إنشاء جامعة دمنهور الأهلية بحي البستان بمدينة الدلنجات في البحيرة    كلية اللغات والترجمة بجامعة 6 أكتوبر تُوقع بروتوكول تعاون مع ألسن بني سويف    لمواجهة الفكر المتشدد.. "أوقاف الفيوم" تنظم دروسًا منهجية للواعظات    سعر الريال القطرى اليوم الأربعاء 28- 5-2025 فى منتصف التعاملات    محافظ بنى سويف يستمع لمشاكل واحتياجات أهالى قرية بنى هانئ    رئيس مدينة رأس غارب يعقد اللقاء الدوري مع المواطنين لتلبية احتياجاتهم    الرئيس السيسى يتابع المُستجدات المُتعلقة ب"الرواد الرقميون" ودراسة توسيع قاعدة المستفيدين لإحداث نقلة نوعية في الكوادر المدربة بمجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.. ويوجه بالاستمرار في تنفيذ خطط التحول الرقمي    بنك ABC مصر يحقق صافي أرباح 564 مليون جنيه    اعترافات قاتل.. نتنياهو يقر ب"استجوابات العراة" ويبرر جرائم غزة    الصحف العالمية اليوم.. ترامب يبعث رسالة تحذيرية ل نتنياهو بشأن محادثات ايران النووية.. "الخلاف الأول"إيلون ماسك يعلق علي قانون ضرائب ترامب..وعمدة لندن يدعو إلى إلغاء تجريم الماريجوانا جزئيًا..ومجتمع السود سببا    إندونيسيا مستعدة لإقامة علاقات مع إسرائيل حال اعترافها بفلسطين    «الأوروبي» يطالب بإيصال المساعدات فورًا ودون عوائق لغزة    مصادر تكشف عن محادثات سرية مباشرة بين إسرائيل وسوريا لاحتواء التوتر على الحدود    قرار جديد من الزمالك بشأن التجديد لعبد الله السعيد    تعرف على ترتيبات تسليم جائزة درع الدورى لبطل الموسم الحالى اليوم    عبد الواحد السيد يتولى الاشراف على ناشئين الزمالك بشكل مؤقت    الزمالك يفقد خدمات الجفالي في نهائي كأس مصر    آمنة الطرابلسي تودع علي فرج برسالة مؤثرة بعد اعتزاله الإسكواش رسميا    بايرن ميونخ دون صفقات قبل كأس العالم للأندية    السيطرة على حريق بمصنع إسفنج بالشرقية    تموين الغربية يضبط مجزر دواجن غير مرخص بزفتى | صور    روبوت ينظم المرور بشوارع العاصمة.. خبير مرورى يكشف تفاصيل التجربة الجديدة.. فيديو    مبادرة "أنورت" تهدف لاستقبال ضيوف الرحمن والترحيب بهم فى جميع المنافذ البرية    أيمن بهجت قمر: أشتغلنا على « ري ستارت سنتين»- خاص    مقطوعات من التراث العربي والفلسطيني فى افتتاح مهرجان روتردام للفيلم العربي    الشركة المتحدة تفوز بجائزة أفضل شركة إنتاج بحفل جوائز قمة الإبداع    وداعاً تيتة نوال.. انهيار وبكاء أثناء تشييع جنازة جدة وئام مجدى    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل الغارة الجوية الإسرائيلية على صنعاء    دار الإفتاء توضح أفضل الأعمال في أيام العشر من ذي الحجة.. ذكرٌ وصيامٌ وتهليل وأضحية    بيت الزكاة يصرف 500 جنيه إضافية لمستحقي الإعانة الشهرية غدًا الخميس    كفاءة الطواقم الطبية.. إنقاذ شاب من إصابة قاتلة في الرقبة ب«أجا»    الصحة تنظم يوماً علمياً بمناسبة اليوم العالمى لمرض التصلب المتعدد لتعزيز الوعى    رئيس جامعة أسيوط يفتتح تطوير الصالة المغطاة بالقرية الأولمبية    البليهي يرحب بالرحيل عن الهلال    «تمريض بني سويف» تستقبل لجنة الدعم الفني بمركز ضمان الجودة    وزير التعليم: 98 ألف فصل جديد وتوسّع في التكنولوجيا التطبيقية    قبل مواجهات حسم الدوري.. كواليس تحركات فريق بيراميدز فى المحكمة الرياضية الدولية    صندوق النقد يحث مصر بتقليص دور القطاع العام في الاقتصاد بشكل حاسم    إعادة فتح باب تلقي طلبات توفيق الأوضاع بمنطقة الحزام الأخضر ب 6 أكتوبر    هل نجح فيلم نجوم الساحل في تحقيق إيرادات قوية.. شباك التذاكر يجيب؟    