أثبتت الأيام الأخيرة فى المشهد السياسى المصرى أن الظواهر الصوتية لعبت دورا محوريا فى إحداث نوع من الفوضى والارتباك والسيولة المعلوماتية بشكل لم يعهد من قبل، وذلك من أجل توجيه الرأى العام باتجاه رأى سياسى معين بشكل مستفز غير حيادى يدل على إفلاس البعض. فلقد أتحفنا بعض الإعلاميين باستعراض عضلات ألسنتهم بسلاطة اللسان وبذاءة الألفاظ وقبح الكلمات، حتى مل المواطن المصرى من سفاهتهم ومهاتراتهم وألاعيبهم السياسية والصراخ والعويل والنياحة على ماضى الفلول وأمجاد العلمانية. ورأينا حملة تحريض واسعة من قبل وسائل الإعلام المحلية ضد مؤسسة الرئاسة والإخوان المسلمين ومسودة الدستور بصورة هستيرية، مستخدمين فيها كل الوسائل والطرق المشروعة وغير المشروعة من تشويه وتضليل وتدليس وفبركة وتحوير وكذب وسب وقذف وشائعات؛ من أجل ترهيب الشارع من المشروع الإسلامى، فكانت نتيجة الاستفتاء أكبر صفعة لهم. الأدهى من ذلك أن الأمر لم يقتصر على الإعلام المصرى فقط، بل تعداه إلى بعض وسائل الإعلام العربية والدولية التى كنا نعول على مصداقيتها فى وقت من الأوقات، ولكن المستور انكشف وبواطن الأمور ظهرت، وعرف الجمهور من يريد مصلحته، ومن يريد حرق مصر من أجل عرشه ومملكته. هؤلاء يمكن أن نطلق عليهم تجار الكلام الفارغ التافه الذى لا يُسمن ولا يغنى من جوع، فأموالهم وجهودهم ووقتهم ذهبت هباء منثورا بعد ما قال الشعب المصرى كلمته فى الاستفتاء على الدستور. هذه الفئة تخسر دائما؛ لأنها تتخذ الكلام شعارا لها، والقبح منهجا فى مشروعها، ولا يعلمون أن الأوطان لا تبنى إلا بالكفاح والتضحية والجهاد والعمل وليس بالصوت العالى والكلام الساقط. تجار الكلام يخسرون أيضا؛ لأن بضاعتهم مزجاة لا تلائم المزاج والهوى المصرى؛ لأنها معلبة ومستوردة من الخارج، ويريدون فرضها على الجمهور بأى شكل حتى ولو لم يستطِب طعمها، فهذه هى علمانيتهم. يوما عن يوم تسقط الأقنعة عن هؤلاء التجار، ويتأكد لنا أنهم ليسوا أصحاب مبادئ أو قيم أو فكر أو مشروع، وإنما أصحاب مصالح وعبيد للمال حيثما كان وأينما وجد، فلا تكاد تجد لهم حرفا إلا وهمز ولمز فيه للإسلام والإسلاميين؛ تنفيذا لأوامر الملاك ورغبة الأسياد. يظنون أن ذاكرة الشعب المصرى ضعيفة، وأنهم من رجالات ثورة 25 يناير، ولكن الحقيقة تقول: إنهم كانوا من أكثر الناس ضلالا وفسادا فى الأرض إبان النظام السابق، فلا يمكن نسيان بكاء مجدى الجلاد وخيرى رمضان، ولطم عماد الدين أديب ونياحة لميس الحديد وسيد على على المخلوع مبارك. إذن من الضرورة إعادة رسم خريطة الساحة الإعلامية بصورة جديدة تتماشى مع التحول الديمقراطى للنظام السياسى، بحيث ترتكز وسائل الإعلام على معايير الحرية والمسئولية، مع مراعاة المصلحة الوطنية والإعلاء من الشأن العام، والالتزام بالقوانين ومواثيق الشرف المعمول بها، وإلا يكون السجن مكانا لهم.. فهل من مدكر؟!