لست مع الرأي الرافض لإصدار المجلس الأعلي للقوات المسلحة -بصفته السياسية- إعلانا دستوريا مكملا يتضمن صلاحيات رئيس الجمهورية الجديد, والمواد المنظمة للسلطات الثلاث بالدولة والفصل بينها,يري الرافضون أن صدور مثل هذا الإعلان سيصادر عمل اللجنة التأسيسية لإعداد الدستور الجديد,كما أنه لايحق للمجلس الأعلي اصدار اعلان دستوري جديد,وأنه مطالب فقط في تلك المرحلة بتسليم السلطة الي الرئيس المنتخب ثم مغادرة السلطة مثلما تعهد في الموعد المحدد. ورغم بداهة الأسباب السابقة عند الاستماع اليها,لكن لايمكن التعامل معها دون أن نضعها في سياق الحالة السياسية المصرية الآن,والتي تشهد حالة انقسام (مزري) وغير مسبوق بين كافة القوي السياسية بلا استثناء وسيادة مبدأ المصلحة الحزبية الضيقة علي المصالح العليا للبلاد,كما أن النخبة التي كان منوطا بها المساهمة الفعالة في إدارة تلك المرحلة الإنتقالية قد انشغلت بالبحث عن مكاسبها السياسية والمادية والإعلامية,ومن ثم لايمكن أن نثق في أن تلك النخبة ومعها القوي السياسية الحالية ستنجح في إدارة مرحلة اعداد الدستور وصياغته ثم تبحث عن المواد المتعلقة برئيس الجمهورية الجديد,حيث سيسعي كل فصيل سياسي الي اضافة المواد التي تحافظ علي مكاسبه وتعظيمها. تقديري أن إصدار المجلس العسكري لاعلان دستوري مكمل يحدد فيه صلاحيات الرئيس بات أمرا ملحا وضورويا ويجب اصداره خلال ساعات بل وقبيل بدء ماراثون الانتخابات الرئاسية غدا,وقد جربنا بأنفسنا عناء أن يكون عندنا برلمان منتخب دون دستور,وكيف عاني النواب من تلك الكارثة فلم يستطيعوا مثلا محاسبة الحكومة أو سحب الثقة منها أو من أحد وزرائها,فهل يمكن أن نتحمل وجود رئيس جمهورية منتخب بدون دستور توضح صلاحياته. نحن لانعرف:هل يحق للرئيس الجديد حل البرلمان مثلا أم لا,وماعلاقته بالحكومة,فهل الرئيس هو الذي سيشكلها أم حزب الأغلبية بالبرلمان,وماهي علاقة البرلمان بالرئيس الجديد,والصلاحيات بينهما,فهل سيتم ترك قضية صلاحيات السلطات معلقة الي حين انتخاب الرئيس,هنا سنصل الي كارثة الصدام بين السلطات ثم الاحتكام الي المحكمة الدستورية والتي لايوجد بين يديها سوي مواد الاعلان الدستوري الذي أصدره المجلس العسكري العام الماضي. لقد عانينا خلال الأسابيع القليلة الماضية من تداخل الاختصاصات والصلاحيات بين السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) عندما حاول البرلمان سحب الثقة من الحكومة لكنه اصطدم بعدم وجود صلاحية للبرلمان المنتخب تتيح له اقالة الحكومة,وقد أدي هذا الي ارتباك وسوء أداء من السلطتين التشريعية والتنفيذية,كما وجدنا تدخلا من البرلمان في أعمال السلطة القضائية من دعوة بعض النواب الي اقالة النائب العام ثم دعوة البرلمان الي تعديل في طريقة عمل المحكمة الدستورية العليا واختيار أعضاءها,ورأينا كيف غضب القضاة من هذا التدخل,فسحب البرلمان مقترحه. ترك مسألة الصلاحيات والاختصاصات بين كافة السلطات بالدولة سيؤدي بنا الي كارثة,نحن في حاجة الي اعلان دستوري جديد بشرط أن تعلم القوي السياسية ببنوده قبل إعلانه.