وزير التعليم العالي يترأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية ويوجه بسرعة إعلان نتائج الامتحانات    زيلينسكي يقترح عقد اجتماع ثلاثي مع ترامب وبوتين    60 نصيحة من دار الإفتاء لاغتنام أكبر ثواب فى العشر الأوائل من ذى الحجة    أول أيام ذي الحجة 2025.. كيف نستعد؟    "أدهم ضحية بلا ذنب".. مقتل بائع متجول تصادف مروره قرب مشاجرة بسوهاج    الحوثيون: إسرائيل شنت 4 غارات على مطار صنعاء    نائب وزير الصحة: إنشاء معهد فنى صحى بنظام السنتين فى قنا    طريقة عمل قرع العسل، تحلية لذيذة بخطوات بسيطة    وزير الخارجية يتوجه إلى المغرب لبحث تطوير العلاقات    وزير الثقافة: ملتزمون بتوفير بنية تحتية ثقافية تليق بالمواطن المصري    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الأربعاء 28 مايو 2025    قرار من «العمل» بشأن التقديم على بعض الوظائف القيادية داخل الوزارة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق مخزن بلاستيك بالخانكة| صور    مصر وتشاد تبحثان مستجدات إقامة مشروع متكامل لمنتجات اللحوم والألبان    رابط نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2025 برقم الجلوس فور ظهورها في بورسعيد    محامي نوال الدجوي يروي تفاصيل محاولة الحجر على موكلته وطلب حفيدها الراحل الصلح    وزير الأوقاف يهنئ الشعب المصري والأمة العربية بحلول شهر ذي الحجة    ألم في المعدة.. حظ برج الدلو اليوم 28 مايو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية المباشرة هي الأصل العقيدي في الإسلام لحكم الشعب
نشر في الأهالي يوم 01 - 10 - 2013

ولأن الحاكم المستبد بالأمر هو من يعلو علي الناس أي يتسيد عليهم فإن الديمقراطية المباشرة من جذور عقيدة الإسلام التي لا يعلو فيها إلا الله تعالي وحده ، والتي يكون فيها الحاكم خادما للناس وليس مستعليا عليهم ، والتي يكون فيها المتقون هم الذي المسلمين (تِلْكَ ال زعيمهم وإمامهم .فخاتم الأَمْرِ) ( آل عمران 159 )، أي من يستنكف عن الشوري ومن لا يؤمن بالمبدأ الاسلامي أن الأمة هي مصدر السلطات إنما يكون قد رفع نفسه فوق مقام النبي محمد عليه السلام. وفعلا فإن من ينكر أن الأمة هي مصدر السلطة يؤمن بالنقيض وهو أن المستبد الثيوقراطي يستمد سلطته من الله عز وجل ، أي يجعل ذلك المستبد بالكذب والافتراء الاها علي الأرض يمارس سلطة الله تعالي علي الناس، أي يجعل ذلك المستبد ( يعلو ) علي الناس الي درجة أن يكون وحده المختار من بين الناس للتحكم في الناس ولأن يتملك الناس وأموال الناس ومصائر الناس ، وهذا لا ينافي فقط العدل و القسط في الاسلام ، ولا يناقض فقط قيمة الحرية في الاسلام بل ينافي قبل كل شيء عقيدة الاسلام التي تقصر التأليه و التقديس علي الله جل وعلا وحده ، بحيث لا يكون من حق أي فرد من البشر العلو فوق مستوي بقية البشر. وكل ذلك في التأكيد علي أن الشوري الاسلامية الحقة أو الديمقراطية المباشرة الكاملة جزء من عقيدة ( لا اله الا الله ) .ونعطي بعض التفاصيل.
فرعون وموسي
1 فالله جل وعلا وحده هو الذي لا يسأل عما يفعل ، وليس مسئولا أمام أحد من خلقه، وما عداه من مخلوقات هي تتعرض للمساءلة (لا يسْأَلُ عَمَّا يفْعَلُ وَهُمْ يسْأَلُونَ )(الأنبياء 23). وعليه فالحاكم الذي يستنكف ان يسائله شعبه يكون مدعيا للألوهية كافرا بعقيدة الاسلام حيث رفع نفسه الي مستوي الله تعالي الذي لا يسأل عما يفعل.
