لطالما تسائلت لماذا يسقط الحكم العسكرى - و هو المنطوق الصحيح لهذا المصطلح و ليس حكم العسكر- , ذلك الهتاف الذى ظهر الى الساحه السياسيه بميدان التحرير بعد تولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد و فى الفتره التى سبقت الانتخابات الرئاسيه نتيجة بعض الاحداث و المصادمات بين الفصائل السياسيه و المؤسسه العسكريه و نتيجه أيضا لموائمات و ضغوط سياسيه من قبيل التشكك فى نوايا المجلس العسكرى حول مسألة تسليم السلطه إلى إداره منتخبه , و هو ما تم دحضه فعلياً بتسليم المجلس العسكرى للسلطه الى الرئيس المنتخب و العوده الى ممارسة مهامها الطبيعيه , و سواء كان المقصود بالهتاف هو إنهاء المشاركه السياسيه للمؤسسه العسكريه أو إنهاء و تعطيل المؤسسه فى حد ذاتها , فقد أثار إنتباهى هذا الاصرار على تحييد و تجنيب المؤسسه العسكريه من بعض الفصائل السياسيه رغم دورها الوطنى فى أحداث ثورة 25 يناير و نحن هنا لا نجنح الى تحيز أو دفاع عن جهةٍ ما و إنما نسعى الى أن نعلم و نعى حقيقة الامر . و هناك عدد من التساؤلات الهامه التى تطرح نفسها بقوه من منطلق الفهم و المعرفة ... فلماذا يجب أن يسقط الحكم العسكرى أو أن تنتفى الخلفيه العسكريه عن حكام مصر ؟ و إن كان للعسكريين دور فى الحكم فما طبيعة هذا الدور و حقيقته التاريخيه فى مصر ؟ و العديد من التساؤلات التى لا يتسع المجال لها و لكن دعونا نتناول هذه التساؤلات المطروحه فى محاوله لفهم أبعاد هذه الاشكاليه , و لعل إجابة السؤال الاول - لماذا يجب أن يسقط الحكم العسكرى أو بمعنى أخر لماذا يجب أن تنتفى الخلفيه العسكريه عن حكام مصر – سوف تتضح من إجابتنا على ما يليه من تساؤل , و لذا سنبدأ بإجابة السؤال الثانى طبيعة الدور و حقيقته التاريخيه للعسكريين فى الحكم . مصر و الحكام العسكريين ... نبذه تاريخيه منذ بدايات العصر الفرعونى حرص ملوك و قادة مصر على تسجيل المعارك التى خاضوها فى سبيل الدفاع عن الوطن ، و نقشوا على معابدهم و مسلاتهم معاركهم و إنتصاراتهم , فمصر كانت أول دوله فى التاريخ البشرى تتوحد بالشكل السياسى الحضارى الذى تم فى عهد الملك مينا ، و قد كان للجيش المصرى دوراً محورياً فى تحقيق الوحده المصريه التى أدت إلى ظهور الدوله المركزيه المصريه. و كانت بداية تكوين الجيش المصرى كجيش وطنى مواكباً لوحدة مصر السياسيه. و بتكوين و إنشاء الجيش المصرى فى سنة 3200 قبل الميلاد كان ذلك إعلاناً بقيام أول جيش وطنى لدوله فى التاريخ البشرى , و عند إستعراضنا لتاريخ الاسر الفرعونيه المتعاقبه سنجد أن الغالبيه منهم كانوا يتمتعون بخلفيه عسكريه قويه و على سبيل المثال و ليس الحصر سنجد مينا , كاموس , أحمس , حور محب , رمسيس الثانى ... الخ , ويأتى من بعدهم البطالمه الذين جعلوا الجيش المصرى القوه العسكريه الاولى فى العالم فى ذاك الوقت , و فى العصور الوسطى ظهر القاده العسكريين أمثال صلاح الدين , قطز , بيبرس ... الخ , الذين دحروا الخطر الصليبى و همجية التتار الى أن جاء محمد على باشا الحاكم الامى ذو الخلفيه العسكريه