيب المجموعة الأولى بكأس أمم أفريقيا للشباب    معادلا رونالدو.. رافينيا يحقق رقما قياسيا تاريخيا في دوري أبطال أوروبا    رحيل زيزو يتسبب في خسارة فادحة للزمالك أمام الأهلي وبيراميدز.. ما القصة؟    مصدر بالزمالك: طالبنا بإيقاف زيزو وقيد الأهلي فى شكوى الانضباط وسنصعد لفيفا    أسامة نبيه يحذر لاعبى منتخب الشباب من الوكلاء    الجونة يستدرج مودرن سبورت بالغردقة.. والإسماعيلى يستضيف إنبى فى لقاء «الجريحين»    آثار عين شمس تستجيب لمقترحات طلابية وتحيلها لرؤساء الأقسام لدراستها    متحدث البترول: جميع المنتجات البترولية تخضع لرقابة وفحوصات دورية    «حار نهارا».. طقس المنيا وشمال الصعيد اليوم الأربعاء 7 مايو    تطورات جديدة في حادث طالبة علوم الزقازيق| عميد الكلية ينفي شائعة ضبطه.. ومحام يتراجع (صور)    توقعات طقس ال 72 ساعة المقبلة.. هل يستمر ارتفاع درجات الحرارة؟    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 7 مايو 2025    تجاوز 48 مليار دولار ..خبراء : احتياطي النقد الأجنبي "وهمي"ومعظمه ودائع خليجية قصيرة الأجل    بدون مكياج.. هدى المفتي تتألق في أحدث ظهور (صور)    نشرة التوك شو| الرقابة المالية تحذر من "مستريح الذهب".. والحكومة تعد بمراعاة الجميع في قانون الإيجار القديم    حسك الفكاهي الساخر سيجلب المشاكل.. برج الجدي اليوم 7 مايو    لحظات حاسمة لكن الاندفاع له عواقب.. حظ برج القوس اليوم 7 مايو    كندة علوش: الأمومة جعلتني نسخة جديدة.. وتعلمت الصبر والنظر للحياة بعين مختلفة    سيصلك معلومات حاسمة.. توقعات برج الحمل اليوم 7 مايو    أطباء مستشفى دسوق العام يجرون جراحة ناجحة لإنقاذ حداد من سيخ حديدي    طريقة عمل الرز بلبن، ألذ وأرخص تحلية    أحدث تقنيات جراحات الأنف والأذن والحنجرة دمياط بالملتقى العلمي العاشر    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    الأول من نوعه في الصعيد.. استخراج مقذوف ناري من رئة فتاة بالمنظار    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    حالة الطقس غدا الأربعاء 7-5-2025 في محافظة الفيوم    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رقصة اللبلاب - الحلقة السابعة
نشر في صدى البلد يوم 23 - 02 - 2012


19-
وأصبحت عفاف تعيش فى شقة عز معظم أيام الأسبوع..هي تطبخ له وتغسل ملابسه، وتطفئ ظمأه الجنسي ..وهو يعيد صياغة موضوعاتها بأسلوبه الصحفى الرشيق .. ويقترح عليها أفكار الموضوعات ، وينفق عليها ، ويدفع لها إيجار بيت المغتربات الذي ظلت تذهب إليه بين وقت وآخر حتى لا يشك فيها أبويها ..ورغم أنها بدأت تجني بعض المال من تقديم موضوعات صحفية الى مكتب الجريدة العربية التي يعمل بها عز، الا أنه لم يكن يسمح لها بإنفاق أي نقود ما دامت معه ..ولمع اسمها بسرعة فى عالم الصحافة بفضل أفكار وصياغات "عز" .. وأصبحت مثار غيرة زملائها وزميلاتها ..وأرادت أن تقدم موضوعا صحفيا جديدا ومثيرا ترفع به أسهمها عند رئيس التحرير ، وتجعله لا يجد مفراً من تعيينها .. وبالفعل اقترح عليها "عز" فكرة موضوع صحفى تسافر من خلاله إلى الأراضى الفلسطينية المحتلة ،وتقدم تحقيقات واقعية مأساوية من واقع مايحدث داخل المخيمات ، ثم تسافر إلى لبنان وتلتقى ببعض رجال حزب الله ، وسيرتب صديق له هناك حواراً لها مع زعيم حزب الله الشيخ حسن نصر الله .. وراقت لها الفكرة بشدة .. واستأذنت بعض المسئولين الأمنيين الذين كانت تتعامل معهم فى القيام بتلك الرحلة ، فساعدوها على الحصول على التأشيرة الإسرائيلية لدخول الأراضى المحتلة ، كما ساعدوها على السفر إلى بيروت .. وكانت تحركاتها هناك تتم تحت أعينهم ، ووجهوها لطرح بعض الموضوعات والأسئلة على زعيم الحزب وقياداته .. ونشرت هذه الحلقات مسلسلة فى الجريدة القومية ، رغم اعتراض رئيس التحرير عليها فى البداية .. لكن أوامر عليا صدرت له بالنشر ، ولم يكن هناك بد من تعيين عفاف فى الجريدة ، بعد أن ذاع صيتها فى الوسط الصحفى كله ، وحصلت على جائزة نقابة الصحفيين ، وجوائز أخرى من جهات عربية .. واستفادت من نقود الجوائز فى شراء أول سيارة فى حياتها ، وذهبت إلى بلدتها ، مرفوعة الرأس فى سيارتها الخاصة ، محملة بالهدايا لوالديها ، وشقيقها الكبير وطفليه.. وخرجت السيدات من شرفات المنازل ليشاهدنها وهى تدخل بيت أبيها ، بعد أن شاهدوها قبلها بأيام تتحدث فى التليفزيون عن أسرار وكواليس رحلاتها المثيرة إلى أكثر من منطقة ملتهبة فى العالم ، ورأوها تتحدث فى برنامج آخر عن خطر الزواج العرفى ..وأصبحت عفاف حديث المدينة وفخرها وأملها فى الوصول إلى المسئولين وعليه القوم .. ونسى الجميع فى لحظة ما تناثر حولها من فضائح .. ونسوا حكايتها مع "حسام " .. وسبب طلاقها من "أحمد" .