2 ثم إن خاتم النبيين محمدا عليه وعليهم السلام قد أمره الله تعالي بأن يشاور الناس ، انه نبي يأتيه الوحي الالهي ومع ذلك فالوحي الالهي نفسه يأمره بالشوري ، وعليه فان أي حاكم مسلم يستنكف من ممارسة الشوري انما يرفع نفسه فوق مستوي خاتم النبيين ،ويدعي الألوهية، وهو بذلك يخرج عن الاسلام ويكفر به.
3 القرآن الكريم ردد قصة فرعون موسي وجعله نموذجا لعقلية الحاكم المستبد الذي يصل به استبداده الي ادعاء الألوهية ويصل به فساده الي اهلاك نفسه ومملكته وجنده وقومه.وحين تتدبر القصص القرآني عن ذلك الفرعون تجد كل ملامح العقلية الاستبدادية وانعكاسها علي الملأ المحيط بالفرعون وترديدهم لما يحب أن يسمعه ، واكثر من ذلك تجد مستبدي عصرنا يرددون نفس التعبيرات ويعيشون نفس العقلية.
4 وكما أن العدل أو القسط هو سبب انزال الكتب السماوية وارسال الأنبياء والرسل عليهم جميعا السلام ( الحديد 25 ) فان الظالم هو خصم لدين الله تعالي وشرعه ، وعليه فالديمقراطية الاسلامية أو الشوري هي العدل السياسي في الاسلام بينما يكون الظلم هو أساس الاستبداد المناقض للاسلام حين ينفرد شخص واحد أو أسرة أو حزب او قبيلة باحتكار السلطة والثروة دون بقية الشعب. كل ذلك يؤكد ان الاستبداد قرين الكفر والظلم كما أن الديمقراطية الاسلامية لها جذور في عقيدة التوحيد الاسلامية.
الشوري كالصلاة إحدي فرائض الاسلام الشرعية
الشوري فريضة اسلامية غائبة ، أقامها المسلمون في عهد خاتم النبيين محمد عليه السلام ، ثم بدأ تجاهلها بعده بالتدريج ، الي إن تم نسيانها تماما وتحولت الي تعبير عن الاستبداد. ومن العجب ان الشوري الاسلامية كفريضة اسلامية جاء الأمر ب وايتاء الصدقة ، لتؤكد أن فرضية الشوري مثل الصلاة ، فكما لا يصح الاستنابة في الصلاة – اي لا يصح أن يصلي أحد عنك – فلا يصح أيضا أن ينوب عنك غيرك في حضور مجالس الشوري – وهي جمعية عمومية في كل قرية وحي تضم كل الناس وبالتالي فالشوري الاسلامية هي الديمقراطية المباشرة وليست الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابي ، أي أن الشوري الاسلامية تتفوق علي أغلب الديمقراطيات الغربية النيابية . واذا كانت الصلاة فرضا عينيا علي كل مسلم في الصحة والمرض وفي الاقامة والسفر وحتي وقت الحرب فان فريضة الشوري كذلك يمارسها المسلم في جماعة المسلمين أو المواطنين ، كما يمارسها في بيته وعمله . من المهم هنا التأكيد علي أن مصطلح المسلم هو كل مواطن مسالم بغض النظر عن عقيدته وايمانه .
نزلت فريضة الشوري في مكة، وطبقها المسلمون فيها وقت أن كانوا أقلية مستضعفة ( الشوري – 38 -)، ثم بعدها في المدينة كانت تؤدي علانية كفريضة اسلامية في المسجد الذي يتحول الي مجلس عام أو جمعية عمومية تشمل كل افراد المسلمين رجالا ون إِنَّ الَّذِينَ يسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُو فَلْيحْذَرْ الَّذِينَ يخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (63 النور ) وتردد في أيات أخري بعض ما كان يحدث في مجالس الشوري. ( المجادلة 7 : 13).
