توقفت عن الكتابة منذ الرابع عشر من يناير الماضي ولمن نسى هذا التاريخ، أود أن أذكره بأنه يوم فتح الباب للاستفتاء على الدستور المعدل وقد كتبت يومها الآتي: "فالدستور الجيد لن يأتي بالرغد والرخاء والدستور السيئ لن يحيل حياة الناس إلى جحيم، فكم من الدول تحيا في النعماء ولا دستور لهم وكم من دول تعيش حياة التعساء وكم من دستور لهم، فالأهم هو صحة المبدأ مع صواب التطبيق". ومما أفتخر به أني سافرت عبر دول وبحار لأصل لمصر قبل موعد غلق الصناديق وذهبت مباشرة للإدلاء بصوتي، ولكن السؤال لماذا توقفت عن الكتابة؟ توقفت لأني قررت أن أواجه نفسي بصدق وأري ما قدمت يداي لنفسي ولبلادي، وعليه فقد نحيت كل عملي العام جانبا وقررت أن أدخل في العزلة الإختيارية لمراجعة النفس والتدقيق والمحاسبة واستنباط النتائج عن المرحلة السابقة، فعلى مدار ثلاث سنوات من البحث والنقاش والتفنيد والتأييد والترغيب والترهيب والوعود والجحود والانتصارات والإنكسارات ووجدت أن النتائج مفزعة. فقد اكتشفت أن العام اختلط بالخاص في تمازج غريب – ليس لي فقط ولكن لكل العينات التي وضعتها محورا للمحاسبة والتدقيق - فالجانب الشخصي للمهمومين بالشأن العام انسحق تماما واختلطت فيه المعايير فقدمت المصالح الشخصية على المصالح العامة وصارت أحاديث طاولة الطعام نزاعات ومناظرات سياسية. الاستقطاب والأحكام المسبقة بل وسوء الظن أصبح اللاعب الأساسي في كل الفعاليات، فالكل يبحث عن ثغرة لإثبات العمالة والخيانة على خصومه، وحتى إن كانوا ضيوفا لبرنامج حواري والكل شريك في الأمر بدءا من المهمشين ووصولاً للمدعين للثقافة والفهم. أما أنا فأعترف بالآتي: أعترف أني قد عبرت من خلال أشعاري عن توصيف لفترة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، فعلى مدار عامه لم أترك مناسبة بدون قصيدة ومما أفتخر به أنني تنبأت بمصيره هو وجماعته في وقت كان فيه الجميع (النخب السياسية والثورية) يداهنه هو وعشيرته وهى ذات القصائد التي قرأتها مرارا على مدار الشهرين المنصرمين. أعترف أني شاركت في معظم الفعاليات الوطنية وحاولت ان أصل بوجهة نظر وطنية لمن أثق في إخلاصهم للوطن وكفاءتهم بل وساهمت فعليا في إنشاء أحد الأحزاب بل وطلبت من معارفي أن ينضم كل منهم إلى أي حزب سياسي يناسب رؤيته وتوجهاته السياسية طمعا في إيجاد مسار سياسي سوي منتظم يؤمن بالدولة ويزكي القانون، يؤمن بالمشورة والخلاف ويؤيد الراجح بلا إسفاف. وحاولت أن أقدم مبادرات بأفكار قد ترقى لحد الأخذ في الاعتبار وعلى الرغم من أنها لاقت الكثير من الترحيب والثناء إلا أنها باتت دوما حبيسة ليل الأدراج ولم تر يوما نهار التنفيذ. أعترف بأني بعد ثورة الثلاثين من يونيو (من فضلكم بلا تمجيد فلم نفعل حتى الآن ما يمنحها أو يمنحنا الحق في الفخر والتمجيد) قد سعيت إلى إجراء حوار مع من يمثلون فرقا سياسية مختلفة من الناصريين، الإخوان، الحزب الوطني، الثوريين - وإن كنت أعترض على هذه التسمية. أعترف بأن الصدفة وحدها وربما هى الأقدار من وضعتني موضع المؤسس والمساهم في كيان (قد يكون له شأن كبير إن استطاع التخلص ممن فيه من أصحاب المصالح والسبوبة) وتغليب مفهوم ثورة إرادة التطوير والتطهير على براكين التغيير. واسمحوا لي قبل أن أسرد النتائج في مقالي القادم، أريد أن أقسم غير حانث ولا مضلل بأني من الآن فصاعدا أرفض معظم من ينتمون أو يدعون أنهم النخبة السياسية أو الثقافية لمصر وأن وصفهم الوحيد عندي والمتطابق معهم هو "النكبة". نعم فقراءتك لها صحيحة " النكبة" التي أصابت مصر من عقول أقل ما توصف به بأنها من أصحاب أنصاف الرؤى، النكبة التي أصابت رجالاً كنا نحسبهم عونا ومددا إلا من رحم ربي وهم للأسف قليلون. فلك الله يا بلادي.