إن السؤال حول مدى تأثير العلاقات الدولية المعاصرة على الإعلام صار سؤالاً غير مناسب في هذه الأيام ، إذ قد تكون الحاجة أكثر إلحاحاً إلى طرح السؤال بشكل مقلوب عن تأثير الإعلام على العلاقات الدولية المعاصرة حيث أصبح التبادل الإعلامي الدولي في ظل النظام الدولي الراهن واحداً من أكثر المواضيع إثارة للاهتمام وذلك نظراً للإمكانيات الهائلة والمتقدمة والتي تبشر بتأثير تلك التطورات على التبادل الإعلامي الدولي خصوصاً وأن التطور المشاهد للاتصال والإعلام الجماهيري والثقافة الجماهيرية أصبح ميزة للقرنين الأخيرين العشرون والواحد والعشرون على أقصى تقدير ويمكن تحديد تطورهما من وجهة نظر اقتصادية على أنه جاء تطبيقاً للتغيرات التي أحدثتها الثورة الصناعية في مجال الثقافة والنتيجة المترتبة على ذلك هي ولوج عالم التبادل الإعلامي بالحرف والصوت والصورة دون عوائق تذكر بسب تقنيات الاتصال ووسائل الإعلام الإلكترونية الحديثة ولكن رغم ذلك أصبح تأثير الثورة المعلوماتية بما تحمله من موجات تغيير من أكثر المناقشات والجدل الذي يوحي بأن ما حملته تلك الثورة من تأثير إيجابي من جانب يأتي ليتغلب عليها تأثير وأخطار سلبية من جانب آخر عبر خرق الكثير من الحدود خصوصاً وأن الاجتياح الرأسمالي باتجاه الهيمنة على وسائل التبادل الإعلامي من خلال الثورة المعلوماتية الصناعية في أوروبا لا يهدف إلى تكريس منافع هذه الوسيلة لخدمة التطور الفكري والاقتصادي والسياسي فحسب و إنما كان الهدف منه هو بناء سياج مرتفع للدفاع عن المصالح الطبقية ، وتشكيل آليات حسب ما تتماشى به مصالحها في تشكيل حدود العلاقات الدولية بين السلطات وصياغة آليات التفاعل وبشكل خاص في تأطير مفاهيم الرأي العام ومدى تأثيرهما في صناعة القرار السياسي والعلاقات الدولية ، وإن العلاقات الدولية في ظروف الثورة المعلوماتية والعولمة وسلبياتها وأخطارها على السياسة الخارجية والصراعات الدولية لهى أدوات للنظم السياسية في إطار العلاقات الدولية والتفاهم الدولي، والتبادل الإعلامي من وجهة نظر الأمن القومي. من خلال ما سبق يمكننا إلقاء الضوء حول اهتمامات بعض الدول العظمى في مستقبل العلاقات الدولية المعاصرة ومناقشات وتنبؤات بعض المؤرخين، يأتى بذلك ليبين الارتباط الوثيق بين العولمة وآفاق العلاقات الدولية ليؤكد بذلك أنها جاءت بدورها لتعزز التشابك الاقتصادي والأمني لمختلف الدول، وصاحبها تغيرات في الأجندة السياسية الدولية وهذا يعني تحول السياسة العالمية والدبلوماسية نحو الاقتصاد ورفع مستوى الوعي القومي بين سكان الكرة الأرضية وظهر تأثير العولمة على العلاقات الدولية والعمل الدبلوماسي منذ بداية القرن الحادي والعشرين حيث أخذت تظهر على الخط الأول مسائل عسكرية وسياسية، رافقتها أزمات عسكرية، ولقاءات قمة، غلبت عليها مسائل التجارة الخارجية، والمالية، وحماية البيئة، والتبادل الإعلامي الدولي وغيرها.ونتيجة لما سبق أدرك أطراف اللعبة الدولية أن العولمة غيرت جوهر العلاقات الدولية ، ووسعت من إمكانيات العمل المشترك لمختلف الدول، وفتحت الآفاق أمام المجتمع الدولي لتعاون متعدد الأطراف وأبرزت وزن "الدبلوماسية الاقتصادية"، التي رافقتها "الدبلوماسية البيئية"، مع ازدياد أهمية "الدبلوماسية الشعبية"، و"دبلوماسية التنمية" لحل مشاكل دول الجنوب الفقيرة، الأمر الذي يدعو العالم إلى تشكيل منظومة عالمية لمواجهة التهديدات والأخطار الجديدة، الناتجة