قال عضو مجلس النقابة العامة للأطباء الدكتور خالد سمير إن أسباب انهيار التعليم قبل الجامعي يرجع إلى طريقة التعليم التلقيني وطرق التقييم غير الموضوعية التي تقلل من قدرة الطلبة على التفكير، مضيفا أن التعليم أصبح يقضى على الأخلاق الأساسية والضرورية كالصدق والأمانة والعمل الجماعي وإعلاء قيمة الإنسان والانضباط وقيمة العمل ويستبدلها بالغش والكذب والفردية. وأوضح عضو النقابة في تصريح ل "صدى البلد"، أن عدم الانضباط يؤثر بالسلب على شخصية الطالب وأخلاقه، مشيرا إلى أن الثقافة الخاطئة تؤدى إلى الضغط على الطلاب للالتحاق بما يسمى كليات القمة ونظام القبول بالمجموع يؤدي إلى التحاق الكثير من الطلبة دون وجود رغبة حقيقية في دراسة الطب دون أن تتناسب مع الشخصية والاستعداد لهذه الدراسة الشاقة، والتي تتطلب صفات شخصية خاصة كالانضباط والصدق والأمانة وتحمل العمل الشاق والقدرة على التعامل مع مختلف أنواع البشر. وأشار إلى أن جمع كل أوائل الطلاب في كلية الطب يفرغ الكليات الأخرى من الكفاءات ويؤدي إلى انتشاء شعور كاذب بالأفضلية عليهم ويزيد من المعاناة النفسية لطلاب الطب عند مقارنة أحلامهم بالواقع المر. وأرجع سبب انهيار التعليم الجامعي إلى نقاط أخرى أيضًا، وهي قبول أعداد كبيرة من الطلاب أضعاف القدرة الاستيعابية للكليات، وأماكن التدريب والأجهزة، مما يؤثر بالسلب على مستوى التدريب، والانخفاض الشديد في ميزانيات التعليم العالي حتى أن الطالب في مصر ينفق عليه حوالي 5 آلاف جنيه سنويًا مقابل حوالي ما يعادل 250 ألف جنيه سنويًا في الدول الغربية، ويأتى النقص بالأساس في الانفاق على مقومات التدريب سواء المادية أو البشرية. وأضاف أن فساد طرق التعليم و التقييم واستمرار التلقين بدلًا من البحث وانتشار المذكرات والدروس الخصوصية واستمرار طرق التقييم غير الموضوعية التي انتهت من العالم كله، وانصراف أعضاء هيئة التدريس عن العمل كامل الوقت في المستشفيات الجامعية نظرًا لعدم وجود رواتب وقيام بعضهم بإعطاء دروس خصوصية وغير ذلك من الممارسات المدمرة للتعليم، وعدم تعليم وممارسة أخلاقيات وآداب مهنة الطب ووضعها كمقوم أساسي في تقييم الطالب، واختلاف مستوى الخريجين من كلية لأخرى بل وفي نفس الكلية وعدم التأكد من أن مستوى الخريج آمن على المرضى. ونوه إلى أن سبب انهيار منظومة التدريب والتخصص ترجع إلى عدم وجود أي خطة موضوعية للربط بين التدريب والتخصص وحاجات المجتمع كمًا وكيفًا- الإعداد والتوزيع على التخصصات والتوزيع الجغرافي للتخصصات-، وكثرة الأعداد بالنسبة لأماكن التدريب أو العدد المطلوب من المتخصصين في غالبية التخصصات، وإعطاء شهادات أكاديمية بدلُا من الإكلينيكية، وإعطاء شهادات دون تدريب حقيقي مما يهدد حياة المرضى ومهنة الطب. وتابع: "إن فساد طرق التقييم في الكليات وانتشار المحسوبية واختلاف مستوى التدريب من مكان لآخر انعدام التوحيد القياسي سببًا أيضًا، وكذلك انصراف النقابة عن الإصلاح الحقيقي لفساد التعليم الطبي ومحاولات بعض النقابيين للضغط لتسجيل الخريجين دون أي اعتبارات أخرى مما يؤدي إلى مزيد من الانهيار، وسعي الخريجين الجدد لتخصصات معينة بها وقرة و ابتعادهم عن التخصصات الملحة، والتي تتطلب الكثير من العمل والجهد والمسئولية والتعرض للخطورة وذلك لعدم وجود مقابل عادل لكل ذلك. وأعطى الدكتور خالد سمير، عدد من الحلول المقترحة للمشكلات