واستمرت علاقة عفاف و"عز" لأكثر من عامين ، تخللتها أحداث كثيرة ، وصعود نجم الصحفية الشابة فى الوسط الملئ بالصراعات والشائعات .. وكانت تسافر كثيراً .. ولفت تقريباً كافة أرجاء المعمورة .. وساعدها قربها من رئيس التحرير فى الحصول على التمويل اللازم لرحلاتها ، خاصة وأنها كانت تحمل له من كل بلد تزوره هدية قيمة .. ساعة ثمينة .. أو ولاعة سجائر مطعمة بالذهب أو تحفة شرقية من الهند .. وكانت تنفق معظم بدلات السفر التى تحصل عليها من الجريدة على شراء هدايا أخرى لمدير التحرير المسئول ، ورئيس الديسك ، وكل من لها مصلحة معه ، حتى تخرج موضوعاتها بالشكل الذى يساهم فى تلميعها وبروزتها ، وكانت لا تتردد أحياناً فى منح بعض زملائها وزميلاتها الحاقدين عليها ، والذين لقبوها بالصحفية الطائرة من كثرة سفرياتها بعض الهدايا لعلها تكسر بها عينهم ، وتؤجل الصدام المحتوم معهم .. لكن ذلك لم يكفها شر النميمة والحسد ، وبدأوا يقلبون فى دفاترها القديمة .. وحكى لهم زميل لها بالجريدة ، تخرج معها من نفس الدفعة بقسم الصحافة بالكلية بعضاً من مغامراتها العاطفية المشهورة أثناء الدراسة ، مع معيدين وطلاب وأساتذة بالجامعة .. ووصلهم نبأ علاقتها المحرمة مع "عز" وإقامتها معه فى شقته بالمنيل منذ عامين وأكثر .. ووصل خبر العلاقة بطريقة أو بأخرى إلى مطلقته .. فاتصلت بجاراتها القدامى فى بيت الزوجية السابق ، وعلمت أن "عز" قدمها لهم على أنها زوجته الجديدة ، ولاحظ الجيران أن لا أحد تقريبا يزورهم.. لا أقارب ولا أصدقاء أو حتى معارف..فما نوع هذا الزواج؟!.. إنهما يخرجان معا في الصباح، ثم يعودان في المساء، وكأنهما يعيشان في جزيرة منعزلة عن العالم ..وبدأ بعض الجيران يتشككون في نوعية هذه العلاقة..إلا أن العشيقين كانا في حالهما..لا يستفزان أحدا ولا يجريان حوارات طويلة مع أحد..وكانت عفاف تتخلص بسرعة بخبثها الفطري من أي موقف صعب أو أي أسئلة فضولية تطرحها عليها جارة متلصصة وهي تنشر الغسيل ..أو إذا التقت بها صدفة وهي تشتري بعض حاجياتها من السوق القريب .. وظلت الأمور على هذا الحال ، حتى جاء يوم ،ذهبت طليقة "عز" لتقابل صاحب البيت الذى يسكن فيه طليقها بالإيجار لتؤكد له أن هذه المرأة التى تقيم معه بالشقة ليست زوجته ، وأنه كرجل يعرف ربنا جيداً ولديه بنات على "وش " زواج ، لا يرضيه أبداً أن يسمح بهذه الأفعال المشينة فى بيته .. ولا يقبل أن يحول "عز" الشقة إلى "جرسونيرة" يستقبل فيها عشيقاته ويعيش معهن فى الحرام ..
واستشاط الرجل الصعيدى الأصل غضباً..وحاول أن يخرج من المأزق بأن يشن هجوماً مضاداً على "الطليقة "ويحملها مسئولية ما حدث بينها وبين طليقها الشاب بسبب سلاطة لسانها ، وعدم احترامها له ، وتعمد إهانته وسبه بأقذع الألفاظ أمام الجيران .. وقال لها إنها لو كانت قد صانت العيش والملح .. وحافظت على زوجها ، لما كانت هذه المرأة قد لافت على زوجها ، وخطفته منها .. وزاد من موقفها إحراجا، حين قال لها إنه لم ير من هذه السيدة الشابة شيئاً سيئاً أو مشينا يجعله يشك فيها أو في سلوكها..ً وأنها أصبحت أعز صديقة لبناته ، وأنها تساعدهن فى استذكار دروسهن أحياناً .. وكل الشارع يحبها ويحترمها .. وأنه يشك فى أن تكون عشيقته أو"ست" بطالة وليست زوجة "لعز" على سنة الله ورسوله.
