والحقيقة ان عفاف لم تنتظر دخول الجامعة لتتعرف لأول مرة على الجنس الكامل أو المخدرات، كما تفعل بعض الطالبات المنحرفات أو المغرر بهن..فقد جربت الاتنين معا فى سن مبكرة جدا.. وبالتحديد فى سنة أولى ثانوى، وكان عمرها لا يزيد وقتها عن 15 سنة، حين تعرفت على سكرتيرة المحامى اياه، الذى يقع مكتبه فى نفس العمارة التى تسكن بها فى مدينتها الصغيرة.. وكان المحامى مشهورا بعلاقاته النسائية المتعددة.. وينتقى السكرتيرات على الفرازة ويوكل اليهن مهام تتجاوز بكثير تحضير ملفات القضايا واستقبال الزبائن ..فقد كانت السكرتيرة بالنسبة له أكثر من امرأة فى جسد واحد ..وكان له فيهن اغراض اخرى.. فبالاضافة الى مهام السكرتارية العادية ..كانت الموظفة لديه تقوم بتنظيف المكتب وغرفه النوم الملحقه بها، حيث كانت شقته هى مكتبه فى نفس الوقت، ولم يكن يفصل بين حجرة المعيشة وغرفه المكتب سوى باب جرار "اكورديون".. وكان قيامه بفتح هذا الباب واضاءة نور اليافطة المعلقة فى شرفة الشقة- المكتب، يعنى انه بدأ العمل ،وعلى استعداد لاستقبال العملاء.. وكانت السكرتيرة تطبخ له بعض الوجبات الخفيفه، حيث انه رغم بدانته وحبه الشديد للطعام يعيش على اكل الساندوتشات ووجبات المطاعم الجاهزة الرخيصة من الكباب والكفته و البيتزا البلدى والفطير ابو سكر.. وهذه السكرتيرة بالذات عمرت عنده كثيرا بعكس زميلاتها السابقات اللاتي كن يمللن بسرعة من طلباته التى لا تنتهى،فضلا عن بخله . ورغم انه كان حريصا من البدايه الا يوظف فتاة محترمة ترفض القيام له بدور الزوجة مع عملها كسكرتيرة،لكن مصيبة "حنان" انها احبته بعنف منذ اول لقاء جمع بينهما حين لجأت اليه ليتولى قضيه الطلاق التى اقامتها ضد زوجها، الذي زاد فى قسوته عليها وضربها واهانتها بسبب وبدون سبب، بعد ان اصيب بضعف جنسى شديد ،نتيجة افراطه فى ممارسه الجنس مع غانيات رخيصات خلال فتره اقامته وعمله بالعراق ،قبل غزو صدام للكويت. وكانت حنان قد عرفت طعم المتعه الحرام خلال سنوات غربته الطويلة ، مع شاب يسكن فى الشقه المقابله لشقة والدتها ، وحين عاد الزوج امتنعت حنان رغما عنها وخوفا من شكه فى سلوكها عن الذهاب الى شقه عشيقها ،خاصة وان الامر كان محفوفا بالمخاطر والشاب كان يعيش مع اسرته، ويستغل فتره غيابهم لزيارة جدهم المريض فى قرية قريبة من البلد.. ويفتح الشقة لحنان التى كانت يجب ان تحتاط هى الاخرى حتى لا تلاحظ والدتها او احد من اخواتها انها تتسلل خلسة بعد خروجها من عندهم وتدخل شقه الشاب ،وجاءت عوده الزوج لتضع المسمار الاخير فى نعش تلك العلاقة المحرمة، خصوصا بعد ان اصبح يغار عليها بشدة ويخاف ان تشى لاحد بسر عجزه عن معاشرتها . ولم يجد المحامى الخبير بتلك النوعية القذرة من القضايا ،والتى كان شبه متخصص فيها اى عناء فى تطليق حنان من زوجها والحصول لها على اكبر مكاسب ممكنة ،رغم رقه حال الزوج.. وفقره وعودته من العراق نظيفا كالصينى بعد غسيله، ومتعلقا بأمل الحوالات الصفراء التى جاء بها لعلهم يصرفون له جزءا منها لكن "موت يا حمار". ولم تمر سوى اسابيع قليلة على عمل حنان كسكرتيرة لدى الجار المحامى حتى اصبحت صديقة لعائله شوكت وكانت تقضى ساعات طويلة عندهم فى غياب الاستاذ.. وحين شعرت سلوى بالاشارات التى يتبادلها شقيقها الاكبر والوحيد "فريد" مع السكرتيرة اللعوب.. لعبت جيدا على هذا الوتر.. واستغلت ضعف اخيها امام حنان لتلعب على الحبلين، فصادقت السكرتيرة وصارحتها بانها تعرف قصه حبها لشقيقها وحبه لها وابتزت الاخ واصبحت تدخن امامه عينى عينك وتستعمله احيانا كغطاء لها امام ابويها اذا ارتكبت حماقه من حماقتها او اضطرت لكذبه من اكاذيبها التى لا تنتهى.. وبقدر دهشة حنان من خبث الفتاة الصغيرة وقدرتها على استغلال نقاط ضعف المحيطين بها، بقدر ما كان انبهار"عفاف" بخبرة السكرتيرة غير المحدودة في كل أنواع الرذيلة والمجون الذى تعلمت منها أفانينه ..