سبق لمن يسمون أنفسهم بالإسلاميين التكفيريين أن لاحقوا الدكتور أحمد صبحي منصور أمام القضاء حتي اضطر للخروج من مصر كما سبق أن خرج نصر أبو زيد. تمثل المبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية طبقا لقراءة الباحث والمفكر الإسلامي الدكتور أحمد صبحي منصور كقرآني يعتد فقط بالنص المقدس الذي هو القرآن الكريم، ويري أن الأحاديث النبوية التي جري جمعها بعد مائتي عام من موت الرسول – تتمثل هذه المبادئ في العناصر التالية المبدأ الأول: قلنا إنّ مبادئ الشريعة الاسلامية هي : (1 ) المساواة ،و(2 ) حُكم الشعب بالديمقراطية المباشرة وتحريم الاستبداد ، و(3 ) الحرية المطلقة في الدين ، و (4 ) العدل ، و( 5) حق الحياة ، و (6) التخفيف والتيسير في إصدار التشريعات . ونتوقف الان مع المبدأ الأول : المساواة : أولا : مبدأ المساواة بين البشر ينبع من عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ):(هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيرُ اللَّهِ)(3)( فاطر ) 1 لا جدال بين طوائف المؤمنين في أن الله جل وعلا هو وحده خالق هذا الكون بمن فيه وما فيه ، وبالتالي فهو جل وعلا وحده الاله الذي لا شريك له في مُلكه وسيطرته ، أو بإيجاز رائع يقول جل وعلا (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ )(54)(الأعراف). فلأنه جل وعلا هو خالق كل شيء (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيءٍ )(62)(الزمر الْقَهَّارُ (16)(الرعد) . هذه حقائق معروفة ، أتينا بها هنا لأنه يترتب عليها أنه لا يجوز لمخلوق من البشر أن يضع نفسه فوق بقية المخلوقات البشرية ، وبالتالي فلا بد أن تتفرع ( المساواة ) بين البشر من حقيقة أنه ( لا اله إلا الله ) . ثانيا : المساواة المطلقة بين البشر والأنبياء في الخلق والموت والمسئولية والحساب : 1 من الخطأ القول بأن الأنبياء والمرسلين هم ( أفضل البشر ) وبالتالي لا يتساوون مع البشر . صحيح أن الله جل وعلا يصطفي ويختار من هم الأكثر إستعدادا لتحمل مسئولية الرسالة ولكن وحي الرسالة السماوية يؤكّد مساواتهم مع البشر في الخلق والموت والمسئولية والحساب. بشر مثلنا 2 الأنفس البشرية الم تدافع وتجادل عن نفسها ثم تلقي جزاء عملها : ( يوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّي كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يظْلَمُونَ (111)النحل ). 3 أكثر من هذا فإن الحساب يوم مريم ). وهنا منتهي المساواة. وهي 4 الأخري في إشارة الي مسئوليتهم الكبري أكبر من الأفراد العاديين من بقية البشر. 5 وبالتالي فإن الوحي الذي ينزل علي فرد من البشر ويصير به نبيا رسولا لا يرفعه فوق مستوي البشر ، بل يظل به بشرا مساويا للآخرين في التكاليف الشرعية ، بل ويزيد عنهم في تحمل المسئولية. الأنبياء سواسية ثالثا : المساواة بين خاتم النبيين وقومه في الخلق والموت والمسئولية والحساب. 