تأخذنا متطلبات الحياة شيئاً فشيئاً وتنحدر بنا نحو اللامبالاة بما غيرها، سباق نتنافس فيه على الخسارة حين نقرر أن ننغمس في ملفات وأوراق ومهام تنسينا ما دونها، فبسؤال أو كلمة قد نصنع فارقاً في حياة الآخرين، وبمثلهما قد نصنع فارقاً أيضاً في حياتنا، أشياء قد تبدو بسيطة لكنها وبالرغم من بساطتها إلا أنها تخلق معاني كبيرة للسعادة. في زمن صنع سرعة أبطئت كل أحاسيسنا فانتصرنا بعقولنا وانهزمنا بقلوبنا، أكملنا كل المعاني التي تقطع مفاهيم الود، فنسينا وتناسينا فائدة وتأثير كلمات نضعها في مخزون قلوب الآخرين، بعدما استعمرت أفواهنا مبررات الانشغال، وبنينا حول أرواحنا جدران جعلت منا أسرى مكبلين في براح الأيام. صار الود بيننا شيئاً بالتفضل وكأنه أمر غير طبيعي، مجاملة نفعله ولاشىء غير ذلك، تلك هي الحقيقة التي تضرب بصوتها العالي فوق آذاننا، بينما نحاول نحن أن نحدث صوت أعلى كي نخفيها عن مسامعنا، ولكن الحقيقة لا تُخفى طويلاً، هي فقط تُسمع وسط أي ضجيج، ومهما نجحت المحاولات في إبعادها عن الآذان، لن تستمر تلك المحاولات في نجاحها كثيراً، وسرعان ما سنتعب، لنضيف على تعب أرواحنا تعب آخر لأذهاننا. ندور في الأرض وتدور الأرض بنا، نغيب وننسى ونُنسى، نحلم ونأمل بألا يطول الغياب، ونصنع عكس ما يؤكد آمالنا ونؤكد ذلك الغياب، تتعانق الأجساد ويزيد في وسط العناق غياب الأرواح، ترانا الأعين ولا نكون، حضور لا يشبه الحضور، واقع لم نستطع إنكاره، كل شيء تحول لشيء آخر مصطنع، قلت لهفتنا تدريجياً، نركض في الحياة بلا توقف، نسعى بلا تذكر، نرى أمامنا دون أن يلفت انتباهنا أي شيء في الجوار. فقف الآن وتذكر، قف وتخيل، قف وانظر لمن ينتظر رؤياك بعين المودة، قف اليوم وأنت قادر، قبلما تكن مجبراً على ذلك. فلا قيمة للمال إذا لم يصنع السعادة، ولا قيمة للسعادة إذا لم تصاحبها محبة الآخرين. لا قيمة للحياة إذا عشناها لأجل أنفسنا فقط، ولا قيمة لأي شيء حين تمتلئ أرواحنا بروائح الحنين. [email protected]