وجربت كل دروبه فى سن صغيرة للغاية بفضل "المعلمة" كما كانت تلقبها وتحب أن تناديها .. وهي تقصد بالطبع السكرتيرة الخبيرة بكل ما يخاطب غرائز الانسان ويكشف ضعفه وحيوانيته. أما أول سيجارة دخنتها "عفاف" فهي تلك التي اختطفتها من يد احدى زميلاتها الثريات فى المدرسة حين فاجأتها تدخن فى الحمام..وتظاهرت في البداية بمحاولة إثنائها عن التدخين، بحجه الخوف على مصلحتها، ثم ما لبست أن شاركتها "التخميس" معها في نفس السيجارة، حين لم تخف البنت الثرية، وقالت لها وانتي مال أمك!..وفي الحمام أيضا دخنت أول سيجارة حشيش .. بعد ان اعطتها "حنان" السيجاره الملفوفه التى سرقتها من علبه الاستاذ.. واقسمت لها انها سرقتها لتدخنها هى ..ولكن مش خساره فيكى.. وكانت حنان قد اكتشفت ان محاميها الذى هو عشيقها فى نفس الوقت، يحتفظ بسجائر الحشيش فى نفس علبة السجائر العادية التى يدخنها، لكنه يصفها بالمقلوب فى العلبة.. ويدخن عددا محدودا منها على مدار اليوم، بسبب قله الدخل وارتفاع ثمن الحشيش.. ولذلك فلم يكن من السهل ان تسرق "حنان" من العلبة سوى سيجارة حشيش واحدة فى اليوم، حتى لا يشعر الاستاذ بالسرقة" ويخلى عيشة اللى خلفوها اسود من قرن الخروب " على حد قولها.. "ولكن ربك برضه يابت بيرزقها.. فيه عميل عنده قضية ارض وضع يد عند الاستاذ بيجى هنا كل كام اسبوع وكل ما بييجى بينفحنى عشره جنيه ولفه بانجو صغيره.. ولاجل الحظ ان الاستاذ مابيحبش دماغ البانجو وبيديني دايما اللفة اللي العميل بيديهاله في كل مرة يزور المكتب فيها..ولما ييجى الاسبوع الجاى ..هاتحيكى بيها" . وهو ما حدث بالفعل وجاء الزبون فى ميعاده وعقب خروجه مع المحامى.. أسرعت حنان الى شقة صديقتها الصغيرة لتناديها.. وعلمتها كيف تلف "خابور" البانجو.. ومع السيجارة الثالثة بدأت دماغ "حنان" تلف بشدة..وفقدت القدرة على التحكم في لسانها وراحت تحكي لصاحبتها عن اول رجل في حياتها. -"عورني وسافر" ..هكذا بدأت الحكاية ثم قالت ..كنت بنت سبعتاشر.. وفى سنه ثالثه دبلوم تجاره وشافني شاب فلسطينى عند خالتي فى اسكندريه ..وحاول يعاكسني.. وقبلت ان اقابله فى كازينو على البحر.. فحاول يجرجرني على شقة مفروشة..ولما رفضت اسلم له نفسي..راح لخالتي وطلب ايدي منها.. واعطته الخالة عنواننا فى كفر الزيات.. وجه بعدها لابويا عشان يخطبني منه رسمي.. وطبعا ابويا وافق على طول..ما الحمل كان تقيل ..وكان مناه يخلص من أي بنت مننا..وكان عنده أربع بلاوي عايزين يتلموا في بيت العدل..المهم ان الجدع الفلسطيني أقنع ابويا بإتمام الجواز بسرعه لانه مضطر للسفر للسعوديه، أصله كان شغال في شركة هناك.. وفعلا كتبوا الكتاب.. بعدما أبويا قبض في ايديه الفين جنيه مهر..وطبعا على مافيش.. يعنى لا جاب عفش ولا اى حاجه ..والجدع الفلسطيني قال له أنا وحنان هنقضي شهر العسل في الاسكندريه..وبعدين يسافر السعودية.. وبعد كام شهر يبعت يجيبني..ولما الشاب ألح على ابويا جامد.. وافق على كتابة الكتاب سكيتى، من غير فرح ولا زفه ولا معازيم ..