د.أحمد صبحي منصور هذا بحث قيم في مشاركة المرأة في صنع القراروهي رؤية قرآنية . أولا: 1 مجتمعنا لا يزال يسير بقدم واحدة ، بسبب انفراد الرجل بالهيمنة على صنع القرار وتغييب فعالية المرأة .ويرجع هذا ضمن أسباب أخرى إلى ثقافة دينية تنتمي إلى العصور الوسطى ، وتخالف في أغلبها التعاليم الإسلامية الحقيقية ،وهذه الثقافة تؤكد على حجاب المرأة ليس في الزى فقط ولكن أيضا حجبها عن المشاركة وعن العلم والاستنارة العقلية. وحتى إذا تخطت هذه الحواجز وشاركت مع الرجل في العمل فإنها لا تحصل على نفس فرصته في العمل الميداني وفى الترقي وفى المسئولية الإدارية وصنع القرار مهما بلغت كفاءتها ومهما بلغ إخلاصها وتفوقها . 2 وهذا يخالف الإسلام . فالله تعالى قد حرم الظلم وتوعد الظالمين بجهنم ،وجعل القسط والعدل المقصد من إرسال الرسل وإنزال الشرائع السماوية:(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبيانات وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) (الحديد:25 ).كما جعل رب العزة جزاء الرجل مساويا لجزاء المرأة في العمل الصالح : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)(النحل 97)(وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ )( غافر 40 ). وعليه فليس من الإسلام في شيء أن تحرم إنسانا كفئا متفوقا في عمله لمجرد انه امرأة . وأشد من ذلك ظلما لله تعالى ورسوله ودينه أن تمارس ذلك الظلم معتقدا أن ذلك هو الإسلام . ثانيا : جذور ظلم المرأة قبل القرآن وتأثر المسلمين بها. 1 وهذا الظلم للمرأة والإسلام له جذور تحريفية في التوراة تأثر بها المسلمون، وتلونت بها نظرتهم المتدنية للمرأة ،وليس المجال هنا للتوقف مع التشريعات الإسرائيلية التي تهين المرأة ، فهذا موضوع شرحه يطول ، ولكن نتوقف مع الفكرة الشائعة التي أرستها تحريفات التوراة حين جعلت حواء مسئولة وحدها عن خروج آدم من الجنة . تلك الإشاعة التي صدقها المسلمون أو الذين دخلوا في الإسلام من أبناء أهل الكتاب . مع أنها تخالف القرآن الكريم . فالشائع أن إبليس هو الذي خدع حواء ، وأن حواء هي التي أثّرت على آدم ، وهي السبب في خروج آدم من الجنة.. ولكن القرآن (البقرة 36،الأعراف23:20 ) يؤكد على أن المسئولية مشتركة بين آدم وحواء، ولا تتحملها حواء وحدها ، بل يتحملانها معاً ، وربما يتحمل آدم النصيب الأكبر. ففي سورة البقرة يقول تعالى (وَقُلْنَا يَآءَادَمُ 0سْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ 0لْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَٰذِهِ 0لشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ 0لْظَّٰلِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا 0لشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا 0هْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي 0لأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ فَتَلَقَّىٰ ادم مِن رَّبِّهِ كلمات فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ 0لتَّوَّابُ 0لرَّحِيمُ ) (البقرة: 37:35. ). ونلاحظ أن الأوامر و النواهي جاءت لآدم وحواء بالتساوي وجاءت بصيغة المثنى " وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً " حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَٰذِهِ 0لشَّجَرَةَ فَتَكُونَا ". ونلاحظ أن الشيطان خدعهما معاً وتسبب في إخراجهما معاً ، وجاء حديث القرآن أيضا بصيغة المثنى ليؤكد أن المسئولية تلحق الاثنين معاً " فَأَزَلَّهُمَا 0لشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ".بل قد نلاحظ أن نصيب آدم من المسئولية أكبر ، فالخطاب جاء له رأساً وبصيغة مباشرة " وَقُلْنَا يَآءَادَمُ 0سْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ 0لْجَنَّةَ " بل إن اسم حواء لم يرد في القرآن مطلقاً. ولأن المسئولية تقع على كاهل آدم أكثر فانه هو الذي قال عنه القرآن "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه". وطبعاً تابت معه حواء ، فالقرآن يذكر الكلمات التي تعلمها آدم في التوبة ، وأن حواء رددتها معه ، بقوله تعالى في سورة الأعراف (قَالاَ رَبَّنَا ظلمنا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ 0لْخَاسِرِينَ)الأعراف:23. أي أن القرآن يذكر توبة آدم في موضع ، ويذكر توبة آدم وحواء في موضع آخر لنفهم أن مسئولية آدم في الذنب أكبر وأشد من حواء.وبالتالي فإن حواء ليست وحدها المسئولة عن إخراج زوجها من الجنة .. بل هو المسئول الأكبر ولا يزال. ثالثا : ولم يستفد المسلمون بالقصص القرآني الذي تعرض للمرأة بصورة واقعية دون إجحاف بحقها. 1 فلم يستنكر القصص القرأنى تولى امرأة سلطة الملك ، ولم يستنكر أن تكون هناك ملكة سبأ . وإنما أستنكر أن يعبدوا الشمس من دون الله .