يصوت البرلمان الفرنسي، يوم 16 فبراير الجاري، على مشروع قانون "مكافحة النزعات الانفصالية"، وسط انقسام حول القانون الذي يتناول قضايا حساسة للغاية في فرنسا. وتناقش الجمعية الوطنية الفرنسية- البرلمان - في جلسات متفرقة منذ مطلع الشهر الجاري، التعديلات المتعلقة بمشروع القانون الذي يهدف إلى تعزيز احترام قيم الجمهورية الفرنسية، ومكافحة النزعة الإسلاموية المتطرفة، وفقا لصحيفة "ويست فرانس" المحلية. وفي كلمته أمام البرلمان، دافع وزير الداخلية جيرالد دارمانان عن القانون المثير للجدل، معتبرا أنه "الدواء" الذي يمكنه أن يعالج بلدا يعاني من الانفصالية، بما في ذلك "الانفصالية الإسلاموية" التي تهدد الوحدة الوطنية، على حد قوله. وقال الوزير الفرنسي إنه "لا ينبغي إعطاء يورو واحد لأعداء الجمهورية"، مشيدا بفكرة إلزام الجمعيات التي تطلب دعما حكوميا بشروط رقابية صارمة، حيث يمنح القانون سلطات أوسع لحكومة للتدخل في عمل المنظمات، وحال عدم الامتثال للقواعد سيتعين عليهم دفع تلك المساعدات، في خطوة تهدف لتقييد حصول المؤسسات على تمويلات من جهات متطرفة يسطير عليها رموز الإخوان الموالين لتركيا. في المقابل، انتقد أعضاء من اليسار واليمين الفرنسي المتطرف أجزاء كبيرة من مواد القانون، كونها "لا تستهدف التطرف الإسلامي" وتيارات الإسلام السياسي لكنها تفتح الباب لملاحقة فئات أخرى، حسبما قال النائب مارك لوفور من حزب الجمهوريون. بينما حصلت المادة المتعلقة بتجريم "النزعة الانفصالية" على تأييد واسع، حيث دعم النواب فكرة إقرار عقوبة بالسجن لمدة 5 سنوات وغرامة قدرها 75000 يورو ضد أي شخص يهدد أو ينتهك أو يخيف مسؤولا منتخبا أو أحد أفراد الخدمة العامة، بهدف التهرب من الإجراءات. وبحسب الصحيفة، يرى جان لوك ميلانشون زعيم حزب "فرنسا الأبية" اليساري أن مشروع القانون "عديم الفائدة" موجها اتهامات لمعدي القانون بوصم الإسلام، كما جرى انقساما بين النواب بسبب مقترح لحزب الجمهورية للأمام الذي يتزعمه الرئيس إيمانويل ماكرون، حول تعديل قواعد حظر الحجاب في الأماكن العامة. كما دعا البرلمان إلى عزل المعتقلين من الإسلامويين، مع تدريب المعلمين على التعامل مع النزعة الانفصالية، حيث اقترح الجمهوريون لوضع حد سنوي للهجرة توفير أماكن معينة في السجون للمعتقلين الإسلاميين لمنعهم من نشر أفكارهم المتطرفة، مع تجريم عرقلة مهة التعليم. ويتطرق مشروع القانون لبعض الإجراءات مثل حرية تكوين الجمعيات المستقلة، مكافحة الكراهية عبر الإنترنت، التعليم داخل الأسرة، تعزيز الرقابة على الجمعيات، تحسين شفافية دور العبادة ومصادر تمويلها، التصدي لظاهرة شهادات البكارة، وتعدد الزوجات أو الزواج القسري. وفي هذا السياق، صوت أعضاء البرلمان الفرنسي بالأغلبية لصالح حظر إصدار شهادات العذرية، حيث تحظر المادة 16 من مشروع القانون على العاملين الصحيين إصدار شهادات البكارة مع عقوبة تصل إلى السجن لمدة عام وغرامة قدرها 15000 يورو. وخلال جلسة مساء الاثنين، وافق المجلس على المادة 14 من القانون المتعلقة بفرض قيود على