وما فيش حد كان عارف بحكاية جوازي من الفلسطيني الا خالتي الاسكندرانيه..وبصراحة يا بت ..أنا ما انكرش اني عشت شهر من اجمل ايام العمر..زي ما بيقولوا كده شهر من ليالي من ألف ليلة وليلة..فسح وفلوس ولبس وفخفخة ..والجدع ما كانش حارمني من حاجة..ده غير انه كان جتة طول بعرض وزي فلقة القمر..وبيموت في السرير..لكن يا خسارة..الحلو ما بيكملش..عريس الغفلة سافر ..طار وكأنه فص ملح وداب.. وفات شهر واتنين وسنه وسنتين.. والشاب لا حس ولا خبر.. "عورني وسافر".. وخالتي قالت لي ..ده خرم يابت.. وهايلم لوحده.. ولو جالك عريس قولى انك بكر وماحدش عندكم فى البلد عارف حاجه.. وكلها عملية ب 300 جنيه ..ويرجع كل شئ لأصله.. بس العملية لازم تتعمل قبل الدخلة بثلاثة أيام بالكثير..وكأن خالتي كان مكشوف عنها الحجاب..اتقدم لي عريس كحيان.. عامل فى فرن بلدى ما حلتوش اللضا.. ولكن ابويا رضى به عشان فضيحتنا ما تبقاش بجلاجل ..خصوصا اننا كتبنا الكتاب الاولانى عند مأذون فى اسكندريه.. وحلينى بقه لما حد يدور فى الاوراق..وابويا كذب على المأذون اللى جوزنى فى كفر الزيات..وقال له إن أنا بكر ..وقبل الفرح بأسبوع سافرت عند خالتى فى اسكندريه.. وخدتنى لواحد حكيم فى العصافرة.. عمل لى العمليه قبل الدخله ب3 ايام زى ما خالتى قالت ..والزبون شربها ..والموضوع عدى على خير والحمد لله ..وتنبهت "حنان" فجأة الى خطورة ما تقول على فتاة في عمر "عفاف"، فقد كانت رغم انحرافها لا تزال تحتفظ بطيبة قلب فلاحة أجبرتها الظروف على السير في طريق الخطيئة.. كانت حنان منحرفة بحكم البيئة والظروف ، لكنها لم تكن شريرة أو مؤذية. وقالت لها في لهجة تحذير حاولت بقدر ما تستطيع أن تكون حادة وحاسمة، رغم تأثير مخدر البانجو عليها.. انتي زي أختي يا حبيبتى.. اوعى يا بت حد يعمل معاكى حاجه ..انتى مجنونة.. وماتعرفيش ربنا ولكن كله الا الحكايه دى . وتظاهرت الحرباء الصغيرة بموافقتها على كلام "حنان" ولامتها بشدة على ظنها السئ فيها.. وقالت طبعا يا "حنحن".. حب ماشى.. بوس ماشى.. لكن كله الا كده..وفي الحقيقة أنها خرجت من كل هذه الحكاية..وعبارة واحدة ترن في أذنيها.."هيه عملية ب300 جنيه.. وكل شئ يرجع لأصله.. ياحلاوه يا ولاد..يعني الحكاية زى شكة الدبوس..ولا حزام عفة ولا قولوا لابوها ان كان جعان يتعشى ..ولا خوف ولا قلق ولا وجع دماغ ..ولا تراث طويل يجعل مصير البنت متوقفا على هذا الغشاء الجلدي الرقيق، الذي يعني فقدانه قبل الزواج ..فقدان كل شئ..والضياع الكامل..الله ينور عليكي يا "حن". وقررت الفتاة المتمردة على كل شئ أن تسلم نفسها لاول شاب تقع فى حبه ..ولكن بشرط ان تحبه بجد.. وفيها ايه.. ماهو كله عند العرب صابون..وأصبحت "حنان" بالنسبة لها البوابة التى عبرت من خلالها الى عالم المخدرات والجنس الكامل . -11- ورغم فارق السن الكبير بينهما .. فقد كانت عفاف متعلقة بأخيها الوحيد الى درجة الجنون.. وكانت ترى فيه الاب والاخ والصديق الذى تثق فيه وتحبه باخلاص، رغم ميلها احيانا وبحكم تكوينها الجينى لابتزازه كما فعلت فى موضوع علاقته بالسكرتيره اللعوب "حنان".. لكن "فريد" ظل -بعد امها- هو الانسان الوحيد فى العالم الذى تتودد اليه بدون مصلحة مباشرة، وحين تزوج من جارتهم المحجبة كانت أسعد الناس، وأتعسهم فى نفس الوقت.. فقد كانت فرحانة بصدق لفرحة أخيها ، لكنها كانت تشعر بغيرة شديدة