وبمجرد انتهاء اللقاء.. أرسل صاحب البيت فى طلب إبنه الذى يدير محل بقالة فى نفس الحى ويرتبط مع "عز" بصداقة قديمة من أيام والده الله يرحمه ، ليفاتحه هو فى هذا الموضوع المشين لأن الولد مؤدب ، ومن الأفضل أن يتحدث معه فى أمر يخص سمعته شاب مثله وصديق له .. وبالفعل اتصل إبن صاحب البيت بالعاشق المطعون فى سمعته ، وردد على مسامعه ما قالته طليقته عنه وعن زوجته الجديدة .. فتلعثم كثيراً ، ثم أنكر بشدة كل الاتهامات التى حاولت طليقته تشويه صورته بها انتقاما منه .. وأقسم بأغلظ الأيمان أن شريكته فى الشقة هى زوجته شرعاً وقانونا، وعرض عليه من باب الزيادة فى التمويه والإقناع أن يريه وثيقة زواجه منها .. لكن صديقه البقال رفض بشدة .. واعتذر له ، وأقسم يمين طلاق بأنه ماكان ليصدق فيه مثل هذه الأشياء ، رغم علمه بأنه يشرب الخمور ، ولم يره يصلى معهم فى المسجد طوال حياته لاجمعة ولا سبت ، وسمع مرة من بعض شباب الحى أنهم يقولون عنه إنه شيوعى .. لكنه لم يكن يفهم معنى الكلمة .. وحين قالوا يعنى كافر ومش مؤمن بربنا .. صرخ فيهم وطالبهم بأن يتقوا الله .. ودافع باستماتة عن صاحبه وعن أخلاقه .
ورغم أنه لم يكمل تعليمه لكنه كان يؤمن بالفطرة أن العلاقة بين الإنسان وربه لا يجب أن تخضع لأحكام الناس ، وأنه ليس من حق أحد أن يفتش فى ضمائر الاخرين أو يشق عن قلوبهم كما يقول إمام المسجد ..
وحين علمت عفاف بكل التفاصيل بعد عودتها إلى الشقة فى المساء ،
وجدتها فرصة سانحة للضغط على "عز" حتى يذهب إلى والديها فى البلد ويطلب يدها منهم ، ويتزوجها ويخرس كل الألسنة والشائعات .. ووجد الشاب نفسه فى ورطة حقيقية فلا هو يحب عفاف ولا هو يقدر على البعد عنها .. لقد كان يعرف جيداً أنها امرأة منحرفة بالتكوين والفطرة ، ولم يكن يأمن أبداً لها ، رغم أنه كان يعاشرها ويعيش معها عيشة الأزواج .. وكان يعلم علم اليقين أنها تعرف وتعاشر رجالاً غيره ، وتغيب بالأيام أحياناً بحجة المبيت فى بيت المغتربات حتى لا تثير شكوك والديها وشقيقها إذا سألوا عنها ، وعرف بالصدفة انها كانت ترشى زميلتها فى نفس الغرفة لتقول لهم إنها تبيت معها ، وهى تعلم أنها مع "عز" أو مع غيره .. وكانت أحياناً ما تفضح نفسها أمامه بطريقة عفوية .. وتحاول أن تتحسس شعر صدره فى نشوة متعتها معه ، رغم أنه ليس مشعراً وهو ما جعله يستشعر بأنها ترافق رجلاً ، وربما رجالا غيره .. وفى مرات نادرة نطقت بأسماء رجال آخرين غيره وهى تضاجعه على سبيل السهو والنسيان .. ثم تدعى لكي تخرج من الموقف كعادتها دائما أنها تستفزه، لكي تثير غيرته وتعرف مدى حبه لها .. والحقيقة أن إخلاصها أو خيانتها له لم يكن من الأمور التي تعنى "عز" فى قليل أو كثير ..لأنها فى النهاية-كما كان يقول لنفسه دائما- حين يلح خاطر التملك الذكوري للمرأة، ورفض الرجل..أي رجل..لأن تكون لرفيقته علاقة برجل غيره، حتى ولو لم تكن من حقه، وحتى ولو لم يكن يحبها أو يحترمها في قرارة نفسهإ..لكن على كل الأحوال فهي ليست زوجته .. وطلعت ولا نزلت مجرد عشيقة بتطبخ له .. وتغسل ثيابه وتطفئ شهوته بدون مسئوليه ولا زواج ولا وجع دماغ .. ثم إنه يعرف تاريخها جيداً ويعرف أنها خائنة بطبعها ولا يمكن أن تخلص لرجل مهما ادعت أنها تحبه وتموت فيه .. وخيانتها لا تقتصر فقط على الجنس ..فهى خائنة محترفة .. ولا ينسى أنه اكتشف سرقتها لبعض الموضوعات التى كان يجلبها معه أحيانا من مكتب الجريدة العربية ليقوم بتحريرها وإعادة صياغتها فى الشقة .. وكانت تسرقها وتكتبها بخط يدها وتبيعها لمكاتب جرائد عربية اخرى .. وحين اكتشف هذا الأمر بالصدفة شتمها بأقذع الألفاظ وطردها من الشقة ، لكنه عاد بعد أيام،تحت إلحاح الشهوة ، وذهب إليها فى بيت المغتربات ليستعيدها ، وظل أياماً يسأل عنها هناك ولا يجدها .. وحين التقى بها بعدها بنحو شهر بالصدفة أمام الجريدة التى تعمل بها ، وسألها أين كانت طوال هذه المدة .. كذبت عليه وقالت إنها كانت فى إحدى رحلاتها الصحفية بالخارج .. وابتلع الكذبة بمزاجه حتى تعود إليه .. فقد كان يستطيع أن يدخل ويخرج معها فى الحى الذى يسكن به، بكل حرية وبدون أى شعور بالقلق ، بعد أن فهم الجيران وصاحب البيت أنها زوجته .. فكيف يتزوجها الآن .. وهل يضمن أنها لن تخونه ، ولن تحوله إلى مغفل كبير .. صحيح أنه لا يولى اهتماماً كبيرا لقيم المجتمع الشرقي المتخلف وأعرافه وشرائعه .. لكنه لايقبل أيضاً أن يصبح "كيس جوافة" ..والعلاقة بينهما علاقة نفعية من الطراز الأول .. هات وخذ .. هو يعطيها أفكار موضوعاتها .. ويعيد صياغتها ، وأحيانا يكتبها لها من الألف إلى الياء .. وهى تعطيه المتعة .. إذن فلا معنى للزواج ولا طائل من ورائه .. ولذلك فقد حاول أن يتنصل منها فى البداية بحجة أن ظروفه المادية والنفسية لا تسمح له بالتقدم لها رسمياً .. لكنها ضيقت عليه الخناق ، وأكدت له أنها لاتريد منه أبيضا ولا أسود ، وأنها قادرة على الإنفاق على نفسها ..ولذا لم يجد أمامه سوى أن يصارحها بالحقيقة .