وأورد القرآن ما يدل على كفاءة ملكة سبأ وحسن سياستها وكيف انتهت إلى الإيمان الصحيح في تعاملها مع النبي سليمان عليه السلام . وفى المقابل استنكر القرآن استبداد فرعون وظلمه وادعاءه الإلوهية . وكيف انتهى تعامله مع موسى وهارون بأن اهلك نفسه وقومه أي كانت بلقيس أكفأ من فرعون مصر وكل منهما حاكما على قومه. 2 :والبطولة الحقيقية في قصة موسى للنساء ، وكل منهن قامت بدورها في منتهى الكفاءة من أم موسى إلى أخت موسى إلى امرأة فرعون ووصيفاتها ، إلى الفتاتين العاملتين في الرعي أبنتي الرجل الصالح في مدين ، وقد تزوج موسى إحداهن وفى كل الأحوال نرى امرأة متميزة ومختلفة من الأم إلى الأخت إلى الزوجة ، من العاملة إلى الوصيفة إلى المرضعة إلى الملكة . من الفتاة إلى العروس إلى الزوجة التي توشك على الوضع ...شخصيات فاعلة مؤثرة ايجابية تمثل كل أحوال المرأة . 3 : ونرى نفس التفاعل تقريبا في قصة يوسف امرأة العزيز والنساء المترفات في مصر القديمة إلى أم يوسف ونساء أسرته . 4 :وفى النهاية يجعل القران الكريم المثل الأعلى للمؤمنين في كل زمان ومكان امرأتين : السيدة مريم ، وزوجة فرعون . كما يجعل المثل الأسوأ للأشرار في كل مكان وزمان ومكان امرأتين :زوجة نوح وزوجة لوط ..أي أن كفاءة المرأة في الخير لا يعدلها إلا تفوقها في الشر . وفى كل الأحوال فهي عنصر مؤثر وفعال فى عالم الرجال . رابعا : وتجاهل الفقهاء منهج القرآن التشريعي ، ومنه أجحفوا بحق المرأة . 1 الأحكام في التشريعات القرآنية هي أوامر ليست مطلقة ولكن تخضع في تطبيقها لمقاصد تشريعية كالعدل والتقوى والسمو الخلقي و التيسير ورفع الحرج . وهناك من التشريعات الخطيرة كالقتال ، يأتي فيها الأمر التشريعي بالقتال خاضعا لقواعد تشريعية ،وهذه القواعد التشريعية تخضع بدورها لمقاصد أو أهداف ،أو غايات عامة . ونعطى أمثلة : فالأمر بالقتال له قاعدة تشريعية وهوان يكون للدفاع عن النفس ورد الاعتداء بمثله او بتعبير القرآن (في سبيل الله )،ثم يكون الهدف النهائي للقتال هو تقرير الحرية الدينية ومنع الاضطهاد في الدين ،كي يختار كل إنسان ما يشاء من عقيدة وهو يعيش في سلام وأمان حتى يكون مسئولا عن اختياره أمام الله تعالي يوم القيامة . يقول تعالي(وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) (البقرة195) فالأمر هنا (قَاتِلُواْ) والقاعدة التشريعية هي (فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ).وهى الحاكمة و المسيطرة على الأمر بالقتال . وتتكرر وتتأكد القاعدة التشريعية في قوله تعالي (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ )( :البقرة 194). كما تتأكد أكثر في حصر القتال باستمرار الطرف الآخر في الاعتداء، فإذا انتهى عن الاعتداء وجب على المسلمين وقف القتال، وتكرر هذا فى قوله جل وعلا (فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (فَإِنِ انتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ )( البقرة 191 / 192 ). والقاعدة التشريعية بدورها تدور في إطار المقصد التشريعي للقتال في الإسلام، وهى في قوله تعالي (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ) (البقرة 193)أي أن منع الفتنة هي الهدف الأساسي من التشريع بالقتال . والفتنة في المصطلح القرآني هي الإكراه في الدين أو الاضطهاد في الدين ،وهذا ما كان يفعله المشركون في مكة ضد المسلمين، يقول تعالي (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ)( البقرة 217). وقد أوجز رب العزة هذا كله في دعوة الكفار المعتدين للكف عن عدوانهم فقال : (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه فَإِنِ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) (الأنفال 38 : 39 ) وبتقرير الحرية الدينية ومنع الفتنة أو الاضطهاد الديني يكون الدين كله لله تعالي يحكم فيه وحده يوم القيامة فيما يختلف فيه الناس في عقائدهم وشعائرهم . وذلك حتى لا يغتصب احدهم سلطة الله في محاكم التفتيش واضطهاد المخالفين في الرأي ، ويجعل الدين مطية لأغراضه السياسية و الدنيوية. وذلك معني أن يكون الدين كله لله جل وعلا وحده لأنه وحده الذي يحكم بين البشر المختصمين في ربهم ، فيقيم لهم يوم الحساب محكمة تنتهي يبعضهم إلى الجنة وبالبعض الآخر إلى النار:(هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ )( الحج 19 : 23). أي يتنوع البشر يوم القيامة إلى خصمين ، كل منهما له فكرة وعقيدة عن رب العزة ، ولا يصح للخصم أن يكون حكما وقاضيا على خصمه ، بل لا بد من الاحتكام إلى صاحب الشأن الله جل وعلا وهو الذي له الدين واصبا خالصا (وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)(النحل 52). ويكفى ما ينتظر الفائز من نعيم أبدى في الجنة أو عذاب أبدى في النار. هذه القواعد والمقاصد التشريعية الإسلامية في القتال تمّ إهمالها لأنهم ركزوا على الأمر فقط وهو: (قَاتِلُواْ) فصار أمرا مفتوحا ومطلقا بالقتال ، فتحول القتال عند المسلمين إلى اعتداء ثم إلى إرهاب وصلت وتصل ضحاياه إلى الملايين من المسلمين وغيرهم وكل ذلك تحت راية ( الجهاد ). 