نستطيع أن نصنف قنوات الناس والحكمة والحافظ وغيرها على أنها قنوات دينية.. لكنها إذا اقتربت من السياسية - كما هو الحال منذ فترة – نجدها تخرج أحياناً بتجاوزات لا تليق بتصنيفها الأصلي ، فقد جاءت من خلال برامج هذه القنوات إتهامات مثل " البرادعي ماسوني يبحث عن مصالحه " ومحمد أبو حامد " ليست له ملة " وإبراهيم عيسي " أبو حمالات وقليل الأدب " .. فهل هذا الأسلوب يليق بقنوات دينية ؟َ! وهل من اللائق أطلاق لفظ "الشيخ" أو "رجل الدين" على مقدمي هذه البرامج أو حتى على كل شخض يتحدث باسم الإسلام ؟ في البداية يعلق الاعلامى خالد عبد الله على إقحام تلك القنوات في السياسة قائلا: السياسة جزء من البرامج، وفي قنواتنا نحاول قدر المستطاع أن ننقل للمشاهد الذي يحترمنا حقيقة الأوضاع ، ويجب أن يكون هناك توازنا ، ولكننا من منطلق ديني نبرز القضايا ونرد على الشبهات التي تقال عنا، ونحاول أن نخدم مجتمعنا ونحاور المخالف، ولكن " نعنّف " المخالف عندما يسئ بشكل أو بآخر، وندافع عن أنفسنا. "السياسة من أمور الحياة ولا يمكن أن تنفك عن الرؤية الشرعية" .. هذه كانت وجهة نظر الدكتور وسام عبد الوارث- رئيس قناة الحكمة ومقدم برنامج مصر الحرة - ويقول: السياسة جزء من السلوك الشرعي للمسلم، وقنواتنا لم تقحم نفسها في السياسة كما يدعي البعض، ولكننا في حاجة إلي دراية وخبرة ودراسة حتى نظهر بشكل حسن، ولكن ترك تلك القنوات للسياسة فقط أراه وجهاً للعلمانية، أما المطالبة بأن تتكلم تلك القنوات في الدين فقط فهذا إقصاء وإبعاد نخبوي غير موفق، فيجب أن نسمع بعضنا في كل مجالات الحياة، ولكن على الجميع أن يراعوا ضوابط الحوار، كما أني أدين أي تجاوزات حدثت من بعض تلك القنوات مثلما حدث من قناة الحافظ، لأن ما فعله عبد الله بدر مع إلهام شاهين أضاف لها نجومية إضافية لأنه لم يحسن الخطاب، فالتحدث في أي أمور مقبول ولكن بدون تجاوز. أما الدكتور عاطف عبد الرشيد- مدير قناة الحافظ – فيقول : هدفنا ليس مهاجمة الأشخاص ولكن إصلاح الأوضاع، والقنوات الدينية شأنها مثل باقي القنوات الفضائية، والآن أصبح من الضروري أن تكون إيجابية وتتفاعل مع الشئون المختلفة وليس الدينية فقط ، فالمشايخ يؤدون وظيفة ستظل قائمة، ولن يتعاظم هذا الدور أو يقل إذا ما اخترقوا مجال السياسة . علي من يطلق لقب شيخ أو رجل دين بعدما وجدنا مقدمي البرامج السياسية في تلك القنوات يلقبون أنفسهم بهذه الألقاب؟.. هذا ما يجيبنا عليه الشيخ عبد الحميد الأطرش- رئيس لجنة الفتوى السابق بالأزهر - : لكي يتحدث أي شخص في الدين يجب أن يكون من أهل الاختصاص، وفي مصر يجب أن يكون خريج الأزهر وله خبرة تؤهله ليتحدث في الدين، لأن ليس كل إنسان يحمل مؤهلا دراسيا يصلح لذلك، ويشترط فيمن يتحدث في الدين أن يكون على تقوى وورع وخوف من الله، وأن يكون على دراية باللغة العربية، وبأقوال الأئمة، وألا يقصد بحديثه حب الظهور، وللأسف القنوات الفضائية أصبحت تستضيف كل من هب ودب، ويدعي أنه من كبار رجال الأزهر ليكون صوتا رنانا على الشاشة، أما عن تلك القنوات التي تجاوزت كل الحدود في الهجوم والنقد وتدعي أنها قنوات دينية فهي في الحقيقة قنوات استثمارية، أما القنوات الدينية فهي التي تتقي الله فيما تبثه للناس. ويقول د.محمود عاشور- وكيل الأزهر سابقا-: نحن في زمن اختلطت فيه الأمور وأصبح الناس لا يميزون بين الصواب والخطأ ويقولون ما لا ينبغي أن يقال، ولا يضعون في اعتبارهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم "ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء "، وبالتالي فمن غير المقبول أن تخرج ألفاظ بذيئة وتصريحات خارجة خاصة من الشيوخ الذين من المفترض أنهم متخصصون، فلابد أن يكونوا قدوة لغيرهم في التسامح والأخلاق الحسنة، ومن هنا ينبغي علينا حين نختلف مع أي شخص أيا كانت وظيفته أو مسئوليته أن نوجه له الكلام باحترام وأدب، لأن الإسلام يأمرنا بذلك، كما أننا لابد أن نضع في اعتبارنا مقولة فقهائنا القدامى "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيري خطأ يحتمل الصواب" . «ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك».. هذه الآية ينبهنا إليها المفكر الإسلامي فهمي هويدي.. والذي علق على تجاوزات تلك القنوات قائلا: لا أكاد أصدق أذني حين أسمع بعض الدعاة وهم ينتقدون الآخرين بغلظة جارحة، ويكيلون إليهم السباب الذي يتنزه عنه أهل العلم والدين، وهذه الظاهرة مهما كان حجمها فإنها تعلن عن أزمة تدعونا إلى التفكير في أسبابها وكيفية علاجها، وأنا أحمل الدعاة المسئولية الأكبر، حيث يفترض فيهم العلم أولا، كما أن مهمتهم الأساسية هي تبصير الناس وإرشادهم إلى الصواب، الذي يجذب الخلق ويحببهم في الدين، ويفترض فيهم الالتزام بالأمر الإلهي الذي يحثهم على التوسل في مهمتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، لذلك فإن غلظته وسوء تعبيره لا ينتقص من قدره فقط، ولا ينفر المتلقين من التدين وأهله فقط، ولكنه يروج للجفاء وسوء الأدب وبذاءة اللسان إلى جانب أنه يسيء إلى الدين ويقبح صورته. أما الدكتور صفوت العالم- أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- فيقول: طالما أن من يشرف على مدينة الإنتاج وهذه القنوات هي هيئة الاستثمار التي تتعامل بمنطق الفلوس فقط - وهذه ثغرة في تبعية تلك القنوات- فتلك القنوات ربما تبث مضامين إعلامية تهدر القيم مثلما نري ، لذا يجب أن تكون هناك شروط للترخيص لاي قناة ومتابعة الأداء الإعلامي لها بدلا من أن يتركوا القائمين عليها يفعلوا ما يريدوا. ويقول الكاتب والمفكر جمال الغيطاني: القنوات الدينية تصب الزيت على النار، وكان يجب معاقبة القائمين عليها الذين يستضيفون من يحاول سب وقذف الآخرين بدون وجه حق. وهذه التصرفات ليس لها أي علاقة بالدين لا من قريب أو من بعيد، لأن الإسلام برئ من مثل هذه التجاوزات لذا يجب أن تكون هناك محاسبة و حدود لأنهم يفهمون الحرية بشكل خاطيء.