من تلك البنت المحجبة المتخلفة التى اصر على الزواج منها، رغم اعتراض ابيه.. الذي قال له مستنكرا هذا الاختيار.. "يعنى يبقى ابوك شيوعى وتروح تتجوز بنت ابوها بيقضى نص وقته يتلطع على الجوامع".. فلم يكن يعجبه بالطبع سلوك صهره الذى عرف عنه حبه الشديد لاولياء الله الصالحين، وحرصه على زيارة الموالد والاضرحة، وانفاق جزء كبير من المال الذى يكسبه من تجارته فى الاقمشه على اقامه ليالى لله يسمونها في الاحياء الشعبية "الخاتمة"، حيث يتناوب فيها أكثر من مقرئ على ختم القرآن الكريم، ويقوم المحسن بتوزيع الطعام واللحوم على الفقراء والاغنياء أيضا من اقربائه ومعارفه فى بعض المواسم الدينية،التي تعود سكان الاحياء الشعبية على الاحتفال بها بتلاوة القرآن .. وذبح الذبائح ..وتوزيع اللحم والارز والخبز على الفقراء والمريدين. وأحست "سميحة" زوجة "فريد" منذ اليوم الاول لزواجها ان حماتها الحقيقية هى شقيقته عفاف،تلك الفتاة العنيدة اللعوب التي لم تكن ترتاح لها أو يعجبها سلوكها ونظراتها المراوغة الموحية التي توزعها على كل شباب ورجال المنطقة في الرائحة والغادية، وكانت تصادفها واقفة في كل مرة مع شاب مختلف في أماكن مظلمة خصصها العشاق للقاء على أطراف البلدة، حين كانت تذهب لزيارة عمتها المقيمة هناك..كما لم تكن راضية أيضا عن صداقتها بسكرتيرة المحامي "حنان" المعروفة بسوء سلوكها وعلاقتها غير الشرعية مع صاحب المكتب الذي تعمل به..وزاد من حنق زوجة الاخ على عفاف أنها كانت تغيظها وتتعمد التدلل المبالغ فيه على شقيقها الوحيد في وجودها، لدرجة أنها لم يكن يحلو لها الجلوس سوى فى حجر شقيقها.. وكانت تقبله كما لو كانت تقبل عاشق تهيم فيه حبا.. وكانت سميحه تغتاظ بشدة، وتحديدا حين تقبل عفاف اخيها من فمه.. وتقول لها فى غضب.. عيب يا بنت انتى اتجننتى ..فترد عليها كل مره بنفس الاجابة.. جن لما يجننك.. اتغاظى وفلفلى.. انتى حيا الله مراته..يعني ممكن يغيرك فى اى لحظه.. لكن انا اخته وحبيبته. وكان "فريد" يحاول بقدر ما يستطيع من مهارة تعلمها من خلال عمله المتواصل تحت قيادات نسائية فى البنك الذى يعمل به ان يفض الاشتباك شبه اليومى بين زوجته وشقيقته دون جدوى .. وواقع الحال أنه لم يكن يريد اغضاب شقيقته الصغيرة التى يحبها هو الاخر بجنون، ويرى ان وجودها فى حياته كان السبيل الوحيد للخلاص من الحاح والده عليه وضغطه المستمر لكى يعتنق الافكار اليسارية ..ويشارك بفاعلية فى انشطه الحزب.. وهو ما كانت طبيعة فريد تأباه تماما.. فهو بطبعه وفطرته وتكوينه النفسي غير مهتم بالسياسة ولا طاقه لديه على الافكار الجادة والمفاهيم المركبة ..ولا رغبة عنده فى ان يصبح كادرا فى اى حزب سياسى او كاتب صحفى او قائد رأى.. كما كان يقول له دائما ابوه ..وشعر بحزن شديد للغايه ..حين عرف ان حفل زفافه ستحييه فرقة شباب موسيقية من ابناء الحزب وستغنى الحان الشيخ امام واشعار احمد فؤاد نجم..بل وسيقام في نقر الحزب..فقد كان كل اهتمام "فريد" منصبا منذ سنوات مراهقته الاولى على حياة الرفاهية والراحة التى يحلم بها لدرجة انه استطاع بعد عامين فقط من العمل فى البنك ان يقتصد مبلغا اشترى به سيارة مستعملة.. وراح يتودد الى احد العملاء فى البنك حتى يساعده على السفر للعمل فى أي دولة خليجية ، حيث المرتبات الكبيرة والفرصة للادخار وبدء حياة جديدة بعد العودة الى مصر..