"موتوا بغيظكم".. تلك الجملة القميئة التي لوثت آذان المصريين جميعا قبل عام من الآن، منذ أطلقتها قطعان عصابة الإخوان الخارجة عن القانون، في وجه كل من يعارضهم أو يعارض رئيسهم المخلوع، حيث صورت لهم شياطينهم أنهم يستطيعون قهر المصريين تحت حكم فاشل، لمجرد ورقة وُضعت في الصناديق عبرت عن أقلية ضعيفة من جموع الشعب، اختارت رئيسا على شروط محددة فأخلّ بها، بل واكتشف الجميع كذبه وتدليسه فقرروا فسخ التعاقد معه، وطرده من الحكم. ولكن قيادات تلك الجماعة الخارجة عن القانون صورت لهم ضلالاتهم أن مستنقع الفشل، والتردي الأخلاقي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، الذي أغرقوا فيه الوطن عبر هذا العام الكبيس، يمكن أن يستمر 3 سنوات أخرى رغم أنف الشعب، وكأنهم اختطفوه، وسطوا على إرادته، معتبرين تلك الورقة الانتخابية هي صك تنازل عن الوطن لأربعة سنوات، فيأخونونه ويخونونه ويبيعونه ويفسدونه ويفشلونه، وعلى الجميع أن يبتلع أكاذيبهم ويصمت، أو يموت بغيظه كما كانوا يرددون، إلا أنهم لم يدركوا أن الشعوب إذا اغتاظت هدرت، وإذا غضبت عصفت، وإذا رفضت لفظت، ولكنهم أسرى الصورة النمطية لقطعانهم الذين لا يعصون المرشد ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمَرون. وواقع الأمر أن الأحداث أثبتت أن رفض الشعب لذلك الفصيل الخارج عن القانون لم يكن من فراغ، بل كان وراؤه وعيا شعبيا وفطنة وطنية نادرة، حيث أثبتت الأحداث الأخيرة أن ذلك المخلوع، وتلك العصابة من خلفه، يفتقدون الانتماء والحس الوطني بالكامل، وهو ما تأكد عبر مساعيهم المتواصلة إلى هدم مؤسسات الدولة، واستهداف الجيش والشرطة، والدعوة للتقاتل الأهلي، ودفع قطعانهم إلى الاعتداء على المؤسسات وإرهاب المواطنين، وهو ما أكده رئيسهم الفاشل، ومرشدهم الهارب من العدالة، وعدد من الإمعات المرتزقين، المنتمين لفصائل أخرى، الذين استخدمتهم الجماعة ك"خيالات مآتة" لتخويف شباب الثورة، وتهديد الأقباط، والتلويح بالقتل وحرق البلاد. فكيف يظن هؤلاء القتلة والإرهابيون أن يأتمنهم الشعب على الوطن وهم يحاربونه ويتآمرون عليه، ويتبعون معه سياسة الأرض المحروقة، فإما أن يحكموا الناس بالقوة، وإما يحرقون لهم الأخضر واليابس؟ وحقيقة الأمر أن تلك التيارات اليمينية المتطرفة، والفصائل الضلالية كعصابة الأخوان الخارجة عن القانون، وحلفائها من الإرهابيين والقتلة والمرتزقة، الذين يرفعون شعارات دينية تارة، وشعارات سياسية تارة أخرى، لم يكن في ثقافتهم ذات يوم مفهوم الوطنية، كما لم يكن هناك مفهوم للديموقراطية، فهم يخوضون تلك التجربة تكتيكيا من أجل الوصول إلى الحكم ثم الانقضاض عليها، كما يرفعون شعارات الإسلام أيضا تكتيكيا، من أجل تضليل أتباعهم واجتذابهم، ثم عند وصولهم للحكم يفعلون كما فعل حليفهم الأكبر، عصابة الأخوان، فيبيحون الربا، ويرخصون للملاهي الليلية، ويرفعون دخولاتهم من الترخيص للخمور وزيادة الضرائب عليها، ويحلون الكذب والتدليس ثم يقولون الحرب خدعة، ويسبون الناس ويعرّضون بهم، ويرمون المحصنات بالباطل، ويتهمون الناس دون سند، ويفتأتون على