وقال لها: بصراحة.. إحنا كده كويسين أوي .. بلا جواز.. بلا وجع دماغ .. أنا جربت الجواز.. ومش مستعد اتجوز تانى .. الجواز بيقتل المشاعر .. وأنا مش عايز أربط نفسى بأسرة وعيال ومسئولية .. أنا احب أعيش كده حر .. إيه يعنى اللى هايجد علينا ، وإيه الفرق بيننا وبين المتزوجين ..إحنا بيننا عقد غير مكتوب .. وعلاقتنا للمتعة فقط .. بكرة تقولى لى انا عايزة أجيب عيل منك .. والأفلام العربى إياها .. إنتى ما شفتيش "كمال عبد الجواد" قال إيه فى ثلاثية نجيب محفوظ .. " إن الذين يعشقون ما فوق الحياة لا يتزوجون " وأنا أعشق ما فوق الحياة ، وما عنديش استعداد انطحن تحتها وادخل عليكى كل يوم بالجرنال والبطيخة فى إيدى .. ده إذا لقيت ثمن البطيخة .. خلينا كده أحسن .. وإذا كان على صاحب البيت .. أنا أقنعت إبنه خلاص بإننا متجوزين " وما اعتقدش إنه ممكن يفتح الموضوع ده تانى .. وإلا يابنت الناس أنا من طريق وانتى من طريق .. وكل واحد يروح لحاله .
وتركت عفاف عشيقها المرعوب من فكرة الاقتران بها يتحدث ساعة كاملة ويكرر كلامه دون أن تفتح فمها بكلمة ، ثم دخلت غرفة النوم ، وفتحت دولاب الملابس ، وأخرجت كل ملابسها ومتعلقاتها فيه ووضعتها فى حقيبة سفر.. وقالت له وهى تدرك ما تعنيه وتصر عليه .. جواب نهائى ياأخ عز.. سيادتك مش هاتشوف وشى تانى .. وشكرا أوى لحد كده .. ولو سمحت مش عايزة أشوفك فى أى حته أنا باروحها .. والمكتب بتاعكم إشربه .. مش عايزاه .. وما تحاولش تتصل بيا ، ولا تجينى بيت المغتربات ولا تسأل عنى .. وخرجت من شقة المنيل بلا رجعة .
-20-
ورغم أنها لم تحب عز حبا حقيقيا..وتعاملت معه على أنه مرحلة انتقالية في حياتها، الا أنها ارتبطت به كثيرا وتعودت عليه، واعترفت بينها وبين نفسها بأنها تعلمت منه الكثير عن الحياة والصحافة، وأنه لولا عناوينه المثيرة، وتدخلاته في صياغة موضوعاتها الصحفية لما لاقت كل هذا الاستحسان..كما تعترف بأنها رغبت من كل قلبها في أن تتزوجه،ليس فقط لكي تتخلص من لقب المطلقة الذي ظل يطاردها منذ انفصالها عن أحمد، ويجعل الجميع يطمعون فيها، ويتعاملون معها على أنها صيدا سهلا، وهي التي تعودت منذ سنوات مراهقتها على أن تقوم هي بالاصطياد، ولم تسلم نفسها أبدا الا للرجل الذي يعجبها قبل أن تعجبه هي..لكنها أرادت الزواج من عز أيضا لأنها شعرت معه بأمان لم تشعر به مع طليقها أو مع حسام أو مع أي شاب آخر عرفته وأقامت علاقة معه، فقد كان عز نهرا صافيا، وكتابا مفتوحا تستطيع أن تقرأه من النظرة الأولى..كان شاعرا رقيقا وطيبا لا يحمل ضغينة لأحد، ولا يملأ قلبه السواد والحقد الذي كان يقفز من عيون معظم من عرفتهم من شباب التنظيم الطليعي سواء في الحزب أو في الجامعة..أما عز فكان حالما رومانسيا، رغم الشعر العامي السياسي الحماسي الذي أهدر فيه موهبته،وطبع أشعاره بالمباشرة الشديدة والاسلوب الزاعق الذي يقتل الفن، ويحول القصيدة الى مظاهرة حماسية.
وقاومت عفاف بعنف رغبتها في العودة الى عز..ذلك المر الذي رضيت به، رغم كسله واحباطاته وعدم طموحه، فرفضها هو ولم يرض بها..وقال لها في وجهها..ليه ادفع اكتر ما دمت اقدر ادفع اقل..ليه اتجوزك وانا عايش معاكي كده كده..من غير ورقة ولا مأذون..ورغم أنها كانت تعلم أنه سيحاول العودة اليها بأي ثمن، حتى ولو كان هذا الثمن هو الزواج الذي رفضه من قبل، فهي التي سترفض هذه المرة، لا لأنه جرح كرامتها وأنوثتها وكبرياءها..ولكن لأنه صفحة في حياتها ولابد أن تقلبها..فوجوده معها سوف يعطلها، ويشتتها، ويبتعد بها عن الحلم الذي صممت على تحقيقه، وهو أن تصبح أشهر وأكبر صحفية في مصر،وتخرج لسانها لكل من أهانوها وعذبوها.