الإسلام سلوكيا هو السلام
لا يمكن تطبيق الشوري الاسلامية بمعزل عن بقية القواعد الأساسية الأخري للدولة الاسلامية ، ومنها:
1 السلام: فالاسلام في معناه السلوكي هو السلام ، والمسلم سلوكيا هو من يسلم الناس من اعتدائه. وكل إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته وايمانه. الاسلام في معناه الاعتقادي هو التسليم القلبي و الطاعة لله تعالي ، وهذا ما سيحكم عليه رب العزة يوم القيامة ، وليس لأي بشر أن يتقمص دور الله تعالي في هذه الناحية ، وإذا فعل فهو خارج عن الاسلام وعقيدته ومدع للألوهية. والشرك و الكفر في المعني الاعتقادي هو الاعتقاد في غير الله تعالي أو تأليه غير الله تعالي. وذلك اعتداء علي حق الله تعالي في أن يكون وحده المعبود الذي لا اله سواه. و الشرك و الكفر في معناه السلوكي هو الاعتداء علي المسالمين بالقتل و القهر. أو هو الارهاب بمصطلح عصرنا. وبذلك فإن لنا كبشر أن نحدد المشرك أو الكافر حسب سلوكه العدواني الارهابي ، دون تدخل في عقيدته حيث أن مرجع الحكم في العقائد لله جل وعلا يوم القيامة.
وفيما يخص موضوعنا عن الشوري فان كل المواطنين المسالمين الذين يعيشون في إطار الدولة الاسلامية هم مجتمع الشوري فيها بغض النظرعن عقائدهم وطوائفهم، يستوي إن كانوا سنة أو شيعة أو يهودا او نصاري أو ملحدين أو مؤمنين. لا شأن لأحد بعقائدهم واختيارهم العقيدي فهم مسئولون عنه امام الله تعالي يوم القيامة. إنما الشأن في سلوكهم السلمي في المجتمع ، فإذا ارتكبوا جرائم علي الأنفس و الممتلكات و حقوق الانسان عوقبوا بها ، وإذا كانوا ارهابيين يقتلون الآمنين المسالمين من الناس فهم خارجون عن الدولة و المجتمع ، وليسوا جزءا من نظام الشوري الاسلامية.
2 الحرية المطلقة للعقيدة والفكر والتعبير عنهما: وهنا تتحدد مهمة الدولة في توفير الأمن الداخلي لكل افراد المجتمع ، وتوفير الأمن الخارجي للوطن ،و إقامة القسط بين الناس و توفير الحرية المطلقة للأفراد والجماعات في العبادة والعقيدة والرأي والفكر. وهذا لا يعني الاعتداء علي الأشخاص وقذف المحصنات ، فلا بد من وضع حدود فاصلة بين هذا وذاك. وذلك مفهوم ومشروع. الهداية ليست مسئولية الدولة بل هي مسئولية فردية فمن اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ، ولن تستطيع أن تهدي من أحببت ، ولكن الله تعالي هو الذي يهدي من يشاء أن يهتدي من البشر. وتلك علاقة بين الانسان وربه لا شأن للدولة الاسلامية بها.
3 العدل و القسط: المهمة الكبري للدولة الاسلامية هي إقامة القسط ، في التعامل بين الأفراد و فيما بين الجماعات ، وفي علاقتها بالدول الأخري في المجتمع الدولي. لا بد من توفير العدل الاقتصادي بكفالة حقوق الفقراء والمساكين و السائل والمحروم واليتيم وابن السبيل ، ولا بد من توفير العدل السياسي بان يكون كل المواطنين شركاء في الحكم السياسي ، أي يحكمون أنفسهم بانفسهم. الظلم في توزيع الثروة يؤدي الي الظلم في تقسيم السلطة وقيام حكم استبدادي. و حصر السلطة في فئة يجعل تلك الفئة متحكمة في الثروة. فالثروة و السلطة يبحث كل منهما عن الاخر. فلا بد من وجود عدل اجتماعي ليتأكد العدل السياسي أي الشوري الاسلامية.
وهكذا لا بد أن تتضافر كل القيم معا حتي يمكن إقامة الديمقراطية الاسلامية أو الشوري الاسلامية . لا يمكن إقامة الشوري الاسلامية بضياع العدل الاجتماعي وسوء توزيع الثروة،أو بمصادرة الحرية الفكرية والدينية ، أوبالتفرقة بين المواطنين علي اساس المعتقد والدين أو الجنس واللون و الذكورة والأنوثة.
