شباب المصريين بالخارج مهنئا الأقباط: سنظل نسيجا واحدا في وجه أعداء الوطن    صوامع الشرقية تستقبل 423 ألف طن قمح    التخطيط: 6.5 مليار جنيه استثمارات عامة للإسماعيلية للعام المالي الحالي    الجيش الإسرائيلي يفرض حظر نشر على حادث كرم أبو سالم    أخبار الأهلي: موقف كولر من عودة محمد شريف    رونالدو: الهدف رقم 900؟ لا أركض وراء الأرقام القياسية ... 66 هاتريك أغلبها بعد سن الثلاثين، رونالدو يواصل إحراج ليونيل ميسي    «قطار الموت» ينهي حياة فتاة داخل مدينة ملاهي بأكتوبر    الجد الأعظم للمصريين، رحلة رمسيس الثاني من اكتشافه إلى وصوله للمتحف الكبير (فيديو)    اعرف حظك وتوقعات الأبراج الاثنين 6-5-2024، أبراج الحوت والدلو والجدي    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة بطوخ    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    وزير الإسكان: قطاع التخطيط يُعد حجر الزاوية لإقامة المشروعات وتحديد برامج التنمية بالمدن الجديدة    «شباب المصريين بالخارج» مهنئًا الأقباط: سنظل نسيجًا واحدًا صامدًا في وجه أعداء الوطن    نتنياهو: إسرائيل لن توافق على مطالب حماس وسنواصل الحرب    إعلام عبري: حالة الجندي الإسرائيلي المصاب في طولكرم خطرة للغاية    روسيا تسيطر على بلدة أوتشيريتينو في دونيتسك بأوكرانيا    زعيم المعارضة البريطانية يدعو سوناك لإجراء انتخابات عامة عقب خسارة حزبه في الانتخابات المحلية    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 34 ألفًا و683 شخصًا    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    البابا تواضروس: فيلم السرب يسجل صفحة مهمة في تاريخ مصر    حمدي فتحي: مستمر مع الوكرة.. وأتمنى التتويج بالمزيد من البطولات    وزير الرياضة يتفقد منتدى شباب الطور    بين القبيلة والدولة الوطنية    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    «الداخلية» في خدمة «مُسِنّة» لاستخراج بطاقة الرقم القومي بمنزلها في الجيزة    التعليم: نتائج امتحانات صفوف النقل والاعدادية مسؤلية المدارس والمديريات    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    «سلامة الغذاء»: تصدير نحو 280 ألف طن من المنتجات الزراعية.. والبطاطس في الصدارة    ماري منيب تلون البيض وحسن فايق يأكله|شاهد احتفال نجوم زمن الفن الجميل بشم النسيم    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    الليلة.. أمسية " زيارة إلى قاهرة نجيب محفوظ.. بين الروائي والتسجيلي" بمركز الإبداع    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    دعاء تثبيت الحمل وحفظ الجنين .. لكل حامل ردديه يجبر الله بخاطرك    «الإسكان» تنظم ورش عمل مكثفة للمديريات حول تطبيق التصالح بمخالفات البناء وتقنين أوضاعها    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    رئيس هيئة الرعاية الصحية يبحث تعزيز التعاون مع ممثل «يونيسف في مصر» لتدريب الكوادر    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    "الرعاية الصحية" بأسوان تنظم يوما رياضيا للتوعية بقصور عضلة القلب    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    «التعليم»: المراجعات النهائية ل الإعدادية والثانوية تشهد إقبالا كبيرًا.. ومفاجآت «ليلة الامتحان»    «منتجي الدواجن»: انخفاضات جديدة في أسعار البيض أكتوبر المقبل    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    «الدفاع المدني الفلسطيني»: 120 شهيدا تحت الأنقاض في محيط مجمع الشفاء بغزة    مختار مختار: عودة متولي تمثل إضافة قوية للأهلي    محمود البنا حكما لمباراة الزمالك وسموحة في الدوري    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية المباشرة هي الأصل العقيدي في الإسلام لحكم الشعب