عن العولمة في القرن الحادي والعشرين، وكلها وضعت معظم الدول العربية أمام تحديات لم تكن تتوقعها تهدد أمنها ومصيرها ووحدة أراضيها، وبذلك نؤكد هنا على أنه لابد من التصدي لها بدأ من ساحة التبادل الإعلامي الدولي الذي تفتقر لها معظم الدول العربية، وأمام عجز جامعة الدول العربية عن تأسيس إعلام خارجي عربي موحد يمكن أن يتصدى للهجمات الإعلامية التي تتعرض لها الأمة العربية وشرح القضايا والمواقف العربية مما هو جار الآن على الساحتين الدولية والإقليمية. ومن جانب أخر تعد الصحف والمجلات الدولية من الوسائل الهامة في عملية التبادل الإعلامي الدولي، نظراً للإمكانيات الهائلة التي تملكها، سواء أكانت تلك الإمكانيات تقنية أم بشرية، أم مالية، وتعتبر من الوسائل الفاعلة لتنفيذ السياسة الخارجية للدول الواقعة تحت تأثير دول أخرى بأي شكل من الأشكال، وهي من الوسائل التي تلجأ إليها مختلف المؤسسات والجماعات للاستفادة من خدماتها لتحقيق أغراضها الثقافية والسياسية والاقتصادية المختلفة. وكان من الطبيعي أن يؤدي تركيز السلطة الإعلامية الدولية في بعض الدول المتقدمة خلال ثمانينات القرن العشرين إلى خلق تيار عالمي جديد أصبحت معه وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية والمصالح الإعلامية خاضعة لسلطة الاتحادات الدولية التي ظهرت نتيجة للتركيز في حالات كثيرة، وبدأت تغزو الساحة الإعلامية العالمية وتسيطر على حركتها، وخاصة من خلال سيطرة تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، التي شهدت تسعينات القرن العشرين انطلاقة حقيقية لثورة علوم الإلكترونيات الدقيقة، ورافقها اندلاع الثورة المعلوماتية وتدفق المعلومات عبر مصادر عديدة، وهي التي أتاحت للإنسان في أي مكان من العالم، إمكانية استقاء المعلومات وحرية تداولها، ومتابعة الأحداث والتطورات فور وقوعها. والتحدي المطروح أمام وسائل إعلام الدول النامية اليوم وفق آراء الباحثين هو ضرورة اللحاق بثورة تكنولوجيا العصر، بالسرعة اللازمة والكفاءة المميزة، وإلا تخلفت عن سوق المنافسة، مع صحافة الدول المتطورة، وتخلفت أكثر في مواجهة وسائل الإعلام الإلكترونية، وخاصة وسائل البث الإذاعي المرئي المباشر. وهذا يتطلب من الدول النامية في العالم، والدول الأقل تطوراً، ضرورة إعادة النظر وبعمق، في مفهوم المجتمع لرسالة وسائل الاتصال والإعلام الجماهيرية وعلاقتها بنظم الحكم المتغيرة والمتتالية في البلدان النامية، وطبيعة مهمتها في ظل المتغيرات المتعاقبة ونوعية القوانين التي تحكم هذه العملية التفاعلية. لتكون أداة أمن واستقرارا لتلك الدول في عالم تعصف فيه متغيرات سريعة. وأيضأً لابد أن ننظر إلى جانب مهم من الإعلام الدولى وهو وكالات الأنباء العالمية وهي المصادر الهامة للأنباء الدولية التي تعتمد عليها وسائل الإعلام الجماهيرية لإعداد موادها عما يجري حولنا من أحداث في العالم العاصف دائم المتغيرات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والسياسية والاجتماعية. لأن الكثير من الباحثين فى الشأن الدولى يعتبرون وكالات الأنباء العالمية جزء لا يتجزأ من سياسات القوة التي تعتمد عليها القوى العظمى لتحقيق جزء هام من سياساتها الخارجية والدفاع عن مصالحها الحيوية في أنحاء مختلفة من العالم..