يفخر المصريون بمصريتهم حينما يعلمون أن مصر هي البلد الوحيد الذي ذكر صراحة في القرآن الكريم خمس مرات، حيث قال تعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ" (يونس: 87).، "وَقَالَ الذي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أكرمي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ في الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" (يوسف: 21).، "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" (يوسف: 99).، "ونادي فِرْعَوْنُ في قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِى مِنْ تحتي أَفَلا تُبْصِرُونَ" (الزخرف: 51). "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الذي هُوَ أَدْنَى بالذي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ " (البقرة: 61). يقول د. أحمد صبحي منصور في كتابة - مصر في القرآن الكريم- الصادر عن كتاب اليوم 1990م أن كلمة - مصر- التي وردت في سياق الآية السابقة على لسان موسي عليه السلام لقومه-: "قال اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم".- لا تدل على مصر الوطن وإنما تعني المدينة المتحضرة أي مدينة متحضرة لأنها جاءت مفعولاً به منصوباً وهى منونة- مصرا- أي ليست ممنوعة من الصرف. أما كلمة مصر في قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام: " قال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". فهي مفعول به أيضاً ولكن بدون تنوين لأنها ممنوعة من الصرف. وهذه التفرقة اللغوية الدقيقة بين كلمة - مصر- في الآيتين توضح أن كلمة مصر لها معنيان: - معني الوطن الذي يعيش فيه المصريون. وهذا هو المعني الذي ورد في القرآن ممنوعا من الصرف أي بدون تنوين، وذلك في أربع مرات. - معني المدينة المتحضرة. ففي -القاموس المحيط - في معاني مصر، - مصروا المكان تمصيراً جعلوه مصراً فتمصر- ومصر أي المدينة التي تتميز عما حولها من بوادي. وقد بدأ التمدن في العالم ببناء المدن في مصر لذا نحتت اللغة العربية كلمة -مصر- لتدل بها على قيام الدولة أو المدينة المتحضرة التي تحيط بها البوادي، وفى قصة سيدنا يوسف قوله لإخوته وهو في سلطانه في مصر: " وجاء بكم من البدو..". (يوسف: 100). أى كان شرق مصر في ذلك الوقت رعوياً بدوياً. وكلمة - مصر - بمعني البلد المتمدن أو الدولة تعتبر اعترافاً من اللغة العربية بقدم العمران المصري والحضارة المصري، فالعرب حين عرفوا النطق باللغة العربية استعاروا كلمة -مصر- لتدل على المدنية والحضارة، ثم جاء القرآن فيما بعد يسجل هذا المعني ويميزه بفارق لغوي دقيق حين يجعل كلمة - مصر- الوطن ممنوعة من الالصرف باعتبارها علماً وذلك في أربعة مواضع، ثم تكون كلمة - مصر- الدالة على المدنية منونة في موضع وحيد في القرآن الكريم. وورد ذكر مصر أيضا في القرآن الكريم، بالتلميح، ثلاثاً وثلاثين مرة, وهو أمر لم يكن لأي دولة في القرآن الكريم. وآيات التلميح لها مواطن كثيرة متفرقة، ومن ذلك قوله تعالى: "والطور وكتاب مسطور" (الطور: 1-2)، وقوله: "وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين" (المؤمنون: 20)، وقوله تعالى: "والتين والزيتون وطور سنين"(التين: 2). كما عبر القرآن الكريم عن - مصر- بلفظ - الأرض- والنسق القرآني يضفي وصف الأرض على وطن ما إذا بلغ قومه درجة كافية من القوة. من ذلك قوله تعالى: "فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة" (فصلت: 15). ولذلك استحقت مصر من القرآن أن تُصف بأنها - الأرض- حيث عاشت الدولة فيها قوية مهابة فى عصور طويلة موغلة في القدم وخصوصاً في عصر - الرعامسة- الذي شهد قصة موسي، جاء ذلك في قوله تعالى في سورة القصص: "إن فرعون علا في الأرض.." ، "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض.."، " ونمكن لهم في الأرض.."، "إن تريد إلا أن تكون جبارا فى الأرض" ، " واستكبر هو وجنوده فى الأرض بغير الحق..".( القصص: 4، 5، 6، 19، 39). وفي قصة يوسف يقول تعالى عن تطور مكانة يوسف في مصر: " وكذلك مكنا ليوسف في الأرض" (يوسف: 56) وحين طلب وظيفة من الملك قال له:" اجعلني على خزائن الأرض"( يوسف: 55) فكانت خزائن مصر هي خزائن الأرض جميعاً. وغيرها من الآيات كثير. وأغلب الآيات الكريمة التي ورد فيها ذكر مصر- سواء الواردة بالصريح أو التلميح- تشع بالخير والبركة لهذا البلد الأمين. فمن بركات نهر النيل أن نشأت على ضفافه حضارة شامخة، لا يزال إلى الآن لها طلع نضيد يحير الألباب، ألباب العلماء. *مصر والأنبياء: كان آدم عليه السلام أول من دعا لمصر بالخصب والبركة والخير والرحمة والبر والتقوى. ودعا لها أيضا نوح عليه السلام، وسمَّاها الأرض الطيبة التي هي أم البلاد. ودخلها إبراهيم عليه السلام، وعاش بها فترة من الزمن، وتزوج منها السيدة-هاجر- أم إسماعيل، أبو العرب. ودخلها يعقوب عليه السلام مع بَنيه عندما استدعاهم يوسف عليه السلام. وأمضى يوسف عليه السلام، حياته كلها في مصر، فكانت له مقاما طيبا وأتى بقومه جميعا من بلاد الشام للإقامة في مصر، وقال ما حكاه القرآن: "ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين". وهى التي تجلى الله سبحانه فيها على موسى- وكان مصريا أسمر اللون وكان كل من يلقاه يحبه- وألقيت عليك محبة منى- وكلَّمه الله وهو في أرض مصر تكليما. يقول علماء الجيولوجيا: إن الجبال الموجودة حول الطور كلها متصدعة من خشية الله دون غيرها من جبال سيناء. وشرفت أرض الكنانة بأن استضافت المسيح عليه السلام وأمه السيدة مريم ابنة عمران، وانتقلا منها معززين إلى القدس الشريف. ومن أهل مصر تزوج سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) السيدة ماريه القبطية، وأنجبت له ابنه إبراهيم. *مصر والسنة النبوية: ولقد شرفت السنة النبوية الشريفة بلادنا، فذكرت مصر على لسان نبينا، عليه الصلاة السلام، في أحاديث عديدة، منها ما أخرجه الإمام مسلم عن أبى ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط. فاستوصوا بأهلها خيرا. فإن لهم ذمة ورحما". وفى رواية: "إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يُسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحما- أو قال: ذِمّة وصِهْرا". وستظل مصر في رباط إلى يوم القيامة.