نشر في الأهالي يوم 01 - 10 - 2013

ولأن الحاكم المستبد بالأمر هو من يعلو علي الناس أي يتسيد عليهم فإن الديمقراطية المباشرة من جذور عقيدة الإسلام التي لا يعلو فيها إلا الله تعالي وحده ، والتي يكون فيها الحاكم خادما للناس وليس مستعليا عليهم ، والتي يكون فيها المتقون هم الذي المسلمين (تِلْكَ ال زعيمهم وإمامهم .فخاتم الأَمْرِ) ( آل عمران 159 )، أي من يستنكف عن الشوري ومن لا يؤمن بالمبدأ الاسلامي أن الأمة هي مصدر السلطات إنما يكون قد رفع نفسه فوق مقام النبي محمد عليه السلام. وفعلا فإن من ينكر أن الأمة هي مصدر السلطة يؤمن بالنقيض وهو أن المستبد الثيوقراطي يستمد سلطته من الله عز وجل ، أي يجعل ذلك المستبد بالكذب والافتراء الاها علي الأرض يمارس سلطة الله تعالي علي الناس، أي يجعل ذلك المستبد ( يعلو ) علي الناس الي درجة أن يكون وحده المختار من بين الناس للتحكم في الناس ولأن يتملك الناس وأموال الناس ومصائر الناس ، وهذا لا ينافي فقط العدل و القسط في الاسلام ، ولا يناقض فقط قيمة الحرية في الاسلام بل ينافي قبل كل شيء عقيدة الاسلام التي تقصر التأليه و التقديس علي الله جل وعلا وحده ، بحيث لا يكون من حق أي فرد من البشر العلو فوق مستوي بقية البشر. وكل ذلك في التأكيد علي أن الشوري الاسلامية الحقة أو الديمقراطية المباشرة الكاملة جزء من عقيدة ( لا اله الا الله ) .ونعطي بعض التفاصيل.
فرعون وموسي
1 فالله جل وعلا وحده هو الذي لا يسأل عما يفعل ، وليس مسئولا أمام أحد من خلقه، وما عداه من مخلوقات هي تتعرض للمساءلة (لا يسْأَلُ عَمَّا يفْعَلُ وَهُمْ يسْأَلُونَ )(الأنبياء 23). وعليه فالحاكم الذي يستنكف ان يسائله شعبه يكون مدعيا للألوهية كافرا بعقيدة الاسلام حيث رفع نفسه الي مستوي الله تعالي الذي لا يسأل عما يفعل.
2 ثم إن خاتم النبيين محمدا عليه وعليهم السلام قد أمره الله تعالي بأن يشاور الناس ، انه نبي يأتيه الوحي الالهي ومع ذلك فالوحي الالهي نفسه يأمره بالشوري ، وعليه فان أي حاكم مسلم يستنكف من ممارسة الشوري انما يرفع نفسه فوق مستوي خاتم النبيين ،ويدعي الألوهية، وهو بذلك يخرج عن الاسلام ويكفر به.
3 القرآن الكريم ردد قصة فرعون موسي وجعله نموذجا لعقلية الحاكم المستبد الذي يصل به استبداده الي ادعاء الألوهية ويصل به فساده الي اهلاك نفسه ومملكته وجنده وقومه.وحين تتدبر القصص القرآني عن ذلك الفرعون تجد كل ملامح العقلية الاستبدادية وانعكاسها علي الملأ المحيط بالفرعون وترديدهم لما يحب أن يسمعه ، واكثر من ذلك تجد مستبدي عصرنا يرددون نفس التعبيرات ويعيشون نفس العقلية.
4 وكما أن العدل أو القسط هو سبب انزال الكتب السماوية وارسال الأنبياء والرسل عليهم جميعا السلام ( الحديد 25 ) فان الظالم هو خصم لدين الله تعالي وشرعه ، وعليه فالديمقراطية الاسلامية أو الشوري هي العدل السياسي في الاسلام بينما يكون الظلم هو أساس الاستبداد المناقض للاسلام حين ينفرد شخص واحد أو أسرة أو حزب او قبيلة باحتكار السلطة والثروة دون بقية الشعب. كل ذلك يؤكد ان الاستبداد قرين الكفر والظلم كما أن الديمقراطية الاسلامية لها جذور في عقيدة التوحيد الاسلامية.
