جيش مصر قادر    بالأسماء.. ننشر نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 بمحافظة الوادي الجديد    حلم «عبدالناصر» الذى حققه «السيسى»    كوادر فنية مُدربة لسوق العمل    الجيش الإسرائيلي يعلن 3 جنود أثناء المعارك في جنوب غزة    الإمارات وكوريا الجنوبية توقعان رسميا على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة لتوسيع العلاقات التجارية    «تقدر في 10 أيام».. أماكن المراجعات المجانية للثانوية العامة في المنيا    «التعليم» تحقق في مزاعم تداول امتحانات الدبلومات الفنية 2024    3 فنانات يعلن خبر ارتباطهن في شهر مايو.. مي سليم آخرهن    تعرف على جدول قوافل «حياة كريمة» الطبية في البحر الأحمر خلال يونيو    أسعار العملات العربية مقابل الجنيه بالبنك الأهلي اليوم الأربعاء    رئيس جهاز 6 أكتوبر يتابع سير العمل بمحطة مياه الشرب وتوسعاتها    مصر للطيران تسير اليوم أولى رحلات الجسر الجوى لنقل حجاج بيت الله الحرام    وزير الإسكان يبحث وضع خطة عاجلة لتعظيم دور الهيئة العامة للتنمية السياحية    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    أستاذ اقتصاد: هناك طفرة اقتصادية في العلاقات بين مصر والصين في عهد السيسي    متحدث الرئاسة: قمة مصرية صينية ببكين اليوم    الخارجية: مصر تلعب دورًا فاعلًا في عمليات حفظ السلام    كريم فؤاد: موسيماني جعلني أمر بفترة سيئة.. ومستوى إمام عاشور بعيد عن أي لاعب آخر    رودريجو يرد على تكهنات رحيله عن ريال مدريد في الصيف    برشلونة يحسم موقفه من بيع رباعي الفريق    شوبير يكشف حقيقة تفاوض الأهلي مع بغداد بونجاح لتدعيم هجومه في الصيف    ماجواير يستعد لمحادثات حاسمة مع مانشستر يونايتد    إدعى إصدار شهادات مُعتمدة.. «التعليم العالي» تغلق كيانًا وهميًا في الإسكندرية    رئيس جامعة حلوان يتفقد كلية التربية الرياضية بالهرم    الأرصاد تحذر المواطنين.. تغيرات في الحرارة تؤثر على الطقس حتى نهاية الأسبوع    اليوم.. انطلاق أول أفواج حج الجمعيات الأهلية    أمن الجيزة يعاين عقارا شهد أعمال تنقيب عن الآثار فى مدينة 6 أكتوبر    الحكومة توضح موعد وقف خطة تخفيف الأحمال نهائيًا    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    مصطفى كامل يهنئ الدكتور رضا بدير لحصوله على جائزة الدولة التقديرية    صادرات الملابس الجاهزة ترتفع 23% أول 4 شهر من 2024    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    60% للشركة و25% للصيدلية، شعبة الأدوية تكشف حجم الاستفادة من زيادة أسعار الدواء    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    توضيح حكومي بشأن تحويل الدعم السلعي إلى نقدي    توريد 223 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى العمرانية دون إصابات    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    وزارة الصحة تكشف المضاعفات الخطرة للولادات القيصرية غير المبررة.. انفوجراف    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    الخارجية الروسية تعلق على تصريح رئيس الدبلوماسية الأوروبية حول شرعية ضرب أراضيها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    محمد فاضل بعد حصوله على جائزة النيل: «أشعر بالفخر وشكرًا لوزارة الثقافة»    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    بلاتر: كل دول العالم كانت سعيدة بتواجدي في رئاسة فيفا    واشنطن: هجوم رفح لن يؤثر في دعمنا العسكري لإسرائيل    حسين حمودة: سعيد بالفوز بجائزة الدولة التقديرية في الأدب لاتسامها بالنزاهة    وزير خارجية الأردن لنظيره الإسباني: نقف معكم ضد الهجمات الإسرائيلية بعد قرار الاعتراف بدولة فلسطين    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجوم العولمة على سيادة الدول!
