◄ روايات الشباب تحقق نسب شراء أعلى في دورات معرض الكتاب المتعاقبة خلال السنوات الأخيرة ◄ مثقفون يؤكدون تراجع الذائقة لدى معظم القراء واعتماد كتابات الشباب على «لغة الشارع» ◄ روايات الشباب تستقطب القراء بفنون الحكي والتشويق والإثارة لكنها ك«فقاقيع الهواء» ◄ الكاتب الشاب طوّع التكنولوجيا لتسويق نفسه والتواصل مع أبناء جيله من خلال «فيس بوك وتويتر» عزز الإنتاج الأدبي للشباب مكانته في مصر خلال الفترة الأخيرة، على حساب ما يكتبه كبار الكتاب والروائيين والشعراء، الذين تراجعت مبيعات إنتاجهم بفعل تغير الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة، وهذا التراجع أيدته معارض الكتاب المتتالية خلال السنوات الأخيرة، أصبح من النادر أن ترى شبابا يتصفحون روايات صدرت قديما وأعيد طبعها أو ديوانا لأحد كبار الشعراء، في حين تجد معظمهم يحمل روايات أو دواوين حديثة لكتاب صغار ربما لم يكتب الواحد منهم سوى هذا العمل، ما يعكس سرعة انتشار هذا الإنتاج الأدبي أكثر من غيره، وتعبيره عما صار يختلج في نفوس معظم القراء. في هذا التحقيق يرصد «صدى البلد» السبب وراء نزوع معظم المهتمين بالقراءة إلى كتابات الشباب المعبرة في أغلبها عن هموم فئة كبيرة من المجتمع، فئة تحاول التفكير فيما يحمله الغد من صنوف التحولات وتسعى لتغييره وإيجاد حلول له في ظل واقع مُقفَل وظروف غاية في التعقيد. لغة شابة مع دخول دور النشر إلى ساحة الإنتاج الأدبي للشباب لاشك أن الحاجة كانت ماسة إلى كتّاب يمكنهم التفاعل مع أبناء جيلهم، بلغة تشبع رغبتهم في تذوق أجناس مختلفة من الأدب، كالفانتازيا والمغامرة والخيال العلمي، فضلا عن التعبير عن الواقع المعيش من خلال شخوص يتعرضون في سياق الرواية إلى ما يمكن أن يتعرض له أي شاب مصري عادي في مراحل حياته، كالفقر والمراهقة والاستقطاب الديني ورحلة التوافق مع الأسرة والمجتمع، إلى جانب مشكلات الوحدة وعدم الرضا عن النفس، والشعور بالذنب، وغيرها، وهو ما نجده في سياق عدة روايات كتبها شباب ولاقت نجاحا واستحسانا خلال الفترة الماضية، مثل روايات فيرتيجو والفيل الأزرق وتراب الماس وشربة الحاج داوود، وهيبتا، وغيرها. عن ذلك يقول الروائي ناصر عراق، إن الكاتب الشاب يستخدم لغة دارجة مثل لغة الشارع خاصة في الحوار بين الشخصيات، وهو أمر ييسر عليه التواصل مع القراء العاديين حديثي العهد بالقراءة، لكنه لن يستطيع التأثير فيهم طويلا، على حد قوله. وأضاف "عراق" أنه لا يمكن إنكار أن بعض الكتاب الشباب يمتلكون مواهب معينة في فنون الحكي والتشويق والإثارة، وهو ما يجعلهم ينجحون في البداية، لكنه أكد أن الرواية الجميلة العميقة المؤثرة في حاجة إلى أشياء أخرى قد لا تكون لدى كثير من الكتاب الشباب. "عراق" يرى أن إقبال كثير من الناس - صغار السن في الأغلب - على قراءة بعض روايات الشباب يعود إلى عدة أمور؛ منها أنها روايات بسيطة تخاطب الذائقة العامة غير الناضجة لدى قطاعات معينة، ومنها أن بعض دور النشر استطاعت أن تروج بمهارة لهذه الروايات وكتابها، الأمر الذي حرض بعض الشباب على اقتنائها. وقال "نحن نعرف أن هناك (موضات) في عالم الأدب والفن تظهر وتملأ الدنيا ضحيجا ثم تختفي لأن أصحابها لا يتمتعون بفرادة الإبداع وعمق الرؤية، وأذكر كاتبا اسمه إسماعيل ولي الدين كان موضة طاغية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، لكن رواياته لم تترك أثرا في دنيا الإبداع، كذلك كان هناك واحد اسمه محمود عبد الرازق عفيفي في الفترة نفسها تقريبا، وقد ضاع الاثنان في خضم الحياة؛ لأنهما لم يمتلكا المهارات المطلوبة حتى ينضما إلى قائمة المبدعين الموهوبين الخالدين". تقريب المسافات أما الروائية غادة قدري فتؤكد