2 والأغلب في تشريعات المرأة في الإسلام أن تخضع الأوامر مباشرة للمقاصد التشريعية . فالأوامر التشريعية مثل الأحكام الخاصة بالزى والزينة وشهادة المرأة والميراث..الخ تخضع مباشرة للمقاصد تشريعية،من العدل والتقوى والسمو الخلقي والتيسير والتوسط والاعتدال . ومثلا فالأمر بغضّ البصر للمؤمنين مقصده التشريعي هو التزكية الخلقية والتقوى:( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )( النور 30 )، فالأمر هنا (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) يخضع للمقصد التشريعي وهو التزكية (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ) ومعه التقوى وخشية الله جل وعلا وهو الخبير بما نصنع (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ).وبإهمال التقوى تتحول النظرات البريئة والعفوية إلى تلصص وخيانة بالعين ، قد لا يدركها الناس ولكن يعلمها رب الناس جل وعلا وهو الذي (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) ( غافر 19 ) تتجلى الخطورة أكثر في موضوع الزى فالتركيز على الأمر بالحشمة التي نعنى فقط ارتداء الخمار الذي يغطى الصدر تطور ليتحول الخمار بالمفهوم القرآني إلى حجاب يغطى كل الرأس والعنق ، ثم تطرف إلى نقاب يعبئ المرأة داخل كيس ، وهذا التركيز على الأمر التشريعي أو التطرف فيه يضيع مباشرة المقاصد الأساسية من التشريع ،وهى هنا التقوى والسمو الخلقي والتيسير ورفع الحرج،وبالتالي نقع في التشدد والغلو والتطرف والظلم والانحلال الخلقي . أي ننسى التركيز على عفة المرأة وتقواها ، لنتشدّد في المظهر الخارجي ، فيتحول النقاب مشجعا على الانحلال الخلقي لأن النقاب هو الوسيلة المثلى لإخفاء شخصية المرأة وأكبر مشجع لها في الانفلات الخلقي . ومن أسف فإن ثقافتنا الدينية السلفية لا تزال تتطرف بالأخذ بالأوامر التشريعية وتهمل مقاصدها التشريعية ، فيقع الظلم والتعصب والإرهاب . خامسا : إهمال الفقهاء مساواة المرأة بالرجل في النسق القرآني:- المساواة بين الرجل والمرأة واضحة في المصطلح القرأنى ، ونعطى لذلك بعض الأمثلة 1 فكلمة " الزوج" في القرآن تدل على الرجل أو على المرأة ، والسياق هو الذي يحدد ما إذا كان الزوج المقصود في الآية هو الرجل المرآة (راجع كلمة زوج ومشتقاتها في المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم). ولم يرد في القرآن الكريم على الإطلاق لفظ ( الزوجة ) 2 وكلمة " الوالدين " أو آباؤكم "تدل على الرجل والمرأة معا ، كما أن كلمة "أبناء"و " أولادكم " تطلق على الذكور والإناث ( النساء 11،12،26،والإسراء 23) 3 وكلمة "الذين " في الخطاب القرآني تشمل الرجل والمرآة إلا إذا جاء في السياق ما يؤكد اقتصار الخطاب على الرجل –فالقرآن مثلا حين يأمر الذين أمنوا بالصيام فأن الأمر للنساء والرجال معا. ومثلها ألفاظ أخرى مثل ( الناس ) ( بني آدم ) ( الإنس ) 4 وهناك مساواة بين الرجل والمرأة في المسئولية والحساب والثواب والعقاب في الآخرة ، فالذي يعمل صالحا من ذكر أو أنثى له الأجر في الدنيا والآخرة (آل عمران 195،النساء 124،النحل 97 غافر 40) أي أن تشريع الله تعالى يقوم على أساس تكافؤ الفرص بين كل البشر ، كل إنسان وما يختاره لنفسه إذا كان ذكرا أو أنثى . سادسا : إهمال الفقهاء التوازن بين المساواة والعدل في التشريع القرآني ، وفهموه خطأ على أنه تفضيل للرجل على المرأة . المساواة المطلقة في كل الأحوال قد تكون ظلما . فمن الظلم أن يتساوى في الأجر موظفان بنفس الدرجة ولكن ، ولكن أحدهما مجتهد والأخر كسول . وعلى سبيل المثال فلو أردت أن توزع بالمساواة المطلقة ألف دينار على تلاميذ فصل فذلك يكون ظلما ،لأن بعض التلاميذ غنى غير محتاج وبعضهم غاية في الفقر ، والمساواة المطلقة بينهم ظلم. زمن هنا راعى التشريع القرآن التوازن بين العدل والمساواة ، فهناك مساواة من حيث الأصل والجزاء ، ولكن لا بد من العدل حسب الاستحقاقات وتغير الظروف . ولم يفهم الفقهاء تلك الموازنة إلا في ضوء ثقافتهم الذكورية ، فحسبوها تمييزا مطلقا للذكر على الأنثى. وعلى سبيل المثال فالرجل هو الذي يدفع المهر وهو الذي يحمى البيت وينفق عليه ، ولذلك فهو صاحب القوامة في الزواج ، وهى قوامة مشروطة بالإنفاق والرعاية ومسئولية الزوج على زوجته .