ولم تكد تمر أسابيع قليلة على انتهاء علاقتها بعز، استطاعت خلالها بسرعة المجربة المدربة أن تتخلص من الاحساس بالمهانة لرفض رجل آخر الاقتران بها لأنها مطلقة أو منحرفة -لا يهم-حتى تعرفت على شاب آخر..صحفي وشاعر أيضا..والحقيقة أن عفاف احتارت كثيرا في تفسير هذه الظاهرة..فكل، أو على الأقل معظم من يحبونها أو يرغبون في إقامة علاقات معها شعراء..وشعراء عامية بالتحديد..وهي لا تعرف حتى الآن سر تعلق هؤلاء الشعراء بها ، أو سر إصرارهم على كتابة القصائد فيها سواء بالعشق أو بالذم .. فالشاعر من دول يقابلها النهاردة ، فيبدأ فى سيل من الأشعار يمطرها بها.. وكل يوم والتانى يقول لها .. أنا كتبت فيكى قصيدة .. غزل عفيف وأحيانا عنيف .. لكن شاعرها هذه المرة كان صحفياً أيضاً وروائى وكاتب ساخر خفيف الظل ، تربع أحد كتبه على عرش أكثر الكتب الخفيفة مبيعا هذا العام ..فقد كان موهوباً بحق .. والغريب أنها فى البداية لم ترق له ..وإن كان لم يستطع أن يدارى نظراته الشهوانية لجسدها الأفعوانى اللدن .. وفجأة وبدون مقدمات وجدته يكتب مقالا عنها وعن "الخبطات " الصحفية التى اشتهرت بها فى صحيفة خاصة، يكتب بها مقالا أسبوعياً ثابتاً ،وأطلق عليها لقب صحفية الألفية الثالثة .. ولم تجد صعوبة فى الحصول على رقم تليفونه المحمول ، وكلمته لتشكره ، فطلب منها أن تأخذ معه فنجان قهوة فى كافيتريا بأحد فنادق الخمس نجوم .. اعتاد الذهاب إليها يومياً ، لتدخين الشيشة والكتابة .. وكان زبونا دائما بها .. ولفت نظرها فى البداية فرط اعتداده بنفسه ، وصلعته التى لا تتناسب كثيراً مع ملامحه الوسيمة وصغر سنه ، فقد كان لا يزال فى بداية العقد الثالث من العمر ، والصلع مع ذلك يغطى نصف رأسه .. واستلمها "الأصلع" بالنكات والقفشات حتى علت ضحكاتها ولفتت إليها أنظار زبائن الكافيتريا .. فقد كانت صاحبة ضحكة مجلجلة ، تذكرك بدلال ودلع ضحكة الممثلة المصرية اليهودية الراحلة نجوى سالم فى مسرحيات فرقة الريحاني القليلة التى تم تصويرها تليفزيونياً .. وكان الشاعر الأديب الصحفى هو الاخر مدخنا شرها مثلها ، وكاد يفوق "عز" فى إشعاله للسجائر واحدة من الأخرى ، وكان لا يتوقف عن التدخين سوى عند النوم فقط..ومع ذلك كانت أسنانه ناصعة البياض ..وكان مهندما ومعتنيا بنفسه وبمظهره على عكس "عز" وشلة اليساريين البوهيميين الذين لا يستحمون الا في المناسبات والاعياد، وتفوح من أجسادهم رائحة العرق مختلطة برائحة العفونة والسجائر..وأسنانهم صفراء وياقات قمصانهم يختلط فيها "الجلخ" بالوسخ..أما "حاتم" فكل شئ فيه يدل ويؤكد على أنه ابن ناس ..لم يذق طعم الفقر أو الحرمان في حياته، ودخل الصحافة من بوابة "الواسطة" والعلاقات العامة..فقد كان خاله مسئولا كبيرا بوزارة الخارجية، وكان يريد أن يتوسط له في البداية للتقدم لامتحان الخارجية والالتحاق بالسلك الدبلوماسي، لكن "الولد" كان غاوي صحافة كما قال له أبوه، الذي طلب منه أن يتوسط لدى أحد أصدقائه في الجريدة القومية ليلحقه بالعمل بها.
ورغم النشأة شبه المرفهة التي تربى "حاتم" في ظلها، إلا أنه كان متمردا بطبعه وعاشقا للصعلكة..يحفظ عن ظهر قلب أشعار معظم الشعراء الصعاليك المتمردين،والمتفلفسين والناقمين على الحياة والمجتمعات العربية.. بداية من عبدالحميد الديب وأحمد مطر ومظفر النواب، وحتى أمل دنقل وأحمد فؤاد نجم، فضلا عن رباعيات صلاح جاهين وقصائد لصلاح عبدالصبور ومحمود درويش وعبدالمعطي حجازي..وأشعار نزار قباني السياسي منها والعاطفي..كان فيلسوفا صغيرا ساخرا وكان أطيب من عرفتهم عفاف قلبا وأنقاهم سريرة وأكثرهم عفوية وتلقائية وخفة ظل، يخترق الحواجز بينه وبين الناس ويزيل الحدود معهم بسرع مذهلة، يذوب فيهم ويذوبون فيه، ويجيد فن العلاقات العامة، وصناعة الصداقات الشخصية بسلاسة ويسر، ويملك مفاتيح شخصيات المحيطين به وبوابات قلوبهم، ويحتفظ بفضل تلك الموهبة والملكة الخاصة جدا بعلاقات قوية مع رموز الفكر والثقافة والصحافة والفن من كافة التيارات ومختلف الاعمار.