الشوري كالصلاة إحدي فرائض الاسلام الشرعية
الشوري فريضة اسلامية غائبة ، أقامها المسلمون في عهد خاتم النبيين محمد عليه السلام ، ثم بدأ تجاهلها بعده بالتدريج ، الي إن تم نسيانها تماما وتحولت الي تعبير عن الاستبداد. ومن العجب ان الشوري الاسلامية كفريضة اسلامية جاء الأمر ب وايتاء الصدقة ، لتؤكد أن فرضية الشوري مثل الصلاة ، فكما لا يصح الاستنابة في الصلاة – اي لا يصح أن يصلي أحد عنك – فلا يصح أيضا أن ينوب عنك غيرك في حضور مجالس الشوري – وهي جمعية عمومية في كل قرية وحي تضم كل الناس وبالتالي فالشوري الاسلامية هي الديمقراطية المباشرة وليست الديمقراطية النيابية والتمثيل النيابي ، أي أن الشوري الاسلامية تتفوق علي أغلب الديمقراطيات الغربية النيابية . واذا كانت الصلاة فرضا عينيا علي كل مسلم في الصحة والمرض وفي الاقامة والسفر وحتي وقت الحرب فان فريضة الشوري كذلك يمارسها المسلم في جماعة المسلمين أو المواطنين ، كما يمارسها في بيته وعمله . من المهم هنا التأكيد علي أن مصطلح المسلم هو كل مواطن مسالم بغض النظر عن عقيدته وايمانه .
نزلت فريضة الشوري في مكة، وطبقها المسلمون فيها وقت أن كانوا أقلية مستضعفة ( الشوري – 38 -)، ثم بعدها في المدينة كانت تؤدي علانية كفريضة اسلامية في المسجد الذي يتحول الي مجلس عام أو جمعية عمومية تشمل كل افراد المسلمين رجالا ون إِنَّ الَّذِينَ يسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُو فَلْيحْذَرْ الَّذِينَ يخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (63 النور ) وتردد في أيات أخري بعض ما كان يحدث في مجالس الشوري. ( المجادلة 7 : 13).
الإسلام سلوكيا هو السلام
لا يمكن تطبيق الشوري الاسلامية بمعزل عن بقية القواعد الأساسية الأخري للدولة الاسلامية ، ومنها:
1 السلام: فالاسلام في معناه السلوكي هو السلام ، والمسلم سلوكيا هو من يسلم الناس من اعتدائه. وكل إنسان مسالم فهو مسلم بغض النظر عن عقيدته وايمانه. الاسلام في معناه الاعتقادي هو التسليم القلبي و الطاعة لله تعالي ، وهذا ما سيحكم عليه رب العزة يوم القيامة ، وليس لأي بشر أن يتقمص دور الله تعالي في هذه الناحية ، وإذا فعل فهو خارج عن الاسلام وعقيدته ومدع للألوهية. والشرك و الكفر في المعني الاعتقادي هو الاعتقاد في غير الله تعالي أو تأليه غير الله تعالي. وذلك اعتداء علي حق الله تعالي في أن يكون وحده المعبود الذي لا اله سواه. و الشرك و الكفر في معناه السلوكي هو الاعتداء علي المسالمين بالقتل و القهر. أو هو الارهاب بمصطلح عصرنا. وبذلك فإن لنا كبشر أن نحدد المشرك أو الكافر حسب سلوكه العدواني الارهابي ، دون تدخل في عقيدته حيث أن مرجع الحكم في العقائد لله جل وعلا يوم القيامة.
