مع حلول الذكرى الثانية لرحيل الكاتب والمفكر الموسوعي، بدأ محبوه ينثرون علينا شذى عطره، على شكل مقالات وبرقيات حب تتخللها بعض الذكريات المشوقة، والدروس المستفادة من سيرته العطرة الفياضة التي أمتعتنا وأعادت إلينا رحيق مقالاته وعمق فكره.. وكنت قد اعتدت ألا أنتظر سرادقات المناسبات من أجل أن أشارك فيها بتقديم طقوس العزاء وفرش الأوراق وسكب مزيد من الأحبار، فقد نعمت بأن الذكرى عندي لمن تعلمت منهم وارتويت بدروسهم وعبرهم، هي ذكرى لا تنقطع، وبسبب ذلك أعيش يومي كل يوم بين البهجة والألم .. بين المتعة والشقاء؛ حيث أحيا بين فكرهم وذكرهم كلما جد موقف يناديهم. الكاتب لايموت.. حقيقة مؤكدة، خاصة أولئك الذين أسهموا في فهم معنى الحياة، أولئك الذين تركوا لنا آلاف من الصفحات، حرصوا خلالها على أن يمهدوا لنا الطريق..على أن يشاركوا في إعمار الأرض.. أن ينثروا الأرض ببذور الحب والخير والحق والعدل..ومن المثير للانتباه أن هذه القيم هي نفسها كانت مبادئ ومطالب ومباهج ثورتي الخامس والعشرين من يناير 2011 والتي أكدت عليها ثورة الثلاثين من يونيه 2013 . فتشوا في عقول شباب الثوار، وسوف يدهشكم لو كنتوا لا تعلمون، أن الصحيفة والكتاب هم بذور الثورة الحقيقيين، وفي مكان متميز داخل العقول الواعية القارئة المستنيرة سوف تجدون حروف أنيس منصور، كما كانت كتابات السابقين وفنونهم على ثورة يوليو 52 المجيدة هي النواة لإشعال الثورة المصرية، وهذا ليس من قبيل الادعاء، فان الزعيم الخالد جمال عبد الناصر كشف عن أن " عودة الروح " كانت من بين أهم ما تأثر به للكاتب العظيم توفيق الحكيم. أعود من حيث بدأت.. أستاذي أنيس منصور الذي بسببه وحده وإرادة الله من قبل ومن بعد التحقت بقسم الدراسات الفلسفية، فقد كنت مولعاً بكتاباته، فكنت ألتهم حروف مقاله اليومي في الأهرام في طريق عودتي للمنزل بعد شراء الجرنال، وهي مهمة أوكلها إلي أبي منذ وعيت الدنيا، وعندما وعيت أكثر أنشأت لنفسي مكتبة متواضعة كانت مؤلفات أنيس منصور هي النواة لها، ولا أذكر كم مرة قرأت " في صالون العقاد..كانت لنا أيام " أو كتابه الأشهر " 200 يوم حول العالم " مرورا ب " يسقط الحائط الرابع " والذين صعدوا إلى السماء..والذين هبطور من السماء، وفي المسرح كشف عن خفة ظله التي يعرفها كل من التقاه في " حلمك يا شيخ علام" والعديد من المؤلفات. وقد شرفت بلقائه عدة مرات..وارتجفت وأنا أكتب له إهداء أحد كتبي، ودمعت عيناي وأنا أقرأ مقالا كاملا له في الأهرام يتناول فيه أحد كتبي كاشفاً عن معلومات تفيد بأنه على معرفة أشمل عن المؤلف الذي لم يتوقع هذا التتويج من أستاذ لواحد من عشرات من تلاميذه. من ينسى أنيس منصور؟ [email protected]