نشر في أخبار مصر يوم 20 - 07 - 2008


الحياة: 20/07/08
حين ظهرت العولمة منذ عقود قليلة باعتبارها العملية التاريخية التي تملأ الدنيا وتشغل الناس، دارت حولها خلافات فكرية وإيديولوجية شتى. وتركزت الخلافات الفكرية حول موضوعات متعددة أبرزها ما هو التعريف الدقيق للعولمة، ومتى ظهرت العولمة، وهل هي ظاهرة قديمة أو مستحدثة، وما هي أبعادها الرئيسية وتجلياتها في الواقع.
أما الخلافات الإيديولوجية الكبرى فقد دارت أساساً بين أهل اليمين وأهل اليسار. أما أهل اليمين الذين كان على رأسهم فلسفياً فرنسيس فوكوياما بمقالته ثم بكتابه الشهير «نهاية التاريخ»، فقد كان رأيهم أن الهزيمة الساحقة للاتحاد السوفياتي وإيديولوجيته الماركسية تفتح الباب واسعاً أمام الرأسمالية، لتصبح هي «دين الإنسانية» إلى أبد الآبدين!
وتولى دهاقنة السياسة اليمينية ترجمة هذه النبوءة المبكرة في صيغة «الليبرالية الجديدة»، التي رفعت شعار حرية السوق وفتحت باب التنافس العالمي في ظل رايات العولمة التي تهدف إلى محو الحدود والقيود، وتسعى إلى النفاذ إلى كل الدول بلا استثناء، والتأثير على أنساق القيم في كل المجتمعات، وتغيير وجهة الثقافة في كل الحضارات المعاصرة.
والغرض المعلن هنا هو التعريف الإجرائي للعولمة باعتبارها «حرية تدفق السلع ورؤوس الأموال والخدمات والأفكار والبشر من دون حدود أو قيود».
وبالتالي فالعولمة كما يعرفها أهل «الليبرالية الجديدة» في ضوء الحرية المطلقة للسوق، هي الباب الملكي الذي إذا عبرته الدول وسارت فيه الشعوب، فإنها لن تحقق التنمية المستدامة فقط لشعوبها بل ستمنح الحرية والسعادة لكل البشر!
أما أهل اليسار فقد وقفوا منذ البداية موقفاً معادياً من العولمة، واعتبروا أنها تعبر عن ذروة الاستغلال الرأسمالي، وأنها برفعها في ظل «الليبرالية الجديدة» لشعار الحرية المطلقة للسوق من شأنها أن تهمش طبقات اجتماعية بكاملها في عديد من الدول، حتى في الدول الصناعية المتقدمة، وكذلك سيكون من آثارها إقصاء عديد من الدول النامية عن الدورة الاقتصادية العالمية الإنتاجية، باعتبارها ستصبح مجرد أسواق لاستهلاك منتجات الدول الصناعية.
وقد اهتممت منذ عام 1990 بالدراسة المنهجية للعولمة لإدراكي المبكر أنها العملية التاريخية الكبرى التي ستهيمن بتجلياتها المختلفة على مناخ القرن الحادي والعشرين. ودرجت في كتاباتي المتعددة على أن أميز بين تجليات أساسية عدة للعولمة. أولها هي التجليات السياسية، وأبرزها شعارات الديموقراطية واحترام التعددية وحقوق الإنسان. وإذا كانت خبرة القرن العشرين تشير إلى الفشل الذريع الذي لاقته النظم الشمولية والسلطوية نظرية وتطبيقاً، فمن المنطقي أن تعتبر الديموقراطية هي النظام السياسي الأمثل الذي ينبغي أن يطبق في العالم كله. ومن هنا شاهد العالم بزوغ «الموجة الثالثة» للديموقراطية - إذا ما استخدمنا مصطلحات صمويل هنتنغتون - بمعنى زيادة معدلات الدول التي حققت التحول الديموقراطي بالطريقة السلمية أو بالعنف، ونعني بذلك الانتقال من الشمولية والسلطوية إلى الديموقراطية. ومن ناحية أخرى برزت قضية حقوق الإنسان باعتبارها من كبرى قضايا العصر، وكذلك ضرورة احترام التعددية.
