«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من يحمي الرواية السعودية من الانفلات الأخلاقي ؟
نشر في محيط يوم 14 - 06 - 2007

حملت الصحف والمجلات المحلية - السعودية - قبل أيام حديثا مطولا عن الإنتاج الأدبي الغزير الذي يصب في خانة الرواية السعودية، خلال العام المنصرم ليصل إجمالي الإنتاج الروائي المحلي قرابة الخمسين عملا روائيا.
وقد شهدت الساحة الأدبية تسللا لأدعياء كتاب الرواية الذين ظنوا ان كتابة الرواية هو أقرب الطرق نحو الشهرة فأخرجوا أعمالا ممسوخة لا تمت الى فن الرواية.
اتخذ كاتبو هذه الروايات "تجاوزا محور التمرد على القيم ومخاطبة الغرائز وانفلاتا في نقل مشاهد جنسية لم توظف توظيفا لائقا في المعمار الروائي، وساعد على تفشي هذه الظاهرة بعض دور النشر العربية التي تسوق لمثل هذه الأعمال الخديجة وتشجع على التردي.
ولو تأملنا بعض كتابها وكاتباتها لوجدناهم لم يكونوا شيئا مذكورا في دنيا الأدب ولم يعتمدوا على تراكم معرفي وتجارب فنية وقراءات في عيون الرواية العربية والعالمية.
كيف تنظرون الى هذه الهجمة على جماليات فن الرواية المحلي؟ ومن يحمي الرواية من هؤلاء؟
القاصة والكاتبة شريفة الشملان تحدثت بجرأة عن هذه الفوضى الروائية وقالت:
عندما نشر (محمد شكري) روايته (الخبز الحافي) تباينت الآراء حولها، ما بين مهلل لنوع جديد من الأدب المباشر، الأدب المعري لقاع المجتمع، بعض الناس أخذها اقرب الى تعرية القاع الذي لا يصله النور من المجتمع، واعتبرها كنوع من بوح أحد أفراد هذا القاع، بعض دارسي علم الاجتماع رحب بها على اعتبارها ضوءاً على بقعة داكنة، البعض الآخر اعتبرها بوحاً قذراً ينحدر بالذائقة الى درجات كبيرة من الاسفاف.. على كل كانت الرواية العارية والمعرية، أخذت صدى كبيرا من المجتمع الثقافي.. ما بين معارض ومؤيد.. ولكل منهما منحاه..
عنذما ظهرت روايته الثانية (الشطار)، لم يكن التلقي كما حدث مع (الخبز الحافي).. الأدب هو صورة للمجتمع، وهذه كلمة صادقة الى حد كبير.. وبالأخص الرواية التي تسجل الحركة البشرية ونمط الحياة وقد تكون سجلاً تاريخياً لفترة معينة بذاتها.
المجتمع كالجسد ومثل ما للجسد البشري اعضاء وأجزاء كذا للمجتمع، وهذا ما لا يمكننا باي حال من الأحوال نكرانه.. الأديب والروائي بالذات له الحق في تشريح هذا المجتمع واظهار علله واضحة، تماما كما يشرح الطبيب الجسد، ويفحص مريضه فحصا دقيقا ليظهر العلة.. ولكن العلة قد تكون بأي جهاز آخر، من أجهزة الجسم او المجتمع.. وليس بالضرورة ان تنحصر بجهاز بعينه..
عندنا في الأدب الكاتب ابن مجمعه، وهو يعرف خفايا هذا المجتمع كما يعرف المعلن منه، وكل أجزاء المجتمع متساوية ولها من الأهمية المقدار نفسه، نعم لا نشك ان هناك جهات غامضة، ومحظورة، ولكنها جزء من كل، فكما يوجد شواذ ويوجد أفاقون وفاسدون ومفسدون، يوجد ايضا أناس طيبون وكما توجد قمامة توجد حدائق وبساتين، وتوجد نواح جميلة ومبدعة ممكن للكاتب أن يستغل هذا الموجود ويكتب عنه كتابية ممتعة وبهية ويعرج ايضا على تلك الأجزاء المظلمة يضع عليها الضوء وربما يكبرها، لا للتعري ودغدغة حواس صغار القراء، ولكن كما يعري الطبيب مريضه ويضعه تحت أنواع الأشعة المقطعية والسينية، ليكشف العلة..