وفيما يخص موضوعنا عن الشوري فان كل المواطنين المسالمين الذين يعيشون في إطار الدولة الاسلامية هم مجتمع الشوري فيها بغض النظرعن عقائدهم وطوائفهم، يستوي إن كانوا سنة أو شيعة أو يهودا او نصاري أو ملحدين أو مؤمنين. لا شأن لأحد بعقائدهم واختيارهم العقيدي فهم مسئولون عنه امام الله تعالي يوم القيامة. إنما الشأن في سلوكهم السلمي في المجتمع ، فإذا ارتكبوا جرائم علي الأنفس و الممتلكات و حقوق الانسان عوقبوا بها ، وإذا كانوا ارهابيين يقتلون الآمنين المسالمين من الناس فهم خارجون عن الدولة و المجتمع ، وليسوا جزءا من نظام الشوري الاسلامية.
2 الحرية المطلقة للعقيدة والفكر والتعبير عنهما: وهنا تتحدد مهمة الدولة في توفير الأمن الداخلي لكل افراد المجتمع ، وتوفير الأمن الخارجي للوطن ،و إقامة القسط بين الناس و توفير الحرية المطلقة للأفراد والجماعات في العبادة والعقيدة والرأي والفكر. وهذا لا يعني الاعتداء علي الأشخاص وقذف المحصنات ، فلا بد من وضع حدود فاصلة بين هذا وذاك. وذلك مفهوم ومشروع. الهداية ليست مسئولية الدولة بل هي مسئولية فردية فمن اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها ، ولن تستطيع أن تهدي من أحببت ، ولكن الله تعالي هو الذي يهدي من يشاء أن يهتدي من البشر. وتلك علاقة بين الانسان وربه لا شأن للدولة الاسلامية بها.
3 العدل و القسط: المهمة الكبري للدولة الاسلامية هي إقامة القسط ، في التعامل بين الأفراد و فيما بين الجماعات ، وفي علاقتها بالدول الأخري في المجتمع الدولي. لا بد من توفير العدل الاقتصادي بكفالة حقوق الفقراء والمساكين و السائل والمحروم واليتيم وابن السبيل ، ولا بد من توفير العدل السياسي بان يكون كل المواطنين شركاء في الحكم السياسي ، أي يحكمون أنفسهم بانفسهم. الظلم في توزيع الثروة يؤدي الي الظلم في تقسيم السلطة وقيام حكم استبدادي. و حصر السلطة في فئة يجعل تلك الفئة متحكمة في الثروة. فالثروة و السلطة يبحث كل منهما عن الاخر. فلا بد من وجود عدل اجتماعي ليتأكد العدل السياسي أي الشوري الاسلامية.
وهكذا لا بد أن تتضافر كل القيم معا حتي يمكن إقامة الديمقراطية الاسلامية أو الشوري الاسلامية . لا يمكن إقامة الشوري الاسلامية بضياع العدل الاجتماعي وسوء توزيع الثروة،أو بمصادرة الحرية الفكرية والدينية ، أوبالتفرقة بين المواطنين علي اساس المعتقد والدين أو الجنس واللون و الذكورة والأنوثة.
الأمة مصدر السلطات في الشوري الاسلامية
1 في ديمقراطية الاسلام تجد الأمة هي مصدر السلطات وليس الحاكم . لقد جاء النبي محمد هاربا بحياته ودينه من اضطهاد قريش فأقام له مسلمو المدينة وغيرهم دولة ، هي أول وآخر دولة اسلامية حقيقية . قال له ربه تعالي يخاطبه وهو الحاكم لتلك من حوله ؟ سيفقد قوته، وسيفقد الحماية، وسيعاني الاضطهاد. اذن هو يستمد السلطة والقوة والنفوذ والدولة من اجتماعهم حوله ، أي أنهم مصدر السلطة له في الدولة التي أقاموها له ، أي أنه لا يستمد سلطته من الله تعالي وأنما يستمدها من الشعب ، ولأنها سلطة الشعب فلا بد أن يستميل اصحاب السلطة اليه- أي الشعب – كي لا ينفضوا عنه . فماذا يفعل ؟ تقول الآية تضع التشريع السياسي للنبي الحاكم وكل حاكم ديمقراطي ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) ( آل عمران 159 ) أي يعفو عنهم اذا أساءوا اليه ، ويستغفر لهم اذا أذنبوا في حقه، ويشاورهم في الأمر – كل أمر – لأنهم أصحاب الأمر. الأمر بالشوري جاء هنا يأمر النبي بأن يشاورهم جميعا في أي أمر مطروح بحثه – أي يشاوركل المواطنين رجالا ونساء ، أغنياء وفقراء دون تفرقة من أي نوع أو استثناء لأي نوع – وفق الديمقراطية المباشرة التي لا مجال فيها للتمثيل النيابي أو الديمقراطية غير المباشرة.
