سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"لندن ستان" من عاصمة الضباب تخرج خطط الإرهاب.. بريطانيا بدأت تمويل الجماعة منذ 1942.. ورفضت إدراج "الإخوان" كمنظمة إرهابية تحسبًا لغضب قطر.. ولم توقع على اتفاقية تبادل المطلوبين للعدالة (1- 2)
في النصف الأول من عام 2014 أصدر رئيس الوزراء البريطاني وقتها ديفيد كاميرون أمرا بإجراء تقييم بشأن فلسفة جماعة الإخوان المسلمين ونشاطاتها في بريطانيا ورحبت مصر، التي أعلنت جماعة الإخوان منظمة إرهابية، بالقرار البريطاني وأعربت عن أملها بالتعامل "بالجدية والاهتمام اللازمين" مع تلك التحقيقات وقال متحدث باسم الحكومة البريطانية، إن التقرير لم يسفر عن أى تغيير في سياسة لندن تجاه الإخوان. وكان قرار كاميرون هو الأقوى من قبل الحكومة البريطانية منذ نشأة الجماعة في مطلع القرن الماضي، وبعد عقود كاملة من التعاون المشترك والرعاية التي تصل لحد حماية الجماعة في المجتمع الإنجليزي والتي طالما تجنبت حظر الإخوان كجماعة، بل منحت كافة أنشطتها الشرعية القانونية للعمل داخل الأراضي البريطانية، وذلك لاعتمادها عليهم منذ هجمات 2005، لمواجهة جماعات الإسلام الأصولية المتشددة مثل "الغرباء" و"المهاجرون" و"حزب التحرير بحسب ما تعلنه بريطانيا. البعض رأى أن تلك الخطوة جاءت بعد ضغوط هائلة مارستها السعودية والإمارات ومصر على لندن، من أجل اعتبار الإخوان «جماعة إرهابية» ومنعها من استخدام لندن مركز عمليات للتنظيم الدولي، لكن بريطانيا تجنبت الحظر الكامل لتلافي غضب قطر، التي تعتبر شريكا مهما أيضا بالنسبة لبريطانيا. أغلب المطلوبين من القضاء المصري المنتمين للإخوان والجماعات الإسلامية يعيشون في لندن، منذ الثمانينيات، فمسلسل الهروب من مصر إلى لندن بدأ منذ القرن الماضي ومستمر حتى الآن، لتحتل بذلك بريطانيا المركز الأول في تعداد الهاربين من العدالة المصرية، وبخاصة جماعة الإخوان نظرا لوجود عدد كبير من قيادات الجماعة الإرهابية لتتحول إلى مقر جديد للجماعة عقب هروب عدد كبير من أعضائها بعد اندلاع ثورة 30 يونيو. وتعد بريطانيا الآن من أكثر الدول الداعمة لنظام الإرهاب كما أنها من أكثر الدول التي تمنح حق اللجوء السياسي للمتهمين بالإرهاب على مستوى العالم، وهي نفس الدولة التي ساعدت في إنشاء جماعة الإخوان المسلمين، والتي قدمت لهم الدعم المالي والاستخباراتي على مدار عقود، وفتحت لهم أبوابها ليعيشوا على أراضيها بل منحت بعضهم معاشا من الضمان الاجتماعي. وبحسب كتاب "التاريخ السري لتآمر بريطانيا مع الأصوليين" لمؤلفه مارك كورتيس والذي يعد من الكتب المرجعية في استقصاء سيرة ومسيرة جماعة الإخوان في بريطانيا والتعاون المتبادل فإن بريطانيا بدأت تمويل نشاط الإخوان في مصر منذ عام 1942 أي فترة الاحتلال فيما تبنت بريطانيا استراتيجية تقوم على زيادة تمويل الجماعات الإسلامية المتشددة، والتغلغل في صفوفها ومحاولة زرع بذور الخلاف بين زعمائها. وقدمت الجماعة نفسها للمجتمعات الأوروبية على أنها بديل للحركات الدينية وحركات القومية العلمانية والأحزاب الشيوعية في مصر والشرق الأوسط، وذلك لجذب انتباه كل من بريطانيا والولايات المتحدة، وهما القوتان الموجودتان على الساحة في تلك الفترة. بدأ التمويل البريطاني لجماعة الإخوان في عام 1942، حيث كانت البداية في يوم 18 مايو، عندما عقد مسئولون في السفارة البريطانية اجتماعا مع رئيس الوزراء المصري أمين عثمان باشا، لمناقشة العلاقات مع الإخوان المسلمين وتم الاتفاق على عدد من النقاط، أبرزها سحب دعم الحكومة المصرية لحزب الوفد وتحويل هذا الدعم إلى جماعة الإخوان المسلمين، على أن تدفعه الحكومة المصرية، وأن تطلب الأخيرة مساعدات مالية من السفارة البريطانية. وبحسب المؤلف، بعد ثورة يوليو عام 1952، كان عبد الناصر عدوا للإنجليز، ولهذا وبدلا من الدخول في حرب مباشرة معه، استخدم الإنجليز الإخوان في معرفة شئون الأمة وشق توجه الرأي العام المناصر لثورة يوليو، وأن دخول الإخوان في مفاوضات الجلاء كان بناء على طلب بريطانيا، الأمر