وتواصل الشملان حديثها: اجتاحت العالم العربي موجة كبيرة من الروايات الفاضحة ولكنها تتراوح بين روايات تفضح المجتمع ككل، فسادا وادارة وحكومات، وكما يضع الطبيب اليد على العلة يضع الكاتب نقاط تواجد العلة في المجتمع، تركي الحمد تجاوز كل المحظورات في ثلاثيته، لكن كان هناك فكرة وأحداث ورصد لفترة معينة، عمارة يعقوبيان مثلا في مصر لعلاء الاسواني، (الميراث) الرواية السياسية والوطنية، في فلسطين لسحر خليفة، وكثير مثلهما تجلب لنا مع ذاك التعري للمجتمع وللسياسات القذرة الأسئلة والتفكير مع شيء من الامتاع ولغة، أبية.. أميمة الخميس في البحريات قدمت لنا نوعا جميلا من الرواية كما قدمت لغة متولدة وجزلة، واوصلت لنا امتاعا.. ولم تغفل الجنس لكنه لم يكن كل المحور، رغم أن أغلب احداث (البحريات) ليست غائبة عن جيلنا.. محمد علوان طغى الجنس طغيانا كبيرا على روايته (سقف الكفاية) والحدث كاد يكون واحدا ومتكررا، رغم ذاك غفرنا كمتلقين له ذلك بسبب تلك اللغة الشاعرية التي منحنا اياها.. بمعنى آخر وجدنا في الرواية شيئا من ترقب وامتاع..
في السعودية بالذات نحن امام كم كبير من هذه الروايات السخيفة التي باتت روايات عبير وأمثالها روايات بها شيء من الحشمة وامامها ولعلي ارد سبب ذلك الى كوننا كما مجتمعا شبه مغلق، نرى دائما ان خصوصيتنا من دون البشر، هذه الخصوصية التي ادت بالكثيرين للرغبة في اقتحامها، وكسر الحواجز عنها، لذا بدأت جحافل الصغار والباحثين عن شهرة مستعجلة التنقيب في قمامة المجتمع، ووضعوا اضواء باهرة على أجزاء مظلمة، وراحوا ينبشون بها تحت تلك الأضواء..
لسنا ضد وفرة الروايات، ولا ضد تبوأ الشباب مرتبة عالية في الحس الروائي وفي التدفق اللغوي، لكنا بكل تأكيد ضد استعجال النشر لمجرد النشر، وضد الاسفاف، وضد انحدار الذائقة الأدبية لأسفل مراتبها، وكأن الروايات صارت فيديو كليب في محطة فضائية مبتذلة، نحن مع الأدب بكل تأكيد، مع اللغة والحدث والحبكة والوصول بالملتقي لعدة امور يأتي حصول الامتاع في قمتها، لعلي هنا اضع روايات الرائعة ل (ايزبيلا اللندي) كمثال راق وجميل للكاتبة الروائية التي تحقق كل متطلبات الرواية، وعلى ذكر المتطلبات، فإن لكاتب الرواية متطلبات خاصة ومهمة منها التدفق المعلوماتي، معرفة التواريخ والأحداث، سعة الأفق والاطلاع، اللغة وقواعدها، ورشاقة القلم لعلها المطلب الأساسي، الذي يحقق الفائدة والمتعة في آن واحد..
أما الروائي حسن الشيخ فيرى أن المشهد الروائي السعودي الحالي تتجاذبه عدة تيارات متنوعة، اسلوبيا، وفكريا، ونقديا بل وتاريخيا ايضا فهناك طرح روائي يصل الى حدد التناقض، الا انه طرح مفهوم في ظل التحولات الاجتماعية والفكرية التي يعيشها المجتمع السعودي خاصة، والمجتمعات العربية والانسانية عامة.
ففي ظل المشهد الروائي المعاصر، هناك سجال حاد بين تيار الحداثة والتيار التقليدي في التناول السردي، وهناك العديد من التيارات الفكرية التي تعج بها الساحة الفكرية المحلية، والعديد من التوجهات النقدية ايضا، بالاضافة الى الأجيال التاريخية الروائية الثلاثة المتعاقبة على ساحتنا المحلية والتي ما زالت قادرة على العطاء.
ولذلك فليس من المستغرب ان تتكاثر الأعمال الروائية المحلية، نظرا لتعدد الاتجاهات الفكرية والنقدية والتاريخية، بل ولا خوف على الرواية السعودية من هذا التكاثر الطبيعي.