وهو ما تحقق له بالفعل، فقدم استقالته من البنك الحكومى الذى يعطى موظفيه ملاليما بالمقارنة بزملائهم فى البنوك الخاصة والاستثمارية، وحصل له العميل الثرى على عقد عمل كمحاسب فى احدى شركات مجموعة "الحكير" السعودية. ولم يصطحب فريد معه في بداية اقامته بالخليج زوجته او ولديه اللذان أنجبهما منها في عامين متتاليين ، ثم قرر هو وسميحة التوقف عن الانجاب بسبب الغلاء وعبء تربية الابناء من ناحية ، واعتلال صحة الزوجة والمتاعب الصحية الكثيرة التي قابلتها خلال حملها الثاني، وجعلتها تتفق مع زوجها على تأجيل انجاب الطفل الثالث حتى تسترد صحتها وعافيتها..ولذلك لم يصحبهم معه في بداية رحلته في الغربة ،حتى يوفر كل قرش يكسبه، ويجمع مبلغا محترما يبدأ به مشروعا تجاريا.. لكن ظنه قد خاب.. ولم يستطيع تحمل الحياة الصعبة المملة وتقييد الحرية الشخصية فى العاصمة السعودية الرياض،حيث كان يقطع نحو 70 كيلو مترا بالسيارة ليرفه عن نفسه ويقضي بعض الوقت مع أصدقاء مصريين تعرف عليهم هناك في احدى المقاهي البعيدة والموجودة فقط على أطراف المدينة ، وأصبح يذكر دائما في حكاياته عن تلك الفترة لمعارفه واصدقائه، حين تعرض للضرب مرة على يد أحد أفراد هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي استاء من منظره وهو يرفع الجلباب بطرف يده لينحسر قليلا عن ساقه، بينما يمشي في أحد الاسواق ، فما كان من "المطوع" كما يطلقون عليه هناك أن ضربه على ساقه بخيزرانة كانت في يده وصاح فيه تحشم يا ولد..ومن يومها وهو لا يرتدي الجلباب أبدا لا في البيت ولا في أي مكان آخر، وتوقف حتى عن ارتدائه لصلاة الجمعة كما كان يفعل طوال عمره في مصر..وزاد فريد ضجرا واختناقا من أوضاع العمل بالشركة السعودية بسبب اضطهاد مديره الفلسطينى فى الشركة له، وتحيزه لفلسطيني شاب يعمل معه في نفس القسم، ويرى فريد أنه أفضل وأكفأ منه، فيما راتبه يزيد عن راتبه بكثير بفضل المدير الذي يسرف في تدليله، ويطلب له دوما الزيادات والعلاوات ويحرص في ذات الوقت على أن يهز ثقة فريد بنفسه، ويهز ثقة أصحاب الشركة وبقية المديرين السعوديين فيه، ويتصيد له الهفوات والاخطاء، حتى أجبره على تقديم استقالته بعد سنتين فقط من العمل في السعودية والعودة الى مصر. وقد جمع الشاب سئ الحظ خلال هذه السنتين مبلغا بسيطا لا يؤمن مستقبلا ،ولا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يصلح بالطبع كما كان يتمنى فريد لافتتاح أي مشروع، سواء كان كبيرا أو صغيرا..ولذلك فقد ندم ندما شديدا على الاستقالة من البنك الحكومي الذي كان يعمل به.. ودار مع ابيه على قيادات الحزب يقبلان الاقدام ويرجوان الجميع من أجل السعى لتعيينه مره اخرى فى احد البنوك، خاصة وان عددا من قيادات الحزب يشغلون مناصب كبيرة فى وزارتى الاقتصاد والمالية. وتكللت جهود الاب اخيرا بالنجاح ووافق زعيم الحزب العجوز على ان يتوسط له لدى ابن اخيه المسؤول البارز فى احدى الوزارات لتعيينه فى احدى شركات قطاع الاعمال بمرتب كبير يفوق بمراحل سنوات خبرته.. والمبلغ الذى كان يحصل عليه حين كان لايزال موظفا صغيرا فى البنك الحكومى.. وكان "فريد" لا يشغل باله كثيرا بنوعيه المهام السرية التى يكلف بها ابيه شقيقته الصغيرى، وخاصة فى مواسم الانتخابات والمظاهرات.. ولم يكن يحاول ان يعرف لمن يسلم الاب التقارير التى تكتبها ابنته عن النشاط السياسى فى الجامعه واتجاهات الاساتذه والتيارات السياسيه التى ينتمون اليها ونوعية الشعارات التى يرددها الطلاب فى