و "حاتم" نشيط وطموح..يعرف ما يريد جيدا ويصل اليه من أقرب طريق..ورغم أنه صدم في البداية من فرط سطحية عفاف، وثقافتها الشفوية المحدودة، والمستوحى معظمها مما كانت تسمعه من والدها أو قيادات الحزب في الندوات أو زملائها في الجامعة من الطلاب اليساريين، إلا أنه وقع في غرام عينيها منذ اللحظة الأولى التي وقعت عليها عيونه..وكان يقول لها..عيناك تتحدثان وتشعان حضورا قويا ..وتوحيان بكل ما تريدين دون أن تنطقي بكلمة واحدة..وكتب في تلك العيون قصيدة تفيض بالرومانسية بدأها بتلك الأبيات..
عينان..
لمستا حنان
يعانق الاباء فيهما الهوان
وترسمان شاطئي أمان
وسادة للخافق الحيران
أراهما على الدروب تحلمان
فأنثني ..معذب الكيان
مجرح الخطى ..مجرح الرؤى
معذب الجنان
يا أنت..
يا رقيقة كهمسة البيان
العين دمعتان..
والشعر خصلتان..
والوجه يا حبيبتي..
ريشة وبسمة..
ووردتان
أراهما على الدروب تحلمان
فأنثني ..معذب الخطى
مجرح الرؤى..مجرح الجنان
-21-
ولفت نظر "حاتم" في عفاف أيضا أنها من الصحفيات القليلات بل والنادرات اللاتي لا تكثرن من الكلام..وكانت ممن يتمتعن بما يعرف بالصمت الايجابي، وهو يختلف كثيرا عن صمت التوهان والسرحان الذي يجعلك تفقد الاهتمام بمن تحدثه وبالحديث الذي تقوله له، ولكنه صمت محبب ،ومحفز على الاسترسال في الحكي والكلام..صمت التدبر والانصات ومحاولة وزن الكلام وتقليبه على كافة وجوهه..وكان صمت عفاف من هذا النوع، فقد كان ذكاؤها الفطري يدفعها الى محاولة تعويض ضحالة ثقافتها ،وانحسار تجاربها في علاقات عاطفية عابرة لا تصقل انسانا ولا تثري عقلا، بالاستماع الى تجارب الآخرين، وخاصة النابغين والمثقفين منهم، وكانت عادة ما تنسب كثيرا مما تسمع منهم الى نفسها..وتردد أفكارهم وتجاربهم الحياتية ، حين تجلس مع آخرين على أنها من بنات أفكارها ،ومن جعبة تجاربها في الحياة..ولأن الكذب كما يقولون بلا رجلين، فقد كانت تنسى أحيانا وتحكي نفس القصة التي سبق أن قلتها أنت لها اليك مع نسبتها الى نفسها..بل ووصل بها الامر الى أن تنسب قصصا تافهة مباشرة المعنى وضعيفة البناء القصصي كتبها أبوها في شبابه بدافع الغيرة من شقيقه الأصغر الموهوب الى نفسها، لتبدو هي الاخرى في ثوب الأديبة والموهوبة أمام أصدقائها من الطلاب اليساريين أيام الجامعة، والذين كان معظمهم اما شاعرا أو قصاصا، ومن لم يكن منهم لا هذا ولا ذاك ،فهو على الأقل كاتب مقالات..أو "حنجوري" ومدعي ثقافة.
وكانت إجادة عفاف لفن الاستماع تغري من تحدثهم، مدفوعين بملامح البراءة والسمت الملائكي الصبوح الذي يشع من وجهها ، بأن يفتحوا لها قلوبهم وخزائن أسرارهم..وتشجعهم نظراتها التي تتعمد أن توحي لمن يحدثها بالانبهار بحديثه على الاستغراق في الحكي، وترك النفس والمشاعر على حريتها بدون فرملة أو ضبط.
وشعر"حاتم" بارتياح شديد لها منذ لقائهما الأول ..واستسلم للانطباع الذي نجحت في تسريبه اليه، حين تعاملت معه باعتبارها التلميذة وهو المعلم والاستاذ، رغم أنه كان يصغرها في السن بحوالي عامين..ورغم أنه لم يكن أكثر شهرة منها على الأقل فى الوسط الصحفى .. الا أنه كان في الوسط الفنى والثقافى بلا شك أكثر شهرة وأفضل علاقات منها.. وهو ما جعلها تقتنع بينها وبين نفسها بحاستها النفعية الأصيلة بأنها ستفيد كثيرا من علاقتها به، وأن اقترابها منه سينقلها خطوة أخرى نحو الحلم الذى تعهدت لنفسها بتحقيقه .. وهو أن تصبح كاتبة شهيرة وليس مجرد صحفية بارعة .. صحيح أنها أصيبت ببعض الإحباط، حين أطلعت بعض أصدقائها من النقاد اليساريين على القصص القصيرة التى كتبتها، وسرقت معظم أفكارها وحواديتها من قصص أبيها التافهة، ووصفوها بالسذاجة الشديدة والضعف الفنى وغياب الحبكة الدرامية ، إلا أنها لم تيأس .. ووجدت فى "حاتم " ضالتها المنشودة لتحسين قدرتها على الكتابة الأدبية .. ونصحها الشاب الموهوب بأن تلتحق بالقسم الحر فى أحد معاهد أكاديمية الفنون لتعلم كتابة السيناريو للسينما ..ورأى فى قصصها مشروع لكاتبة سيناريو معقولة ،معللا ذلك بأن كتابة السيناريو تعتمد على معرفة آليات هذه الكتابة بأكثر مما تعتمد على الموهبة..بل وارتضى أن يعيد صياغة بعض هذه القصص بأسلوبه .. فيأخذ منها "الحدوتة "ويحولها إلى عمل فنى حقيقى وليس مجرد حكاية ..ولأنه كان قد خاض من قبل تجربة كتابة السيناريوهات للسينما .. وله بالفعل فيلمان يعرضان فى موسم الصيف .. فقد عرض عليها أن تشارك فى إحدى ورش السيناريو .. لتتعلم حرفية الكتابة ، واعداً إياها بأن عليها أن تبدأ فقط في التعلم وتترك الباقى عليه .. وأوصى بعض أصدقائه من معدى البرامج التليفزيونية فى الفضائيات أن يستضيفوها فى برامجهم لتتحدث عن رحلاتها الصحفية المثيرة ، التى كانت تفبرك معظم تفاصيلها ، وتستغل قدرات "عز" الإستثنائية فى أن يصنع لها من الفسيخ شربات .. ومن الحبة قبة ..ويضع لها عناوين ساخنة .. ومقدمات صحفية مشوقة لموضوعات صحفية عادية جداً ، فتشد القارئ وتبهره .. وأصبحت تقضى أوقاتا طويلة مع "حاتم" .. وتعرفت من خلاله على كثير من المبدعين الشبان فى كافة فروع الفن ..وعرفت لأول مرة معنى تكامل الفنون .. فقد كان المبدع المعجون بالموهبة .. يهوى العزف على الكمان ، ويرتاد "جاليريهات" ومعارض الفن التشكيلى .. ويكتب القصص القصيرة والرواية والمقالات الساخرة وبعض أغانى الأفلام .. ويكتب كذلك السيناريوهات للسينما ..ويقدم برنامجاً عما تنشره الصحف فى إحدى الفضائيات.
