عام 1909 أعاد الصحفي أحمد حلمي نشر قصيدة نظمها الأديب الشهير مصطفى المنفلوطي في جريدة "الصاعقة" بتاريخ 3 نوفمبر 1897 استقبل بها الخديوي عباس حلمي باشا لدى عودته من الخارج قال فيها ما قال في الأسرة العلوية التي حكمت مصر دهرا من الزمن إعتبرت فيه البلاد والناس عبيد إحساناتهم وحكم على المنفلوطي وصاحب جريدة الصاعقة بالسجن 6 شهور ليعيد احمد حلمي جد الشاعر الكبير صلاح جاهين نشرها بجريدة اللواء في سياق مقالة "مصر للمصريين" ينتقد فيها حكم الفرد وتحول البلاد الى مقاطعة لعائلة او جماعة ما فما كان من " الحكومة " الا أن إتهمته بالعيب في ذات أفندينا وعرض أمام محكمة السيدة زينب يوم 5 ابريل عام 1909 بهذه التهمة بالإضافة الى تهمة "الطعن على مسند الخديوية وفى حقوق الحضرة الفخيمة" وعوقب بإعدام العدد رقم 37 من جريدته وألقت به الإتهامات في السجن عشرة شهور كاملة لم يتوقف قلمه حتى وهو مسجون عن الكتابة حتى جاء مقاله الشهير " فلتسقط حكومة الفرد " لتصدر حكومة الخديوي قرارها بإغلاق جريدة القطر المصري التي كانت تنشرلمؤسسها الصحفي المسجون أرائه المدافعة عن حرية المواطن . حكومة أفندينا حاولت من قبل تكميم فاه الصحفي الحر كي يخفف من حملاته على عباس حلمي وأسرته وانتقاداته لسياسة الوفاق عبر رشوته بإستخدام شاعر البلاط وأمير الشعراء أحمد شوقي تارة وعبر التهديد والملاحقة تارة أخرى وهو الذي عرفه القراء قلما شريفا وقف مع زعيم الأمة مصطفى كامل في الحزب الوطني وعبر جريدة اللواء التي اسسها الزعيم لتكون صوتا للمقاومة الوطنية ضد الاستعمار البريطاني وكتب فيها مقاله الأشهر "يا دافع البلاء – الإعدام والتعذيب في دنشواي" عن حادثة دنشواي 1906 وأدمى قلوب القراء عندما عجز عن وصف فظاعة ما حدث في المحاكمة الشائنة فكتب يقول "وحينئذ كان دمي قد كاد يجمد في عروقي من تلك المناظر الفظيعة فلم أستطع الوقوف بعد الذي شاهدته...كنت أسمع صياح ذلك الرجل يلهب الجلاد جسمه بسوطه. هذا ورجائي من القراء أن يقبلوا معذرتي في عدم وصف ما في البلدة من مآتم عامة وكآبة على كل بيت وحزن باسط ذراعيه حول الأهالي حتى إن أجران غلالهم كان يدوسها الذين حضروا لمشاهدة هذه المجزرة البشرية وتأكل منها الأنعام والدواب كأن لا أصحاب لها.. لأني لم أتمالك نفسي وشعوري أمام البلاء الواقع الذي ليس له من دافع " لكن الصحفي الشريف وقبل محاكمته بشهر قاد 25 الف متظاهرمنالصحفيين والمواطنين المصريين من مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية واستمرت عدة أيام احتجاجاً على تعديل قانون المطبوعات السارى فى ذلك الوقت على يد المعتمد البريطانى والخديوى عباس حلمى الثانى لمحاولة فرض قيود على حرية الصحافة والتي شهدت سابقا موجة من مصادرات الصحف السياسية التى واكبت صعود الحركة الوطنية المصرية، أولها صحيفة وادى النيل التى أنشأها الشاعر عبد الله أبوالسعود سنة 1867، وأوقفتها الحكومة سنة 1872، وكان الخديو إسماعيل قد عطل قبلها جريدة نزهة الأفكار الأسبوعية التى أصدرها إبراهيم المويلحى بعد صدور عددين فقط من أعدادها قبل أن يصدر عام 1881 قانون المطبوعات الذى يمنح لنظارة الداخلية حق إنذار الصحف وتعطيلها مؤقتا أو نهائيا دون حكم قضائى قبل أن يتوقف القانون لمدة عام 1894 لتعود حكومتي بطرس غالي ومحمد باشا سعيد بين عامى 1908 و1910 لإصدار مجموعة من التشريعات المقيدة للحريات العامة، وقد وجهت تلك التشريعات ضربات قاسية للحريات فى مجالات الصحافة والمسرح والشعر بهدف محاصرة الحركة الوطنية المتصاعدة بعد حادثة دنشواى ولم تمض أسابيع قليلة على إعادة قانون المطبوعات إلا وكانت الحكومة قد بدأت فى ملاحقة الصحف والصحفيين بالمحاكمة والحبس والتعطيل والإغلاق بعد تعديل مواد فى قانون العقوبات تحاسب الناس على نواياهم وأحالة قضايا الصحافة إلى محاكم الجنايات بعد أن كانت من اختصاص محاكم الجنح لأن الحكومة رأت أن محاكم الجنح تتهاون مع الصحفيين فى أحكامها، كما أن التعديل كان يسلب الصحفى حقه فى درجة من درجات التقاضى كما فرضت التعديلات قيودا على حرية الصحف فى نشر المرافعات فى القضايا الجنائية، وأقرت للمرة الأولى المسئولية الجنائية على مديرى الصحف بالنسبة لما ينشر فيها، حتى لو لم تتوافر أركان الاتفاق الجنائى فى وقائع النشر، وأضاف التعديل عقوبة جديدة لجريمة هي " التهديد بالكتابة أو بالقول " ولو لم يكن مقرونا بمقال أو نشر ؟؟ ، فخرج الصحفي أحمد حلمي بمظاهرة ضخمة من نصف بالمائة من سكان مصر كلها ضد قصف الأقلام وتقييد الحريات ورغم حبسه وإغلاق صحيفته ظل اسم أحمد حلمي باقيا أو كما قال الدكتور يونان رزق عنه : هكذا غابت الجريدة ولكن (الصحفي) أحمد حلمي دخل التاريخ ، ولم تستطع الدولة أن تكرمه بأكثر من " موقف " للسيارات بين الأقاليم مكافئة على " موقفه " من الحريات ؟؟ . اليوم أرى أحمد حلمى الصحفي الشريف يبعث من جديد يقود مظاهرة جديدة من الشرفاء ضد نفس القوانين القميئة التي بعثت هي الأخرى من جديد وأخرجتها الحكومات العاجزة من أدراجها الدفينة لتكبل الحريات العامة وتغلق منابر الفكر بنفس الحجة القديمة " اهانة ذات أفندينا " الجالس فوق العرش اليوم والمنزه عن الإنتقاد هو أو جماعته – لا يهم – فالمنفلوطي هو الأخر محمولا على الأعناق يشدوا بقصيدة الخالدة قدومٌ ولكن لا أقول سعيدُ "مرسي " ومُلك وإن طال المدى سيبيد رمْتنا بكم مقدونيا "المرشد " فأصابنا مصوب سهم للبلاد سديد فلما توليتم طغيتم، وهكذا إذا أصبح "القوليّ""الاخوانجي " وهو عميد