المظاهرات.. ولم يكن يدرى من الاساس مضمون هذه الاوراق، لولا ان وقعت بعضها فى يديه بالصدفة حين نستها البنت على المكتب في غرفته.. ونامت ليلتها دون ان تسلم الاوراق للاب ليقوم بتسليمها بدوره لجهات او اشخاص لا يعرف عنهم شيئا، لكن هذه الاوراق اكدت شكوكه عن احتمالات تعاون الاب مع احدى الجهات الامنيه، وانه ينقل لهم بدقه ما يدور داخل كواليس الحزب، ويطلعهم على كافة البيانات.. وتفاصيل ما يدور في الاجتماعات التى يعقدها الحزب. وكانت عفاف قد بدأت تكتب هذه النوعية من التقارير لجهة أخرى غير أبيها، منذ أن استدعوها ذات مرة في جهة سيادية ، وسألوها لماذا تزور مصانع غزل المحلة بانتظام رغم انها طالبة بكليه الاعلام، ووالدها ليس عاملا بالمصنع، ولا اقارب لديها هناك ..وبعد طول محاورات ومناورات فهمت منهم انهم يعلمون كل شئ عن اسرتها وعن نشاطها السياسى ووعدوها بأن يساعدوها بعد التخرج على التعيين فى احدى الصحف القومية بشرط ان تتعاون معهم من الان وتقدم لهم كل ما يطلبونه من معلومات . وهكذا وجدت الفتاة نفسها تقدم تقاريرا لجهات الامن عن الصراعات داخل الحزب وما يقوله الشباب داخل التنظيم الطليعى بالجامعة ونشاط الطالبات المنتميات لجماعه الاخوان المسلمين فى مدينه الطالبات.. وتقدم تقاريرا اخرى مشابهه وان كانت تختلف فى الاهتمام بتفاصيل اخرى الى والدها ..ولم تكن تعلم انه يقدمها بدوره الى نفس الجهه الامنيه التى تتعامل هى معها مباشرة وبدون حاجة الى اى وسيط ،حتى ولو كان ابوها. وقرأ فريد الوريقات وعرف اصول اللعبة.. فالاب ينتقم من قيادات الحزب التى استبعدته من الترشيح للانتخابات فى الدورات الثلاث الماضية، بعد ان اثبت فشلا ذريعا.. واصبحت تعتمد على مرشح اخر حاصل على الدكتوراه من احدى جامعات دول أوروبا الشرقية ،وينتمى في نفس الوقت الى عائلة كبيرة فى المحافظة، تسانده وتعضده حتى انهم استجابوا له حين طلب منهم ان يترشح مستقلا ثم ينضم للحزب مره اخرى فى حال نجاحه في الانتخابات،كما يفعل المستقلون الذين ينضمون بعد نجاحهم في الانتخابات-كمستقلين- الى الحزب الحاكم.. وكان مبررهم فى ذلك الوقت ان الحزب سمعته سيئة جدا بين الناس.. وان ضعف شخصية "شوكت"، وعدم تمتعه بأي درجة من الحضور أو القبول لدى الناس هما السبب المباشر والرئيسي للأداء الهزيل للحزب ممثلا في شخصه خلال الانتخابات ، خاصة وأنه لا يفهم طبيعة الناس الذين يعيش وسطهم، رغم أنه فلاح وابن فلاح ،فهو يجاهر بالسخرية بالقيم الدينية ويبدو في جميع نقاشاته مع أهل البلدة ضد الصعود المفاجئ للتيارات السلفية بقيمها وعاداتها الجديدة على المجتمع، رغم أن هؤلاء كانوا يكسبون أرضية جديدة كل يوم، ورغم أن شوكت نفسه كان يداهنهم ويتزلف لهم كثيرا، لأنهم باختصار أغنى أغنياء المدينة الصغيرة، وأحدهم يمتلك معرضا كبيرا للسيارات في الاسكندرية، والآخر لديه سلسلة محلات للملابس والاقمشة ..وكان هؤلاء يتبرعون أحيانا لتمويل تكاليف الدعاية الانتخابية لشوكت، استجابة لإلحاحه بشكل شخصي عليهم، لا اقتناعا بمبادئه ومبادئ الحزب التي لم تكن تعنيهم في شئ ..بل ولم تكن لديهم أدنى فكرة عنها ، سوى أنه حزب الملاحدة والفاسقين..ومع ذلك فقد كانوا يعطون بعض المال لشوكت ، لأنهم كانوا يعلمون جيدا أنه سيخسر لا محالة ..