1 يؤمن الاخوان والسلفيون ومعظم المسلمين بأفضلية النبي محمد علي بقية الأنبياء عليهم جميعا السلام ، ويرفعونه الي مستوي التقديس والتأليه بمزاعم الشفاعة والعصمة ، وقد أثبتنا تعارض ذلك مع الاسلام في كتاب ( الأنبياء في القرآن الكريم ) وأربعة كتب أخري كنا قد قررناها علي الطلبة في جامعة الأزهر عام 1985،وتسبب هذا في محنة استمرت عامين من المحاكمات ،وانتهت بتركي الأزهر ثم بالسجن عام 1987 . ومن هذا الافتراء العقيدي بتأليه النبي محمد عليه السلام ينبع عدم إيمانهم بالمساواة بين البشر ، ويشعر أئمة السنيين والاخوان والسلفيين بأنهم ( أعلي مرتبة ) من بقية الناس . وهناك في القرآن الكريم أكثر من 150 آية تنفي شفاعة النبي وشفاعة البشر ، و150 آية تنفي عصمته البشرية ، وتجعلها با مرجع ذلك لرب العزة يوم الدين . لا مجال هنا للتفصيل ، ولكنها إشارة الي التناقض بين عقائد الاخوان والسلفيين السنيين وعقيدة ( لا اله إلا الله ) الاسلامية ، ومنها يتفرع الخلاف حول المساواة بين البشر ، فبينما يؤكد عليها رب العزة في القرآن فإنها مرفوضة لدي السلفيين والاخوان. 2 كان الرسول محمد عليه السلام مأمورا أن يعلن لق المشركين أن يتخيلوا أن يكون الرسول فوق مستوي البشر، لذا كانوا يسخرون من النبي محمد عليه السلام لأنه شخص من البشر مثلهم ( الأنبياء 36 )( الفرقان 41 ، 7 : 8 ). ولو بعث الله جل وعلا محمدا عليه السلام من قبره وجاء للقاهرة يعظ بالقرآن لاتهمه الأزهر والسلفيون والاخوان بإزدراء الأديان ، فطبيعة الذهنية المّشركة تأبي أن يكون الرسول بشرا ، علي الأقل يطلبون أن يكون من الملائكة ، ولهذا تعجب العرب من أن يكون النبي محمد رجلا منهم ومساويا لهم فقال جل وعلا:(أَكَانَ ومثلهم ،وهو عربي (أمّي ) منهم ومثلهم. استكبار قريش 3 وكونه نبيا مرسلا لا يعطيه أفضلية يوم الدين ، بل هو مُساءل كبقية أصحابه . كان مستكبرو قريش يتأفّفون ويستنكفون من المساواة بالفقراء المستضعفين المؤمنين، ويرفضون الجلوس مع النبي لأن الفقراء المؤمنين يجتمعون بالنبي . وحرصا من النبي علي التقرب لأول شَيءٍ فَتَطْر عنه شيئا من حسابه يوم القيامة . وهنا أروع صورة للمساواة بين النبي والفقراء من أصحابه . وإذا كان أصحاب النبي لن يغنوا عنه شيئا يوم الحساب فإن خصومه أيضا لن ينفعوه يوم الحساب إذا أطاعهم ، وقد جاء له الأمر باتباع شريعة القرآن والنهي عن إتباع )(19)الجاثية ). ومن أسف أن شريعة أصحاب الهوي ما لبث أن عادت بعد موته عليه السلام ، وتمت كتابتها بأثر رجعي في العصر العباسي عبر أحاديث مزورة منسوبة للنبي بعد موته بقرنين وأكثر ..وهي أساس دين الاخوان والسلفيين. 4 ويقول جل وعلا له عليه السلام عن القرآن: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) (الزخرف). هنا المسئولية والمساءلة بالتساوي بينه وبين قومه . كلا ، بل تأكيد المسئولية عليه أكثر لأنه فرد واحد في كفة ، وقومه كلهم في كفة أخري . وعن موته هو مَيتٌ ) وقال عن خصومه ( وَإِنَّهُمْ مَيتُونَ ) أي نفس المساواة في استحقاق الموت للجميع علي قدم المساواة ،والذي يعني للجميع تحلل الجسد وتحوله الي جيفة ثم الي رماد ، لا فارق بين جسد النبي محمد و جسد أبي جهل . ثم سيتخاصم النبي محمد مع أولئك الاعداء وسيتخاصمون معه يوم الحساب علي قدم المساواة حيث ستأتي كل نفس تجادل عن نفسها (ثُمَّ إِنَّكُمْ يوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ ) أي مساواة أيضا في التخاصم بعد المساواة في معني الموت. وأيضا نقول إن المسئولية علي النبي أشد لأنه شخص يوضع في كفّة مقابل مئات بل آلاف الخصوم في الكفة الأخري .. 