كيف يبدو 25 يناير 2012 وكيف يختلف عن 25 يناير 2011 ؟.. سؤال كبير تحدد إجاباته إلى حد ما الخاسرين والرابحين خلال عام، هو الأهم، والأصعب فى تاريخ الجمهورية المصرية، لأنه يجيب بصراحة عن سؤال آخر هو: أين نضع أقدامنا وإلى أين نتجه؟ فى الطريق إلى 25 يناير المقبل خمسة مشاهد تحدد مجتمعة تفاصيل المشهد الكبير الذى نعيشه الآن، ونتحرك به نحو المستقبل، وقد يبدو كل مشهد بمفرده غير كاف لرسم التفاصيل الكاملة للصورة النهائية، لكن ترتيب المشاهد إلى جوار بعضها البعض يضعنا على أبواب صورة مصر فى 25 يناير 2012. المشهد الأول: جملة ربما رددها بعض المصريين، لا يمكن حساب تعدادهم بدقة، لكن على أية حال كان فى مصر من يتساءل بعد أحداث مجلس الوزراء وشارع قصر العينى، عقب المواجهات الدامية بين الشرطة العسكرية والمتظاهرين: لماذا لا يدخل الجيش بدباباته ويخلصنا من هذه الصورة الدامية؟! كان هذا حال بعض المصريين وكلامهم، وهو بالتأكيد يختلف عن حالهم فى 25 و28 يناير 2011 حينما رأوا الشباب الذى قاد الثورة والتغيير، فرفعوهم على الأعناق، وقال الكثير دون مواربة: لقد أخطأنا فى حق شبابنا، أخطأنا فى عدم معرفتهم، وأخطأنا فى عدم تقديرنا لقدرتهم على الفعل.. لكن جزءا كبيرا من هذه الصورة الجميلة والرومانسية عن شباب الثورة أخذت تتآكل كل يوم عما سبقه، مع تكرار التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وحتى مع الصدامات مع الجيش. المشهد الثانى: صورة أفراد من الجيش المصرى وهم يسحلون فتاة ويجردونها من ملابسها فى ميدان التحرير، خلال نفس أحداث مجلس الوزراء، وشارع قصر العينى، صورة تركت انطباعات سلبية، وغيرت من نظرة بعض المواطنين لقواتهم المسلحة، التى تم الترحيب بها يوم 28 يناير فى ميدان التحرير، حيث خرج الشعار الأهم فى الثورة والميادين الجيش والشعب إيد واحدة. بالتأكيد اختلفت صورة القوات المسلحة فى 25 يناير 2011 عن25 يناير 2012، ولم تعد مساحة الرضى عن المؤسسة العسكرية كما كانت، وأصبح انتقاد المؤسسة العسكرية ودورها وأدائها فى الشارع حديثا يوميا، ما أثر على الصورة النهائية لدور القوات المسلحة فى الانحياز للخيارات الشعبية، وحماية الثورة. المشهد الثالث: صورة رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين محمد مرسى فى مؤتمر صحفى قبل أيام وعن يمينه رئيس حزب النور، وفى أطراف الصورة وهوامشها ممثل عن حزب الوفد الليبرالى، والدكتور محمد أبو الغار عن الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى الشريك السابق فى الكتلة المصرية، ورامى لكح نائب رئيس حزب الإصلاح والتنمية، والدكتور صفوت عبد الغنى عن حزب البناء والتنمية، حزب الجماعة الإسلامية، وممثل عن حزب الكرامة الناصرى. فى قلب المشهد يبرز الفائزان فى الانتخابات النيابية، الإخوان المسلمون والسلفيون، فى صورة تحدد شكل المجلس التشريعى القادم بأغلبيته الدينية الواضحة، وعلى الهوامش بعض فصائل الليبراليين واليسار الليبرالى الجديد، وجزء من الناصريين، الذين يبدو دورهم فى الصورة وعلى الأرض وفى المستقبل مجرد مكمل أو حشو للصورة الكبيرة عن مصر التى سيقودها الإسلاميون فى السنوات القادمة.. رغم أن حضورهم فى مشهد 25 يناير لم يكن واضحا، بل كان غائبا، حتى قرروا النزول والمشاركة واستغلال حالة الثورة، ووجود المواطنين بالملايين فى الشوارع تراودهم أحلام تغيير بلدهم. المشهد الرابع: إعلان حزب المصريين الأحرار الخروج من الكتلة المصرية، والعمل من خلال البرلمان المقبل بمفردهم، ليتواصل انقسام القوى الليبرالية والمدنية، فالوفد الذى تحالف مع الإخوان من قبل خرج عن التحالف، ثم عاد لنيل حصة من هيئة البرلمان القادم، واكتفى بتوفير غطاء ليبرالى لقوى الإسلام السياسى، وهو نفس ما فعل الحزب المصرى القومى الاجتماعى، بينما اكتفى المصريون الأحرار بالبقاء فى مواقع المعارضة ومقاطعة انتخابات مجلس الشورى القادمة. خسر الليبراليون والأحزاب المدنية الانتخابات البرلمانية، واكتفوا بهامش المشهد السياسى، وصدارة المشهد الإعلامى، وواصلوا الخلافات الداخلية، والغياب عن الشارع، ما يهدد بمزيد من تراجع القوى المدنية والليبرالية فى المجتمع وانحسار دورها لصالح اليمين الدينى. المشهد الخامس: صورة قطع الطرق السريعة والشوارع، وقضبان السكك الحديدية لأسباب مختلفة، واحتلال الباعة الجائلون للشوارع، معلنين بذلك استمرار التجرؤ على القانون وسقوط هيبة الدولة.. مشهد يكرس الدولة الرخوة غير القادرة على فرض القانون واحترامه، لينتقل تنفيذ القانون من أجهزة الدولة إلى المواطنين. هذا المشهد الأخير يبعد كثيرا عن المشاهد الأربعة السابقة، لكنه بالضرورة يقودنا إذا استمر إلى دولة فاشلة فى المستقبل، مثل العراق أو الصومال، فحينما تختفى السلطة فى الدول ينتزعها المواطنون، وتبدو عملية إعادة سلطات الدولة لحضنها فى غاية الصعوبة.