وكانت قيادات الحزب تعلم أيضا ذلك ، ولذلك استبعدوه في أول فرصة وجدوا فيها شخصا أفضل يقوم بالمهمة . وبالفعل نجح المرشح اليساري الجديد في استقطاب أهل المدينة الصغيرة بجميع طوائفهم وطبقاتهم من حوله ، وخاصة الفقراء الذين كان يحدثهم عن سوء الاحوال في المستشفى الحكومي العام، وسوء المعاملة والاهانات المتكررة للناس في قسم الشرطة، والاغنياء الذين يحتكرون كل شئ في البلد..وبدأ الناس يصدقونه ويتفاعلون معه، وبدأوا يحضرون المؤتمرات الشعبية التي يعقدها في الشوارع، وتجرأوا هم الآخرون على الكلام والبوح، وتحولت ندواته الى "هايد بارك" كبير، حيث كان يلقي في البداية كلمات قصيرة يحمس بها الناس ويبشرهم بمستقبل أفضل للبلدة ان هم وقفوا معه ضد المحافظ والمجلس المحلي ووصل صوتهم الى الكبار في القاهرة، ثم كان يسمح لهم بأن يحكوا مشكلاتهم ومعاناتهم مع رجال الدولة وأجهزتها الرسمية..وكانت الحكايات موجعة والشكاوى مرة، والمرشح المثقف الذكي يكسب كل يوم مؤيدين جدد، لكنه اكتشف أيضا أن معظم هؤلاء لايحملون بطاقات انتخابية، وبالتالي فلا يملكون حق الادلاء بأصواتهم، فيما مرشح الاخوان المسلمين يجمع بطاقات الناس لكي يقيدهم في السجلات، مع وعود بتصويتهم له، فبدأ هو الآخر يفعل مثله، ويجمع أكبر عدد من البطاقات الشخصية لاستخراج بطاقات انتخابية لأصحابها، حتى لا يفاجئ ساعة الجد بأن كل هذه الشعبية التي كونها بسرعة غير معقولة ذهبت أدراج الرياح، ولم تنفعه في صناديق الانتخابات التي لا تعترف سوى بالاصوات الصحيحة والمسجلة في السجلات. وكان شوكت يراقب ذلك كله في ذهول وحقد على منافسه الجديد الذي حل محله في الترشيح لمجلس الشعب، وقد يعطونه منصب الامين العام للحزب في المحافظة بدلا منه..وكاد غريم شوكت يفوز في الانتخابات بالفعل لولا تدخل الاجهزة الرسمية في اللحظات الاخيرة لصالح مرشح الحزب الحاكم الذي وضح تفوق المرشح اليساري عليه من البداية..وحكمت المحكمة بالفعل بعدم صحة الانتخابات في الدائرة وبطلان فوز المرشح الحاكم وأحقية المرشح اليساري في عضوية البرلمان ، ولكن لأن المجلس الموقر هو في النهاية سيد قراره، فلم يسمحوا أبدا بتنفيذ هذا الحكم وان كان المرشح اليساري قد حصل على تعويض مالي عن تزوير الانتخابات في دائرته!.. وبقدر ما استقبل "فريد" اكتشافه لعمالة والده للأمن، والتقارير التي يكتبها عن الحزب وعن قياداته لهم ،بشكل عادي جدا، وكأنه كان يتوقع ذلك منذ وقت بعيد،بقدر دهشته حين عرف أن أخته عميلة هى الاخرى للامن.. وانها لا تكتفى بالرصد والتسجيل.. ولكنها تتجسس على زميلاتها فى الجامعة.. والمدينة الجامعية.. وتكتب تقارير امنيه عنهم! ولكن ماذا فعل "فريد" ازاء هذا الاكتشاف الفريد.. طبعا لا شئ.. ليس فقط من باب تكبير الدماغ وعدم الرغبة في الدخول في أي مواجهة مع الاب، الذى زادت عصبيته كثيرا مع التقدم فى السن ، أوحتى مع شقيقته الصغرى، التى كان متيقنا ان شيئا لا يستطيع ان يوفقها او يؤجل احلامها بالشهرة والمال والنفوذ.. وانها مستعدة لان تفعل اى شئ، مهما كان مستحيلا او حقيرا لتحقيق احلامها ..