وأحست عفاف معه بأنها تحولت إلى إنسان آخر..وكانت تغني له دائما أغنية هانى شاكر الشهيرة.. "ياريتنى عرفتك من زمان ..يا ريتني ما شفتش قبلك حد..يا ريت مشوار عمرنا يتمد..كنت لاقيتك وانت لاقيتني..كنت هويتك وانت هوتني..يا ريتني".. وشعرت لأول مرة فى حياتها بأنها تحب لأول مرة بإخلاص وصدق، بغض النظر عن الاستفادة النفعية والمصلحة، التي حركتها نحوه في البداية.. ولم تعد تفكر في أن تستغله وتستغل علاقاته في الوسط الفني والثقافي، كما تعودت أن تفعل مع من عرفتهم قبله من رجال للوصول إلى أهدافها..ولم تعد حتى تريد أن تصبح كاتبة مشهورة ولا يحزنون.. يكفيها ما وصلت إليه فى الصحافة من شهرة ومكانة فى وقت قياسى .. إنها تريده هو .. هو فقط .. فهو الوحيد الذى شعرت معه بشئ من الاحترام لنفسها ..النابع من احترامه الشخصى لها ، رغم كل ما كان يعرفه عنها من قصص ومغامرات وعلاقات .. ذابت فيه بكل كيانها .. وحكت له بصدق وشفافية ودون كذب أو مواربة كل تفاصيل حياتها ..ومع ذلك لم يحتقرها، ولم يبد أي ذرة استهجان أو نفور مما حكته له عن حياتها وماضيها وتجاربها ، ولم تشعر ولم يشعرها بأنها سقطت من نظره .. تعاطف معها واحتضنها .. وكانت لقاءاتهما فى هذه المرحلة من العلاقة قد انتقلت من كافيتريا فندق شهير على النيل إلى شقته التى اشتراها حديثاً وأسسها بالكامل من حصيلة بيع كتبه وسيناريوهاته وأغنياته .
و"حاتم " وإن كان ينتمى إلى عائلة عريقة ، إلا أنه لم يكن ثريا ، ووالده وكيل وزارة على المعاش .. رباه هو وأخته ووفر لهما حياة كريمة ، وانفق ميراثه كله على تعليمهما وتثقيفهما ، ولم يحرمهما أبداً من أى شئ .. وبعد أن تزوجت أخته .. أصبح الشاب يعيش وحيداً مع والده ، بعد وفاة والدته منذ شهور قليلة .. ولكن الولد المبدع الشامل لم يكن يفكر فى الزواج .. أولا ..لأنه لم يلتق حتى الآن بالفتاة التى تملأ عليه قلبه ومشاعره ويتنازل لها مختاراً عن حريته ، وثانياً حتى لا يترك والده يعيش وحيداً ، وقد اشترى شقته الجديدة، لا بغرض الزواج ، ولكن استجابة لإلحاح والده ، وأثثها قطعة قطعة.. حتى لا تضيع فلوسه هباءاً على السهر والسفر .
أما عفاف فقد ذابت تماماً فى هذه العلاقة .. وحاولت فى البداية التهرب من الاستجابة لرغبته فى النوم معها، حتى لا تخسره فى النهاية ، كما خسرت الآخرين .. لكنها وافقت تحت إلحاحه عليها ،ورغبتها الشخصية الجامحة فى أن تمنحه نفسها لأول مرة بدون مقابل سوى الحب .. الحب الحقيقى الذى فرحت به وأحست أنه سيعوضها ويطهرها .. وتوقفت عن تناول حبوب منع الحمل التى تعودت عليها منذ سنوات طويلة .
وأحست بعد عدة أشهر من علاقتها بحاتم بجنين يتحرك فى أحشائها .. ولم تبح له فى البداية بالخبر السعيد .. وكانت تتصور لفرط جنونها به أنه سيطير فرحاً حين يعرف .. واضطرت فى النهاية أن تخبره ، بعد أن بدأت بطنها تكبر رويداً رويداً ، ولم تعد "الكورسيهات " أو " الجيبات" الواسعة التى ترتديها تنفع لإخفاء الأمر ، وكانت حاملا فى الشهر الرابع حين صارحته بالحقيقة التى أخفتها عنه .. ونزل الخبر عليه كالصاعقة .. وتذكر على الفور والده وكيل الوزارة السابق .. وأخته المتزوجتة من ضابط شرطة .. وعائلته عريقة الأصول .. وسمعة عفاف التى أصبحت تدوى فى الوسط الصحفى مثل الطبل البلدى ..وطلب منها بهدوء شديد أن تتخلص من الجنين بأى وسيلة وأى ثمن .. وطلب على "المحمول " صديقة مشتركة لهما تعرف تفاصيل علاقتهما .. ولديها خبرة واسعة بهذه الأمور .. فقد تزوجت ثلاث مرات وطلقت .. وأجرت أكثر من عملية إجهاض ، كما حكت له بنفسها فى جلسة اجترار لذكريات الماضى الأليم .. وعقدت الصدمة لسان عفاف فلم تدر بماذا تجيب .. او ماذا تقول .. واستسلمت تماما لرغبته .. وشعرت بأن كل شئ ينهار من حولها .. والحلم الجميل أصبح كابوساً..