لا خلاف في الواقع حول صحة تجليات العولمة السياسية، غير أن الخلاف يدور حول توجه بعض الدول الكبرى وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية إلى فرض الديموقراطية فرضاً على الدول السلطوية، خصوصاً في العالم العربي والإسلامي، ولو باستخدام القوة المسلحة، لأن في هذا - ولا شك في ذلك إطلاقاً - عدوان صارخ على سيادة هذه الدول، التي من حقها - وفقاً لخصوصية تاريخها السياسي والاجتماعي والثقافي - أن تحقق التحول الديموقراطي المطلوب عالمياً بطريقتها ومن دون ممارسة الضغوط السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية عليها.
غير أن الولايات المتحدة الأميركية التي نصبت نفسها قائدة للعولمة بكل تجلياتها، ترى على العكس أن من حقها ومن حق الدول الكبرى البارزة في النظام الدولي كالاتحاد الأوروبي، أن تمارس ما شاءت من ضغوط متنوعة، حتى تجبر الدول السلطوية ولو بالقوة المسلحة على أن تتحول إلى الديموقراطية!
وفي ظل هذا التوجه الدولي الخطير اعتدت الولايات المتحدة الأميركية على العراق وغزته عسكرياً واحتلته، ليس فقط لأنه كان يمتلك أسلحة دمار شامل كما ادعت كذباً لتبرير الغزو، ولكن لأن النظام السياسي العراقي استبدادي وينبغي إزالته من الوجود، في ضوء النظرية الأميركية الشهيرة عن «الدول المارقة» وخطورتها على الأمن الدولي. ومعنى ذلك أن العولمة - كما تفسرها الدول الكبرى - ليس هناك ما يعيبها كلما اعتدت على سيادة الدول وانتقصت منها.
والتجليات الاقتصادية للعولمة والتي يرمز اليها بقيام «منظمة التجارة العالمية» بكل نصوصها المجحفة بالدول النامية، ليست أقل خطراً على سيادة الدول من العولمة السياسية. وذلك لأنها تجبر صانع القرار الاقتصادي في الدول النامية على الانصياع لأوامر الدول الصناعية المتقدمة، في مجالات الإنتاج والتوزيع والاستهلاك والتبادل التجاري، وإلا فرضت عليه - مباشرة أو بطريق غير مباشر - عقوبات اقتصادية باهظة من شأنها أن تعتدي في الواقع على سيادة الدول.
أما التجليات الثقافية للعولمة والتي تتمثل في صياغة ثقافة كونية مصادرها أساساً هي الحضارة الغربية، ومحاولة فرض قيمها فرضاً على كل الدول والشعوب والثقافات، فهي لا تزيد في الواقع عن كونها عملية إعادة إنتاج للمركزية الغربية التي كانت تزعم في عهود الاستعمار أن محك التقدم هو تطبيق القيم الغربية، وبغض النظر عن أصالة أنساق القيم السائدة في عديد من الثقافات غير الغربية التي ورثتها عن حضارات كانت مزدهرة كالحضارة الإسلامية والحضارة الصينية.
وليس معنى ذلك بالمرة أننا نوافق على أن تكون مقولة الخصوصية الثقافية مطلقة، حتى لو كانت تنطوي على قيم مضادة للحرية السياسية أو حقوق الإنسان، ولكننا ضد الفرض القسري للقيم الغربية بزعم أنها قيم عالمية، في سياق تستبعد فيه كل أنساق القيم الأخرى.