إلا أن للمشهد الروائي المحلي وجهاً آخر، او رؤية أخرى للتفسير فالبعض يرى أن هذا الزخم الروائي لم يأت الا عقب حرب الخليج الثانية، وعقب احداث الحادي عشر من سبتمبر، وفورة المعلومات عبر الفضائيات والانترنت، بالاضافة الى الرغبة في الشهرة السريعة، وجشع دور النشر في الربح السريع.
لا أشعر شخصيا ان هناك خطراً على الساحة الثقافية من تلك الأعمال الروائية المتكاثرة، صحيح أن بعض هذه الأعمال الروائية قد استغلت التابو الثلاثي (الجنس والسياسة والدين) استغلالا بشعا، املا في الشهرة السريعة او الربح الكبير، الا ان هذه الأعمال تبقى محدودة، مثل (الآخرون) لصبا الحرز، (القران المقدس) لطيف الخلاج، والبعض الآخر يصنف (بنات الرياض) و(حب في السعودية) ضمن تلك القائمة، الا انها تبقى أعمالا قليلة كما اشرنا.
وبالتأكيد أن هرولة تلك القلة من الكتاب لكتابة الرواية متكئين على توظيف الدين أو السياسة او توظيف الجنس خصوصا دون ادراك لدور السرد الروائي في التنوير الفكري، ودون ادراك لهندسة الرواية وآلياتها، كان هرولة تجاه الشهرة او الكسب المادي السريع، وهم جاءوا من خارج الوسط السردي فلم يكتبوا القصة القصيرة يوما، ولم يعرفوا في الوسط الأدبي بالكتابة الأدبية، بل قفزوا على مقعد الرواية فجأة.
ويتساءل الشيخ قائلا:
من يحمي الرواية السعودية من هؤلاء؟ سؤال جدلي حقا، لأنهم سيسألون ومن وضعكم حماة على الأدب؟ ومن أعطاكم حق الوصاية علينا؟
الا ان الروائي الناجح عندما ينتج عملا متميزا سيثبت امام النقد العلمي، الأدب المتميز سيبقى في أذهان القراء تتلقفه الأجيال، اما الزبد فسيذهب جفاء كما ان الصحافة الأدبية تتحمل مسئولية بث الوعي الادبي، وتسليط الأضواء على الأعمال السردية المتميزة، وعدم تناول الأعمال الهابطة والترويج لها.
ولا يجب أن ننسى الأمانة النقدية تقتضي فرز الأعمال السردية المتميزة من الأعمال الرديئة، وسواء جاء هؤلاء الكتاب الروائيين من خارج الوسط الروائي أم من داخل هذا الوسط، فقد جاء غازي القصيبي وعلي الدميني من عالم الشعر، وجاء تركي الحمد من الوسط الأكاديمي واشتغل هؤلاء بالعمل الروائي، رغم أنهم من خارج هذا الوسط من الناحية الفنية الا انهم استغلوا العمل الابداعي استغلالا تنويريا، واشتغلوا بالسرد لارسال رسائل فكرية ربما عجزت أدواتهم الشعرية والاكاديمية عن بثها، وحققوا نجاحات متفاوتة.
في حين ترى الكاتبة والروائية أميمة الخميس ان "بنات الرياض" هي من أشرعت الباب للمغامرين للتعبير عن أنفسهم وقالت ظهر في العام 2006م طوفان روائي محلي، اقتربت أرقامه من (40) رواية سعودية صدرت في هذا العام فقط، وتطوق علامات التعجب هذا الرقم عند مقارنته بما مضى من الإنتاج الأدبي المحلي لنجده يحمل في طياته الكثير من الدلالات قد يكون من أبرزها:
- إن الفنون والآداب هي اللغة الأولى والواجهة الأهم والحاجة الملحة لدى الشعوب وهي إحدى ملامح جماعة ما وأفكارها وثقافتها وتراثها التي تختزل وروحها النابضة الخفية.
- هناك مناخ محلي ثقافي فاعل ومتحرك وقادر على ان ينتج ويستقبل الفعل الثقافي وأنا هنا لا أتكلم عن الكيف ولكن الكم بحد ذاته هو مؤشر ايجابي على النبض والحيوية والتفاعل على حين كنا نظنها في أوقات كثيرة بأنها شبه غائبة بل وميتة محلياً.
- في ظل انحسار الدراسات الاجتماعية والانثبرلوجية (الجادة) التي تعبر عن الحراك الاجتماعي لمجتمعنا لاسيما مع تعرضه للكثير من التغيرات على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فكأن هذه الروايات جاءت لترفو هذه الفراغات والثقوب وترممها من خلال السرد الذي يتراوح بين أحلام اليقظة والسيرة الذاتية وصولاً إلى الرواية الناضجة فنياً وأدبياً.
