كانت تصريحات الراحل ميلس زيناوي رئيس الوزراء الإثيوبي عن الثورة المصرية ذات دلالات واضحة من حيث المدركات حيث قال "أن ثورات الربيع العربي جاءت متأخرة عن الربيع الأفريقي الذي بدأ منذ الثمانينات..." وعلي الرغم من هذه التصريحات فإن الرجل قد أحبط مظاهرات ميدان "ميسكل" في أديس أبابا بالقمع والقبضة الحديدية وما زالت أصداء هذا اليوم "يوم الغضب الإثيوبي" في 28 /5 /2011 حاضرة حتي الآن ، وظهرت علي وجوه من خرجوا منذ أيام قليلة للمطالبة بالإستقلال لشعب الأورومو ولكن دون جدوي ، والنظام ومعه حلفاؤه من الغرب مازال في موقف القوة ويناضل من أجل الاستمرار ، وتصر إثيوبيا علي تقديم نفسها علي أنها جزيرة مسيحية وسط بحر مسلم علي الرغم من تأكيد الدستور الإثيوبي علي علمانية الدولة وعدم وجود دين رسمي لها. وكذلك ينبغي التأكيد هنا علي أن التعددية الإثنية والمواريث الدينية والتاريخية بالإضافة إلي المحددات الدولية والإقليمية هي من تصنع وتحافظ علي الدور الإثيوبي من خلال علاقة تقوم عي الدعم الكامل من قبل الولاياتالمتحدةالأمريكية واسرائيل. نذهب إلي المحور الخاص بالعلاقات المصرية الإثيوبية التي أظهرت عبر التاريخ الأهمية القصوي لمياه النيل وظهر ذلك جليا في تهديدات مباشرة من أباطرة إثيوبيا بإيقاف مرور المياه إلينا علي واقع صراعات دينية بالأساس ، ويؤكد التاريخ الإثيوبي علي الدعم المصري لأعداء إثيوبيا وهم إريتريا والصومال ، وقد قاد هيلاسيلاسي المحاولات الرامية لفصل الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة المصرية. هذه المدركات التي أدارت العلاقات عبر سنوات طويلة ودائما ما يتم وصف هذه العلاقات في شكل تنافسي بالأساس للعب دور الدولة القائد في منطقة حوض النيل في جو من المشاعر السلبية من الجانب الإثيوبي نحو مصر ، وكان رفض هيلاسيلاسي لمشروع السد العالي عنوانا لذلك علي الرغم من عدم تأثير السد العالي علي الجانب الإثيوبي ولن يكلفه متر مكعب واحد من مياه النيل ، وقد توعد منجستو (رئيس الوزراء الإثيوبي) الرئيس السادات بوقف امدادات نهر النيل لمصر اعتراضا علي قناة جونجلي ، وبالفعل نجحت إثيوبيا في استقطاب جون جارانج (زعيم الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان) إلي أراضيها ونجحت في إيقاف المشروع بعد أن قارب علي الإنتهاء ، أضف إلي ذلك الرفض التام لمعاهدات مياه النيل كونها معاهدات فرضها الإستعمار وهو أمر ضد المنطق لاعتبارات عديدة منها عدم استعمار إثيوبيا بالأساس كما أنها نشأت بالتوسع والغزو ولم ينقص من أرضها شيئا!! إذا ما الحل ؟؟ الواقع المصري الإثيوبي يفرض حوارا بالمفهوم العملي علي مستوي استراتيجي يؤسس لبناء ثقة تعتمد علي المصالح المشتركة وننحي الخلافات والمدركات التي أدت إلي ما نحن فيه الآن ، ولا ننكر الدور الغربي والتأييد الأمريكي الاسرائيلي (المُحرض) الذي يُبني علي أسس عقائدية وهو ليس بالأمر اليسير، والبعد عن سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها إثيوبيا ومازالت ، ولابد من البعد عن المراوغة والمماطلة التي تؤدي إلي فقدان الثقة غير الموجودة بالأساس وكأننا أمام طرف لا ينظر إلا لمصلحته ، ولابد أن يكون الحضور المصري في القرن الأفريقي وحوض النيل فاعلا بعد تراجع الدور المصري منذ سنوات ليست بالقصيرة حيث أصبحنا في نظر الأفارقة وليس إثيوبيا فقط الآخر وحل بدلا منا قوي إقليمية ودولية تحاول التأثير وفق مصالحها ولابد من التواجد الفاعل في الصومال وإريتريا وجيبوتي والسودان وجنوب السودان وأوغندا ، والبحث عن حل مع الأفارقة لأزماتهم في مجال المياه والطاقة وتحقيق الربط بين مصر وإثيوبيا علي مستوي الطرق والإتصالات. قد يكون الأمل في انشاء تكتل إقليمي لحوض النيل تلعب فيه مصر وإثيوبيا دورا رائدا مع إخلاص النوايا علي أن تكون السودان دولة راعية لتحقيق الوفاق علي أرضية المساواة في المنافع والإدارة لهذا التجمع.