رصدت وحدة الرصد باللغة الإسبانية بمرصد الأزهر للغات الأجنبية، أحوال الإسلام والمسلمين في جمهورية كولومبيا، باعتبارها واحدة من أهم دول أمريكا اللاتينية التي انتشر فيها الإسلام خلال الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، كما تُعد من أقدم دول القارة التي دخل فيها الإسلام. في البداية تشير الإحصائيات الرسمية إلى أن التعداد السكاني في كولومبيا وصل إلى ما يقرب من 49 مليون نسمة لعام 2016، في حين أنه لا توجد حتى الآن دراسات أو إحصائيات دقيقة أو رسمية حول أعداد للمسلمين في كولومبيا؛ نظرًا لأن القانون الكولومبي يمنع الإحصائيات التي تقوم على مبدأ ديني، إلا أن هناك إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن الأعداد قد وصلت إلى 85 ألف مسلم من خلال بيانات تم تجميعها عن طريق الجمعيات الإسلامية في كولومبيا، وفي هذا السياق تؤكد التقارير على أن الجالية المسلمة في كولومبيا في تزايد مستمر، حيث تتزايد الأعداد بشكلٍ متسارعٍ خلال العقود الأخيرة، وتأتي هذه الزيادة الملحوظة في ظل تنامى أعداد المسلمين في قارة أمريكا اللاتينية بشكلٍ عام. ترجع أصول الإسلام في كولومبيا إلى القرن السادس عشر مع وصول الموريسكيين القادمين من إسبانيا، وإلى المسلمين القادمين من إفريقيا الذين تم اختطافهم واقتيادهم كعبيد إلى الأميركتين، وسرعان ما تم توزيعهم على دول القارة. ولكن اختفت ملامح الإسلام في القارة الجديدة أثناء فترة الاستعمار نظرًا إلى سياسة التنصير التي اتخذتها السلطات الإسبانية لفرض دينها على الجميع واضطهاد أصحاب الديانات الأخرى. يُذكر أن موجات الهجرة لعبت دورًا محوريًا في هذا الصدد؛ حيث تمتد جذور الجاليات المسلمة الحالية في المدن الكولومبية إلى موجات الهجرة من العرب في القرنين التاسع عشر والعشرين، وبالفعل تمَكّن المهاجرون العرب ممن قدموا إلى كولومبيا في أواخر القرن التاسع عشر من الاندماج في المجتمع الكولومبي، وكانوا بذلك نواة لتعريف الكولومبيين بالإسلام وبمبادئه السمحة. كما توجد هناك ثلاث موجات رئيسية من الهجرة كانت حجر الأساس لتشكيل الجالية المسلمة في كولومبيا: كانت الأولى بسبب الصراعات السياسية في بلاد الشرق الأوسط أثناء الإمبراطورية العثمانية التي دفعت العديد من العرب للنزوح إلى الأميركتين، أما الثانية فترجع إلى المهاجرين الفلسطينيين الفارين من بلادهم إبان الإعلان عن قيام الكيان الصهيوني في 1948، وأخيرًا المهاجرين اللبنانيين خلال عقد الستينيات مع بداية الصراعات الطائفية الحزبية داخل لبنان. وأوضح التقرير، أن هناك تزايدا فى أعداد المسلمين في كولومبيا ليصبح ظاهرة تتنامى يومًا بعد يوم، وإن كان هذا الاضطراد يرجع في السابق إلى موجات الهجرة المتدفقة، فإننا يمكن أن نعزو ذلك في الوقت الراهن إلى تزايد اعتناق الكولومبيين للإسلام خلال الأعوام الأخيرة، والتي بدأت في الثمانينيات من القرن الماضي مع تأسيس المراكز الإسلامية في العديد من المدن الكولومبية. كما أن تناول الإسلام في وسائل الإعلام الكولومبية ساهم بشكلٍ كبيرٍ في جذب انتباه المشاهد والمستمع والقارئ إلى البحث عن هذا الدين والتعرف عليه مما جعلهم يقتنعون به ويعتنقونه. كما ترجع الزيادة أيضًا إلى تضاعف العلاقات الدبلوماسية بين كولومبيا وبعض الدول الإسلامية، كما سنحت الفرصة لمجموعة من المسلمين الكولومبيين بالتواصل والدراسة في مدارس وجامعات إسلامية في مجموعة من الدول الإسلامية. ومن بين الأسباب التي يراها الكولومبيون أنفسهم عاملًا محوريًا في اعتناقهم للإسلام هي الوحدانية التي ينادي بها الإسلام، وثقة المؤمن الكاملة في العدالة الإلهية، وعدم وجود معتقدات أو شعائر معقدة كما هو الحال في بعض الديانات الأخرى، والإحساس القوي بالتعاون والتضامن بين أبناء الجالية المسلمة، والتي تحمل بين طياتها صبغةً عالميةً، فضلًا عن الجوانب الأخلاقية والإنسانية والقومية التي يدعو إليها هذا الدين الحنيف. الجدير بالذكر أن معظم المسلمين في كولومبيا حتى الثمانينيات كانوا من السُنّة، بينما بدأ ينتشر المذهب الشيعي خلال التسعينيات بشكلٍ ملحوظٍ عن طريق الإيرانيين واللبنانيين والدعاية التي كانت تتبناها الجمهورية الإيرانية ووسائل الإعلام الشيعية المسموعة والمكتوبة والمرئية تحت رعاية منظمات شيعية إيرانية. كما توجد أيضًا في كولومبيا طوائف صوفية، ولكنها تنقسم إلى قسمين: إحداهما يعتنق الإسلام بشكل واضح والأخرى تتبنى النظرية القائلة بأن الصوفية ليست مقتصرة على الإسلام، ويدخلون في اجتماعاتهم وممارساتهم أفرادًا غير مسلمين. هذا القسم الأخير -وإن كان يلقى اعتراضا كبيرا من المسلمين- إلا أنه كان سببًا في إسلام عددٍ كبيرٍ من هؤلاء الأفراد غير المسلمين. وبالنسبة للمراكز الإسلامية، فإن أعداد المسلمين في بادئ الأمر قليلة للغاية، ولم تكن الظروف مهيأة لإنشاء جمعيات أو مراكز إسلامية أو حتى مساجد يستطيع المسلم من خلالها أداء الصلوات الخمس، ولم يتمكن المسلمون من تأسيس تلك المراكز إلا مع حلول القرن العشرين مع تزايد أعداد موجات الهجرة من المسلمين آنذاك، الأمر الذي جعلهم يفكرون في إنشاء أماكن للعبادة. ومع تزايد أعداد المسلمين توجّب على الجالية المسلمة إقامة المؤسسات الخاصة بها مثل المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية، وبدأت مؤسسات إسلامية كبرى بإيفاد علماء إلى كولومبيا مثل مؤسسة الأزهر، إلا إنهم كانوا لا يتقنون اللغة الإسبانية، الأمر الذي حال بينهم وبين المهمة التي كانوا قد ابتعثوا من أجلها. يُذكر أن أهم الجمعيات الإسلامية في كولومبيا تقع في العاصمة بوجوتا.