والمرأة إذا كانت مستغنية عن مال زوجها فمن حقها أن تكون العصمة بيدها وتنص على ذلك في العقد ، والعقد شريعة المتعاقدين ، والمرأة لها حق أن "تفتدى " نفسها من زوج تكرهه إذا تنازلت له عما دفعة لها من مهر ، والزوج إذا لم يكن ينفق على زوجته ضاع منه حق القوامة (النساء 34،البقرة 229،المائدة 1) ولأن الرجل هو الذي يعول البيت ويدفع المهر بينما لا تتحمل المرأة شيئا فى هذا أو ذاك ، بل يكفل الرجل نفقاتها شرعا فمن العدل أن يكون حق الابن والأخ ضعف حق البنت والأخت في الميراث، وإلا كان ظلما للابن والأخ أن يتحمل كل منهما مسئولية مالية شرعية ثم لا يحصل على تشريع يعينه على هذا . ولكن لأن الأب و الأم معا يشاركون في عبء تربية الأولاد ، فأنه إذا مات الابن فأن الأم والأب يتساويان في نصيبيهما في تركته . لكل واحد منهما السدس أو الثلث (النساء 11). وشهادة إمراتين التي تساوى شهادة رجل واحد تأتى في موضوع محدد ، وهو الإشهاد على الديون فقط (البقرة282) ، وذلك وفقا للسياق القرأنى وتطبيقه الذي سار ،فقد كان يتم تعيين شهود في الأسواق تكون شهادتهم مثل الختم الرسمي المعتمد ،ولأن هذا العمل في الاقتصاد والماليات والأسواق كانت أغلبيته للرجال –ولا تزال- فقد جاء تخصيص هذه النسبة للمرأة بأن تكون نصف الرجل في الشهادة في الديون المالية ، ولو حصرنا نسبة العاملات في هذا المجال بالذات لوجدنا نسبتهن أقل بكثير مما أعطاه القرآن للمرأة .على أن هذه النسبة لا تسرى على شهادة المرأة في العقوبات وغيرها .إذا أن شهادة المرأة فيما عدا الديون تساوى شهادة الرجل . وواضح أنها استثناءات ولكن الفقهاء عمموها فجعلوا للمرأة نصف الرجل في كل الأحوال في الميراث وفى كل التعاملات . والمقصود أن المساواة قائمة في شريعة الله تعالى بين الرجل والمرأة في إطار العدل ولابد في كل تشريع من اقتران المساواة بالعدل ، وإلا تحولت إلى مأساة . سابعا : إنكار حق المرأة في السفر وحدها ، وإلزامها بولي أمر يصحبها في السفر فالفقهاء السنيون الحنابلة أنكروا حق المرأة في السفر دون ولى أمر أو ( محرم ) ، وتناسوا الحقائق القرآنية الآتية 1 حق المرأة في السعي في الرزق والسفر في مناكب الأرض ، وهو أمر جاء عاما للجميع ،لأن كل موارد الأرض مباحة لكل من يسعى ويطلب الرزق دون تخصيص للرجل على المرأة ، يقول جل وعلا عن الأرض ومواردها الاقتصادية : (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ ) ( فصلت 10) فهي بالتساوي وتكافؤ الفرص لكل السائلين من رجال ونساء . بل أمتن الله جل وعلا على البشر أن جعل لهم الأرض ذلولا ميسّرة للسعي وأمرهم جميعا من رجال ونساء أن يمشوا في مناكبها ويأكلوا من رزقه جل وعلا (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ( الملك 15 ) لم يأت استثناء هنا يمنع النساء من السعي للرزق .فالسعي فرض على الجميع ، والنشور و البعث مصير الجميع . 2 بل أنكروا حق المرأة في الهجرة بدينها ، بل وجوب هجرتها كالرجل عند المقدرة ، وإلا كانت من أهل النار، يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) والحديث هنا عام يشمل الجميع من رجال ونساء طالما كانوا قادرين على الهجرة ولكن تثاقلوا عنها . لذا جاء الاستثناء في الآية التالية ليشمل المستضعفين من الرجال والنساء والصغار:( إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا)( النساء 97 : 99) وفى المقابل فإن الأجر الحسن ينتظر المهاجرين والمهاجرات ، والتعبير القرآن يستعمل أيضا لفظ ( الذين ) ليدل على الجميع ، يقول جل وعلا :(وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)( النحل 41 : 42 ). وكما قلنا،فالسياق القرآني يستعمل لفظ ( الذين ) ليدل على المؤمنين ذكورا وإناثا طالما لم يرد فيه تخصيص للرجل أو المرأة ، كقوله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )،( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ البيانات وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ )( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ) ( البقرة 153 ، 159 : 160 ، 172 ، 183). والسياق القرآن يخصّص الرجل أو المرأة إذا كان هناك ما يستدعى التخصيص ، وفى موضوع هجرة المرأة نجد تشريعات للمؤمنات اللاتي هاجرن للمدينة وتركن أزواجهن ، وللرجال المؤمنين الذين هاجروا وتركوا خلفهم نساءهم الكافرات ، وينزل التشريع القرآني يحكم في الفصل بين هؤلاء وهؤلاء : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ). ويهمنا من هذا التشريع أن المرأة المؤمنة لها حق الهجرة كالرجل تماما ، بل يترتب على هذا الحق تشريعات شخصية فيما يخص العلاقة الزوجية الماضية والتي تأثرت بالهجرة والانفصال بين زوجين فرقت بينهما انتماءاتهما الدينية و العقيدية . بل يترتب على ذلك ما هو أكثر بالنسبة للمرأة ، وهو حقها السياسي في أن تكون جزءا متفاعلا في الدولة الإسلامية . ثامنا : إنكار الفقهاء حق المرأة في المشاركة السياسية 1 وقد عرضنا لهذا بالتفصيل في استعراض لسورة الممتحنة سبق نشره ، قلنا فيه فيما يخص حقوق المرأة في الإسلام : ( بعدها انتقلت الآيات الكريمة لتضع تشريعات اجتماعية في مشاكل الزواج والطلاق التي حدثت بعد الهجرة من مكة إلى المدينة وما حدث من انقطاع تام بين أهل المدينة وأهل مكة، وترتب على هذه القطيعة تفكك بعض الأسر بين زوج كافر استمر في مكة وزوجة مؤمنة تركت زوجها لتلحق بجماعة المؤمنين ، أو العكس ؛ زوجة تمسكت بدين أهلها المتوارث وظلت في مكة رافضة أن تتبع زوجها الذي أسلم وهاجر.