تعدد الزوجات في فرنسا، والمحظور في البلاد، والذي يؤدي إلى مشاكل عائلية معقدة، بحسب صحيفة "لوباريزيان" الفرنسية. وقدم النواب الحماية للزوجات اللاتي تعانين من تلك المشكلة، حيث يسمح القانون بتجديد تصريح الإقامة للسيدة المتزوجة من رجل متعدد الزوجات، لكن يتعين النظر في كل حالة بشكل منفصل. كما صوت النواب خلال الجلسات لصالح تعديل في القانون يحظر أي محاولة تهدف لإثبات عذرية الفتيات قبل زواجهن. بدوره، يرى برنار كازنوف رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق إن مشروع قانون مكافحة الانفصالية، يحتوي على بنود مفيدة وضرورية، لكنه تحفظ على بعض المواد المثيرة للجدل. واعتبر كازنوف أن القانون الذي يناقشه البرلمان حاليا، يحمي المسلمين، ويحارب الأفكار المتطرفة ويدافع عن قيم الجمهورية العلمانية. وأضاف أن هناك نصوص كثيرة في مشروع القانون تتعلق بالتموقع السياسي، موضحا أن بعضها غير مفيد ومثير للانقسام، داعيا إلى إنشاء مجموعة برلمانية جديدة لإدخال تعديلات على القانون. على جانب آخر، يعتبر حزب التجمع الوطني الفرنسي وزعيمته اليمينية المتطرفة مارين لوبان، أن القانون "غير فعال" حيث أعلنت التقدم بمشروع مضاد يعني بشكل أساسي بمكافحة "الأيدولوجيات الإسلامية"، يتضمن موادا تقيد ارتداء الحجاب في الفضاء العام. وينتقد البعض مشروع القانون الذي تجري مناقشته حاليا، كونه لا يشير بشكل واضح إلى "الانفصالية الإسلاموية" التي يتعين عليه محاربتها، ورأى البعض أنه يقيد الحريات في هذا البلد الأوروبي بحجة تعزيز مبادئ الجمهورية. ومن المتوقع أن يجسد القانون المنتظر استراتيجية الرئيس إيمانويل ماكرون الذي قدم خطته لمحاربة النزعة الإسلاموية المتطرفة، في أكتوبر الماضي، في أعقاب عملية قتل أستاذ التاريخ الفرنسي صامويل باتي، ثم الهجوم على كنيسة في نيس. ويصوت أعضاء الجمعية الوطنية الفرنسية خلال الفترة الحالية على مواد القانون، بينها تجريم خطاب الكراهية ونشر المعلومات المتي تهدد سلامة الأشخاص، حيث يتوقع أن يفرض على هؤلاء عقوبة بالسجن قد تصل إلى 3 سنوات وغرامة لا تتجاوز 45 ألف يورو. ويلزم القانون الجماعات الدينية عن الإفصاح عن أي تمويل أو دعم خارجي يفوق قيمته 10 آلاف يورو، في خطوة للحد من سيطرة الجماعات المتطرفة مثل الإخوان على المؤسسات الدينية. وسيتعين على جميع الجمعيات الدينية والشركات الخاصة التي تمثل الدولة أو تقدم خدمات حكومية التوقيع على ميثاق احترام مبادئ العلمانية، وحيادية الخدمة العامة. أما أكثر النقاط مثيرة للانقسام، تتعلق بإجبار الأطفال على الالتحاق بالمدارس في سن الثالثة، إلا في حالات محددة، والهدف من تلك الخطوة هو تقييد حصول الأطفال المسلمين على تعليم ديني في البداية، وهو ما تعتبره الحكومة الفرنسية لا يتوافق مع مبادئ الجمهورية العلمانية. وتراجعت الحكومة الفرنسية عن تلك الخطوة لاحقا، لكنها تشترط التقدم بطلب رسمي قبل إرسال الأطفال إلى مدارس دينية خاصة، حيث أن تلك المدارس تخضع للسيطرة من قبل جمعيات تمولها تركيا وجميعات سلفية وإخوانية مختلفة.