تعد فكرة إقامة دورة عربية يتنافس فيها الرياضيون العرب فكرة مصرية تبناها عبد الرحمن عزام، أول أمين عام لجامعة الدول العربية. وظهرت الفكرة في مطلع عام 1947، حيث تقدم عزام بمذكرة للجامعة، وطلب منها إقامة دورة رياضية تشارك فيها كل الدول العربية، سواء كانت أعضاء بالجامعة أو لم تكن. واكد عزام في مذكرته للجامعة العربية: أنه يعتبر الرياضة من أفضل الوسائل لربط شباب الدول العربية، وتمكينهم من بناء مستقبل الأمة العربية.. وهى أحب ما يستهوي نفوس الشباب ويحليهم بالفضائل ويوثق روابطهم الاجتماعية ويزيل الفوارق بينهم". وكان يقول: "يتلهف اليوم شباب الدول العربية كلها على جمع النشاط الرياضي المتفرق في دورة واحدة تقام سنويًا، في إحدى مدن الدول العربية، وهم يتوجهون بأبصارهم إلى مجلس الجامعة بغية تحقيق هدفهم هذا، ولا شك أن اجتماع الشباب في صعيد واحد كل عام، هو خير وسيلة للتعارف والتحاب وهو أيضًا دعوة إلى الوحدة الروحية، الشيء الذي يتفق مع روح المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية". وللأسف لم يحظ هذا المشروع بالموافقة في ذلك الوقت، إلا أن الفكرة بقيت مطروحة، وظلت المجهودات من أجل إقامة هذه الدورة مستمرة، إلى أن عقدت الجلسة التي عقدتها الجامعة في 1953. ولعب المهندس أحمد الدمرداش توني، عضو اللجنة الأولمبية الدولية ورئيس اللجنة الأولمبية المصرية، دورًا كبيرًا في إقناع مسئولي الدول العربية بالفكرة، حيث تمت الاستجابة للعرض الذي قدمه لمجلس الجامعة في نفس الجلسة وتمت الموافقة على إقامة هذه الألعاب.
وأسندت إلى مصر مهمة تنظيم دورتها الأولى، التي احتضنتها مدينة الإسكندرية من 26 يوليو إلى 10 أغسطس من نفس السنة، وشاركت فيها ثمان دول عربية، بالإضافة إلى إندونيسيا التي كانت مشاركتها شرفية. ومنذ بداية الألعاب الرياضية العربية في سنة 1953، نظمت أحد عشرة دورة، ولم تنظم في السنوات ما بين 1976 و1985 وكذلك الفترة ما بين 1986 و1992 لتستمر بعد ذلك دون انقطاع، وأقيمت الدورة الأخيرة بالقاهرة في مصر عام 2007، ولاقت نجاحًا كبيرًا من الناحيتين التنظيمية والفنية وكذلك من ناحية المشاركة.
تميز مصري سوري
شهدت الدورات الرياضية العربية تطورًا كبيرًا من النواحي التنظيمية والفنية وعلى مستوى المشاركة، ومع مر العقود والسنين أصبحت الدول العربية تولي أهمية أكبر لهذه الدورة وتشارك فيها بعدد أكبر من الرياضيين وفي عدد أكبر من الرياضات. ومع ذلك فإن الطريق أمام الارتقاء بهذه الدورات إلى مصاف الدورات الدولية عالية المستوى مازال طويلاً ويتطلب من كل الدول العربية مزيدا من الاهتمام والاستثمار في نفس الشباب والمنشآت حتى تحقق هذه الدورات أهدافها السامية من النواحي الرياضية والاجتماعية والسياسية والمادية، ولعل تثبيت مواعيد إقامتها بصورة منتظمة أو دورية يأتي في مقدمة الملفات المطروحة على جهات الإشراف على الدورات والتي تتطلب حلولاً جذرية. وبالنظر إلى عدد الدول المشاركة، فإننا نجد أن العدد تزايد بشكل تصاعدي وشبه منتظم، حيث ارتفع عدد الدول المشاركة من 9 دول في الدورة الأولى التي أقيمت بالإسكندرية عام 1953 إلى 22 دولة في الدورة الحادية عشرة التي أقيمت في القاهرة عام 2007 وهى الدورة التي شهدت تحطيم عدة أرقام قياسية على مستوى المشاركة وعلى مستوى عدد المشاركين من الرياضيين وعلى مستوى عدد الرياضات وعلى المستوى الفني من حيث الأرقام القياسية وعلى مستوى الميداليات الموزعة وعلى مستوى المنشآت المخصصة للمسابقات وكذلك على مستوى الحضور الجماهيري. وعلى صعيد الإنجازات الرقمية، فإن مصر تتربع على عرش هذه الدورات وذلك لخبرتها الواسعة في الألعاب الأولمبية والألعاب الأفريقية تنظيمًا ومشاركة وكذلك لاستضافتها دورتين وقد تصدرت لائحة ترتيب الفرق 5 مرات منها 3 مرات في الدورات الثلاث الأخيرة، كما يحسب أيضًا في رصيد مصر إنجاز آخر تشترك معها فيه سوريا عندما تصدرت الجمهورية العربية المتحدة لائحة ترتيب منتخبات الدورة الثالثة بالمغرب عام 1961. كما تعتبر سوريا من الدول المتميزة على مستوى الإنجازات في هذه الدورات، حيث فازت بدورتي 1976 و 1992 على أرضها بالعاصمة دمشق. وكما فازت مصر بالدورة الأولى التي أقيمت على أرضها، فإن سوريا فازت بالدورتين الخامسة والسابعة اللتين استضافتهما، ولبنان فازت بالدورة الثانية التي احتضنتها العاصمة بيروت، والمغرب فازت بالدورة السادسة التي استضافتها الرباط، ليفرض المنطق نفسه، ويؤكد أن البلد المنظم هو صاحب الكلمة العليا على مستوى التتويج. وهناك من الدول من تمكن من الصعود على أعلى منصات التتويج عندما أقيمت الدورات خارج أرضه، ومن ذلك مصر عندما فازت بدورة الرباط عام 1961، كما فازت مصر أيضا بدورات بيروت 1997 و عمان 1999 والجزائر 2004 والقاهرة 2007. بيروت.. ودورة الألعاب العربية الثانية
استضافت مدينة بيروت الجميلة منافسات الدورة الرياضية العربية الثانية والتي انطلقت في موعدها المقرر في 12 أكتوبر من عام 1957 واستمرت حتى الثامن عشر منه. اشترك في الدورة (914) رياضيا من الذكور فقط، حيث انضم رياضيو تونس والمغرب والسعودية والجزائر إلى أشقائهم من لبنان والأردن والعراق وسوريا وليبيا والكويت الذين تواجدوا في الدورة الأولى. وتغيبت مصر والسودان وفلسطين، بينما شاركت الجزائر بوفد رمزي، نظرا لأنها لم تكن قد نالت استقلالها بعد.
واحتدمت المنافسة بين رياضيي لبنان وتونس والعراق لنيل المراكز المتقدمة في الدورة، والتي حسمها البلد المستضيف لصالحه في نهاية المطاف. كما شهدت فعاليات الدورة إضافة ألعاب الفروسية والدراجات والتجديف والكرة الطائرة ليرتفع عدد ألعاب الدورة إلى (14) لعبة.