الله بأنهم أصحاب الجنة وغيرهم في النار، ويشيعون الفتن، وينشرون الكراهية، ويستحلون الدماء والحرمات، وهو ما شاهدناه بأعيننا عبر عام من حكم المخلوع وأتباعه وأحلافه ممن كنا نراهم على شاشات الفضائيات، واليوم نراهم مختبئين بين القطعان المستنفرة في إشارة رابعة العدوية، ممن يعرفهم الناس جيدا من المنحرفين فكريا وأخلاقيا وعقليا، يألبونهم على القتل، ويحرضونهم على حرق البلاد. ورغم ما شاهده الناس من تردي ورداءة عبر عام مضى، وما يشاهده الجميع من سلوكيات خيانية وإجرامية، عبر الأيام الأخيرة، إلا أن العجب أن نرى ونسمع بعض النداءات البريئة والساذجة والغافلة والمغفلة، من أصوات تحدث عن التسامح، وتدعي المثالية، فتشير إلى مصالحة اجتماعية ومشاركة سياسية، وعدم استبعاد أحد، وكأن الخلاف مع هؤلاء سياسي، وليس دفاعا عن الوطن في وجه من خانوه، متناسين أن ما يقوم به ذلك الفصيل الضال يؤكد خيانتهم للوطن، وانسياقهم خلف عصابات إجرامية تستأجرهم لقتل الناس وتخريب البلاد، وهو ما لا يجوز فيه ما يقال حول المصالحة والمشاركة، بل تجب فيه المواجهة والتصدي والعقاب والاستئصال. فكيف يمكن أن نأمن لهؤلاء مهما زاد عددهم أو قل، وهم بمثابة عدو مندس بين صفوف الشعب، ينتظر أوامر سادته من الداخل والخارج فيقتل أبناءنا أو يحرق بيوتنا؟ وحقيقة الأمر أن تلك الجماعات والتيارات الضلالية، بكل ألوان طيفها السياسي، هم في واقعهم تيار واحد يدعي الاختلاف والتباين من أجل استقطاب أعداد من الغافلين والمغرر بهم، بينما قياداتهم ينهلون من نفس مصادر التمويل الخفية، وينسقون فيما بينهم في خداع الناس وتضليلهم والكذب عليهم، ويساندون بعضهم البعض في كل مواقفهم المنحرفة والضالة والمتآمرة، ولم نجد منهم من يقول لكاذبهم أنت تكذب، ولا لقاتلهم أن تقتل، ولا لمحتالهم أنت تحتال على الناس، بل أنهم يبررون لأنفسهم كل شيء من أجل ما يسمونه "نصرة التيار"، حتى لو كان هذا التيار المدعَى لا يمت في سلوكياته بأي صلة لما يرفعونه من شعارات دينية، فهي فقط لزوم الدعاية الانتخابية. عام مضى بكل رداءاته، ولكنه كان كفيل بأن يترك مرارات لن تزول، فمهما قيل عن مواطنة هؤلاء، سيبقى في القلب شك تجاه وطنيتهم، فليس من يحرق الوطن ويقتل أبناءه، هو من يمكن أن نستأمنه عليه، أو نصدق أنه يمكن أن يقف معنا كتفا بكتف في مواجهة عدو أو مواجهة أي خطر، فلم نعد نشعر مع هؤلاء بالأمان أو الصدق، ولم نعد نشعر معهم بالود أو الإخلاص. لا مصالحة ولا مشاركة ولا تعايش، ولا يجب أن يترك لهؤلاء مكان على الساحة السياسية، بل يجب عزلهم، فهم غير مأتمنين على الوطن أو على أهله، ولا يجوز لمن أراد التعايش أن يزج بالدين أو يستغله مرة أخرى لتفرقة الناس بدلا من جمعهم، أما إذا ظلوا على نفس الحال من التآمر والمتاجرة بالإسلام وبث الكراهية، فلن يكون أمام الشعب إلا استئصالهم، لأننا خبرناهم عبر هذا العام الرديء، وما سبقه من أعوام الإرهاب العديدة التي شهدتها مصر على أيدي نفس الشخوص الذين ولغوا في الدم المصري الحرام، فقد أثبت هؤلاء أنهم مصادر للخطر على الوطن، وليسوا شركاء في بنائه.