حتى أواخر القرن التاسع عشر، كانت مصادر الأخبار الدولية تعكس -إلى حد بعيد- توازنات القوى السياسية والاقتصادية العالمية، فقد كانت وكالات الأنباء الدولية الرئيسية ثلاث فقط هى: رويترز البريطانية، وهافاس الفرنسية، وولف الألمانية. كانت تلك الوكالات الإخبارية تعكس قوة الدول الثلاث المسيطرة على العالم بريطانيا وفرنسا وألمانيا خلال القرن التاسع عشر. وفى عام 1869 تم توقيع اتفاقية تعاون بين تلك الدول الثلاث لتقسيم دول العالم إلى مناطق نفوذ إخبارية تعبر عن الهيمنة السياسية والاقتصادية لتلك الدول، وبناء على هذه الاتفاقية احتكرت وكالة رويترز البريطانية توزيع الأخبار لكافة الدول التابعة للإمبراطورية البريطانية والشرق الأقصى، كما احتكرت وكالة هافاس الفرنسية توزيع الأخبار على الدول التابعة للإمبراطورية الفرنسية والإسبانية والإيطالية، بينما احتكرت وكالة وولف الألمانية توزيع الأخبار فى ألمانيا والنمسا وروسيا والدول الإسكندنافية. حتى ذلك الوقت كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية مجرد قوة صغيرة تخضع لاحتكار أخبارها من جانب وكالة رويترز البريطانية، وكانت الولاياتالمتحدة تتلقى الأخبار الخارجية دون أن تملك حق نقل أخبارها الداخلية إلى العالم الخارجى. وقد اشتكت الولاياتالمتحدة مراراً من احتكار وكالات الأنباء الأوروبية لتدفق الأخبار الدولية، وكم أعربت الولاياتالمتحدة عن غضبها وعدم ارتياحها لأسلوب تغطية الأخبار الأمريكية للعالم الخارجى من خلال المراسلين الأوروبيين الذين كانوا يركزون على الأحداث الدرامية والمعارك الأهلية وحالة الثورة الأمريكية التى كانت قائمة فى ذلك الوقت. وفى عام 1893 استطاعت وكالة الأنباء الأمريكية «أسوشييتدبرس» الانضمام إلى شبكة التحالف الأوربى من خلال الحصول على حق توزيع أخبار وكالة رويترز البريطانية داخل الحدود الأمريكية، ولم يكن مسموحاً بتشغيل خدمات وكالة أسوشييتدبرس الأمريكية خارج حدود الدولة الأمريكية. وعندما اشتعلت الثورة الروسية عام 1917، حاولت حكومة الثورة البلشفية فرض رقابة على الأخبار التى كانت تحتكر نقلها وكالة وولف الألمانية عبر وكالة التلغراف الروسية، وذلك بغية تحسين الصورة الروسية فى الخارج. ومنذ بدايات القرن العشرين وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية فى 1945 أصبحت الولاياتالمتحدةالأمريكية أكثر اقتحاماً للشئون السياسية والاقتصادية الدولية -خاصة ما يتعلق بدول أمريكا اللاتينية- واستخدم الأمريكيون وسائل الاتصال بوصفها أدوات فعالة للحصول على توسعات اقتصادية ومزايا سياسية، ثم امتدت هذه التوسعات الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية إلى بقية أجزاء العالم، واستثمرت الولاياتالمتحدةالأمريكية نفوذها لدى الأممالمتحدة ومنظمة اليونيسكو لترويج ما يسمى بمبدأ «الحق فى الاتصال والتدفق الحر للأنباء والمعلومات». نتج عن الحرب العالمية الثانية وجود أربع دول فقط تسيطر على تدفق الأخبار حول العالم هى الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال وكالتى أسوشييتدبرس ويونايتدبرس إنترناشيونال، وبريطانيا من خلال وكالة رويترز، وفرنسا من خلال وكالة الأنباء الفرنسية، والاتحاد السوفيتى السابق من خلال وكالة تاس السوفيتية. وبالرغم من أن منظمة اليونيسكو أقرت مبدأ حرية تدفق المعلومات حول العالم لتضييق الفجوة الثقافية بين الشعوب، كما اعتبرت وسائل الإعلام بمثابة قنوات لنشر التربية والثقافة والعلوم، إلا أنه تبين منذ سبعينيات القرن الماضى أن مبدأ حرية تدفق المعلومات لا يعنى سوى حرية القوى فى السيطرة، وحرية الضعيف فى التلقى، وبدا أن الدول التى تسيطر على وسائل الإنتاج وتملك حق تصديرها إلى العالم، هى التى تسيطر أيضاً على مضمون وسائل الإعلام، وتتحكم فى تدفق المعلومات من منظور واحد دون اعتبار للدول النامية والضعيفة، وللحديث بقية.