حيث يضرب الكثير من الأمثلة التي تبين أن وكالات الأنباء العالمية تتعدد أهدافها وتستطيع الوصول إلى أهدافها بنجاح حسب مواصفات مثالية وضعتها لنفسها مثل وكالة أنباء AFP الفرنسية التي اعتبرت وسيلة من وسائل السياسة الخارجية الفرنسية، من خلال تركيزها على نقل الأخبار وفق الأولويات التي تراها مناسبة لها، وبما يتناسب مع المواقف الفرنسية، ومما ساعدها على الانتشار الواسع في العالم الخبرة الطويلة التي تكونت لديها، والمناخ السياسي السائد في فرنسا، وإمكانياتها المادية والتقنية وقدرات السياسة الخارجية الفرنسية، إضافة لدعم الحكومة الفرنسية.ومن الناحية التاريخية نرى أن وكالة الأنباء الفرنسية هافاس Havas، ووكالة الأنباء البريطانية رويتر Reuter، ووكالة الأنباء الألمانية وولف Wolff، قامت بتقسيم العالم قبل أكثر من قرن ونيف من الزمن إلى مناطق نفوذ إعلامية، تمشياً مع السياسات الاستعمارية التي كانت تتبعها آنذاك الدول الأوروبية وخاصة فرنسا وروسيا وبريطانيا، الشركاء الثلاثة في الاحتكار الدولي للأنباء، وكان همهم الوحيد آنذاك الحصول على الربح ودعم الحكومات المتعاونة معها في الداخل والخارج، وتقدم لها المساعدة والمؤازرة للاحتفاظ بالسلطة والأوضاع الراهنة. وأظهرت بعض الدراسات الإعلامية أنه إضافة للاحتكار وتوزيع مناطق النفوذ في عملية التبادل الإعلامي الدولي، فإن وسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، حرصت على نقل وتوزيع الأخبار والتعليقات والتحليلات السياسية والاقتصادية والعسكرية من منظور المصالح التي تمثلها، أخذة بعين الاعتبار مصالحها السياسية والاقتصادية، وهذه معضلة لم تزل تعاني منها الدول الأقل تطوراً والدول النامية والدول الفقيرة، المضطرة لاستخدام ما يصلها من المصادر الإعلامية الدولية، متأثرة في أكثر الأحيان بمواقف تلك المصادر، وهذا يفسر محاولات بعض الدول الأقل تطوراً والدول النامية، التكتل عالمياً وإقليمياً لإنشاء وسائل إعلام جماهيرية قوية، يمكن أن تخلصها من هيمنة واحتكار وسائل الاتصال ووسائل الإعلام الجماهيرية الدولية، في جمع ونقل وتوزيع ونشر الأنباء عالمياًً. ونؤكد هنا أن معظم وكالات الأنباء الوطنية في دول العالم كما هي الحال في الدول النامية تخضع تماماً لسلطة القانون في تلك الدول، بالإضافة لخضوعها للرقابة الصارمة من قبل الدولة التي تمارس نشاطاتها الإعلامية داخلها، وهو ما يستدعي التفكير جدياً في ما تدعيه بعض الجهات العالمية لنفسها من ديمقراطية وحرية كلمة وحرية التصرف واتهامها لبعض الدول وخاصة الدول النامية التي تحاول الخروج من دائرة تأثير تلك الجهات بغياب الديمقراطية وحرية الإعلام وكأن تلك الدول تعيش دون قوانين ناظمة لشؤون الإعلام في بلاده. لقد أصبحت الثورة المعلوماتية في الآونة الأخيرة من أهم المواضيع حساسية في إطار الحوار الدولي الجاري لتحليل تأثيرات الثورة المعلوماتية المختلفة وطرق التحكم بتطورات الأحداث على الساحة الدولية. ويجري هذا في الوقت الذي يشكك فيه البعض بإيجابيات العولمة على الجوانب المالية والاقتصادية، والسياسية، والثقافية والأيديولوجية والإعلامية والاتصالية في العلاقات الدولية المعاصرة، وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة لتؤيد شكوكهم. وكان ي.س. إيفانوف وزير الخارجية الروسي أشار في كتابه "السياسة الخارجية الروسية في عصر العولمة" إلى بعض العناصر الرئيسية لعملية العولمة، السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية وحاول تحليلها من وجهة النظر الروسية، وذكر أنها فجرت الحياة الحضارية وغيرت صورة الإنسانية.