الأمة مصدر السلطات في الشوري الاسلامية
1 في ديمقراطية الاسلام تجد الأمة هي مصدر السلطات وليس الحاكم . لقد جاء النبي محمد هاربا بحياته ودينه من اضطهاد قريش فأقام له مسلمو المدينة وغيرهم دولة ، هي أول وآخر دولة اسلامية حقيقية . قال له ربه تعالي يخاطبه وهو الحاكم لتلك من حوله ؟ سيفقد قوته، وسيفقد الحماية، وسيعاني الاضطهاد. اذن هو يستمد السلطة والقوة والنفوذ والدولة من اجتماعهم حوله ، أي أنهم مصدر السلطة له في الدولة التي أقاموها له ، أي أنه لا يستمد سلطته من الله تعالي وأنما يستمدها من الشعب ، ولأنها سلطة الشعب فلا بد أن يستميل اصحاب السلطة اليه- أي الشعب – كي لا ينفضوا عنه . فماذا يفعل ؟ تقول الآية تضع التشريع السياسي للنبي الحاكم وكل حاكم ديمقراطي ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ( آل عمران 159 ) أي يعفو عنهم اذا أساءوا اليه ، ويستغفر لهم اذا أذنبوا في حقه، ويشاورهم في الأمر – كل أمر – لأنهم أصحاب الأمر. الأمر بالشوري جاء هنا يأمر النبي بأن يشاورهم جميعا في أي أمر مطروح بحثه – أي يشاوركل المواطنين رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء دون تفرقة من أي نوع أو استثناء لأي نوع – وفق الديمقراطية المباشرة التي لا مجال فيها للتمثيل النيابي أو الديمقراطية غير المباشرة.
لاحظ هنا أن الحاكم المستبد الذي يسرق سلطة الشعب ويحتكرها لنفسه لا يحتاج الي أن يكون لينا هينا مع الناس بل يمارس ما بسمي بهيبة الدولة أو هيبة النظام التي تتجلي في تسلط ضابط البوليس مع أفراد الشعب لارهاب الناس وارعابهم وتخويفهم حتي يسكتوا عن حقوقهم المسلوبة . ولذلك يقترن الاستبداد بالتعذيب بدءا من فرعون موسي الي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مع بداية الخروج علي تعاليم الاسلام وديمقراطيته وشفافيته وعدله ، حيث بدأ التعذيب لارهاب المعارضة ، وتعرض للتعذيب بعض كبار الصحابة – بدرجات مختلفة – ومنهم عمار بن ياسر وابن مسعود وأبو ذر وأبوالدرداء. ثم أصبح التعذيب سنة متبعة ملازمة للظلم والفساد والاستبداد من العصر الأموي وحتي عصرنا السعيد . وعليه كان لزاما التعتيم علي فريضة الشوري الاسلامية ومصادرتها لصالح الاستبداد.
ليس في الدولة الاسلامية حاكم فرد لأن الشعب هو الحاكم
1 ان الخطاب التشريعي في القرآن الكريم جاء يخاطب عمو أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم يأتي مباشرة ل وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يكْسِبُونَ ) (التوبة95 ) .لم يأت التشريع القرآني للمسلمين يخاطب حاكما فردا علي الاطلاق وانما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامر تشريعية عقيدية وأخلاقية وسياسية وحربية، علي اعتبار انهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم.
وهذا الخطاب للمؤمنين في دولتهم الاسلامية الديمقراطية بتلك الأوامر يخالف رسالة النبي موسي عليه السلام التي كانت في البداية موجهة الي شخص واحد هو الفرعون الذي كان يمثل كل المصريين ويتحدث باسمهم ، لذا توجه موسي وهارون ليس للمصريين ولكن لفرعون فقط لأنه كان يملك مصر وما عليها ومن عليها ، وعلي نسقه سار الخلفاء غير الراشدين في العصور الوسطي ، وعلي سنتهم السيئة يسير الاخوان حاليا في دعوتهم الي الحاكمية التي تعني ان الخليفة يحكم باسم الله تعالي وأنه مصدر السلطة وليس مسئولا أمام الناس ، بل هو مسئول فقط أمام الله تعالي عن الرعية ، فهو الراعي والناس رعية له أو انعام يملكها ويستغلها في الانتاج ويقتل منها ما يشاء ويستبقي من يشاء ولا معقب لقوله ولا راد لارادته، أي انه التأليه للحاكم الناطق باسم الله والذي يحكم باسمه ، لذا كانت الشوري الاسلامية جزءا من عقيدة الاسلام التي تقصر الألوهية علي الله تعالي وحده دون شريك من ولي معبود أو حاكم متأله . ومن هنا أيضا توجه الخطاب القرآني لعموم المؤمنين ولم يتوجه لشخص حاكم اذ ليس في الدولةالاسلامية وديمقراطيتها المباشرة وجود لحاكم ، ولذلك مات خاتم النبيين عليه وعليهم السلام دون أن يعين بعده حاكما لأنه ببساطة لا وجود لحاكم في الدولة الاسلامية بالمعني المتعارف عليه في النظم الجمهورية أو الملكية.