ثم هناك مشكلة أخرى ، فقد تأتى إحداهن تزعم الإيمان وهى في حقيقة الأمر أتت لتتجسس على المؤمنين وتساعد المشركين في اعتداء يعدون له ، حيث عزموا على ملاحقة المؤمنين الفارين بالقتال في موطنهم الجديد الذي لجأوا إليه. وبالتالي لا بد أن يرسلوا جواسيس للتمهيد للعدوان. والنساء أفضل من يقوم بهذه المهمة. ومن السهل أن تأتى نساء كثيرات كل منهن تزعم الإيمان ، ولا يعلم حقيقة ما في القلب إلا الله تعالى. لذا نزلت الآيات مقدما تطرح الموضوع وتضع له التشريع المناسب : يقول سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ )( الممتحنة 10 ) هذه الآية تخاطب المؤمنين أنه إذا جاءتهم امرأة مهاجرة فعليهم امتحانها ،أي سؤالها عن سبب مجيئها واختبار حالها حتى لا تكون عينا للعدو، وحتى يتأكدوا حسب الظاهر من حالها ، أما حقيقة ما في القلب فمرجعه إلى الله. وإذا عرفوا صدقها فلا يجوز إرجاعها إلى الكفار الذين هربت منهم. إذ لا يحل لها أن تتزوج من كافر ولا يصح لكافر أن يتزوجها. وبالهجرة تحدد من اختار الإيمان ومن اختار الكفر. وإذا كانت المرأة المهاجرة زوجة تركت زوجها الكافر ولجأت للمؤمنين فعلى المؤمنين دفع المهر الذي دفعه من قبل الزوج الكافر تعويضا له ، ويمكن لها أن تتزوج مؤمنا في موطنها الجديد ، وعليه أن يدفع لها مهرها. وبالعكس ، إذا اختارت الزوجة الكفر والبقاء في مكة رافضة أن تصحب زوجها إلى المدينة فعلى زوجها المؤمن في المدينة أن يطلقها تماما ويفارقها حتى تتزوج من كافر مثلها مقيم في نفس الموطن، وعلي الكفار دفع المهر الذي دفعه المؤمن من قبل. ويقول جل وعلا : (وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ ) ( الممتحنة 11) ولآن الكفار لا عهد لهم ولا ذمة ، وليس منتظرا منهم تطبيق هذا الحكم الالهى بدفع ما عليهم من مهور للأزواج المؤمنين الذين تركوا أزواجهم فإن تعويض هؤلاء الأزواج المؤمنين بالعدل يمكن أن يتم إذا تمكن المؤمنون في المستقبل من الحصول على غنائم من الكفار. وبعد استجواب المرأة المهاجرة واختبارها والتأكد من صدقها عليها أن تقوم بمبايعة النبي صلي الله عليه وسلم على الإيمان والتمسك بالأخلاق الحميدة والطاعة في المعروف، وهذا ما جاءت به الآية التالية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) ( الممتحنة :12)، أي يقول سبحانه و تعالى للنبي صلي الله عليه وسلم أنه إذا جاءته المؤمنات للمبايعة فعليه أن يبايعهن على الامتناع عن : الوقوع في الشرك والسرقة والزنا وقتل الأولاد والبهتان والكذب والزور وعصيان الأمر المعروف. وإذا حدث وبايعن النبي عليه الصلاة والسلام على هذا فعلى النبي أن يدعو لهن ويطلب من الله تعالى الغفران لهن . والله تعالى غفور رحيم. 2 أنكر الفقهاء حق المرأة الفردي لإى أن تكون عضوا مؤسسا في دولة الإسلام . وهذا أيضا ما تم تفصيله في نفس البحث في استعراض سورة الممتحنة . وقد توقفنا مع الآية 12 بالتحليل ، وقلنا : ( سبق الإسلام في تعريف الدولة بأنها عقد بين الفرد والنظام الحاكم، وأن هذا العقد يستلزم التزامات معينة من الفرد مقابل قيام الدولة برعاية الفرد وحمايته . وردت في السور التي نزلت في المدينة إشارات إلى وجود عقد أو ميثاق أو عهد بين أفراد المسلمين والنبي يتضمن تعهد كل فرد بطاعة القائد وهو النبي محمد عليه السلام ؛ ليس طاعته كشخص وفرد ولكن طاعة القيم الأخلاقية المنبثقة عن إلا يمان الحق بالله تعالى واليوم الآخر، تلك هي البيعة العامة . ثم هناك بيعة خاصة طارئة مؤقتة تستلزمها ظروف المواجهة العسكرية حين يتعرض المجتمع المسلم إلى هجوم لابد من صده ، وحينئذ يتطلب الأمر بيعة خاصة للالتزام بالدفاع عن الدولة.وفى كل الأحوال ( البيعة العامة والبيعة الخاصة ) فإنها بيعة لله تعالى ؛ فمن يبايع النبي – أو القائد – إنما يبايع الله ، أي يلتزم أمام الله تعالى بالوفاء بالعهد والميثاق . وبالتالي فإن ضميره الشخصي هو الرقيب عليه في مدى هذا الالتزام بهذا العهد، أي أنه مسئول أمام الله تعالى يوم القيامة فقط في مدى وفائه بهذا العقد أو العهد أو الميثاق أو البيعة.