لاحظ هنا أن الحاكم المستبد الذي يسرق سلطة الشعب ويحتكرها لنفسه لا يحتاج الي أن يكون لينا هينا مع الناس بل يمارس ما بسمي بهيبة الدولة أو هيبة النظام التي تتجلي في تسلط ضابط البوليس مع أفراد الشعب لارهاب الناس وارعابهم وتخويفهم حتي يسكتوا عن حقوقهم المسلوبة . ولذلك يقترن الاستبداد بالتعذيب بدءا من فرعون موسي الي عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان مع بداية الخروج علي تعاليم الاسلام وديمقراطيته وشفافيته وعدله ، حيث بدأ التعذيب لارهاب المعارضة ، وتعرض للتعذيب بعض كبار الصحابة – بدرجات مختلفة – ومنهم عمار بن ياسر وابن مسعود وأبو ذر وأبوالدرداء. ثم أصبح التعذيب سنة متبعة ملازمة للظلم والفساد والاستبداد من العصر الأموي وحتي عصرنا السعيد . وعليه كان لزاما التعتيم علي فريضة الشوري الاسلامية ومصادرتها لصالح الاستبداد.
ليس في الدولة الاسلامية حاكم فرد لأن الشعب هو الحاكم
1 ان الخطاب التشريعي في القرآن الكريم جاء يخاطب عمو أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَي أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم يأتي مباشرة ل وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يكْسِبُونَ ) (التوبة95 ) .لم يأت التشريع القرآني للمسلمين يخاطب حاكما فردا علي الاطلاق وانما جاء يخاطب عموم المؤمنين بأوامر تشريعية عقيدية وأخلاقية وسياسية وحربية، علي اعتبار انهم يحكمون أنفسهم بأنفسهم.
وهذا الخطاب للمؤمنين في دولتهم الاسلامية الديمقراطية بتلك الأوامر يخالف رسالة النبي موسي عليه السلام التي كانت في البداية موجهة الي شخص واحد هو الفرعون الذي كان يمثل كل المصريين ويتحدث باسمهم ، لذا توجه موسي وهارون ليس للمصريين ولكن لفرعون فقط لأنه كان يملك مصر وما عليها ومن عليها ، وعلي نسقه سار الخلفاء غير الراشدين في العصور الوسطي ، وعلي سنتهم السيئة يسير الاخوان حاليا في دعوتهم الي الحاكمية التي تعني ان الخليفة يحكم باسم الله تعالي وأنه مصدر السلطة وليس مسئولا أمام الناس ، بل هو مسئول فقط أمام الله تعالي عن الرعية ، فهو الراعي والناس رعية له أو انعام يملكها ويستغلها في الانتاج ويقتل منها ما يشاء ويستبقي من يشاء ولا معقب لقوله ولا راد لارادته، أي انه التأليه للحاكم الناطق باسم الله والذي يحكم باسمه ، لذا كانت الشوري الاسلامية جزءا من عقيدة الاسلام التي تقصر الألوهية علي الله تعالي وحده دون شريك من ولي معبود أو حاكم متأله . ومن هنا أيضا توجه الخطاب القرآني لعموم المؤمنين ولم يتوجه لشخص حاكم اذ ليس في الدولةالاسلامية وديمقراطيتها المباشرة وجود لحاكم ، ولذلك مات خاتم النبيين عليه وعليهم السلام دون أن يعين بعده حاكما لأنه ببساطة لا وجود لحاكم في الدولة الاسلامية بالمعني المتعارف عليه في النظم الجمهورية أو الملكية.