و نهض بمصر بعد إنتكاستها على أيدى المماليك و أسس الجيش المصرى الحديث و من بعده أولاده الى أن جاء 23 يوليو 1952 و هى فتره معلومه لنا جميعاً كل هؤلاء الحكام و القاده أصحاب الخلفيه العسكريه حققوا لمصر الكثير من التقدم و الازدهار و الامان خلال فترة حكمهم و لهم من المعارك التى سطرت فى التاريخ بحروف من ذهب صاحبتها بعض الانتكاسات المرحليه نتيجة ضعف بعض القيادات . و من خلال هذه النبذه التاريخيه سنجد أن العلاقه بين العسكريه و الحكم علاقه تاريخيه ممتده الى قديم الازل و أنه من مواصفات الحاكم المصرى أن يكون له خلفيه عسكريه جيده . و هناك من يذهب الى أن تدخل العسكريين لا يحدث لأن المؤسسة العسكريه بطبيعتها تميل إلي هذا التدخل، ولكن لغياب أو ضعف، المؤسسات ذات الفاعليه في المجتمع. ويختلف الدارسون كذلك حول مقدرة العسكريين علي الحكم. فهناك العديد ممن يؤيدون وجهة النظر التي تقول أن القوات المسلحة لها صفات ايجابية تجعل العسكريين حكاماً فاعلين , و أن القوات المسلحة يمكنها تقديم النظرة المهنية والالتزام، والمنحي العملي والجيوش عادة هي المؤسسة الأكثر تنظيماً في الدولة. وغالباً ما تملك حساً بالهوية الوطنية أكثر من غيرها من المؤسسات. وهي أكثر تميزاً في المقدرات الفنية علي الاتصال. والجيوش هي أكثر المؤسسات فاعلية في الدوله، وبالتالي فهي رمز حي للسيادة الوطنيه أكثر من العَلم ومن الدستور والبرلمان. والجيش غالباً ما يتمتع بتأييد شعبي أكبر من القادة السياسيين , بالإضافة لهذا فإن التدريب الذي يتلقاه الضباط، يمنحهم أيدلوجية مهنية تجمع الحس الوطني القوى بالطهارة السياسية، وقبول مؤسسات اقتصادية جماعية وعداء تجاه السياسيين الفاسدين. وتعتبر هذه المواصفات ضرورية لوجود فعالية في الحكم , وقد أثير جدلا كثيرا تضمن شكوك حول مقدرة القوات المسلحة علي الحكم أهمها هو افتقاد العسكريين للمهارات السياسية اللازمة للقيادة. فهم لا يثقون في الحوار السياسي، ويريدون نقل إنضباطهم العسكري إلي المجتمع , لذلك يميل القادة العسكريون لاستعمال السلطة والحسم، ويتعاملون بجمود وعدم مرونة مع التداخلات والارتباطات بين أركان السلطة في المجتمع . و هناك و جهة نظر تؤكد على أن ما يدعم هذه الايدلوجيه أن هذه الجيوش لم تصل بعد إلي مرحلة من التقدم التقني والإداري الذي يسمح لها بتطوير الرابطة بين القطاع المدني والعسكري،و هى أقل قدره علي التعامل مع الأمور المدنية وعلي الأخص في المجال السياسي . و هى التخوفات التى تنتفى عن المؤسسه العسكريه المصريه العريقه و التى بلغت من النضج و التطور على مدار التاريخ الذى يجعلها عنصراً هاماً و رئيسياً فى معادلة إستقرار الوطن و هو الدور الذى ظلت تلعبه هذه المؤسسه العسكريه المصريه على مدار خمسة ألآف سنه , و هو عمر أخر الجيوش العربيه بالمنطقه بعد تدمير الجيش العراقى و الليبى و من بعدهم الجيش السورى , و من هنا يجب أن نسأل هل المقصود من النداء هو تحييد المؤسسه أم إفشالها و السؤال الاهم هو هل يجب أن تنتفى الخلفيه العسكريه عن حكام مصر ؟