وفى كل الأحوال أيضا فإن تلك البيعة العامة والخاصة تشمل الرجال والنساء معا بما يعنى المساواة بين الرجل والأنثى . ذكرت روايات السيرة النبوية أن النبي محمدا عقد معاهدة سرية مع وفد من المدينة قبل الهجرة ،وعقد معاهد أخرى مع وفد أخر في العام التالي إلا أنها لم تذكر عقد معاهد عامة مع أهل المدينة . القرآن الكريم في تعليقه على تباطؤ أو تخاذل بعض المؤمنين في الوفاء بهذا العقد كان يذكرهم بالعهد الذي التزموا به . الإيمان له معنى عقيدي هو الإيمان بالله تعالى ورسوله وله معنى سلوكي هو اختيار السلام والأمن والسكون والابتعاد عن المشاكل ،وقد كان معظم من آمن من المستضعفين الذين اختاروا الأمن والأمان سلوكا مع بقاء عقيدتهم على المعتقدات المتوارثة بشكل مخالف للعقد الذي عقدوه مع الله تعالى . تلك المعتقدات المتوارثة المخالفة للإسلام كانت تؤثر على التزاماتهم في الجهاد بالنفس والمال، إذ كانوا مطالبين بالإنفاق في سبيل الله فيبخلون ، وكانوا مطالبين بالدفاع ضد عدو يعتدي فيتثاقلون تمسكا بالهوان وبالسلام السلبي مع عدو لا يجدي معه إلا دفع اعتدائه بالدفاع الصلب . في أوائل السور المدنية نجد القرآن الكريم ينهى المؤمنين عن خيانة الله ورسوله ، وخيانة العهد والأمانة ، ويأمرهم بالاستجابة وطاعة رسول الله ( 8 / 24 : 27 ) وتعبير الخيانة للعهد يعنى وجود عهد قائم بين الله تعالى والمؤمنين وأنهم لم يقوموا بالالتزام بهذا العهد . وفى أواخر السورة المدنية يتكرر الأمر للمؤمنين بطاعة الله ورسوله وأن يواجهوا اعتداء المشركين ، ليس بالوهن والاستسلام والحرص على حياة ذليلة وإنما بالدفاع البدني والإنفاق المالي في المجهود الحربي ، وإن لم يفعلوا فمصيرهم إلى الاستئصال ،وعندها يأتي رب العزة بمؤمنين آخرين خيرا منهم ( 47 / 32 : 38 ) كان البخل شائعا بين هذه النوعية من المؤمنين وترتب عليه أن توعد الله تعالى بالعذاب أولئك الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل وذلك بعد أن كرر لهم أوامر العهد والميثاق وهى عبادة الله وحده لا شريك له والإحسان للوالدين والأقارب واليتامى والجيران وأصحاب وأبناء السبيل والرقيق ( 4 / 36 : 37 ) وفى مواجهة ذلك البخل ونسيان العهد والميثاق والبيعة ينزل القرآن يذكر المؤمنين بالإيمان بالله تعالى ورسوله والإنفاق في سبيل الله ثم يعيب عليهم أنهم لا يؤمنون قلبيا وعقيديا بالله تعالى وحده ، مع استمرار دعوة الرسول محمد عليه السلام لهم بأن يكون إيمانهم بالله تعالى وحده إلها، وبرغم أنهم عاهدوا الله تعالى ورسوله على ذلك إلا أنهم كانوا ينسون مما يستدعى تذكيرهم وتأنيبهم ( 57 /7 : 8 ) وفى أواخر ما نزل من القرآن يتكرر نفس الموضوع في تذكيرهم بالميثاق الذي عقدوه يوم بيعتهم ، وكيف أنهم قالوا سمعنا وأطعنا مع أن قلوبهم لم تكن مخلصة . ويحذرهم الله تعالى بأنه يعلم خفايا الصدور . ( 5 /7 ) هذا العهد والميثاق أو البيعة العامة كانت لكل فرد يدخل في إطار الدولة الإسلامية . وخلافا لما اعتاده العرب وما اعتادته ثقافة العصور الوسطى أعطيت المرأة نفس حق المواطنة الايجابية وحق المشاركة السياسية في الدولة الإسلامية، فقد كان عليها أن تبايع نفس المبايعة ، وتضع يدها على يد النبي صلي الله عليه وسلم تعطيه البيعة. وهذا ما جاء في سورة الممتحنة ( 60 /12 ) . ولأنه أمر جديد لم يكن معروفا من قبل فإن الخطاب نزل للنبي محمد يوضح كيفية بيعة النساء للنبي عليه السلام ، فالمؤمنات إذا أتين مهاجرات ليصبحن مواطنات في الدولة الجديدة فعليه أن يبايعهن على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يقعن في بهتان ولا يعصين النبي في معروف ، فإذا بايعن النبي على هذه البنود فعليه أن يستغفر لهن الله على ما سبق من ذنوبهن، لأنهن قد دخلن في مرحلة جديدة من حياتهن. وهذا ما ينطبق على الرجال أيضا. . والواضح أن كل بنود البيعة للمؤمنين والمؤمنات تتلخص في تطبيق الإسلام والإيمان في العقيدة وفى السلوك . تطبيق الإسلام في العقيدة بعدم الوقوع في الشرك والكفر أي بعدم الاعتقاد في إله إلا الله الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، والإيمان والإسلام سلوكا بمعنى طاعة الله تعالى في التعامل مع البشر بعدم الاعتداء على حياة الآخرين وأعراضهم وأموالهم أي التمسك بالقيم العليا المتعارف عليها من العدل ومنع الظلم . إذن بنود البيعة تتلخص في طاعة الله تعالى ، وهنا تكون المساواة بين المسلمين جميعا بما فيهم النبي نفسه، فهم مأمورون جميعا بطاعة الله الواحد عز وجل الذي لا شريك له في الملك. وعليه فإن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هو تناصح بالتمسك بالقيم العليا المتعارف عليها والابتعاد عن الرذائل المستنكرة من جميع الناس، وهذا التناصح يعنى أن ينصح كل مؤمن أخاه أو أخته ، وأن تنصح كل مؤمنة أخاها أو أختها. وهنا مساواة المؤمنين جميعا رجالا ونساء ؛ كلهم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ( 103 / 3 ) ،أى ليست هناك طائفة تأمر الآخرين ولا يأمرها أحد.