أن سبب نجاح روايات الشباب يعود إلى أن هذه الفئة من الكتاب يروجون لأنفسهم جيدا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنه "من المؤكد أنه ليس كلهم موهوبين، لكن التكنولوجيا عملت على تقريب المسافات مع قرائهم، حتى أصبح بمقدور الكاتب حاليا أن يكوّن لنفسه جمهورا من خلال فيس بوك أو تويتر، ويتواصل مع أبناء جيله ويتناقش معهم على صفحات التواصل، إلى جانب موقع جود ريدز. "غادة" أشارت أيضا إلى أنه لا يمكن تجاهل زيادة عدد دور النشر بصورة كبيرة، وأنها أصبحت تقدم عروضا كثيرة للنشر، وهو ما شجع جيل الشباب على الكتابة. وقالت إن القارئ الجيد يجب أن يقرأ كل شيء وكل نوع، لا سيما كتابات القدامى والكتاب المجايلين لنا، لكنها نوهت إلى وجود مشكلة تواصل بين الأجيال، "فجيل الشباب الذي أفرزته دور نشر جديدة مثل "الرواق" و"ن" و"اكتب" وغيرها، في وادٍ، وجيل الوسط في واد آخر، بينما يقبع جيل الستينيات مع نفسه، ولا تعلم لماذا كل فئة منعزلة عن الأخرى". معايشة جميع الفئات وعن لغة الكتاب الشباب، قالت إنها تطوع لغتها بكثرة القراءة، ودخول ورش لغة عربية، حتى تكتب لغة صحيحة، أما المضمون فهو - في رأيها - مزيج من الخيال والموهبة، مشيرة إلى أن الكتاب الشباب أحرص على اكتساب خبرة حياتية ومعايشة قصص الناس العاديين والاختلاط بكل الفئات والاستماع الجيد لهم وملاحظة التفاصيل. واتفق مع غادة الروائي الشاب حسين البدري، صاحب "رهانات خاسرة" الذي أكد أن الأمر يعود إلى كيفية الترويج للمنتج الثقافي، وبراعة دور النشر في الوصول إلى أكبر كم من الجمهور عبر وسائل عديدة، معتمدة في ذلك على ميل معظم قراء الجيل الحالي إلى اللغة السهلة والأسلوب المبسط، لكنه أشار إلى أن هناك كتابا كبارا مازالوا يحتفظون بمكانة الأكثر انتشارا والأكثر مبيعا أيضا، على رأسهم بهاء طاهر ويوسف زيدان وصنع الله إبراهيم. تعبير عن الواقع مصطفى الفرماوي، مدير مكتبات دار الشروق للنشر والتوزيع، قال إن السبب وراء إقبال الجمهور على شراء الإنتاج الشبابي من روايات وقصص قصيرة ودواوين شعر راجع إلى استطاعة هؤلاء الشباب إقناع القراء بكتاباتهم من حيث التعبير عن الواقع الحقيقي للشباب والأزمات التي يمرون بها في حياتهم، مشيرا إلى تراجع الإقبال على الروايات والكتب الصادرة قديما من جانب نسبة كبيرة من العملاء. كما يتفق معه مصطفى الشيخ، مدير دار آفاق للنشر والتوزيع، في أن الإقبال الكبير من جانب الجمهور على اقتناء كتب الروائيين الشباب على حساب الكبار يعود إلى تغير الظروف السياسية والاجتماعية في مصر خلال العقد الأخير بشكل عام، لافتا إلى أن أحداث الثورة كان لها أثر كبير في تغير المزاج العام لدى القارئ المصري الذي وجد ضالته في الشباب باعتباره نموذجا للتجديد والتقدم والتغيير المنشود. وأوضح أن من دلائل تزايد الإقبال على روايات الشباب معرض القاهرة الدولي هذا العام الذي أكد أنه شهد إقبالا غير متوقع على كتب الشباب والكتب الخفيفة والروايات العربية والمترجمة إلى جانب كتب التصوف، لكن كتب الشباب كانت في المقدمة، على حد قوله. جنوح نحو الجديد وتقول الكاتبة فاطمة ناعوت إن من الطبيعي أن يجنح المجتمع خلال مراحل تطوره إلى الجديد دائما، وألا يظل مرتكنا إلى ما كتبه أناس لم يعيشوا ما نعيشه ولم يمروا بما نمر به اليوم، على الرغم من أن إنتاجهم يملأ أرفف المكتبات ويدرج بعضه كجزء من المناهج التعليمية، لكن إنتاج الكتاب الشباب استطاع القارئ التوحد معه، لأنه وجد فيه المشكلات التي تعترضه، وكيف تعامل معها بطل الرواية بحلول عملية تتماشى والعصر الذي نعيش فيه، في ظل الزخم المعرفي والتكنولوجي والإعلامي على حد سواء، إلى جانب تطور طرق التواصل الاجتماعي بين الشباب.