المرأة تظهر فى الحركات والتنظيمات التكفيرية المسلحة إما فى صورة سبية وجارية وملك يمين وغنيمة من غنائم القتال، وإما من حريم هذا القائد أو ذاك وإما مسلحة بسلاح آلى ومتفجرات ذاهبة للقيام بعملية انتحارية! فهل هذا هو وضع المرأة فى الاسلام، بألا تظهر الا من خلال تلك النماذج، وألا يكون لها أى دور أو حضور فى المشهد السياسى والاعلامى والاجتماعى والثقافى كما تفعل داعش اليوم؟ وما حقيقة دور ومكانة المرأة فى الاسلام، بخلاف هذه الصورة المشوهة التى تركت انطباعاً عاماً بأن الاسلام يعزل المرأة عن المجتمع ويحرمها من حقوقها السياسية ويحصر دورها فقط فى كونها ملك يمين وجارية وأداة للمتعة أو عنصر انتحارى؟ حديث "ما أفلح قوم ولو عليهم امرأة " قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما أسيئ استقبال سفير الرسول من قبل بنت كسرى عندما تولت أمر قومها بعد وفاة أبيها .. فالعبرة هنا لخصوص السبب لا لعموم اللفظ ، أى أن الحكم الوارد فى هذا الحديث لا يتعدى الواقعة التى قيل بسببها، وهو لا ينهض حجة لمنع المرأة من تولى رئاسة الحكومة والمناصب العليا فى الدولة وممارسة حقوقها السياسية وتعاطيها مع الشأن العام فى كل المجالات. ذكروا من حجج عدم جواز تصدر المرأة للمشهد السياسى أو توليتها ولاية عامة كرئاسة الحكومة أو رئاسة الدولة عدم جواز امامة المرأة فى الصلاة، ولأن من واجبات الامام والخليفة امامة الناس فى الصلاة فالمرأة عاجزة شرعاً عن القيام بهذا الواجب.. لكن لابد من التفرق هنا بين أمرين؛ الأول الصلاة وهى عمل دينى خالص وطقس تعبدى، والثانى الامامة وهى عمل سياسى دينى والفارق كبير وما يمنع أحدهما لا يصح دليلاً على منع الآخر، وامامة الحاكم فى الصلاة كان من الأعراف والتقاليد المتعارف عليها قديماً وأصبحت شئ نظرى فهناك من يؤم الناس بدلاً عنه.. على الرغم من ذلك فامامة المرأة فى الصلاة فيها آراء وأقوال فى الفقه ، وشيخ الاسلام ابن تيمية أجاز امامة المرأة فى الرجال اذا كانت أقرأهم على أن تقف خلف الصفوف – معتمداً فى ذلك رأياً للامام أحمد بن حنبل. لو كان تصدر المرأة للمسئولية وللعمل العام ممنوعاً فى الاسلام ما مدح القرآن الكريم ملكة فى عدلها واقامتها للشورى ورجاحة عقلها وحسن تصرفها فى التعاطى مع الأزمات السياسية العصيبة كبلقيس ملكة سبأ، وقد أورد القرآن قصتها وعرض للحوار بينها وبين قومها بشأن رسالة سليمان عليه السلام ، حيث جمعت قومها تستشيرهم فيما يجب القيام به ازاء هذا التهديد وكيف يكون الرد، ولجوءها الى المشاورة فى شئون الحكم دليل على الحكمة والنضج ورجاحة العقل، وهنا تتميز امرأة حكمت بالمشاورة والحكمة على كثير من المستبدين الطغاة من الرجال الذين تسببوا فى خرواب أوطانهم بسبب انفرادهم بالرأى ، يقول الله عز وجل " قالت يا أيها الملأ انى ألقى الى كتاب كريم انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم . ألا تعلوا على وأتونى مسلمين. قالت يا أيها الملأ أفتونى فى أمرى ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون"، وكان الرد عليها من رعيتها وشعبها دليل على ما تتمتع به من نفوذ بسبب حكمتها ورجحان عقلها ورأيها السديد وأنهم على استعداد تام لتنفيذ ما تصل اليه من قرارات "قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر اليك فانظرى ماذا تأمرين" .. وهنا يتبين لنا سر مدح القرآن لهذه الملكة وسر انقياد شعبها لرأيها، لأنها صاحبة عقل متزن وحسابات دقيقة ونظرة استشرافية فى التعامل مع الأزمات حيث توصلت الى الحل الأفضل للمشكلة الذى يحمى شعبها ووطنها " قالت ان الملوك اذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون وانى مرسلة اليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون"، فالحل فى هذه الحالة ليس القوة انما السياسة والحكمة فى حين نجد فى التاريخ رجالاً تسببوا بقرارات ومواقف عنترية فى خراب دول وأوطان وجماعات، وهنا نتعلم من هذه المرأة الحكيمة كيفية تعامل القائد مع الأزمات الضخمة.. أولاً بالمشورة، ثانياً بعدم الاغترار بما لديها من قوة الأتباع، ثالثاً بتقديم المصالح العليا على النزوات والحماسة والردود المتسرعة الانفعالية.
إبعاد المرأة عن الساحة الساسية والشأن العام وحرمانها حقوقها من التعبير عن الرأى والاسهام فى جميع المجالات فى نهضة وطنها ودينها ومجتمعها ووضعها فقط فى صورة التابعة والخادمة والرهينة والسبية هذا ليس من الاسلام فى شئ بل هو من مخلفات عصور انحطاط المسلمين وتخلفهم ، أما الاسلام الحقيقى فقد أعلى من قيمة وقدر المرأة وأعطاها جميع حقوقها فى المشاركة فى الشأن العام ، ولها أن تترشح للمناصب القيادية وأن تشكل أحزاب معارضة وأن تناضل فى سبيل نصرة أفكارها وقضاياها.. والقرآن كما أورد نموذجاًً للمرأة الحاكمة العادلة الرشيدة ، أورد أيضاً نموذجاً للمرأة المناضلة والمعارضة السياسية الجريئة التى تقف بقوة ضد الظلم والاستكبار واستعباد الضعفاء ، وهى زوجة فرعون التى كانت تعيش حياة النعيم والرفاهية والترف، الا أنها تمردت على هذا الواقع وقاومت وناضلت ضد ظلم زوجها واستبداده وطغيانه ، بالرغم من سكوت أجيال من الرجال على هذا الظلم ورضاهم بهذا الواقع ، فكانت امرأة هنا قدوة للجميع رجالاً ونساءاً فى النضال السياسى ضد واقع الظلم والتهميش "وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون اذ قالت رب ابنى لى عندك بيتاً فى الجنة ونجنى من فرعون وعمله ونجنى من القوم الظالمين". وللحديث بقية إن شاء الله