جدل ولغط وتساؤلات لا زالت هي المتصدرة للمشهد السياسي في مصر, بعد الاستفتاء علي التعديلات الدستورية والتي جاءت نتيجتها ب نعم.. فالتركيز الآن يصب علي المرحلة المقبلة. وما تحمله من مفاجآت وغموض خاصة بعد إعلان المجلس الأعلي للقوات المسلحة عن إصدار إعلان دستوري مؤقت يحكم البلاد في المرحلة الانتقالية. القاضية تهاني الجبالي.. نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا, كان لها موقف حاسم من هذه التعديلات وما ترتب عليها من غموض يكتنف المرحلة السياسية القادمة في إدارة البلاد, والتي تؤكد أن الغموض في المرحلة المقبلة أصبح علي أشده, وأن الوطن مقبل علي كارثة إن لم يحدث توازن في القوي والإرادات الموثرة علي أرض الواقع, وأن الرهان يظل علي يقظة الحركة الوطنية المصرية وبوصلة التوجه نحو مجتمع أكثر ليبرالية في التعامل مع كل القوي. والأهم أننا لا زلنا في انتظار المجهول. حول هذا الموضوع وقضايا أخري متعلقة كان ل شباب التحرير.. هذا الحوار مع القاضية تهاني الجبالي: كان لديك خشية من أن يعود دستور عام 1971 مجددا في حالة التصويت ب نعم.. وجاءت نتيجة الاستفتاء بنعم هل لا زلت علي نفس الموقف.. ولماذا؟ { بالتأكيد.. أنا لا زلت علي نفس الموقف علي مستوي سلامة الموقف الدستوري, لدينا التباس خطير للغاية في الوضع الدستوري, لأنه بكل المقاييس استفتاء علي مواد من دستور معطل, وتم من خلال سلطة استثنائية هي الجيش وهو ليس السلطة المنصوص عليها في الدستور, ومعني ذلك أن هناك موقفا دستوريا غير دقيق مرتبط بالتعديلات والاستفتاء عليها, بالإضافة إلي أن قرار تعطيل الدستور هو الذي يمنح القوات المسلحة الحق في إدارة شئون البلاد استنادا إلي الشرعية الثورية, وإذا اعتبرنا الاستفتاء هو إعادة حياة لدستور سقط بثورة.. فمقتضي هذا أن إرادة الشعب المصري أحيت دستور71 مرة أخري, وعلينا تطبيق بنوده, وهذا يعني تسليم السلطة لرئيس المحكمة الدستورية العليا وإجراء انتخابات رئاسية بعد شهرين, ولكن كما هو معلن, لن يتم استدعاء الدستور, وسيتم فقط إعمال المواد التي تم الاستفتاء عليها مع مواد أخري في إعلان دستوري مؤقت. وهذا معناه أن هناك مواد ستصبح مستفتي عليها أو أخري غير مستفتي عليها, فإذا كانت الانتخابات التشريعية ستجري ثم انتخابات رئاسية بعدها, فلابد من استدعاء الاطار الدستوري الذي يحكم عمل مجلسي الشعب والشوري, ثم صلاحيات واختصاصات رئيس الجمهورية فور انتخابهم, وهذا ما يمكن أن يتجاوز الإعلان الدستوري, والخطأ البين في هذا كله أن الرئيس المنتخب سيأتي بنفس الصلاحيات التي لم يحدث عليها أي تعديل, لذلك كنت أعتبر أن التصويت ب لا.. هو الأسلم لأنه كان سينهي شرعية دستور 1971 وسيكون وضع الدستور الجديد أولا, ومن ثم بناء المؤسسات علي ضوئه. ذكرت أن المادة 189 مكرر.. من أخطر المواد, لأنها غير ملزمة لرئيس الجمهورية بصياغة دستور جديد, وتحمل شكل الالتفاف علي مطالب الشعب.. كيف؟ { كان اعتراضي علي أن ينتزع حق الشعب المصري في أن يصدر أي دستور جديد مباشرة, وأن يصبح هذا الحق بالإنابة في يد رئيس الجمهورية بعد موافقة مجلس الوزراء ونصف مجلسي الشعب والشوري, ثم كان اعتراضي الثاني حول انتزاع حق الشعب المصري في انتخاب الهيئة التأسيسية التي تضع الدستور التي أصبحت الآن في قبضة المجهول, بعد منح مجلسي الشعب والشوري حق انتخاب هذه الهيئة, لأننا لا نعرف ما إذا كان المجلسان سيعكسان كل أطياف المجتمع المصري السياسية والاجتماعية من عدمه. تصريحات المجلس الأعلي للقوات المسلحة أنه بصدد إصدار إعلان دستوري مؤقت.. تعكس حالة من الغموض. ويقول الخبراء: أن هذا الإعلان يلغي عمليا العمل بالدستور القديم, نريد الوقوف علي المزيد من الإيضاح ومدي صحة ذلك؟ { ببساطة.. أنا أري في إصدار الإعلان الدستوري, شيئامن عدم الجدوي, وكان يمكن أن يصدرالإعلان الدستوري متضمنا شروط ترشيح رئيس الجمهورية, والانتخابات وترتيبات المهام للمرحلة الانتقالية ومن أن يكون المجلس الأعلي للقوات المسلحةملزما بعرضها للاستفتاء. إذا كان ذلك صحيحا.. فلماذا تم تعديل مواد بعينها طالما أن الإعلان الدستوري يلغي الدستور.. وما هو دور الإعلان الدستوري في المرحلة المقبلة؟ { هذه المواد نحن استفتينا عليها, ومنسوبة لدستور71 لم تكن منقطعة الصلة به, ولو كانت أرقامها مثلا 4.3.2.1 لكانت بمثابة استفتاء منفصل عن الدستور, وهذا يضعنا في الالتباس الذي تحدثت عنه إرادة الشعب إذا كانت في الاستفتاء, قد أحيت الدستور من مماته, فنحن إذن فعلنا كافة مواد الدستور بالكامل, وهو ما يضعنا نحن والسلطة الفعلية في مأزق. صرح المستشار طارق البشري بأن الخريطة التي تقترحها التعديلات بفترة انتقالية, وإجراء انتخابات برلمانية أولا في غضون ثلاثة أشهر, واختيار جمعية دستورية من قبل أعضاء البرلمان المنتخبين(100 عضو).. لوضع دستور جديد. ثم إجراء انتخابات رئاسية يلتزم بعدها الرئيس المنتخب بطرح مشروع الدستور لاستفتاء شعبي آخر العام. ما مدي تحقق هذا السيناريو علي أرض الواقع؟ { هل المستشار طارق البشري مكلف بوضع خريطة طريق للمرحلة والمهام الانتقالية, أنا أفهم أن تكون هذه مسئولية المجلس الأعلي للقوات المسلحة بالحوار والتشاور مع كافة القوي السياسية في مصر, والممثلة لإرادة الثورة والشباب, وبالتالي نحن لا زلنا حتي الآن في انتظار المجهول. لديك موقف حاسم يؤكد ضرورة أن يكون الرئيس القادم محاطا بضمانة دستورية, واطاريحدد اختصاصاته وصلاحياته ألايحقق الإعلان الدستوري ذلك؟ { الله أعلم.. حتي يصدر الإعلان الدستوري ويتضح كيف ستكون اختصاصات الرئيس في المرحلة الانتقالية لحين وضع الدستور الجديد, إلا لو استدعوا صلاحياته من الدستور القديم. في تقديرك.. لماذا لم يستجب المجلس الأعلي للقوات المسلحة للمطالبات العديدة من القوي والأحزاب السياسية, بالإصلاح الدستوري.. أولا لمواجهة آليات الاستبداد قبل الدخول في مرحلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية.. هل وضحت الأسباب الآن.. وما هي؟ { الحقيقة أن الغموض يكتنف موقف القوات المسلحة بشكل كبير, ويبدو علي أشده بالنسبة لي, خاصة وأن الهدف النبيل لتسليم السلطة.. لسلطة مدنية وشرعية يرتضيها الشعب لايبدو أن عليها وفاق وطني في كيفية الوصول إليها بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء, فكل القوي السياسية في جانب ومعهم شباب الثورة, وفي الجانب الاخر جزء من شباب الثورة وجماعة الإخوان المسلمين. للأسف أفرزت وسائل الحث علي الاستفتاء وبالتحديد نعم.. حقيقة مؤلمة تؤكدأن مناخ الديقمراطية لازال غير ناضج ويولد التطرف.. ما هو السبيل برأيك لإيجاد مناخ ديمقراطي حقيقي في المجتمع المصري؟ { ببساطة.. كنا نأمل أن تكون هناك فرصة متاحةلبناء هذا المجتمع الديمقراطي, ولا تعكس بأي حال من الأحوال الشحن الطائفي في المقام الأول, لكن قصر المدد المطروحة ستكون تحديا خطيرا لمجمل القوي الوطنية الديمقراطية للاحتشاد المنظم من أجل انقاذ ما يمكن انقاذه,. فالسيناريو المطروح للمرحلة الانتقالية القادمة يؤكد أن الانتخابات التشريعية ستكون مؤثرة للغاية علي مستقبل البلاد من خلال وضع الدستور القادم, وقد يبدو الأمر أكثر يسرا في انتخابات الرئاسة حتي إشعار آخر. لذلك أنا أقول أن الوطن مقبل علي كارثة إن لم يحدث توازن في القوي والإرادات المؤثرة علي أرض الواقع, لأن الشعوب تحيا بتوازن القوي والضمانات, وليس بالوعود التي يقطعها أيا ما كان علي نفسه, وإلا فنحن في مواجهةصراع طويل سيفرض علينا. ما هو موقفك من المادة الثانية في الدستور.. وهل يمكن محاكاة النموذج التركي في الحكم في مصر؟ { مشكلة المادة الثانية في مصر أنها لم تحط بالضمانات الدستورية لعدم إساءة الاستخدام من التيارات ذات المرجعية الدينية, ولهذا السبب علينا أن نستدعي الضمانات الدستورية المتعلقة بدور الجيش في مواجهة.. أي نحدد للدولة المدنية أو الوحدة الوطنية وهو ما تكرر في نماذج أخري مثل المانيا وجنوب أفريقيا بعد الأنظمة العنصرية التي قررت اختصاص أصيل للمحاكم الدستورية في امكانية الطعن أمامها علي برامج الأحزاب وحركة القوي التي تحوز الأغلبية في البرلمان إذا ما تعرضت الوحدة الوطنية أو الدولة المدنية لأي تهديد. كما أن النموذج البرازيلي مثلا مثال للتنوع الإثني بضمانات في ذات نصوص الدستور بشكل تفصيلي تمنع تغلب أي عنصر علي الاخر, أو انتهاك حقوقه الدستورية وهو ما يجب أن يكون جزءا من الحوار الوطني في تحقيق التوافق حول نص المادة الثانية وانتزاع فتيل الفتنة المترتبة علي امكانية اساءة استخدامها, بإضافة الضمانات المكملة التي تشمل حق غير المسلمين بالخضوع لشرائعهم, وتأكيد أن مباديء الشريعة ليست الأحكام الفقهية التي لا يجوز أن تحاط بقداسة, وينبغي أن تحاط بحقوق في الاجتهاد خارج المدارس الفقهية لتحقيق المصلحة التي يتوخاها من التشريع. ما هو توقعكم لحجم النفوذ الديني ومشاركته في الحياة السياسية مستقبلا, خاصة وأن الإخوان أكدوا أكثر من مرة بأنهم حددوا نسبة مقاعدهم في البرلمان بما لا يزيد عن 35.. هل يمكن الرهان علي هذه المواقف؟ { لا يوجد وطن يرتهن بالنوايا.. الأوطان تدار بالضمانات الدستورية والقانونية والبيئة السياسية الحاضنة, وإدارة عملية سياسية تعكس إرادة شعبية غير معيبة علي مستوي الفساد الثقافي, وبالتالي أنا أتوقع مرحلة طويلة من التأثير بالخطاب الشعبوي الديني, علي حساب الوعي الثقافي السياسي البعد الديمقراطي, وقد يبدأ هذه المسافة بدءا بطرح البرامج المعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية, لأنها قد تسترد لدي الجماهير الوعي المتوازن المرتبط باكتشاف أن غطاء الخطاب الديني لم يعكس علي أرض الواقع.. أي تحقيق للمصالح الاجتماعية والاقتصادية. إلي أين تتجه البلاد في المرحلة القادمة.. وما هو دور السياسيين والمثقفين ليكونوا جزءا من النسيج الجديد الذي بدأت ملامحه الآن؟ { بلا شك.. أننا في مفترق طرق, وفي حالة سيولة كبيرة, لكن الرهان علي وجود جينات الحركة الوطنية المصرية التي تمثل بوصلة توجيه المجتمع ليكون أكثر ليبرالية في التعامل مع كل القوي بما يمكن ولو علي المدي الطويل قوي الديمقواطية والتعددية من تقوية صفوفها, ويأتي في القلب منها دور خطير للنخبة والمثقفين في وضوح الرؤية أولا, ووضع الزهداف الاستراتيجية والتحذير من التفريط فيها علي مستوي تكتيكي, بمعني استكمالا للعقل السياسي لهذه المرحلة الخطيرة. هل نحن مقبلون علي دولة مدنية أم دينية؟ { هناك مخاطرة كبيرة علي مكونات الدولة المدنية, لكن هناك أيضا تراث للدولة المدنية, وقوي تستشعر الخطر عليها يمكنها أن تكون عقبة في مواجهة هذا المشروع.