الذي لم يكن مقبولا من الجانب المصري، وأن طلب بريطانيا جاء بناء على سعيها معرفة موقف الإخوان من المفاوضات، والذي سيكون مؤثرا في الرأي العام. عرف المسئولون البريطانيون أن جماعة الإخوان المسلمين والمنتمين إليها يريدون إدخال ما يسمى بالدستور الإسلامي واحتوى أحد التقارير على فحوى لقاء بين مستشارة السفارة البريطانية في القاهرة تريفور إيفانز والإخوان في 7 فبراير 1953، والذي قال فيه أحد أعضاء الإخوان للبريطانيين بالنص: "إذا بحثت مصر في جميع أنحاء العالم لصديق لن تجد سوى بريطانيا" –بحسب كورتيس-. ويعد التحالف البريطاني مع الجماعات الإسلامية وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، أحد أركان السياسة البريطانية طويلة الأمد التي انتهجتها منذ الحرب العالمية الثانية، وذلك لخلق أجيال جديدة من الإسلاميين واتخاذهم كحلفاء محتملين لبقائها، كجزء من جهد الدولة للحفاظ على النفوذ الإمبراطوري، أو كوسيلة لتوفير بديل لتحديات أكثر خطورة، تظهر في الساحة السياسية وتعارض مصالحها. التعاون بين الحكومة البريطانية وجماعة الإخوان سمة ثابتة من سياسة بريطانيا، وخلال منتصف 1990، عندما شن مبارك حملة على الجماعات الإسلامية المصرية، وفرت الحكومة البريطانية اللجوء السياسي لأغلب أعضاء الجماعات الإسلامية، عرضت عليه حماية شخصية، وهو الأمر الذي كشفت عنه سلسلة الوثائق التي كشفها الصحفي مارتن برايت المحرر السياسي بجريدة الجارديان عام 2005، والتي أكدت أن المسئولين في المملكة المتحدة كانوا على علاقة وطيدة مع الإخوان المسلمين خلال معظم سنوات العقد الماضي. استطاعت جماعة الإخوان المسلمين تلقي أموال طائلة من الحكومة البريطانية بحجة نشر الإسلام الوَسَطِي في المجتمع الإنجليزي، وكانت تعمل من خلال الجمعيات الخيرية التي يرأسها وتتبع جماعة الإخوان بشكل مباشر في لندن، الأمر الذي كانت تعلمه المخابرات البريطانية بمكتبيها الخامس والسادس، والتي أوصت بضرورة تمويل الإخوان لردع الإسلام الراديكالي المتطرف في المجتمع الإنجليزي، وفي نفس الوقت تكون الذراع لابتزاز الحكومة المصرية واستطاع الإخوان المسلمين تعزيز وضعهم من خلال جمعية مسلمي بريطانيا والتي كان أعضاؤها في ذلك الوقت (عزام التميمي)، والمعروف دوليا بالمبعوث الخاص من جانب حركة حماس، ومحمد صوالحة القيادي في حركة حماس بالضفة الغربية حتى منتصف 1990، والذي أسس في وقت لاحق مبادرة مسلمي البريطانية (BMI) عام 2006، وأخيرا أنس التكريتي والمعني بشكل وثيق بالمبادرة وهو الرئيس السابق لجمعية مسلمي بريطانيا، والمؤسس الظاهري لمؤسسة قرطبة في 2005، والتي تهدف لتشجيع الحوار بين الغرب والعالم الإسلامي. في عام 2008، أصدر جوشوا ستاشر الباحث في معهد أبحاث السياسة العامة تقريرا بعنوان "إخوة في الأسلحة"، أوصى فيه وبقوة ضرورة إشراك الإخوان المسلمين في مصر، باعتبارها عنصرا حاسما في المشهد السياسي المصري، خاصة أن التقرير اعتبر أن الجماعة استطاعت إثبات نفسها لتكون إحدى الجهات الفاعلة السياسية ذاتية التطور، وينبغي أيضا اعتبارها شريكا محتملا لأي عمليات متعلقة بالتنمية السياسية الإقليمية. وعقب ثورة 30 يونيو والقبض على أغلب القيادات الإخوانية في مصر، استطاع عدد كبير من قيادات الصف الثاني من الهروب إلى لندن، ليلعب جمعة أمين، القيادي في الجماعة وعضو مكتب الإرشاد، دور المرشد من لندن.. بعد القبض على محمد بديع، فيما كشفت مصادر مطّلعة أن السلطات المصرية تتابع نقل قيادات إخوانية مطلوبة في مصر إلى عواصم أوروبية، وخاصة إلى لندن لمنع تسليمها إلى القاهرة لصلتهم بقضايا إرهابية. وتعد بريطانيا ملجأ آمنًا لكل الهاربين والمطلوبين من العدالة المصرية لأنها الدولة الأوروبية الوحيدة التي لم توقع على الاتفاقية الدولية لتبادل المطلوبين للعدالة، ودائما تفتح أبوابها للمطاردين بحجة "حق اللجوء السياسي"، وتنظر لهم على أنهم مضطهدون في بلادهم لتتحول لندن إلى "لندن ستان" وهو الاسم الذي أطلقه الأمريكيون والفرنسيون على بريطانيا في منتصف التسعينيات.