يستعرض المؤلف في هذا الموضوع أيضاً النتائج الإيجابية التي أدت إليها العولمة حيث يقول أن بعض إيجابيات التطور الإنساني في ظروف العولمة مرئية حتى لضيقي الأفق، أدت إلى ارتفاع المستوى المعيشي للناس، ووفرت وسائل اتصال وإعلام دولية تجتاز الحدود السياسية للدول بسهولة بالغة. وأدت العولمة بالتدريج إلى نمو حركة تدفق رؤوس الأموال حتى أصبح حجم التعامل المالي الدولي اليومي يبلغ حوالي 1.5 تريليون دولار أمريكي لتصبح عبارة "التصدير يحكم العالم" حقيقة ملموسة.. وأخذت تظهر جزر كاملة للتكنولوجيا المتطورة في الدول النامية ك: سان باولو في البرازيل، والشريط الحدودي من مصانع التجميع في شمال المكسيك، ومدن كاملة في الهند، وكل تايوان وغيرها من الدول.. حتى أن البعض أصبحوا يقولون أن العولمة وفرت السبل من أجل مشاركة عشرات الدول والشعوب بالتقدم المالي والاقتصادي والعلمي المشترك. و حتى الآن لم تعلن أية دولة في خطها السياسي الرسمي على الأقل معاداتها للعولمة، وأن الجميع يتقبلون العولمة كمؤشر إيجابي ولكن بوجهات نظر متفاوتة رغم الظروف الصعبة التي خلقتها الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة. أما بالنسبة لسلبيات ففي حال الإعتراف بحتمية الانتقال إلى العولمة الشاملة من الضروري الإشارة إلى السلبيات والظواهر القاتلة والأخطار التي تفرضها العولمة على الإنسانية والموجودة فعلاً، ومنها:خطر تعرض العالم لأزمات مالية واقتصادية بسبب خضوع العالم للشركات متعددة الجنسيات التي أصبحت فوق الدول وأخطار فرض مفاهيم وأسلوب التفكير والحياة الأمريكية على العالم وخطر تعميق الهوة بين الدول الغنية والدول الفقيرة في العالم (دول الشمال الغنية ودول الجنوب الفقيرة) وخطر اتساع ظاهرة إضعاف دور الدول القومية، وعولمة الإرهاب، والتضييق على الثقافات واللغات القومية ومحاولة القضاء عليها، وإثارة الفتن والقلائل والاضطرابات الدينية والعرقية في الدول متعددة القوميات.ونؤكد على أن الولاياتالمتحدةالأمريكية في الواقع مستمرة بتقدمها متجاوزة مصالح كل الدول الأجنبية. حيث أن القادة الأمريكيون لا يخفون سعيهم الحثيث لتوظيف كل القدرات الاقتصادية والمالية، والعلمية والتكنولوجية والعسكرية والسياسية من أجل فرض السيطرة الأمريكية على العالم في القرن الحادي والعشرين. ونود أن نشير هنا أيضاً إلى الهيمنة الثقافية الأمريكية والتى تتمثل من خلال تحويل اللغة الإنكليزية باللهجة الأمريكية إلى لغة وحيدة لعولمة وسائل الاتصال والتبادل الإعلامي الدولي والعلاقات الدولية. أشار الكاتب البريطانى د. كريستال فى كتابه "اللغة الإنكليزية لغة العولمة"، وكتابه "موت اللغات" حيث يحاول المؤلف فيهما بشكل جلي وملحوظ إثبات العلاقة بين الإرهاب والعولمة مستشهداً بما حدث من الأعمال الإرهابية في الولاياتالمتحدةالأمريكية في 11 سبتمبر 20100 ، وماتبعها من أعمال إرهابية شملت الكثير من الدول ، وهو ما دفع الملتقى الدولي الذي عقد في كرواتيا خلال نوفمبر/تشرين ثاني 2002 لمناقشة مشاكل الدبلوماسية العلنية، ووسائل الإعلام الجماهيرية والإرهاب. إظهار حقيقة جديدة مفادها أنه لولا عولمة بث الإذاعة المرئية لما كان الإرهاب. لأن الهدف الرئيسي للإرهاب كما أشار ، ليس قتل بضع مئات أو حتى آلاف الناس، بل إخافة ملايين البشر. ** أستاذ الإعلام الدولى وعضو الأكاديمية الإمريكية لدراسات الشرق الأوسط