والطفل الذى عاشت به وله أربعة شهور لن يولد أبداً .. وتيقنت أنها لا يمكن أن تعيش حياة طبيعية مثل أى امرأة .. تحب وتتزوج وتنجب .. ودفع "حاتم" تكاليف العملية واختفى .. ذهب فى بعثة إلى الولايات المتحدة لاستكمال دراسته في أحد المعاهد المتخصصة فى السينما هناك ..فقد كان يراسل هذا المعهد منذ فترة ، وأرسلوا له بالموافقة على طلبه بالدراسة لديهم ، لكنه كان يؤجل فكرة السفر لأسباب تتعلق بأعمال عليه إنجازها في مصر..وجاءت صدمة حمل عفاف منه وإجباره لها على إجهاض الجنين، كفرصة مناسبة للابتعاد عنها لفترة ، حتى تنسى ما حدث..وحتى يعيد ترتيب أفكاره ، ويحدد موقفه النهائي من علاقته بها.
وكانت هذه التجربة كفيلة بأن تجعل عفاف تكفر بما لم تؤمن به من الأساس .. الكل هراء .. والكل وهم.. بكت .. وغرزت أظافرها فى وجهها حتى غطته كله بالدم .. مزقت كل ما أهداه إليها من كتب .. وتركت دراسة السيناريو بالمعهد .. ومزقت صورها معه .. وذهبت إلى شقته ودخلت بنسخة المفتاح الذى أعطاه لها قبل أن يتركها ويهرب .. وكسرت وحطمت كل ما طالته يديها وما استطاعت تحطيمه من أثاث .. أخذت ملابسها من غرفه نومه ، وتذكرت "عز" .. وتذكرت طليقها .. وتذكرت كل ما مر فى حياتها .. وكل من عرفتهم من رجال .. وسقطت مغشياً عليها من فرط الغيظ والحنق والألم .. وحين أفاقت من الإغماء .. لم تدر كم مر عليها من وقت .. لكنها قررت الانتقام لكرامتها الذبيحة وطفلها الموؤود..وأول خطوة على طريق الانتقام هي أن تجعل "حاتم" يندم على اللحظة التي تركها فيها وهرب كالجبان..وتثبت له ولغيره من الرجال الذين أداروا ظهورههم لها بعد أن أخذوا ما يريدونه منها، أنها تستطيع الوصول لما تريد بدونهم ..وأنه سيأتي اليوم الذي يقبلون فيه قدميها لكي تعطيهم لحظات من وقتها..وتسمح لهم بتبادل كلمات قليلة معها ..وأصرت مدفوعة بإحساس الغيظ والحنق على الجميع أن تستمر فى رحلتها للصعود مهما كلفها الأمر .. وقررت اصطياد ضحيه أخرى .. لكنها لن ترضى بديلا هذه المرة عن الزواج .. ولا بد أن يكون لديها أسرة وطفل .. ولابد أن تسكت أبيها وأخيها وتريح أمها التى لا ترى أى فائدة مما وصلت إليه من نجاح دون أن يكون لها زوج وبيت .. وتذكرت شماته زوجة أخيها ، وولديه اللذين تعشقهما وتعتبرهما إبنيها اللذين لم تنجبهما .. لكنها وعت الدرس هذه المرة .. فالرجل الشرقى مهما تظاهر بالتقدمية والاستنارة .. ومهما كان علمانياً أو فوضوياً أو حتى ملحداً لا يقبل الزواج من امرأة سلمت نفسها له بدون مقابل، وبدون ورقة لدى مأذون شرعى .. لكن الزبون القادم لا بد أن يكون من خارج الوسط ، وبعيداً تماماً عن الصحافة .. وهى الآن مشهورة أو على الأقل معروفة.. ووجهها مألوف من كثرة ظهورها كضيفة فى برامج التليفزيون المصرى والفضائيات .. وألف من يتمناها.. بشرط ألا يعرف ، ولا تكون لديه الفرصة ليكتشف ماضيها وأسرار علاقاتها المتعددة .. صحيح أن كثيرين تقدموا لها وعرضوا عليها الزواج من الوسط الصحفى، ومن أعضاء الحزب .. لكنهم جميعاً "كحيانين" يريدون الصعود على "قفاها" .. وهى تريد رجل بجد .. له قيمة ومركز و"برستيج" ..وسوف تتعرف عليه بالتأكيد وتتزوجه وتنجب منه قبل أن يفوت الأوان ، ويزول شبابها وتضيع خصوبتها .. وهى عنيدة ومقاتلة ودؤوبة .. وضربة "حاتم" هى الأقوى ، لأنه غدر بها وهى التى تعودت أن تغدر بالرجال وتتلاعب بهم .. وهى كادت بالفعل أن تقتلها ، لأنها كادت تموت بالفعل وليس مجازاً ..فى عملية الإجهاض .. لكنها لم تمت .. ولن تموت دون أن تحقق حلمها وتضع حذاءها فى أفواه الشامتين والحاقدين ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.