كندا تعتزم بيع سندات أجل 28 يوما بقيمة 2.5 مليار دولار كندي    بيان عاجل من الجيش الليبي للرد على اتهامات السودان بالتعدي على أراضيه والانحياز لأحد أطراف النزاع    إنفانتينو: الجميع يعرف تاريخ الأهلي وهذه رسالتي لجمهوره قبل مونديال الأندية    محافظ الدقهلية يتفقد شوارع المنصورة ليلا.. ويؤكد: لا تهاون فى مواجهة الإشغالات    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الأربعاء 11 يونيو 2025    سعر البطاطس والبصل والخضار في الأسواق اليوم الأربعاء 11 يونيو 2025    صندوق الإسكان يوضح موقف المتقدمين خارج الأولوية في سكن لكل المصريين 5    عن "اللحظة الدستورية" المقيدة بمطالب الشعب الثائر    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: لن نسمح بالتلاعب بمصير الشعب الفلسطينى    لتحسين العلاقات مع مصر .. إيران تغير اسم شارع خالد الإسلامبولي (تفاصيل)    عيار 21 يعود إلى سابق عهده.. أسعار الذهب والسبائك اليوم الأربعاء بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    ملخص أهداف مباراة هولندا ومالطا في تصفيات أوروبا لكأس العالم    تقارير: فيرتز على أعتاب ليفربول مقابل 150 مليون يورو    إنفانتينو: الجميع يعرف تاريخ الأهلي.. وأعلم أنه بمثابة حياة لجماهيره    «مش متخيل إني وصلت للمرحلة دي».. زيزو يتحدث عن والده بعد التواجد مع الأهلي    محمود وفا حكما لمباراة نهائى كأس عاصمة مصر بين سيراميكا والبنك الأهلى    بعد زيزو.. تفاصيل إنهاء الأهلي لصفقته قبل السفر لكأس العالم للأندية    مباشر مباراة البرازيل ضد باراجواي في تصفيات كأس العالم 2026    ظهرت الآن نتيجة الصف الثالث الابتدائي 2025 بالقاهرة.. رابط مباشر و خطوات الاستعلام بالتفصيل    إصابة 3 بطلقات نارية فى مشاجرة بين أبناء عمومة بدار السلام سوهاج    «الطقس× أسبوع».. استمرار الارتفاع في درجات الحرارة والأرصاد تحذر من الرياح النشطة والشبورة    10 أيام ونستقبل فصل الصيف .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم : «توخوا الحذر»    حملات على التكاتك المخالفة بحى شرق المنصورة والسنبلاوين    إصابة طالبة بطلق نارى بطريق الخطأ داخل منزلها بدار السلام سوهاج    يتصرفون ببرود.. 3 أبراج تخفي طبيعتها الحساسة    يحيى الفخرانى عن "عودة مواطن": اشتريت تذاكر من أجل عرضه وقت أطول    يحيى الفخرانى: عادل إمام له وقفات نفتخر بها.. ونبيل الحلفاوى أصدق الأصدقاء    مشاعر قديمة تتسلل إليك.. حظ برج الدلو اليوم 11 يونيو    زوجة عريس الشرقية من متلازمة داون تخرج عن صمتها: "أنا مبسوطة معاه.. وياريت الناس تسيبنا في حالنا"    مرض ابنى آدم وعملياته السبب.. تامر حسنى يعتذر عن حضور فرح محمد شاهين    «ابني تعبان وعملياته السبب».. تامر حسني يعتذر عن عدم حضور فرح محمد شاهين    المذاكرة وحدها لا تكفي.. أهم الفيتامينات لطلاب الثانوية العامة قبل الامتحانات ومصادرها    بطريقة آمنة وطبيعية.. خطوات فعالة للتخلص من الناموس    هل لاحظت رائحة كريهة من تكييف العربية؟ إليك الأسباب المحتملة    فريق «هندسة القاهرة» الثالث عالميًا في «ماراثون شل البيئي» لعام 2025    أسر الشهداء لوزير الداخلية: «كنتم السند في أطهر بقاع الأرض»    محافظ سوهاج يُتابع تنفيذ كوبري المشاة بمنطقة الثلاث كباري    مُخترق درع «الإيدز»: نجحت في كشف حيلة الفيروس الخبيثة    وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات الإقليمية لمتابعة سير العمل    التعليم: عودة قوية لاختبار "SAT".. بمشاركة 100% دون شكاوى    الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على مدينة نابلس    مرصد التعاون الإسلامي: الاحتلال يرتكب جرائم حرب بقصفه المستشفيات في غزة    يحيى الفخراني عن اختياره شخصية العام الثقافية: شعرت باطمئنان بوجودي على الساحة    فن إدارة الوقت بأنامل مصرية.. ندوة ومعرض فني بمكتبة القاهرة الكبرى تحت رعاية وزير الثقافة    حزب الوعي: التحرك نحو معبر رفح دون التنسيق مع مصر تجاوز مرفوض    "الأوقاف" تعلن أسماء الفائزين في مسابقة الصوت الندي 2025    "يمثل نفسه".. الخارجية الأمريكية تتبرأ من تصريحات سفيرها في تل أبيب    تحرير 6 محاضر صحية في حملة رقابية ببني سويف    الحوثيون: نحذر كافة الشركات والجهات المختلفة من التعامل مع ميناء حيفا    غدا.. 42 حزبا يجتمعون لتحديد مصيرهم بانتخابات 2025 (تفاصيل)    أستاذ اقتصاديات الصحة: نسبة تحور "كورونا" ارتفعت عالميًا إلى 10%    في أول اختبار رسمي.. انطلاقة ناجحة لاختبارات SAT في مصر مشاركة 100% للطلاب دون أي مشكلات تقنية    أمين " البحوث الإسلامية " يتفقَّد إدارات المجمع ويشدد على أهميَّة العمل الجماعي وتطوير الأداء    زواج عريس متلازمة داون بفتاة يُثير غضب رواد التواصل الاجتماعي.. و"الإفتاء": عقد القران صحيح (فيديو)    الجريدة الرسمية تنشر قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية    التقويم الهجري.. سبب التسمية وموعد اعتماده    وثائق بريطانية: إثيوبيا رفضت التفاوض مع نظام مبارك بشأن مياه النيل    حكم توزيع لحوم الأضاحي بعد العيد وأيام التشريق؟.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص كلمة شيخ الأزهر في احتفال المولد النبوي ورده على الإساءة للرسول..فيديو
نشر في صدى البلد يوم 28 - 10 - 2020

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنَّنا إذ نحتفلُ اليَوْم بذِكْرى مَوْلِد محمَّد -صلى الله عليه وسلم- فإنَّنا لا نحتفلُ بشخصٍ بَلَغَ الغايةَ في مدارجِ الأخلاق العُليا، ومراتبِ الكمال القُصوى، وإنَّما نحتفل -في الوقتِ نفسِه- بتجلِّي الإشراقِ الإلهي على الإنسانيَّةِ جمعاء، وظهورِه في صُورةِ رسالةٍ إلهيَّة خُتِمَتْ بها جميعُ الرسالات، وكُلِّف بتبليغها للبشريَّةِ نبيٌّ خاتمٌ أدَّى الأمانة، وبلَّغ الرسالة، ونَصَحَ الأُمَّة، ولم يتركها حتى وضَعَها على محجَّةِ الحقِّ والخَيْرِ والجمال، وحذَّرها من الهوانِ والمذلَّة إنْ هي انحرفت إلى طُرُقٍ أُخرى لا ترجعُ منها إلَّا إلى هَلاكٍ محقق ودمار مؤكد.
وأضاف شيخ الأزهر خلال كلمته باحتفال وزارة الأوقاف بالمولد النبوي، بحضور الرئيس عبد الفتاح السيسي: يقولُ العِرْبَاضُ بْنِ سَارِيَةَ-: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- مَوْعِظَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقلنا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ هَذِهِ لمَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: قد تركتُكم على البَيْضَاءِ لَيْلُها كنهارِها لا يزيغُ عنها بعدي إلَّا هَالِكٌ» والمحجَّةُ البيضاء هي: الشَّريعةُ الواضحة السَّهْلة، ثم قال: «ومَن يَعِشْ مِنكُم فسَيَرى اختِلافًا كَثيرًا فعلَيْكُم بما عَرَفتُم مِن سُنَّتي وسُنَّةِ الخُلفاءِ الرَّاشدينَ مِن بَعْدِي عَضُّوا عليها بالنَّواجذِ».