- أيضاً طوفان الرواية يرسخ ملامح زمن الرواية وانحسار وتقلص زمن الشعر فديوان العرب (الشعر) الذي كان يحوي لغتهم وهويتهم ونبضهم وتاريخهم) أخذ في الضمور كأداة فنية للتعبير وحلت بدلاً منه الرواية التي هي ابنة المدينة، إذا من هنا هل نستطيع ان نقول بأننا خلفنا الصحراء وراء ظهورنا ودخلنا المدينة الحديثة على صهوة الرواية.
- كان للضجة الكبيرة التي أحدثتها رواية (بنات الرياض) لرجاء الصانع، وانعكاساتها وانتشارها وتداولها في أوساط الشباب التي جعلتها تبلغ (طبعتها الخامسة) في ما يقارب العام والنصف من تاريخ النشر وأثر هذا جميعه على المجتمع إلى الدرجة التي خلط بها السياسي مع الديني مع الفني كلهم في بوتقة واحدة جعل لهذه الرواية وهجاً وجاذبية شديدة لخوض أرض الرواية من قبل المغامرين والطموحين (والراغبين في التعبير عن أنفسهم وإسماع أصواتهم لمجتمع لم يفسح لهم مجالاً للركض أو الصهيل) للدخول في هذه المغامرة المحرقة والجذابة في الوقت نفسه، لاسيما وان كاتبة بنات الرياض فتاة شابة في مطلع العشرينات.
جميع النقاط السابقة قد تكون هي الغيوم التي استمطرت هذا السيل الروائي المحلي لعام 2006م لكن في النهاية لا نملك إلاّ ان نحتفي بهذا الزخم الروائي ونشرع له النوافذ والأبواب لأنه كما أسلفت مؤشر على النشاط والحيوية الثقافية بالتأكيد وإما ما يتعلق في الجودة الفنية وشروط الزاوية أعتقد ان الزمن دوماً كفيل بالغربلة والاصطفاء والارتقاء وفق قانون دقيق المقاييس والدرجات فما ينفع الناس سيبقى في الارض ويتبدد الزبد .
ويكشف الروائي يوسف المحيميد لعبة أعلى الكتب مبيعاً قائلاً: ربما لفت انتباه القراء والمتابعين صدور أكثر من أربعين رواية سعودية خلال عام 2006م ولديّ شعور ان هذا الرقم سيكون متواضعاً في أعوام تالية ما لم يشتغل نقاد جدد نقاد تفرزهم هذه الظاهرة نقاد يمتلكون أدواتهم فضلاً عن ذوائقهم المسألة ببساطة شديدة ان أكثر من نصف هؤلاء الروائيين لا يفهمون ماهية الرواية والبقية في معظمهم لا يدركون ان الرواية تتطلب البحث والتقصي والدراسة شأنها في ذلك شأن البحث السوسيولوجي مثلاً أو السيكولوجي أو الانثرويولوجي، لم يزل البعض يجلس ببساطة إلى المكتب ويفرغ عواطفه الجياشة تجاه امرأة أو مجموعة نساء أو تجاه مكان أو حي قديم أو ما شابه.
هذه الفوضى كما أظن ساهم فيها بعض النقاد من جهة وصفحات الثقافة المحلية من جهة أخرى وقبل كل ذلك دور النشر العربية التي عرفت الخلطة المثيرة للقارئ السعودي بدءاً من العنوان السعودي إلى المثيرات الحسية بطريقة سطحية هشة ساهم فيها غلبة حس (النت) على كتابة معظم هؤلاء فانتقلت تلقائية وأخطاء وسذاجة وفوضى النت إلى الورق، رغم رهبة الطباعة على الورق وإصدار كتاب يتداوله الناس ويحفظه التاريخ.
اللافت للأمر أنه ليس دور النشر فحسب التي انتبهت مؤخراً إلى أهمية السوق السعودي بل سبقتها إلى ذلك القنوات الفضائية التي تجعل توقيتها بين جرينتش وبين توقيت الرياض أو مكة وعينها مفتوحة على المشاهد السعودي والغلة المحتملة من سوق الإعلان في السعودية.
