تعتبر حرية التعبير أحد الحقوق الإنسانية التي تسمح بطرح الأفكار وتداولها والمجاهرة بها وتبنيها على مستوي الفرد والجماعة ،حيث جاء هذا المفهوم بعد تراكمات فكرية وتجارب سياسية وطنية وعالمية وصراع وجدال هنا وهناك بين الدول المتقدمة والنامية. في نهاية القرن ال18 شهدت إشارات ظهور المساعي السياسية الرامية لإرساء مبادئ حقوقية حول حرية الصحافة ،وكانت هذه الحرية تشير الي حرية الأفكار لأصحابها ومروجيها . بينما خصوم السلطة التقليديون كانوا يبتغون من هذا انتزاع هذه الوسائل التي ظلت حكرا بأيدي السلطات التي تدعي حقها في السيطرة علي وسائل نشر الأفكار . وقد كانت مسألة حرية الإعلام خلال إطلاق اعلان حقوق الإنسان في فرنسا عام 1789 من القضايا الساخنة علي المستوي الدولي وحظيت باهتمام في المؤتمرات الدولية ،وطرحت للنقاش بين مختلف الأطراف الدولية المؤيدة والمعارضة! كما كان الواقع الاتصالي الدولي السائد في القرنين ال 18 و19 وحتي القرن ال20 جسد الصراع بين الدول المختلفة ،حيث كانت الجهود السياسية التي بذلت علي نطاق واسع لأجل تقسيم مناطق الاستغلال الاخباري للوكالات الدولية تأتي ضمن ترتيبات دولية يحددها الكبار ! وحتي القرن ال19 كان العالم مقسما بين وكالتي " رويترز وهافاس وولف " ولا يحق للمنافسين الدوليين ممارسة العمل الاخباري معها ، مما ادي الي شكوي من قبل بعض الوكالات الأخري مثل وكالتي " الاسوشيتدبرس واليونايتدبرس انترناشونال ". وكانت امريكا قد طالبت انذاك ، بدور دولي كبير يتلاءم مع أحلامها الاستعمارية وطموحاتها التوسعية ، وبدأت في تفعيل دور وكالاتها الإخبارية في خدمة مصالحها الخارجية . حيث تميز الاسلوب الأمريكي في تبطين أهدافه وإثارة الجدل حول الدور الذي تمارسه الوكالات الإخبارية الأوروبية . وسعت امريكا الي تشويه صورة الشعوب وتلوين الحقائق وتحسين صورتها الدولية من ناحية وتشويه صورة منافسيها من ناحية أخري ،بينما ظلت وكالتا رويترز وهافاس تشوه صورة امريكا وتصفها بأنها دولة غارقة في الصراعات العنصرية والجريمة والفيضانات ! وحتي بدايات القرن ال20 ظلت الامبراطوريات البريطانية والفرنسية تهيمن علي قضايا واسعة من التجارة الدولية فضلا عن سيطرة وكالاتها الإخبارية ولن تترك لامريكا سوي قطاع الاتصالات الدولية الذي كانت تحقق فيه بعض التفوق. وخططت امريكا للوصول إلي الهيمنة السياسية علي الاعلام والثقافة ، وهذا الهدف كان يتطلب تغيير الظروف الدولية. وعندما اندلعت الحرب العالمية عام 1917 كان علي وكالة الاسوشيتدبرس أن تلعب دورها الاخباري السياسي بإتقان بالشكل الذي يتلاءم مع مكانة امريكا كقوة دولية كبري كسبت الحرب! وحين انتهت الحرب طالب الأمريكيون بإدخال مادة في معاهدة فرساي تتضمن مبدأ حرية الإعلام ،حيث كان مبدأ التدفق الحر يعني زيادة سيطرة الوكالات الإخبارية الكبري التي تملك التقنية والانتشار اللازم كي يسود في سوق الاخبار الدولي ، وبعد حصول امريكا علي تأييد الكونجرس والشعب الأمريكي علي هذا المبدأ، شنت حملة دولية واسعة بعد الحرب العالمية الثانية . ومن جانب آخر كانت خسائر الدول الكبري مثل بريطانياالمانياوفرنسا وإيطاليا من ناحية وبروز امريكا كقوة عسكرية واقتصادية وإعلامية جدية من ناحية كما يقول الباحث الإعلامي هربت شيللر ، يعد بداية لتاريخ السياسة الاستعمارية لامريكا ،ومنذ عام 1943 تم تكريس مبدأ التدفق الحر دوليا خلال مؤتمر ريجا الدولي الذي اعترفت فيه الوكالات الأوروبية بحق الجميع للوصول للمعلومات والاخبار. وتعد الوكالات العالمية مصدرا أساسيا لاخبار العالم وهي السبب الرئيسي في ظاهرة الاختلال الاخباري فيه. وهناك تحيز واضح للوكالات العالمية في اخبارها فمثلا: اشارت الاحصائيات الي أن 87.08% من اخبار الاضطرابات والكوارث التي بثت من وكالتي رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية أثناء مدة معينة كانت خاصة بالدول النامية . أما بالنسبة للاخبار العلمية فإن الدول الكبري حصلت علي نسبة 90% من هذه الأخبار ، في حين لم تحصل الدول النامية الا علي 10% وهو ما يؤكد علي اختلال التوازن في نقل المعلومات بين الشمال والجنوب! وفي النهاية فإن اشكال الاختلال الاخباري تتمثل في اختلال بين الدول المتقدمة والدول النامية واختلال بين النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة واختلال بين الدول النامية ذاتها واختلال في نسبة الاخبار السارة والسيئة وفي الأحداث الجارية والمعلومات ..! وهو ما يضمن للاسف الشديد التفوق المعلوماتي للدول المتقدمة علي الدول النامية وهو ما يجعل الأخيرة دوما في تأخر ملحوظ عن ركب الحداثة والتغيير للافضل !