5 المستفاد مما سبق أن المساواة بين البشر تنبع من عقيدة أنه لا اله إلا الله ، وأن هذه المساواة تشمل صفوة البشر ، وهم الأنبياء الذين قال عنهم رب العزّة : (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيثُ يجْعَلُ رِسَالَتَهُ) (124) (الأنعام). وهي مساواة في الخلق وفي العبودية للواحد القهّار، وفي التكاليف الشرعية وفي الحساب يوم القيامة . وبذلك يكون مبدأ المساواة أول مبدأ للشريعة الاسلامية ينبع من عقيدة الاسلام ( لا اله إلا الله ). تكافؤ الفرص رابعا: بين المساواة وتكافؤ الفرص في الدنيا والآخرة: 1 وترتبط المساواة بتكافؤ الفرص ، يقول جل لأب واحد وأم واحدة، وقد جعلنا الله الخالق جل وعلا مختلفين من حيث العنصر واللون والثقافة لكي نتعارف لا لكي نتحارب . وجعلنا متساوين أيضا في اختيار الطاعة أوالمعصية ، ومع هذه المساواة فلا يمكن أن يتساوي العاصي المجرم بالمتقي المؤمن ، وهذا ما سيحدده الله جل وعلا وحده وهو العليم الخبير يوم القيامة ، فالأكرم بيننا هو من سيكون يوم القيامة متقيا حسب عمله وإيمانه . 2 وتبعا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيهَا ثُمَّ إِلَي رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الشوري ). 3 وطبقا لتكافؤ الفرص فلا يمكن أن يتساوي الصالح الَّذِينَ اجْتَرَحُوا مساواة المرأة خامسا : بين المساواة والعدل في تشريعات المرأة: 1 تتجلي المساواة بين الرجل والمرأة في صور شتي : فكلمة ( الزوج ) في القرآن يدل بمنتهي المساواة عن الرجل و المرأة ، و السياق هو الذي يوضح المقصود منهما إلا إذا جاء في الآية القرآنية والسياق ما يؤكد اقتصار الخطاب علي الرجل أو المرأة . وكلمة ( الوالدين ) و( آباؤكم ) تدل علي الرجل والمرأة معا علي قدم المساواة . وتدخل المرأة في الخطاب القرآني في كلمات مثل ( النفس ) (الناس ) ( بني آدم ) و ( الذين آمنوا ) فالقرآن مثلا في الصيام والصلاة والزكاة والجهاد يأمر الذين آمنوا ، ومعروف أن الأمر يشمل الجنسين. والأعذار تأتي عامة للجنسين للمريض والمسافر والأعمي والأعرج .والمقصود هنا هو المساواة الكاملة من حيث التكليف الشرعي بين الرجل والمرأة . 2 يقو العدل شقيق المساواة 3 العدل يصاحب المساواة كما يصحبها تكافؤ الفرص ، فالزوج يدفع المهر ويقوم بمسئولية رعاية زوجته وبالتالي تكون له القوامة عليها مع ارتباط القوامة بأن يعاشرها بالمعروف حتي لو كان يكرهها ( النساء 34 ، 19). بدون ذلك لا تكون له قوامة. وللمرأة أن تشترط أن تكون العصمة بيدها ، أو أن تكون لها القوامة ، فالزواج عقد بالتراضي ، ولا بد من الوفاء بالعقود ( المائدة 1 ). وكما للرجل حق الطلاق فللمرأة حق ( الخُلع ) أو الافتداء (البقرة 229 ) . 4 وفي النهاية فإن كل الأوامر التشريعية في القرآن يخضع تنفيذها للمبادئ والمقاصد التشريعية الكبري وهي العدل ومنع الظلم ، والتيسير والتخفيف . وكل مبادئ الشريعة الاسلامية مترابطة ومتداخلة. وسيظهر هذا في المقالات القادمة.