لست متشائماً كثيراً ولست قلقاً مما يحدث فهي مرحلة طبيعية جداً لكن الوقت كفيل بفرز هذه الأصوات ستختفي النصوص التي صدرت لأجل الرد على رواية ما، كما هو شعر (الرد) الشعبي وستختفي الروايات التي جاء كتابها من مواقع النت وغرف الدردشة وقد يستمر بعضها ولا ضير في ذلك، لأن السوق واسع ويحتمل الكثير وقد تحظى مثل هذه النصوص مؤقتاً بأعلى الكتب مبيعاً خصوصاً نقاط البيع الالكتروني رغم ما يحيط بهذه اللعبة من شروط وأساليب مقابل اهمال نصوص أخرى وتجاهلها لكن النص الروائي العميق يبقى طويلاً كلما خبت جذوته ولمعانه جاء من ينفض الرماد الذي يغمره.
أعتقد أننا أمام مرحلة جديدة بحضور عدد من الأصوات النقدية التي تجادل النص بعيداً عن أي مآرب أو نوايا مسبقة تجادل بوعي يضيف إلى الكاتب والروائي تمنحه الفرصة لإعادة قراءة نفسه ومراجعة ما كتب هذه الأصوات النقدية ستتزايد مع الوقت وستصبح بأكثر فاعلية وتأثيراً من بينها محمد العباس وفيصل الجهني ومحمد الحرز ومليحة الشهاب، وآخرون لا تحضرني أسماؤهم لكنهم هم أبناء التجربة وهم الأكثر وعياً والتصاقاً بها.
وبمرارة وسخرية تحدثت الروائية قماشة العليان عن هذا الاسفاف فقالت: "وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" تقدمت لي قبل أسابيع المستخدمة لدي "أم إبراهيم" وفي يدها مجموعة أوراق حسبتها سقطت مني سهواً والمرأة ستعيدها لي لكنني فوجئت بقولها أنها تكتب رواية وتريد مني ابداء رأي فيها ومن شدة ذهولي سألتها وشريط سريع يمر أمام ناظري بأسماء الروايات التي أمطرتنا في الفترة الأخيرة حتى نكاد نفتح صنبور الماء فتنزل رواية والعناوين التي تدور معظمها حول (البنات والسعودية) لتجد لها رواجاً أكثر.
سألتها عن عنوان روايتها وأنا أكاد أبكي.. لم تخيب ظني وقالت بأن العنوان "سعودية في شارع التحلية؟؟" لذلك فهذا الانهمار الروائي والنجاح السريع الذي تحققه ثم الهبوط السريع ثم الأفول والموت ليس مستهجناً في رأي ولا مستغرباً فكل من يملك قلماً سوف يكتب سواء كتب فناً روائياً.. أما غثاء أحوى يتقيئونه بين غلافين!! فهو في النهاية سوف يحمل كتاباً مطبوع عليه كلمات تفيد بأنه رواية.. وهل هو رواية فعلاً أم لا؟ هذا لا يهم.. والحكم في النهاية للملتقي.
فهو إما يقرأ هذا الكتاب فيشعر بالمتعة والفائدة وبأنه ارتقى في ملحمة إنسانية خلاقة تنمي ملكاته الفكرية والثقافة والإنسانية وإما ان يشعر بأنه يهبط في بئر لا قاع له.. وأشبهه مع الفارق كمن قضى الليل مع مومس فخرج يشعر بالذنب والقرف والاشمئزاز والعزم على عدم تكرار الفعلة مرة أخرى. وهي عموماً فقاعة حتماً ستنتهي.
من جهته، يرى الروائي إبراهيم شحبي أنها بداية مرحلة تنفيس وذكر أيضاً: الكتابة الروائية أو أي كتابة حق مشروع لكل أحد.. ليس هناك ما يخولنا كمجتمع ان نحظر على أحد مهما خالفنا في طريقة الطرح ومضامينه، وما حدث من نشر العديد من الأسماء لروايات جديدة يقدرها الراصدون بستة وأربعين عملاً معظمها طبع في الخارج يعد أمراً جميلاً ومفرحاً مهما تباينت هذه الأعمال في فنيتها أو معالجاتها لأننا منذ زمن لم نتمكن من التعبير إلاّ ضمن أفق محدود، ورقابة صارمة لم تسمح بالتعبير الحر وما زالت هذه الرقابة المحلية تمارس دورها في الوصاية على ما يكتب ولا أظنها ستتغير في المنظور القريب بسبب عقد مزمنة.
