علي المستوي الإنساني نفهم جيداً معني التسامح، أما علي المستوي السياسي الدولي فما هو معني التسامح؟ وإلي أي مدي؟ ولمن؟ وهل الصمت عن الحقائق التي حدثت منذ السبت قبل الماضي كان تسامحاً؟ عموما كانت هذه هي النتيجة. هذه هي عناوين الصحف ووكالات الأنباء العالمية رويترز، ولوس أنجلوس تايمز، والأسوشيتدبرس، واليونايتدبرس: اتهامات (متبادلة) بين مصر والجزائر حول العنف.. مصر تستدعي سفيرها في الجزائر للتشاور.. السودان (غاضبة) وتستدعي سفيرها بمصر.. مظاهرات مصرية أمام سفارة الجزائربالقاهرة تنتهي (بحرق المصريين لعلم الجزائر) بعد (هزيمتهم).. شكاوي مصرية (يوم الخميس) من تحطيم المشجعين الجزائريين لمقار شركات أوراسكوم بالجزائر بالرغم من أن هذا حدث بداية من السبت بعد هزيمة الجزائر في مصر. وطائفة أخري من الأخبار العالمية المستفزة: وقد بدأ العنف الكروي (يوم السبت في القاهرة) عندما (حطم المصريون) أوتوبيسا كان يقل الفريق الجزائري وأصابوا ثلاثة لاعبين.. ولقد اتصل نجوم مصريون من الخرطوم بالقنوات الفضائية لوصف صعوبة خروجهم من استاد المريخ بسبب هجوم المشجعين الجزائريين، ولم يذكروا تهديد الأسلحة.. وقال البعض إنهم كانوا يبحثون عن مكان للاختباء لم يقولوا ممن كانوا يختبئون في منازل السودانيين.. وأخيراً: الفيفا تدين اتحاد الكرة المصري بعد الاعتداء علي أوتوبيس فريق الجزائر. ولم أجد في أي من هذه المواقع صور العائدين المصابين من السودان، أو الخناجر المرفوعة، أو المباني المحطمة، أو الأتوبيسات المتكسرة.. لم أجد خبراً في تلك المواقع عن الطائرات التي أقلت المشجعين الجزائريين، ولا نوعية هؤلاء المشجعين، ولا تهديدات القتل التي وردت لمدرب فريقهم إذا لم يعد بالنصر والتأهل، ولا بتهديدات القتل للفريق المصري والمشجعين إذا ما فزنا وتأهلنا.. هل هذا تسامح؟ هل هذه أخوة؟ لم يبل ريقي في كل ما قرأته مما كتب بالإنجليزية ويقرؤه العالم إلا ما كتبه كريستيان لوي تحت عنوان: الانتصار الكروي يمثل نهاية السنوات السوداء للجزائريين.. حيث يري إن معظم الجماهير التي احتفلت بالنصر تؤمن بأنه يمثل نهاية للسنوات السوداء التي عاشها الجزائريون منذ آخر كأس عالم كروي استطاعوا دخوله عام 1986 وحتي الآن.. فبعد ربع قرن من السنوات السوداء قد يعطي هذا النصر الفرصة للحكومة الجزائرية حتي تتنفس. ويظهر أن الحاجة لجمع الجزائريين حول أمل واه بتحسن الأوضاع صار ضرورة تواجهها السلطة في ظل ظروف مجتمعية سيئة وإضرابات عنيفة وتحرش مسلح ضد قوات الشرطة من قبل الأهالي.. وحتي لو لم تكن هناك أي علاقة بين تحسن الأوضاع الداخلية والتأهل لكأس العالم، إلا أن الحاجة إلي التفاؤل والأمل في نهاية السنوات السوداء علي حد تعبير الكاتب كانت السبب وراء الصراع لإحراز هذا الفوز بأية طريقة. وبغض النظر عن مدي دقة هذا التحليل.. يبقي الوضع الراهن علي مثل: (ضربني وبكي، وسبقني واشتكي) وأعود وأسأل: هل هذا تسامح؟ أين إعلاميونا القادرون علي كشف الحقائق للعالم؟ أين أساتذة القانون الدولي والمحامون؟ أين المراسلون الوطنيون المصريون بحق؟ أين المؤتمرات الصحفية؟ أين أصواتنا لدي الفيفا؟ ولن أسأل أين جامعة الدول العربية؟