وتابع: ثم ما لبث هذا الدِّينُ الأخير أن انتشرَ انتشارَ الشَّمس في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها، وكان انتشارُه السَّريع تحقيقًا لمعجزةٍ من مُعجزاتِه -صلى الله عليه وسلم-، أخبر فيها أنَّ هذا الدِّين سَيَطْوي الكونَ ويلُف الوجودَ بأَسْرِه، وكان حديثُه عن هذا الأمر حديثَ الواثق الذي يرى الأحداثَ من وراءِ حُجُبِ الغَيب رأيَ العين، بل يراها بأشدِّ مِمَّا تَراه العين، يقولُ هذا النبيُّ الكريم: «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ»، وفي روايةِ ثوبان: «إنَّ اللهَ تعالى زَوى لي الأرضَ، فرأيْتُ مشارقَها ومغاربَها، وإنَّ أُمَّتي سيبلغُ مُلكُها ما زُوِىَ لي منها» وملكُ أُمَّته: دِينُها وشريعتُها.
وواصل: ومعقد الإعجاز في هذين الحديثين الشريفين يَكمُنُ في أنه -صلى الله عليه وسلم- كشف لأصحابِه ولأعدائه -أيضًا- عن بلوغِ الإسلام ما بَلَغَ الليل والنهار في وقتٍ كانت حدودُ الإسلام فيه لا تتجاوز حدودَ جزيرة العرب، وكان هذا الوعدُ في ذلكم الوقت أشبَهَ بحُلُمٍ مستحيلِ التحقيق، ولولا أنَّه -صلى الله عليه وسلم- كان واثقًا من وعدِه هذا وثوقَه من نفسه التي بين جنبَيْه، ما غامر بمثلِ هذا الكلام، ولا صَدَعَ به في وجهِ أعداء يتربصون به، ويترصَّدون هفوةً تصدر منه ليَشغَبون بها على دِينِه الجديدِ الذي قَلَبَ حياتَهم رأسًا على عَقِب، هذا الحديثُ -وأمثالُه أيُّها الحفلُ الكريم!- هو ما يبعثُ في قلوب المسلمين يقينًا لا يهتزُّ بأنَّ بقاء الإسلام واستمراره، وخلودَ اسمِ نبيِّه على جَبِينِ الزمان، أمرٌ تَولَّاه الله بنفسِه، وأراه لنبيِّه رأيَ العَيْن، وهو يُشاهد مشارقَ الأرض ومغاربها.
وأردف: والأمرُ كذلك فيما يتعلَّقُ ببقاء القرآن الكريم وحِفظِه وخُلودِه، فهو ممَّا تولَّاه الله وحدَه، ولم يعهد به إلى أحدٍ غيرِه.. «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» [الحجر: 9]، وهكذا نحن المسلمين لا نرتابُ لحظةً في أنَّ الإسلامَ والقرآنَ ومحمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- أنوارٌ إلهيَّة تُضيء على الأرض طريقَ الإنسانيَّةِ في سعيِها لتحصيل السعادة في الدنيا والآخِرة، وأنها محفوظةٌ بحفظ الله ومشيئتِه ووعده.. ولا نرتاب في دَحْرِ المعتَدين عليها مِمَّن وصفهم القرآن الكريم وكيف نخاف والله يقول: «يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [التوبة: 32]، وفي آية أخرى: «يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» [الصف: 8]، وفي آية ثالثة: «وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ * إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ» [فاطر: 20-24].
وأكمل: أمَّا محمَّد -صلى الله عليه وسلم- فهو -بنصِّ القرآن الكريم الذي يَجري شُعاعُه في دمائنا وقلوبنا- هو الرسولُ الذي مَنَّ الله به على عبادِه المؤمنين، في قولِه تعالى «لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ» [آل عمران: 164]، نعم لولاه -صلى الله عليه وسلم- ولولا ما أُرسِل به من عند الله لبَقِيت الإنسانيَّة كما كانت قبلَ بَعثَتِه في ظلامٍ دامس؛ وفي ضلالٍ مُبين إلى يوم القيامة، ومحمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- -بنصِّ القرآنِ - هو «النُّور» الذي يُبدِّد اللهُ به ظلمات الشكوك والأوهام، يقولُ تعالى: ▬قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ♂ [المائدة: 15]، أي: جاءكم محمَّدٌ «ومعه القرآنُ الكريم».