ولأنني لم اقرأ كل ما نشر فليس من المقبول إصدار حكم عام لكن بصفتي قد فشلت في كتابة الرواية فإنني أرى ان من حق الجميع التجريب ما دام بالامكان النشر خارجياً، ومن حق الكاتب ان يعبر عن معاناته وليس ذنبه أنها تقرأ عربياً ما دام الداخل لا يريد ان يفسح المجال لأن تكون مثل هذه الأعمال صادرة في بلدنا. أما رأي الآخر العربي الذي يزعم أنه ينشر لنا طمعاً في المال وليس لأننا نكتب ما يستحق على مستوى القضية والفنية فليس رأيه مهماً لسبب جوهري يتمحور في كون العربي لا يقبل ان يعترف بقدراتنا حتى لو كانت مشرقة كالشمس.. فكيف والغالبية تكتب بدايات وتنشرها من خلاله إنه لمن المخزي ان نستقبل مشاعرنا من الخارج، ثم نلوم من عبروا عنها بأي أسلوب، ولا نقبل ان تخرج بيننا لنتعامل معها بما نراه حقاً من توجيه أو نقد أو اعتراض.
أما الهجوم على النشر (كماً) مهما كان ضعيفاً فلست معه لأننا في بداية مرحلة التنفيس ولأن لدينا من مشاهير الكتاب من ألف ما يقرب من سبعين كتاباً ولم يسجل حضوره إلاّ بكتاب واحد وبعضهم ما زال ينشر روائياً من عدة عقود ولم يحقق الحضور المأمول بسبب ما نعيبه على الجيل من ضعف الفنية.
ونختتم هذه الآراء بما يراه الناقد الدكتور حسن النعمي عضو نادي جدة الأدبي فيذكر ان الرواية أحد أهم الفنون التعبيرية استيعاباً للمتغيرات المختلفة في مسيرة المجتمعات والرواية في السعودية ليست بدعاً بين تجارب المجتمعات الأخرى ما نشهده اليوم من تدفق روائي هو تفسير منطقي للتحولات التي أصابت المجتمع في صميم تكويناته وأبنيته الثقافية والاجتماعية فلسنا أمام ظاهرة فنية لها أصولها وتنظيراتها النقدية فمعظم الكتابات الروائية الحالية تمثل التجارب الأولى لكتابها بكل ما فيه من فجاجة وركاكة فنية إننا أمام ظاهرة ثقافية اجتماعية تستفيد من زخم تحولات الانفتاح النسبي الذي يرافق نمو المجتمع وتغيره.
ويمضي الناقد النعمي قائلاً: ان متوسط أعمار معظم الذين يكتبون الرواية الآن هو ( 25عاماً) وهو الجيل الذي ولد في أوائل الثمانينات وتفتحت أعينهم على حرب الخليج الثانية وانفتاح الفضاء تلفزيونياً وظهور ثورة الاتصالات مثل الإنترنت والجوال في ظل هذه المتغيرات الحاسمة تأثر التكوين البنيوي للمجتمع ولم تعد مقاييس الحكم التقليدية كافة لتفسير ظاهرة هذه الرواية وما يقدم في الرواية الآن من موضوعات جريئة أو غير معتادة متمردة أو كاشفة للمستور ليس إلاّ أحد نواتج التغيرات التي أصابت المجتمع فالإنتاج الروائي الغزير ظاهرة كما قلت ثقافية اجتماعية اتخذت من الرواية نافذة للتعبير باعتبارها الأقدر على إنتاج التمثيلات الاجتماعية.
غير ان هناك أوجهاً لا يمكن اغفالها ساعدت الرواية على الحضور المتزايد لعل من أهمها جاذبية الربحية التي اقتنصتها دور النشر العربية دون تدقيق في القيمة الفنية حيث ساهمت في جذب القراء بوسائل الإشارة وخاصة في عناوين دالة مثل (بنات الرياض) و(حب في السعودية) و(سعوديات) وغيرها من وسائل الإثارة ذات المغزى الربحي. ويحدد النعمي موقع الرواية الآن فيؤكد أما من حيث موقع الرواية الراهن بالنسبة لمسيرة الرواية السعودية فإنها تأتي في سياق تصاعد وثيرة التراكم الذي ظل لحقبة طويلة في حالة تباطؤ في النمو واحجام عن الخوض في موضوعات عرفت تقليدياً بحساسيتها الاجتماعية وها هي الرواية تسكر حواجز الصمت وتسجل حضوراً لافتاً من ناحية قدرتها على الاختراق وتحريك الساكن والاستفادة من هامش التعبير المتاح، بل والتأسيس لذائقة جديدة ليس بالضرورة التسرع في الحكم عليها.
** منشور بجريدة "الرياض" 14-6-2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.