وهذا بالتحديد ما كان يقلقه وجعله يسعى بكل الطرق لكى يبحث لها عن عريس مناسب ومرتاح ماديا وقوى الشخصية، حتى يستطيع ان يشكمها ويسيطر علي جموحها وانفعالاتها المبالغ فيها. -12- ووجد "فريد" ضالته فى احد اصدقائه الذى يصغره في السن بنحو ثمانى سنوات، ويعمل معه فى نفس الشركة، ويملك فى نفس الوقت مشروعا خاصا يدر عليه دخلا اضافيا معقولا.. ودعا صديقه الشاب على العشاء عنده اكثر من مره وكان يستدعى شقيقته الصغيرة الى منزله فى كل مره يزوره فيها هذا الصديق، بحجج مختلفة في كل مرة، ويحرص على ان يعطيهما فرصة للحديث على انفراد حيث يخرج من الغرفه بأى حجة، ثم يعود بعد ربع ساعة او عشر دقائق.. وبدأ الصديق يتعلق بالفتاة الجميلة الجذابة والمتمردة في نفس الوقت ويحاول ان يثبت لها انه متفق معها في كثير من آرائها الثورية، وأنه مهتم مثلها بالسياسة، وليس مجرد موظف بالنهار وتاجر بالليل.. وبدأ يشترى كتبا يقرأها ثم يهديها لها، لكنه لم يكن يفهم شيئا من معظم هذه الكتب، لأن عادة القراءة والاهتمام بالشأن العام لم تكن اصيلة فيه ،وما لم يعرفه سوى بعد فترة طويلة من علاقته بعفاف، أنها كانت هي الاخرى "مدعية" ثقافة وسياسة.. وليس لديها من العمق او حتى الاخلاص، ما يجعلها حريصة على فهم بعض الافكار التى تعتنقها مثل المنوم مغناطيسيا ..وتدافع عنها دون ان تعيها.. او تتعمق فيها.. وكل ما تعرفه لا يزيد عن حفظ مجموعة من الشعارات والجمل المأثورة للينين وماركس وتروتسكى ونعوم تشوميسكى ..وأبيات لامل دنقل.. وقصائد لاحمد فؤاد نجم.. وخصوصا قصيده (جيفارا مات) التى تعودت على غنائها فى حفلات الحزب . فهي لم تكن مثقفة حقيقية ، ولم تكن تعلم سوى القشور ، أو تذهب إلى أبعد من السطح ، لذلك لم تكن تستطيع أن تصمد طويلا فى المناقشات التى تفتحها معها طالبات الإخوان على سبيل التحدى والاستفزاز .. وكانت تردد أسماء وأفكار كُتاب قدموا كتبا ً تطعن فى ثوابت الإسلام مثل د.فرج فودة ، ود.سيد القمنى ، وخليل عبد الكريم ، ونصر حامد أبو زيد ، لكنها لم تكن تفهم كتاباتهم بصورة كافية ، ولذلك لم تتمكن من الصمود طويلا خلال مناقشاتها مع الكوادر "الإخوانيات "، وإن استمر تأثيرها الذي لا ينكر على طالبات أخريات محجبات، ولكن بدون خلفية دينية أو سياسية حقيقية .. وهؤلاء كان من السهل اللعب بعقولهن ، وبعضهن سايرن "عفاف " بمنطق انتهازى "براجماتى" وتعرفن من خلالها على بعض الصحفيين من المنتمين لليسار ، والذين ساعدوا هؤلاء الفتيات على التدريب والعمل فى صحف معارضة ، ومكاتب صحفية لجرائد خليجية بالقاهرة ، يديرها صحفيون يساريون، وخاصة من الناصريين ،ويعتمدون في العمل فيها على زملائهم المنتمين لنفس التيار، وقد نجح هؤلاء خلال السنوات العشرين الماضية فى احتكارالصحافة الخارجية في مصر بكافة أنواعها مقروءة ومسموعة ومرئية ، من خلال سيطرتهم على 90% من مكاتب الجرائد العربية بالقاهرة ، والمحطات الفضائية الخاصة ، ومكاتب القنوات الفضائية العربية فى مصر..والمحطات الاذاعية الدولية.. وتحول بعض هؤلاء المناضلين إلى "باشاوات " جدد ، يقودون السيارات الفارهة ويمتلكون القصور والفيلات فى المدن الجديدة والساحل الشمالى ويلعبون فى سوق الأسهم، ولا يجدون مع ذلك أى غضاضة فى كتابة مقالات وتقديم وإعداد برامج تليفزيونية للمحطات الفضائية يهاجمون فيها حكومات رجال الأعمال ، والنهب المنظم لخيرات الوطن ، وأيام العزة والكرامة فى الستينات ومزايا القطاع العام ، وخطايا الخصخصة واقتصاد السوق ، فى حين أنهم أول من استفاد من المناخ الجديد ، وأصبحوا بفضله نجوم صحافة وتليفزيون ومليونيرات جدد..وعدد غير قليل من هؤلاء يحتفظ بوظيفته في الصحف القومية، في نفس الوقت الذي يعمل فيه في الصحف المعارضة، والصحف الخاصة، وقد تجده ينافق الحكومة في صحيفته الرسمية بالنهار، ثم يعود ليهاجمها في الصحيفة الخاصة أو البرنامج الفضائي بالليل، ويقبض راتبا من الاثنين!.