المتواجدة، وهي تثقيف التلاميذ في المدارس لاختيار ما يناسب ميولهم وقدراتهم وتوعيتهم بالتوقعات المستقبلية بمنتهى الموضوعية، وإصلاح طرق التعليم إلى التعليم البحثي بدلًا من التلقيني والتحول إلى طرق التقييم الموضوعية والمستمرة طوال العام والتأكيد على الانضباط والأخلاق، وزيادة الانفاق على التعليم و انشاء المزيد من المدارس لتقليل الكثافات إلى أقل من 30 طالب في الفصل وهو الحد الأقصى لوجود تعليم وتربية حقيقية. واستطرد: "الاهتمام بتدريب وتأهيل المعلمين ورواتبهم وتفرغهم للعمل، وعمل نظام التأهيل الجامعي، وهو نظام دراسة المواد الأساسية المؤهلة لعدة كليات قبل التحاقهم بهذه الكليات والتأكد من استعدادهم لما تطلبه الدراسة الطبية (نظام 2 + 4)، ورفع ميزانية التعليم الجامعي و تحديد التكلفة المطلوبة لتعليم وتدريب الطالب تعليم وتدريب حقيقي وعدم السماح بقبول عدد أكبر أو ميزانية أقل من التكلفة الحقيقية". وشدد على ضرورة تغيير طرق التعليم والتقييم وتدريس وترسيخ آداب مهنة الطب طوال أعوام الدراسة واعتبارها متطلبًا أساسيًا في التقييم المستمر، والتعاقد مع أعضاء هيئة التدريس للعمل في المستشفيات بمقابل عادل وتفرغ كامل لمنع تضارب المصالح وفصل أي عضو هيئة التدريس يثبت عليه إعطاء دروس خصوصية، وعمل حصر لعدد الأطباء العاملين بمصر تخصصاتهم ورسم خريطة صحية بالتوزيع والتخصصات ونشر توقعات الاحتياجات في كل تخصص فى العشر سنوات القادمة-خطة عشرية-، يستطيع الطالب على ضوءها الإعداد والاختيار، وإلغاء الاعتراف بالشهادات البحثية كمؤهل إكلينيكي. وقال إن عدم تبعية المجلس الأعلى للتخصصات الطبية لأي جهة وأن يكون تشكيله بالانتخاب من الاستشاريين في التخصصات المختلفة- ممثل عن كل تخصص-، وأن يكون الانتخاب لمدة 3 سنوات بحد أقصى مرتين متتاليتين وعمل بورد وطني في كل تخصص ينتخب كل 3 سنوات بأحد أقصى مرتين متتاليتين، ويختار البورد لجنة الممتحنين بالقرعة من بين الاستشاريين المؤهلين كل سنة، وتغيير نظم التقييم إلى الطرق الموضوعية -اختيار من متعدد وصح وغلط-، بالإضافة إلى إعادة تقييم كل أماكن التدريب والتفتيش الدوري من قبل البورد على جدية التدريب ومستوى المدربين وعمل تغذية مرتجعة من آراء المتدربين والسعي إلى زيادة الأماكن سنويًا أو تقليلها تبعًا لاحتياجات السوق في كل تخصص وإغلاق أي قسم يثبت عدم التزامه بالتدريب الحقيقي. وأكد أن الانفتاح على العالم والسعي إلى اكتساب الاعتراف بالشهادات المصرية ودعوة مؤسسات التدريب العالمية إلى المشاركة في التقييم المستمر وتبادل الاعتراف، وعمل امتحان موحد للترخيص بمزاولة المهنة على مستوى الجمهورية لضمان الحد الأدنى من المستوى الآمن للمرضى، وإلغاء توزيع الأطباء بمجرد تخرجهم على وحدات يعملون بها دون إشراف أو تدريب، وأن تكون تلك الوحدات لمن أمضى 3 سنوات تدريب على الأقل في طب الأسرة وأن يكون توزيع الأطباء الجدد على أماكن التدريب مباشرة. وأعلن أن النقابة ستقوم بدورها في الضغط لإصلاح النظام الصحي والتعليم الطبي ووضع مصلحة المهنة والأطباء الحقيقية في تعليم حقيقي وليس شهادات ورقية بدون قيمة على قائمة الأولويات، فالحقيقة أن التعليم الطبي والتدريب والتخصص في وضع سيء للغاية ويحتاج إرادة شعبية وضغط كبير من أصحاب المصلحة وهم المواطنين حتى تعود الممارسة الطبية في مصر آمنة على المرضى ولا تتوقف على شخصية وأخلاق الطبيب فقط.