وإذا نظرنا أخيراً الى تجليات العولمة الاتصالية لاكتشفنا أن «الفجوة الرقمية» بين دول الشمال ودول الجنوب تؤدي - إذا لم نجد علاجاً لها - إلى سيطرة الدول الصناعية المتقدمة على عملية الاتصال في العالم، ومعنى ذلك نوع جديد من أنواع الاستعمار التكنولوجي، لأن تدفق المعلومات والأفكار ونتائج البحوث العلمية أصبحت هي مفتاح التقدم، والذي يرمز إليه مفهوم «مجتمع المعرفة»، والذي يعد مجتمع المعلومات الراهن مجرد الخطوة الأولى الجسورة في سبيل تحقيقه.
وخلاصة ما نريد التركيز عليه، أن العولمة - من خلال الممارسات المتعددة السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية - في العقود الماضية، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أنها أصبحت مصدر التهديد الأساسي لسيادة الدول.
غير أن هناك تطورات أخطر في هذا المجال، أبرزها إنشاء المحكمة الجنائية الدولية التي رفضت الولايات المتحدة الأميركية بإصرار الانضمام إليها. وعلى عكس توجهها عقدت اتفاقيات ثنائية مع أكثر من خمسين دولة، لتضمن عدم تقديم مواطنيها وفي مقدمهم الضباط والجنود الأميركيون للمحاكمة أمام محاكم الدول التي وقعت على هذه الاتفاقات الثنائية.
ومع كل ذلك فإن الولايات المتحدة سعت - باعتبارها القوة المهيمنة في العالم - كي يصدر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أمراً بإلقاء القبض على الرئيس السوداني عمر البشير، باعتباره متهماً في جرائم حرب هو وعدد آخر من المسؤولين السودانيين. وذلك بزعم أن البشير هو الرأس المدبر لمحاولة إبادة قبائل أفريقية في دارفور.
وقال المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو في مؤتمر صحافي عقده في لاهاي يوم الاثنين الماضي، إن طلبه اعتقال البشير هو لمنع قتل مليونين ونصف مليون شخص زعم أنهم لا يزالون «يتعرضون لهجمات في دارفور». وأحدث هذا القرار ردود أفعال واسعة دولياً وأفريقياً وعربياً.
والسؤال الجوهري الآن هو: ماذا تفعل الدول إذا كانت معرضة هكذا للانتهاك الوحشي لسيادتها، من خلال قيام هذه المحكمة الدولية بإصدار قرارات باطلة لاعتقال رؤسائها، على أساس اتهامهم بتهم شتى وبتحريض من الولايات المتحدة الأميركية، التي وعدت بأن تقدم أدلة متنوعة على صحة الاتهامات للمحكمة؟
ماذا يبقى من سيادة الدول إذا تحولت العولمة السياسية والاقتصادية الى عولمة قانونية ظالمة وباطشة تحركها مصالح وأطماع الدول الكبرى، واستراتيجيتها في تقسيم وتفتيت الدول، وخلق كيانات مصطنعة تصبح توابع لها؟
وأخطر من ذلك هو السؤال: لماذا لم تتحرك المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة رؤساء وزراء إسرائيل التي مارست «إرهاب الدولة» بشكل منهجي ضد الشعب الفلسطيني طوال عقود طويلة قبل إنشاء المحكمة وبعد إنشائها؟
أليست الهجمات الإسرائيلية على الضفة الغربية وغزة حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني؟
ولماذا لا تتحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد قادة الولايات المتحدة وبريطانيا في الحرب الوحشية التي شنت ضد الشعب العراقي بزعم تحريره، والتي أدت إلى سقوط ملايين القتلى من المدنيين العراقيين؟
إن قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص بالأمر باعتقال الرئيس البشير تشير إلى أننا - على مستوى العالم - أصبحنا على مشارف الدخول في عصر تقنين البلطجة الدولية للدول الكبرى وفرض نوع من أنواع الاستعمار الجديد على الدول النامية أخطر بكثير من جرائم الاستعمار القديم.
كان الاستعمار القديم يحتل أراضي الدول، أما الاستعمار الجديد فيريد الاستعمار المباشر للشعوب ذاتها، باسم القانون الدولي، والذي ليس سوى ألعوبة في يد الدول المهيمنة على النظام الدولي في عصر العولمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.