واستطرد: وكما سَمَّاهُ الله «نورًا» سمَّاه «سراجًا منيرًا»، وخاطَبَه به خطابًا مباشرًا، وذلك في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا» [الأحزاب: 45-46]. ومحمَّد -صلى الله عليه وسلم-، هو الرحمة المرسلة للعالَمين أجمع: مُؤمنِهم وكافِرِهم: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ» [الأنبياء: 107]، كما يقول عن نفسِه: «إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ».
وأردف: الحَفْلُ الكَريم! هذا قليلٌ من كثيرٍ مِمَّا قدَّمه للعالَم صاحبُ هذه الذكرى العَطِرة، وأنقذ به الأُممَ والشعوبَ، وصحَّح به التواءات الحضارات وعوجاجاتها، وهو مِمَّا يُوجِبُ علينا نحن المؤمنين به تجديدَ مشاعر الحب والولاء لهذا النبيِّ، والدِّفاع عنه بأرواحِنا ونفوسِنا وأهلينا وأولادنا وبكل ما نملُك ومن كل غالٍ ونفيس.
ووجه رسالة قائلًا: «واعلموا أيُّها الإخوةُ أنَّ محبتَه -صلى الله عليه وسلم-، وكذا محبةُ آل بيتِه -رضوان الله عليهم- فرضٌ على كل مسلمٍ من أُمَّتِه، وقد نبَّهَنا القرآن لذلك في قوله تعالى: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ» [التوبة: 24]، فمَن كان أبوه أو ابنه أو عائلته أو ماله أحبَّ إليه من الله ومن رسول الله فعليه أن ينتظرَ ما سيحلُّ به عاجلًا و آجلًا، ثم هو مِن الفاسقين، ويُعضِّدُ ذلك قَولُه -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، وليس المرادُ بالحبِّ هنا الحُبَّ العاطفيَّ الحسيَّ الذي هو مَيْلُ النَّفس وهواها، والذي لا يدَ للإنسانِ في جَلْبِه أو صرفِه، ومنه: حُبُّ النَّفسِ والولد والمال، فهذا الحبُّ خارجٌ عن اختيار المرء، وعن استطاعته، بل المطلوبُ -في الحديث الشَّريف- هو الحبُّ العقليُّ الاختياري الذي يتكوَّنُ نتيجةَ النظرِ والعلم والمقايسة، كمحبَّةِ الأبطالِ والعظماءِ وأصحابِ الخُلُق الرفيعِ وغيرهم من المتميزين بالسموِّ في مدارج الكمال الإنساني، ويقولُ العلماء: إنَّ هذا الحبَّ العقلي هو المطلوبُ في الآية الكريمة وفي الحديث الشريف، وهو «أول درجات الإيمان، وأمَّا كمالُ هذا الحُب فهو أن تصيرَ عواطفُ المسلم تابعةً لعقلِه في حُبِّه عليه الصَّلاة والسَّلام».
الحَفْلُ الكَريم!
وأكد الإمام الأكبر أنَّ العالَم الإسلامي ومؤسساته الدينيَّة وفي مقدمتها: الأزهر الشريف قد سارع إلى إدانة حادث القتل الإرهابي البغيض للمدرس الفرنسي في باريس، وهو حادث مؤسف ومؤلم، وفي ذات الوقت أيضا نجد من المؤسفِ أشدَّ الأسفِ أن الإساءةَ للإسلام والمسلمين في عالمنا اليوم قد أصبحت أداةً لحشدِ الأصوات والمضاربةِ بها في أسواقِ الانتخابات، وهذه الرسومُ المسيئةُ لنبيِّنا العظيم التي تتبنَّاها بعضُ الصُّحف والمجلات، بل بعضُ السياسات هي عبثٌ وتهريجٌ وانفلاتٌ من كلِّ قيود المسؤوليَّة والالتزام الخُلُقي والعرف الدولي والقانون العام، وهو عداءٌ صريحٌ لهذا الدِّين الحنيف، ولنبيِّه الذي بعَثَه الله رحمةً للعالَمين.
