أصبحت ظاهرة حروب الإعلام الدولي ظاهرة تحتاج إلي العديد من الأدوات العلمية حتي يمكن تفسير أبعادها خاصة في تلك الفترات التي يحتد فيها الصراع الفكري السياسي والاقتصادي والاجتماعي. فالحروب الثقافية والفكرية تحتاج إلي الكثير من الأدوات والآليات لانجاحها. ولعل التقدم العلمي في مجالات العلوم الانسانية والبحث العلمي في مجالات علوم الفضاء أصبحت أهم تلك الآليات لتحقيق الأهداف المتعددة للإستراتيجيات الغربية المغرضة للدول المتقدمة في العلوم والتكنولوجيا وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ، مستغلة في ذلك تقدمها المستمر في مجالات عديدة لخدمة أهدافها خاصة في مجالات انتاج الأقمار الصناعية للاتصال وجمع المعلومات وتكنولوجيا الألكترونيات وصناعة مضمونها عالي الإتقان الفكري والفني والإبداع البصري لتحقيق اهداف بعيدة وقريبة المدي لقلب نظم وإقامة أخري واحداث حروب أهلية وتفتيت عقائد ؛ كلها من إفرازات تلك الإستراتيجية عالية الإتقان القائمة علي توظيف العلوم والفنون والثقافة الراقية لأهداف تبتعد كل البعد عن حماية هوية الأمن والسلام الإجتماعي والثقافي لدول لم تحقق التنمية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية لظروف عديدة قد ترتبط في أغلب الظروف بتلك السياسات المغرضة الاستعمارية لضرب هوية تلك الدول النامية وإرباك أمنها الاجتماعي والفكري والسياسي. ويكفي الإشارة إلي أن هذا التحديث والتطور المذهل في العلوم وخاصة علوم الفضاء واستحداث وتطور تلك الوسائل الدولية للإعلام والمعلومات تزامن وحدة الصراع الدولي ومنذ الخمسينيات من القرن الماضي بين المعسكر الشرقي الاشتراكي وعلي رأسه الإتحاد السوفيتي والمعسكر الغربي الرأسمالي وعلي رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية. وحروب المعلومات أنطلقت من خلال أهداف دعائية وأيديولوجية بقوالب إعلامية متعددة تهدف في المقام الأول السيطرة الاقتصادية والسياسية. ولعل تزايد حدة الصراع الدولي وحروب الشائعات والمعلومات التي غالبا ما تسبق التدخل العسكري خاصة علي الأراضي العربية وتزايد حدته في سوريا وليبيا والسودان ومن قبلهم الصومال والعراق. وما تحاول الآن تلك الآلة الإعلامية الدولية من تصدير معلومات من المراكز والهيئات السيادية في الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول أوروبا الغربية المتقدمة ،وما تحاول تلك القوي من تجنيده من آليات إقليمية عن طريق أفراد أو دول ودويلات وقنوات فضائية عربية ودولية لتأجيج حدة تلك الصراعات لممارسة حروب مكشوفة علي مجتمعاتنا وشعوبنا خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن شعوب دول العالم النامي من أكثر الشعوب إستخداماً لمضمون الإعلام الدولي خاصة التليفزيوني دون التمعن في المعاني الحقيقية .. فهي شعوب يرتفع فيها نسب الأمية والفقر والتفاوت الطبقي والإجتماعي والفساد الإداري والحكومي وتدني منظومة التعليم الأساسي والعالي والبحث العلمي الجاد.. تلك هي البيئة السكانية والإجتماعية المناسبة ليحقق الإعلام الدولي المغرض استراتيجياته المتعددة السياسية والاقتصادية والفكرية. ومن خلال هذا المنطلق نقدم ثلاث نقاط توضح تلك الآليات التي يتحرك من خلالها الإعلام الدولي وآلياته المختلفة وحصر أسباب تفوقه: أولاً : القدرة الهائلة في جمع المعلومات خاصة بعد اكتشاف قوتها كأداة هامة ورئيسية في مجالات صناعة الشائعات وتصديرها بسرعة فائقة، فأصبحت القدرة علي جمع المعلومات ومضمونها من خلال تطبيق مناهج متعددة في علوم النفس والمنطق واللغة واللسانيات والسياسة والاقتصاد والقدرة علي قولبتها وخاصة سرعة نشرها وتوزيعها في وسائل الإعلام المتعددة التقليدية والحديثة عبر شبكات الإنترنت ونظمها المتعددة يكون هو الأقدر علي تهيئة الرأي العام