2 جاءت مرة واحدة كلمة ( الحُكّام ) في معر كلمة ( حاكم ) في أي من تفصيلاته التشريعية. بل أن لفظ " يحكم " أو "حكم " جاءت بمعني التقاضي بين الناس في الدنيا ، وليس الحكم السياسي ، أي الحكم بين الناس وليس حكم الناس كقوله تعالي ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)( النساء58 )هذا في التقاضي أو الحكم بين الناس في الدنيا. أما التقاضي بين الناس أو الحكم بين الناس في الآخرة فهو لله تعالي وحده يوم الحساب حين يحكم بين الناس في خلافاتهم العقيدية (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ )(الزمر 46}. باختصار ، فان افعل " حكم" لم يأت في القرآن الكريم متعديا أي بمعني الحكم السياسي أي " يحكم الناس أو يحكم الشعب "، ولكن جاء لازما يحتاج الي ظرف أو جار ومجروربمعني " يحكم بين الناس" ويكون هنا بمعني القضاء والتقاضي أي يقضي بين الناس، أو " يحكم ب " أي يحكم في القضاء بشرع الله تعالي أو شرع غيره . وفي هذا المجال جاء قوله تعالي ( وَمَن لَّمْ يحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )( الاستبداد المحلي العسكري والحزبي ، مع أن هذه الآيات الكريمة تحكم عليهم هم بالكفر والفسوق والظلم . انها تنطبق عليهم هم قبل غيرهم لأنهم الدعاة لتطبيق شريعة الفقه السني المناقضة لما أنزل الله تعالي في الأصول العقيدية و التشريعية . وهذا ما أثبتناه في أبحاث عديدة لنا تناولت التناقض بين الفقه السني والقرآن في المصطلحات والمقاصد التشريعية والقواعد التشريعية والأحكام والتفصيلات التشريعية. الأمثلة عديدة ، ليس فقط في تقديس النبي محمد والصحابة والأئمة والأولياء والقبور المقدسة والأسفار والكتب المقدسة وما وجدنا عليه آباءنا ، بل أيضا انكار فريضة الديمقراطية وفرض الحاكمية الاستبدادية وفي استحلال الدماء التي حرمها الله تعالي. في شريعتهم الشيطانية يوجبون قتل المخالف لهم في الرأي بتهمة الردة ، ويوجبون رجم الزاني وقتل تارك الصلاة وقتل المخالف للسلطان بل جعلوا من حق الخليفة قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.
أولو الأمر ..ليسوا الحكام بل الخبراء
أولو الأمر -بالمصطلح القرآني – هم أصحاب الشأن والاختصاص ، أي الخبراء في الأمر المطروح مناقشته حيث يتعذر علي جمهور المسلمين أن يتخصصوا في كل شيء ، لذا فان طاعتهم واجبة في حدود تخصصهم وفي اطار طاعة المولي جل وعلا والرسول اي القرآن أو الرسالة. وجاء مصطلح أولي الأمر بهذا المعني مرتين فقط في القرآن الكريم { النساء 59 ، 83 } جاء التراث العباسي ليجعل أولو الأمر هم الحكام ويجعل طاعتهم مطلقة حسب تأويلهم للقرآن وتحريفهم لمعناه.
خاتمة
جدير بالذكر ان تشريعات القرآن لا تزيد عن مائتي آية معظمها في حماية الأسرة والمرأة وحماية المجتمع ، وتترك مجالا واسعا للتشريع البشري الذي يغطي كل احتياجات المجتمع في اطار العرف أو المعروف أو ما يتعارف الناس عليه علي أساس انه القيم العليا والفضائل أو ( مباديء الشريعة الاسلامية ) بمفهومنا . وكل تشريع يقننه المجتمع في اطار هذه القيم العليا يكون تشريعا اسلاميا ، كما أن أي دولة تقيم حقوق الانسان ومعالم العدل وحرية الفكر والعقيدة تكون دولة اسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.