2 جاءت مرة واحدة كلمة ( الحُكّام ) في معر كلمة ( حاكم ) في أي من تفصيلاته التشريعية. بل أن لفظ " يحكم " أو "حكم " جاءت بمعني التقاضي بين الناس في الدنيا ، وليس الحكم السياسي ، أي الحكم بين الناس وليس حكم الناس كقوله تعالي ( وَإِذَا حَكَمْتُم بَينَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)( النساء58 )هذا في التقاضي أو الحكم بين الناس في الدنيا. أما التقاضي بين الناس أو الحكم بين الناس في الآخرة فهو لله تعالي وحده يوم الحساب حين يحكم بين الناس في خلافاتهم العقيدية (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيبِ وَالشَّهَادَةِ أَنتَ تَحْكُمُ بَينَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يخْتَلِفُونَ )(الزمر 46}. باختصار ، فان افعل " حكم" لم يأت في القرآن الكريم متعديا أي بمعني الحكم السياسي أي " يحكم الناس أو يحكم الشعب "، ولكن جاء لازما يحتاج الي ظرف أو جار ومجروربمعني " يحكم بين الناس" ويكون هنا بمعني القضاء والتقاضي أي يقضي بين الناس، أو " يحكم ب " أي يحكم في القضاء بشرع الله تعالي أو شرع غيره . وفي هذا المجال جاء قوله تعالي ( وَمَن لَّمْ يحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )( الاستبداد المحلي العسكري والحزبي ، مع أن هذه الآيات الكريمة تحكم عليهم هم بالكفر والفسوق والظلم . انها تنطبق عليهم هم قبل غيرهم لأنهم الدعاة لتطبيق شريعة الفقه السني المناقضة لما أنزل الله تعالي في الأصول العقيدية و التشريعية . وهذا ما أثبتناه في أبحاث عديدة لنا تناولت التناقض بين الفقه السني والقرآن في المصطلحات والمقاصد التشريعية والقواعد التشريعية والأحكام والتفصيلات التشريعية. الأمثلة عديدة ، ليس فقط في تقديس النبي محمد والصحابة والأئمة والأولياء والقبور المقدسة والأسفار والكتب المقدسة وما وجدنا عليه آباءنا ، بل أيضا انكار فريضة الديمقراطية وفرض الحاكمية الاستبدادية وفي استحلال الدماء التي حرمها الله تعالي. في شريعتهم الشيطانية يوجبون قتل المخالف لهم في الرأي بتهمة الردة ، ويوجبون رجم الزاني وقتل تارك الصلاة وقتل المخالف للسلطان بل جعلوا من حق الخليفة قتل ثلث الرعية لاصلاح الثلثين.
أولو الأمر ..ليسوا الحكام بل الخبراء
أولو الأمر -بالمصطلح القرآني – هم أصحاب الشأن والاختصاص ، أي الخبراء في الأمر المطروح مناقشته حيث يتعذر علي جمهور المسلمين أن يتخصصوا في كل شيء ، لذا فان طاعتهم واجبة في حدود تخصصهم وفي اطار طاعة المولي جل وعلا والرسول اي القرآن أو الرسالة. وجاء مصطلح أولي الأمر بهذا المعني مرتين فقط في القرآن الكريم { النساء 59 ، 83 } جاء التراث العباسي ليجعل أولو الأمر هم الحكام ويجعل طاعتهم مطلقة حسب تأويلهم للقرآن وتحريفهم لمعناه.
خاتمة
جدير بالذكر ان تشريعات القرآن لا تزيد عن مائتي آية معظمها في حماية الأسرة والمرأة وحماية المجتمع ، وتترك مجالا واسعا للتشريع البشري الذي يغطي كل احتياجات المجتمع في اطار العرف أو المعروف أو ما يتعارف الناس عليه علي أساس انه القيم العليا والفضائل أو ( مباديء الشريعة الاسلامية ) بمفهومنا . وكل تشريع يقننه المجتمع في اطار هذه القيم العليا يكون تشريعا اسلاميا ، كما أن أي دولة تقيم حقوق الانسان ومعالم العدل وحرية الفكر والعقيدة تكون دولة اسلامية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.