ليس في الإسلام طائفة تحتكر إصدار الأوامر وتضع نفسها فوق القانون أو فوق الجميع بقوة القانون. وبالتالي فليس هناك طاعة لشخص أو لحاكم حتى لو كان النبي نفسه . فالآية تقول عن أحد بنود البيعة عن النساء " ولا يعصينك في معروف " لو قالت الآية " ولا يعصينك " فقط لكان ذلك فرضا بطاعة النبي طاعة مطلقة. ومصطلح النبي يعنى شخص النبي محمد وعلاقاته بمن حوله، لذا كان العتاب واللوم يأتي بصفة النبي بينما الطاعة تأتى مرتبطة بالرسول والذي يعنى أيضا الرسالة والقرآن. ولأن النبي هنا هو شخص النبي محمد فإن طاعته كشخص مرتبطة بأن تكون فقط في "معروف "، والمعروف هو المتعارف عليه من القيم العليا التي جاء بها القرآن والتي تجلت في سائر بنود البيعة . وإذا كانت طاعة النبي محمد – وهو القائد – مرتبطة بالمعروف وليست له طاعة كشخص ، فإنه لا يجوز لأي شخص أن يطلب من المؤمنين طاعته دون قيد أو شرط. ولذلك فقد اشتق الفقهاء المسلمون الأحرار قاعدة سياسية تقول " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " أي لا يصح الطاعة إلا في إطار طاعة الله تعالى وحده ، فالمطاع هو الله تعالى وحده، ومن يطع القرآن أو الرسالة الإلهية الخاتمة بعد موت الرسول محمد فقد أطاع الله تعالى ( 4 /80 ) وكل من يأمر بما جاء في القرآن فيجب طاعة ما ينطق به من القرآن ، وليس طاعته هو كشخص. وهذا معنى الأمر بطاعة الله ورسوله وأولى الأمر، ( 4 / 59 ) ليس هنا تثليث ،أو عبادة لله والرسول وأولى الأمر، بل أن طاعة ولى الأمر وطاعة الرسول فيما يقال من أوامر جاءت من الله تعالى في كتابه الكريم ونطق بها الرسول وبلغها ، ثم يقوم على رعايتها أولو الأمر. وإذا زاغ أحد منهم عن أوامر الله تعالى فلا طاعة له ، بل يجب إعلان العصيان لأمره وتوضيح أنه يأمر بما يخالف القرآن ، حتى نبرئ دين الله تعالى من استغلال دينه العظيم من سوء الاستغلال والفساد والاستبداد. باختصار : إن البشر عليهم أن يطيعوا الله تعالى وحده ويحرم عليهم طاعة أمر يخالف تشريع الله تعالى ومبادئه . يسرى هذا على البيعة العامة في الدخول في مواطنة الدولة الإسلامية كما يسرى على البيعة الخاصة التي تفرضها ظروف الحرب . ليس في الإسلام إكراه على فعل الطاعة . وليس فيه عقوبة يوقعها الحاكم المسلم فيما يخص حقوق الله تعالى من إيمان قلبي وعبادة . العقوبة لا تكون إلا فيما يخص حقوق الأفراد . وليس فى الإسلام إكراه على الجهاد أو التجنيد. إن الجهاد بالمال واللسان والدعوة والنفس فريضة على كل مؤمن، وهو مسئول عن تأديتها أمام الله تعالى وحده يوم القيامة، وليس من سلطة الدولة المسلمة تجنيد الناس قسرا أو سخرة كما تفعل بعض النظم في عصرنا. وحين تثاقل المنافقون عن الدفاع عن المدينة واعتذروا بحجج واهية كان عقابهم الوحيد منعهم من الانضمام إلى الجيش مستقبلا ( 9/83 ). ولأنه ليس هناك تجنيد إجباري للأفراد فإن مواجهة العدو المعتدى كان يحتاج إلى عقد أو عهد أو ميثاق أو بيعة بالاختيار الفردي . ولأن من بايع طوعا عليه أن يلتزم بما عاهد الله تعالى عليه إلا أن بعضهم كان في وقت الشدائد يفر وينسى العهد والميثاق . في معركة الأحزاب حوصرت المدينة من كل الجهات بقيادة جيوش من عدة قبائل يقودها أبو سفيان الأموي ، في مواجهة هذا الحشد والحصار كان لابد من المبايعة على الدفاع عن النفس والقوم والوطن والعقيدة ، وعندما اشتد الحصار ظهرت المواقف على حقيقتها ، منهم من ظهر نفاقه وجبنه فتخلى عن مواقعه الدفاعية وبدأ ينشر التشكيك وهو يفر من مواقع المعركة ، وقد جعلهم الله تعالى مسئولين أمامه يوم القيامة على نكثهم للعهد،ولكن ليست عليهم مساءلة في الدنيا وليست للدولة أن تعاقبهم ( 33 / 15 ). في المقابل هناك من المؤمنين من وقف موقفا بطوليا رجوليا. وجزاؤهم الحسن ينتظرهم يوم القيامة. ( 33 / 23 : 24 ) . في موقف أخر خرج النبي محمدا بأصحابه للحج في البيت الحرام ، ليس معهم سلاح إلا سلاح المسافر، كأنهم يرفعون الراية البيضاء دليل المسالمة؛ خرج عليه السلام مسالما ، فمنعته قريش من الدخول ، وتأهبت لحربه وأرسل النبي بعض أصحابه للتفاوض فاحتجزوهم ، وأشيع أن قريش قتلتهم وأنها على أهبة الاستعداد على الهجوم على المسلمين واستئصالهم . كان موقفا دقيقا استدعى من النبي أن يطلب من المؤمنين معه أن يبايعوه على القتال والمواجهة والصمود ، فليس أمامهم طريق آخر. وتحت الشجرة جلس وجاء كل فرد يبايعه على الصمود والقتال ،وكالعادة تكون البيعة لله ورسوله . هذا الموقف البطولي أخاف قريش فأحجمت عن هجومها ولجأت للتفاوض السلمي . ونزلت آيات القرآن تعتبر ذلك نصرا ، وتؤكد أن أولئك الذين بايعوا النبي محمدا عليه السلام إنما كانوا يبايعون الله تعالى ، وكل منهم مسئول عن تنفيذ ما التزم به أمام الله تعالى ، ومن يوفى منهم ببيعته فسيكون جزاؤه عظيما عند الله تعالى ، وتؤكد آية أخرى أن الله قد رضي عن الذين بايعوا النبي تحت الشجرة ، وقد اطلع على الإخلاص الذي عم قلوبهم في هذه اللحظة الحرجة فزادهم سكينة وثقة وكافأهم بنصر قادم آت ، وكان هذا النصر هو فتح مكة سلميا بعدها. ( 48 / 10 ،18 ) هذا هو مفهوم البيعة في الإسلام، وذلك كان تطبيقه في عهد النبي محمد عليه السلام. وكان يشمل الرجال والنساء .