ماذا لو رغب فى أن يبتعد عن المحرمات (اللحوم الحمراء) حتى لا يضطر للسرقة، وفكر فى أن يطعم أبناءه نوعاً أرخص من اللحوم، حتما سيفكر فى أن يشترى " فرخة " سعرها على أقل تقدير 25 جنيها. جميل جدا ..لنفترض أن عدد أفراد الأسرة لا يتجاوز أربعة أفراد فسيفوز كل فرد بربع فرخة (باستبعاد الأسر التى يزيد عددها على عشرة أفراد لأننى لن استطيع بأى حال من الأحوال تخيل كيف يعيشون والحجم الطبيعى لإنفاقهم الشهرى)، لنذهب إذن إلى المضمون ونعود إلى الفرخة والأربعة أفراد. بالطبع يجب أن يصاحب الفرخة خضار وأرز مطبوخ حتى يطعم منه الأب أبناءه فى اليوم التالى من باب التوفير، لنفترض مثلا أنه سوف يشترى كيلو بطاطس أو كيلو بسلة وكيلو بصل مع كيلو طماطم ( يا حبذا لو كانت مفعصة) فسيتكلف على الأقل 15 جنيها فى الخضار، ويصبح إجمالى المبلغ 40 جنيها ، ولا داعى للسمن والزبد ولتؤدى المهمة بالزيت، وبما أن زجاجة الزيت فى الأسواق سعرها فى المتوسط 10 جنيهات، يصبح إجمالى المبلغ 50 جنيها (لقد استبعدت الأرز فلا داعى منه حتى لا تصاب ميزانية الأسرة – عفوا أقصد- أفراد الأسرة بالسمنة). إنها أسرة قنوعة لن تأكل اللحم (الفراخ بالطبع) سوى مرة واحدة فى الأسبوع أى أربع مرات على مدار الشهر، ومن هنا سيصبح متوسط سعر هذه الوجبة شهريا 200 جنيها، ودعنا نفترض أن هذه الأسرة تحيا فى شقة إيجار قديم ولا تدفع أكثر من 100 جنيه فى الشهر بالإضافة إلى فاتورة المياه ،والكهرباء، وسعر الكنز الشهرى الثمين (أنبوبة البوتاجاز) يصبح الإجمالى هنا 200 جنيه. عندما نقوم بجمعهم مع ما سبق يصبح إجمالى الإنفاق 400 جنيه. لن تستهلك هذه الأسرة سوى 4 كيلوات سكر شهرياً. وتجاوزا دعنا نضع سعرا تقديرياً 20 جنيها وشاى 10 جنيهات. وفى باقى أيام الأسبوع سوف تتحايل وتشترى نصف كيلو عدس ومستلزماته سيكلفها 15 جنيها، وسيتم استهلاكه على مدار يومين من الأسبوع والثلاثة أيام الباقية يتم تقضيتها بالفول المدمس أو الخضار القرديحى ، أى 90 جنيها أسبوعيا. وفى النهاية يصبح المجمل 360 جنيها شهريا. وحتى لا يصاب أفراد الأسرة بالأنيميا ويسقطون مغشيا عليهم يجب أن يتكفل الأب (المسكين) بشراء فاكهة ولو مرة واحدة فى الشهر، أضف إذا 20 جنيها فاكهة إلى ما سبق يصبح المجمل 390 جنيهاً ، دعنا نقل تجاوزاً 400 جنيه. وفى البداية كان هناك 400 جنيه تكاليف وجبة الفراخ ،إذا سيصبح مجمل التكاليف 800 جنيه، أضف عليهم 200 جنيه مواصلات بافتراض أن جميع أفراد الأسرة لا ينفقون سوى هذا المبلغ شهريا وأن فيهم من يمارس رياضة المشى يوميا بدلا من المواصلات، سيصبح إجمالى الإنفاق 1000 جنيه شهريا. الحسبة (الفاشلة) السابقة لا تضع فى تقديرها المرض، والمصروفات الدراسية، والعيد، وكسوة الأطفال، والمناسبات، والأزمات، إنها حسبة تم حسابها بافتراض أن الحياة دوما تسير على ما يرام، وأن جميع أفراد الأسرة ليس لديهم هاتف محمول ولا حتى هاتف أرضى. كثيرا ما أتساءل كيف تعيش أسرة لا يزيد دخلها الشهرى على 400 جنيه أو 500 جنيه؟ بل إن هناك من الأسر تلك التى لا يتجاوز الدخل الشهرى لها 200 جنيه، كيف يملأ هؤلاء بطونهم ويسدون جوعهم؟ وهل هم يصلون أصلا إلى مرحلة الشبع عندما يجلسون لتناول الطعام؟ كم مرة فى عمرهم تمكنوا فيها من أكل ما يشتهون؟ أو اختاروا شراء ما يرتدون؟ الأهم هنا.. هل وقف أى من المسئولين المحترمين لحظة مع نفسه ليفكر وهو يتقاضى الآلاف شهريا كيف يعيش من يتقاضى الملاليم فى هذه البلد؟ هل خطر فى بال أى من المسئولين الكرام أن يحاول تجميع هذه الحسبة الفاشلة فى عقله؟ هل حاول يوما أن يتأمل كيف يعيش الملاك الحقيقيين لهذه البلد جوعى ويسقطون مرضى من نقص التغذية بنيما يسقط مسئوليهم الكرام صرعى بسبب التخمة الزائدة؟، هل فكر أحدهم وهو يشترى زجاجة برفان للمدام بألف جنيه أن هناك رب أسرة لا يتقاضى حتى نصف هذا المبلغ شهريا؟، هل يلام المواطن المصرى لو انتفض جوعا ليأكل هؤلاء المسئولون ويمضغهم بأسنانه حتى يشعروا بمعاناته وجوعه؟ ينادى المثققفون ذوى البطون الممتلئة والجيوب المتضخمة بالرقى، والنظافة، والتقدم، والوجه الحضارى المشرق لمصر، ينادون بالرفاهيات المعيشية، يدعون أنهم يطالبون بحقوق المصريين وهم فى الحقيقة يطالبون بحقوقهم، يسعون لإشباع احتياجاتهم لا احتياجاته هو، إنهم يتحدثون بلسانهم لا بلسانه. سوف يصبح حديث الكبار مقنعا أكثر إذا جاعوا وافتقروا وحرموا أنفسهم مما يعيشون فيه من رفاهيه. إن الديموقراطية التى ينادون بها لا يعلم عنها المواطن البسيط شيئا لأنهم يستخدمونها كمصطلح أجوف لا يسمن ولا يغنى من جوع ، ويتناسون أن هناك من المرشحين من دخل البرلمان فى مقابل كيلو لحمة لأنه لا يعلم سوى حلم ابنه فى أن يتذوق طعم اللحمة. الجائع يا أعزاء يبحث عن لقمة .. يبحث عن سبيل لتهدئة ألم الجوع والبرد والفقر والحرمان، وذو البطن الممتلئة يبحث عن المتعة يبحث عن سبيل لامتاع النفس والترفيه والتسليه عندما يرهقه فرط النعيم. نداء للسادة المثقفين حاول أن تجوع يوما واخبرنى وانت فى دفء مكتبك المريح وفراشك الوثيرفيما كنت تفكر ونداء أخير للسادة المسئولين "يقولون إن الإحساس فطرة"...!!