وواصل: وإنَّنا ومن موقعِ الأزهر الشَّريف إذ نرفضُ مع كلِّ دول العالَم الإسلامي وبقوَّةٍ هذه البذاءات التي لا تُسيء في الحقيقة إلى المسلمين ونبيِّ المسلمين، وإنَّما تسيء إلى هؤلاء الذين يجهلون عظمة هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نحن إذ نسمع ذلك فإننا ندعو المجتمع الدولي لإقرار تشريع عالمي يجرم معاداة المسلمين والتمييز ضدهم، كما أنَّنا ندعو المواطنين المسلمين في الدولِ الغربيةِ إلى الاندماجِ الإيجابيِّ الواعي في هذه المجتمعات، مع الحفاظِ على هُويَّاتهم الدينيةِ والثقافيةِ، ويحول دون اجرارهم وراءَ استفزازاتِ اليمينِ المتطرف، أو استقطابات جماعاتِ الإسلام السياسيِّ، والحرصِ الدائمِ على الطرقِ السِّلميةِ والقانونيةِ والعقلانيةِ في مقاومةِ خطابِ الكراهيةِ، وفي الحصولِ على حقوقِهم المشروعة؛ اقتداءً بأخلاق نبيهم الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
وتعجب قائلًا: «وإنِّي لأعجبُ العجبَ كلَّه أن تُوقَدَ نارُ الفتنةِ والكراهيةِ والإساءةِ في أقطارٍ طالما تغنَّت بأنها مهد الثقافةِ وحاضنة الحضارةِ والتنوير والعلم والحداثة، ثم تضطربَ في يديها المعاييرُ اضطرابًا واسعًا، حتى بِتنا نَراها وهي تُمسك بإحدى يدَيْها مِشكاةَ الحريةِ وحقوقِ الإنسانِ، بينما تُمسِكُ باليدِ الأخرى دعوة الكراهية ومشاعلَ النيران».
واستطرد: أيُّهَا المسلمون! لا تبتَئِسوا مِمَّا حدث ومِمَّا سيحدثُ أيضًا، فقد تَعرَّضَ نبيُّنا في حياته وبعدَ رحيلِه لما هو أشد من ذلك مِمَّا كان يُقابِلُه بالصَّفحِ والإحسانِ والدُّعاءِ للجاهلين به بالهدايةِ.. وكان يقولُ: «اللهمَّ اهْدِ قَوْمي فإنَّهم لَا يَعْلَمُون» عملا بما أمره به الله تعالى: «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (133)، وأنِّي لأستبشرُ كلَّ الاستبشارِ حين أتذكَّرُ الآيةَ الكريمةَ المعجزةَ التي تكفَّلُ الله فيها وحده للدِّفاعِ عن نبيِّه الكريم ويقولُ له: «إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ» [الحجر: 95] صدق الله العظيم.
واختمم قائلًا: «وفي الختام، ومن وحيِ هذه الذكرى العطرةِ، يُشرِّفُني غايةَ الشرفِ أن أُعلن عن إطلاقِ الأزهرِ الشَّريف مِنَصَّةً عالميَّةً للتعريفِ بنبيِّ الرَّحمة ورسول الإنسانيَّة -صلى الله عليه وسلم- يقومُ على تشغيلِها مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرف، وبالعديدِ من لغاتِ العالم.. وكذلك تخصيصِ مسابقةٍ بحثيةٍ عالميَّةٍ عن أخلاقِ محمَّد -صلى الله عليه وسلم- وإسهاماتِه التاريخيَّة الكبرى في مَسيرةِ الحُبِّ والخَيْر والسَّلام، شُكْرًا لكم سِيادةَ الرئيس، وأدعو الله أن يُوفقَكم ويُهيِّئَ لكم الأسبابَ لخدمةِ مصرَ والنهوضِ بها وتحقيقِ آمال شعبها وشُكْرًا لحضَراتكُم وكل عام وأنتُم بخير».
والسَّلامُ عَليكُم وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.