تغير هذا كله بالتدريج في تاريخ المسلمين بعد وفاة النبي محمد عليه السلام . حوصر المسلمون بعد وفاة النبي بحركة الردة، حيث تجمع الأعراب ( أشد الناس كفرا ونفاقا )حول المدينة يريدون الهجوم عليها في ذلك الوقت الحرج ، فكان لابد من القيام بالبيعة لقائد يقوم بالأمر فتم اختيار أبى بكر وما لبث أن مات أبو بكر وقد دخل المسلمون في حرب جديدة ضد الفرس والروم . واستلزم الوضع الجديد البيعة لقائد جديد بعد أبى بكر فكان عمر . وبالفتوحات دخل المسلمون في عهد جديد تناسوا فيه جوهر الإسلام ( العدل وحرية الرأي والفكر ) فكان لابد من نسيان البيعة بالمفهوم القرآني فتتحول من بيعة لله تعالى تقوم على أساس طاعته وتنفيذ أوامره ويكون تطبيقها منوطا بضمير المسلم نفسه إلى بيعة خضوع لحاكم مستبد ليحكم مستبدا طيلة عمره دون رقيب أو حسيب ، وطبقا لتلك البيعة تجب طاعته طاعة مطلقة ، مهما استأثر بالحكم والسلطان والثروة . وهذا ما بدأ في الدولة الأموية ولا يزال ساريا في بعض دول المسلمين حتى الآن . مكانة المرأة :- في هذه السورة ملمح واضح يدل على مساواة المرأة بالرجل في الحقوق والواجبات في الإسلام حيث يحق لها المشاركة السياسية وحقوق المواطنة كالرجل إذ عليها أن تبايع الحاكم شأن كل رجل .مشاركة المرأة السياسية أكدها القرآن الكريم ليس فقط على المستوى التشريعي ولكن أيضا على المستويين التطبيقي والتاريخي . على المستوى التطبيقي كان للمرأة أن تجادل النبي وتشكو له ولا تقتنع بإجاباته فتدعو الله تعالى أن ينزل لها وحيا يحل مشكلتها فينزل الوحي يقول : (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ 58 /1). وكان مجتمع المدينة في عصر نزول القرآن خلية نحل تموج بالحركة والنشاط، حيث أباحت حرية الفكر والعقيدة والتعبير والحركة السلمية المعبرة عن العقائد أن تتألف جماعات من المنافقين والمنافقات يتحركون معا يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف فتقابلهم جماعات أخرى من المؤمنين والمؤمنات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. (9 / 67 ، 71 )هذا والدولة الإسلامية في عصر النبي محمد لا تتدخل في منع هذا أو تأييد ذاك لأن مهمتها هي كفالة الحرية في العقائد والتعبير عنها بالطرق السلمية دون أن يقوم طرف بإكراه الآخرين أو اضطهادهم في الدين. على المستوى التاريخي فقد جعل الله تعالى المثل الأعلى للمؤمنين في كل زمان ومكان اثنتين من النساء هما السيدة مريم العذراء وزوجة فرعون ، كما جعل المثل الأسفل لكل الكافرين في العقيدة والسلوك امرأتين أيضا هما زوجة نوح وزوجة لوط .( 66 / 10 12) . كما قص الله تعالى قصة ملكة سبأ ( 27 / 22 44)، وتكررت في القرآن قصة فرعون موسى. والتدبر القرآني وهو فريضة منسية يحمل المسلم على المقارنة بين اثنين من الحكام كلاهما تعامل مع نبي من الأنبياء بطريقة مختلفة، وفازت الحاكم الأنثى وخسر الحاكم الذكر وأضاع عرشه وقومه. ليس المقصد هنا أن المرأة أفضل من الرجل في مجال الحكم، ولكنها إشارة تاريخية إلى أن امرأة حكمت فكانت راشدة في وقت يضل فيه أغلب الحكام الذكور. المقارنة هائلة هنا بين الإسلام والدين السني . الدين السني يجعل المرأة مخلوقا من ضلع أعوج يستحيل إصلاحه ، ويجعلها "ناقصة عقل ودين ".!! هل يصح أن يقال عن السيدة مريم عليها السلام أنها ناقصة عقل ودين بعد كل هذا المدح الذي قاله الله تعالى عنها في القرآن الكريم؟ في الحضارة الغربية لم يتم إعطاء المرأة حقوقها السياسية إلا مؤخرا ، ولكن الإسلام سبق الجميع في ذلك. الإسلام لم يحرم على المرأة أي عمل حلال يقوم به الرجل ، ويسرى ذلك على الجهاد ، والدليل أن الأعذار المبيحة للتخلف عن الجهاد هي أعذار تحدث للمرأة والرجل على حد سواء، فليس هنا حرج على الأعمى أو الأعرج أو المريض في موضوع القتال الدفاعي في الإسلام (48 / 17 ). هذه الأعذار تسرى هذا على الجنسين في الذكر والأنثى . وحتى في الصيام والحج كانت الشروط عامة للذكر و الأنثى ، بل أن الأمر يأتي بلفظ "الذين آمنوا " ، " يا بني آدم " ، " يا أيها الناس " ليخاطب المرأة والرجل معا، وكل امرأة يشملها الأمر والنهى كالرجل تماما ، أكثر من هذا فإن النسق القرآني في تشريع الأحوال الشخصية من زواج وطلاق لا يذكر مطلقا لفظ زوجة وإنما يقول " زوج " دلالة على الزوج والزوجة ويأتي السياق يحدد المقصود بها. والمقصود هنا هو المساواة الكاملة من حيث التكوين بين الزوج الرجل والزوج الأنثى فكلاهما واحد من حيث الأصل والنشأة ، وكلاهما لهما نفس الحقوق وعليهما نفس الواجبات طبقا للعدل . وهناك تفصيلات أخرى تأتى فى موضعها، وقد فصلنا القول فيها في كتاب لنا لم ينشر عن تشريعات المرأة بين القرآن والفقه السني. هناك شيء هام في سياق آيات سورة الممتحنة يستلزم الإيضاح . هو ح