الدولي والقطري والتأثير فيه ، واستثمرت الدول الإستعمارية الأموال والمبالغ الطائلة لتحقيق مخططها. ثانياً : المحاولة الدءوب لطرح وتأكيد ثقافة بديلة ورأي عام بديل وذلك من خلال نظمها الدولية للإتصالات والإعلام وجمع المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي علي أسس تجارية. فلقد عملت السياسات الاعلامية الغربية وبكل الطرق ومن خلال الشركات والجماعات الدولية المتعددة الجنسيات الدخول كشريك وبالوكالة قطاعات تجارية وصناعية في الدول المستهدفة لتمويل مشروعات الإتصال وصناعة الثقافة والبرامج الإعلامية المختلفة في مختلف الدول النامية والعربية المتعسرة مالياً ، أو لشراء كبريات الصحف القومية وبالوكالة أو إقامة محطات للإذاعة والتليفزيون.. وشبكات الإنترنت كل ذلك لتسهيل مهام السياسة الخارجية الاقتصادية والاعلامية والإعلانية التجارية التابعة للشركات والمؤسسات العملاقة الدولية التجارية من خلال سيطرة وكالات الأنباء العالمية التي تحتكر أكثر من 80% من تدفق المعلومات وبالتالي من السيطرة الإعلامية ومن القدرة علي فرض فكرة الثقافة البديلة. ثالثاً: لم تكتف الدول الاستعمارية الكبري في الغرب وعلي رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكية ضرب التجانس الوطني والفكري وتهديد الأمن القومي والثقافي بتلك الآليات المتعددة المذكورة ، بل سعت إلي مزيد من السيطرة من خلال مدخل قانوني وآلية محكمة في صياغة مبادئ حقوق الإنسان ، ذلك من خلال سيطرة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي النظم والمؤسسات الدولية خاصة هيئة الأممالمتحدة والهيئات التابعة لها والداعية لمبدأ تطبيق القانون الدولي وحقوق الإنسان لتحقيق العدل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي في العالم. فمن خلال هذه السيطرة استطاعت الدول الإستعمارية في الغرب تطبيق تلك المبادئ بطرق عديدة ملتوية ومدروسة خاصة ومنذ بدايات السبعينيات وللظهور كمن يحقق رغبات الدول الفقيرة في المعلومات ، وسعت بقوة إلي تشجيع الدول النامية والعربية وبصفة خاصة مصر علي إقامة هذا العدد الكبير من القنوات الفضائية التليفزيونية الخاصة من باب الحفاظ علي حرية التعبير. وتزامنت تلك السياسات الغربية المتقدمة مع تطبيق قرارات سياسة الأنفتاح الإقتصادي في مصر وطبقتها حكومات سابقة منذ منتصف الثمانينات غير أمينة علي أوطانها وشعوبها. فمن خلال بيع القطاع العام المصري لشركات القطاع الخاص كشكل من أشكال التنمية الرأسمالية المشوهة خاصة القطاعات الحيوية في مجالات الصناعات الثقيلة القومية الضاربة في عمق التاريخ القومي المصري الحديث أضعفت القدرة الإنتاجية الصناعية القومية . ودخول تلك السياسة مجالات التعليم والثقافة والصحة والبحث العلمي والمجتمع المدني ومجالات عديدة خاصة مجالات صناعة الاعلام والإعلان التجاري.. وشجعت مشاركة الشركات المتعددة الجنسيات ووكالات الإعلان الدولية في الإستثمار في تلك المجالات الخاصة والحيوية لبناء ثقافة وفكر وتاريخ ووعي الإنسان المصري وأصبح المضمون الاعلامي خاصة من خلال القنوات الفضائية العديدة العربية والمصرية الخاصة والتي من خلالها يأخذ منها البسطاء المعلومة والخبر والمادة الترفيهية ؛ توظف العديد من المفردات والمعلومات والمصطلحات و التي قد تصدر الشائعات السياسية والإجتماعية والفكرية لتأكيد السيطرة السياسية والفكرية والإعلانات المسطحة لمنتجات استهلاكية تعزز السيطرة الاقتصادية. كل ذلك يؤكد علي ضرورة الإسراع والدخول بالعمق في سياسات الاصلاح الاقتصادي والثقافي والاجتماعي خاصة في المجالات العلمية والصناعية والتعليمية والصحية والثقافية وصناعة الاعلام والمعلومات خاصة في دولة عريقة كمصر كان لها هذا القدر والتاريخ الحضاري والثقافي والفكري القديم والحديث.